الغارة على الصواريخ الايرانية، حسب مصادر أجنبية، في المخازن قرب دمشق قبل نحو اسبوع، تعرضت عندنا لانتقاد غير قليل. وكان الانطباع أن المنتقدين يفضلون ان تسقط الصواريخ على منازل مواطني اسرائيل من أن تتفجر في المخازن ولا تصل الى حزب الله. فماذا قال الانتقاد؟ قال اننا ندخل في طقس يشبه الاحباطات المركزة في غزة، وان هذا عمل عابث؛ وان الشعب السوري سيتحد حول الاسد ضد اسرائيل. وان الثوار سيأخذون مهلة؛ وانه يوجد خطر اشتعال اقليمي، وان اسرائيل، بشكل عام فقدت عنصر الردع كونه رغم أننا هاجمنا قافلة الصواريخ في كانون الثاني ـ لم يرتدع الايرانيون والسوريون وواصلوا ارسال الصواريخ الى سورية من أجل حزب الله. برأيي هذه انتقادات مغلوطة، تعكس مذهبا فكريا يهاجم كل خطوة عسكرية اسرائيلية ويفضل على نحو شبه دائم عدم ‘اغضاب’ العدو حتى عندما يكون الخطر واضحا، واذا كان ممكنا ـ حتى ارضاء العدو. في سياق الغارة، حسب مصادر أجنبية، بودي أن أشدد على مواضيع الردع والاستخبارات. فالردع لا يكتسب بخطوة واحدة بل بعدة خطوات، الى أن يحقق هدفه. وعندما يحقق هدفه فيرتدع العدو، لا يوجد اي ضمانة بانه على مدى الزمن، مع تغيير الزعماء والقادة، حين تتغير الظروف بل والمصالح ـ الردع سيتآكل. الردع الذي تحقق حيال حزب الله في حرب لبنان الثانية والذي يستمر منذ نحو سبع سنوات، هو نتاج واضح للضربات الجوية الاسرائيلية التي وجهت منذ اللحظة الاولى من الحرب. وكي يكون الردع مصداقا فانه يجب أن يبث للخصم، كل الوقت، ثلاثة امور: لدينا قوة قادرة على أن نوجه لك ضربات قاضية، نحن مصممون على استخدامها ولدينا استخبارات فائقة توجد داخل ‘غرفة نومك’. كل هذه العناصر الثلاثة وجدت تعبيرها في العملية الاخيرة، حسب مصادر اجنبية. الاستخبارات ليست كل شيء، ولكنها منطلق كل عملية. بدونها، تكون القيادة السياسية تتحسس طريقها كالاعمى. يخيل أن اليوم، في العقد الثاني من سنوات الالفين، في عصر جيل ‘Z’، فان للاستخبارات دورا أساسيا لم يكن لها من قبل. والمقصود ليس الاستخبارات التي تقدر الصورة الاستراتيجية (هذا ليس جانبها القوي، وليس لها احتكار عليه) بل الاستخبارات التي تؤدي الى عملية تخلق اوضاعا استراتيجية. هذا يحصل بسبب الخليط العمليات ـ التكنولوجي المثير بين الاستخبارات وبين القوة التنفيذية مع سلاح دقيق ونظرية قتالية مناسبة. إذ ما الذي كان، حسب مصادر أجنبية؟ قبل نحو اسبوعين، أطلقت ايران سرا قطارا جويا كبيرا الى سورية، مع كميات كبيرة من الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى. وحذرت اسرائيل مؤخرا سورية وايران من مغبة نقل السلاح المتطور من أربعة أنواع الى حزب الله، ولا سيما من خلال غارة كانون الثاني. ولم يستمعوا الى التحذيرات، ووضعوا الردع الاسرائيلي قيد الاختبار. ولعلهم تسلوا بالامل في الا تعرف اسرائيل عن ذلك أو أن تخشى من الغارة على منطقة مدينية. هم والسوريون فوجئوا تماما. العملية، حسب مصادر أجنبية، كانت مدروسة، تمت حسب استخبارات دقيقة جدا، في توقيت جيد جدا، دون أن تلحق خسائر مدنية، وفي ظل سلوك سياسي حكيم ـ لا يتباهى ولا يثرثر. وقد حظيت بشرعية دولية وبرضى من دول عربية. الايرانيون، السوريون وحزب الله يتباكون، يطلقون التهديدات والتبجحات. قد يردوا بارهاب ما في الخارج ولكنهم أساسا سيتعين عليهم أن يجلسوا وان يفكروا: هل يواصلون في المستقبل محاولة نقل السلاح المتطور الى حزب الله، ووضع الردع الاسرائيلي مرة اخرى قيد الاختبار؟ هذا سيكون بالنسبة لهم قرارا استراتيجيا من الدرجة الاولى. ما الذي سيقرره، وكيف سترد اسرائيل اذا ما اختاروا في نهاية المطاف اجتياز الخط الاحمر ومحاولة نقل السلاح المتطور الى لبنان مرة اخرى؟ الاجوبة توجد على ما يبدو في حضن المجهول وفي حضن حكومة اسرائيلية مصممة، ولكنها مفكرة وحذرة. وبالطبع ـ في الاستخبارات النوعية.