يخطو جيش الاحتلال الإسرائيلي خطوات كبيرة ومتسارعة في دمج الذكاء الاصطناعي عسكرياً واستخباراتياً وعملياتياً في نشاطاته، لاستغلال ما يقدمه من قدرات على أتمتة العمليات والمعدات، التي يمكن أن تحل مكان الجندي في الميدان، وتتلقى الخطر عنه، وكذلك بدلاً من المحلل العسكري في غرفة العمليات، من دون الشعور بالتعب أو نسيان بعض التفاصيل المهمة، وأيضاً لدعم ادعائه بأنه جهة رائدة في صناعة التقنيات العسكرية.
ووفقاً لتقرير نشرته رويترز في يونيو /حزيران الماضي، ينوي الجيش الإسرائيلي دمج الذكاء الاصطناعي في نصف تقنياته العسكرية على الأقل، بحلول عام 2028. وقد سلطت تقارير وتحقيقات عدة الضوء على كيفية استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب التطبيقات العسكرية. وأحد أبرز هذه التطبيقات نشر آلات روبوتية تقاد بخوارزميات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك المركبات المسلحة والدبابات.. وتتمتع هذه الآلات بالقدرة على تنفيذ العمليات عن بعد، ولعل أبرز مثال لهذه التكنولوجيا كان في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 عندما اغتال الموساد عالم الفيزياء النووية ورئيس البرنامج النووي الإيراني محسن فخري زاده، باستخدام «آلة قتل» يتم التحكم فيها عن بعد وتعمل بالذكاء الاصطناعي من أجل الدقة والكفاءة. وفي حينه أثارت هذه الحادثة سخط علماء الذكاء الاصطناعي، لأنها أكدت مخاوفهم من الاستغلال الشرير للذكاء الاصطناعي. وبفضل الذكاء الاصطناعي يمكن صنع وتشغيل روبوتات تعمل كمركبات مستقلة للدعم اللوجستي والاستطلاع، تكون قادرة على التنقل في التضاريس المعقدة وتنفيذ المهام الحرجة من دون تدخل بشري مباشر، ليس فقط على البر، ولكن في البحر أيضا. وقد طورت شركة «آي أيه آي» الإسرائيلية غواصة استخباراتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بهدف الاستطلاع وجمع المعلومات وتحديد الأهداف وحقول الألغام المائية.
يستعمل الجيش الإسرائيلي فلسطين كحقل تجارب لتقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية والاستخباراتية، مخترقا خصوصياتهم وأمنهم وغير آبه بحقوقهم
أنظمة المراقبة المتقدمة
كما وجدت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي طريقها إلى أنظمة المراقبة والتتبع التابعة للجيش الإسرائيلي. ومن الأمثلة المهمة على ذلك ما ذكرته منظمة العفو الدولية «أمنستي أنترناشونال» عن نظام «وولف باك» (قطيع الذئاب)، وهو نظام بيانات واسع جداً، يحتوي على معلومات عن الفلسطينيين وعائلاتهم وظروفهم المعيشية، وتشمل مجموعة البيانات هذه أيضا ملفاتهم الأمنية، مما يساهم في تشديد المراقبة في الأراضي المحتلة. هذا النظام مربوط مع أنظمة مثل «ريد وولف» (الذئب الأحمر) و «انيفيجن» التي تستخدم تقنية التعرف على الوجه لمراقبة الأفراد وتتبعهم، ويتمكن الجنود الإسرائيليون على الحواجز في الضفة الغربية من الدخول لهذه الأنظمة من خلال تطبيق «بلو وولف» (الذئب الأزرق) على الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية. وقد أثارت هذه الأنظمة مخاوف وانتقادات بشأن الخصوصية وانتهاكات حقوق الإنسان من منظمات مثل منظمة العفو الدولية. ومن ناحية إحصائية فإن فلسطين المحتلة تعتبر من أكثر المناطق في العالم كثافة، من حيث عدد الكاميرات بالكيلومتر المربع. ففي البلدة القديمة في القدس الشرقية ذات الأغلبية الفلسطينية توجد كاميرا أو اثنتان كل 5 أمتار على مساحة 10 كيلومترات مربعة، ما يصل مجموعه لحوالي 2000 كاميرا، حسب تقرير منظمة العفو الدولية. كما تخضع مدينة الخليل لهذا النهج المكثف للمراقبة، فمنطقة تل الرميدة وحدها تتم مراقبتها بـ24 كاميرا، وبالإضافة للمراقبة الأرضية، فإن الجيش الإسرائيلي يراقب غزة جوياً من خلال سرب من الطائرات من دون طيار المدعمة بالذكاء الاصطناعي الذي يتيح ملاحة ومراقبة دقيقتين. هذا العدد الكبير من كاميرات المراقبة الأرضية والجوية، يقوم بتسجيل كمية هائلة جدا من البيانات التي تحتاج لمعالجات حوسبية ذات قدرات هائلة، من أجل تطبيق خوارزميات الذكاء الاصطناعي عليها مثل التعرف على الوجوه، لذلك ولتسهيل عملية حفظ هذه البيانات الهائلة ومعالجتها سريعا، قام الجيش الإسرائيلي باقتراح مشروع «نيمبوس» (وتعني سحابا باللغة اللاتينية)، الذي يجمع خدمات التخزين والحوسبة والتعلم الآلي السحابية لعملاقي الخدمات السحابية «غوغل» و»أمازون».
وفقاً لمجلة «فوربس» الأمريكية فإن ميزانية المشروع بلغت 1.2 مليار دولار وتهدف إلى تسخير قوة عمالقة التكنولوجيا لمراقبة الفلسطينيين وتتعبهم وتسجيل مسار تنقلاتهم وتحليل منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تحليل مشاعرهم وتوقع تصرفاتهم. وبسبب الانتهاك الصارخ لخصوصية الفلسطينيين باستعمال خدمات شركاتهم، قام الآلاف من موظفي شركتي «غوغل» و»أمازون» بالتظاهر في 4 مدن أمريكية لإلغاء المشروع، لما فيه من استغلال سيئ وشرير لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتعميق نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي آلياً والاستخدام المتحيز للتكنولوجيا.
الذكاء الاصطناعي للعمليات الهجومية
بالإضافة إلى المراقبة، يستخدم الجيش الاسرائيلي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الهجومية.. مثلاً، يتيح نظام «نولدج وِلّ» (بئر المعرفة) للجيش الإسرائيلي مراقبة مواقع إطلاق صواريخ غزة في الوقت الفعلي وتطبيق التعلم الآلي من أجل التنبؤ بمواقع الإطلاق المستقبلية ومهاجمتها استباقياً. ويشارك نظام آخر، أكثر إثارة للجدل يُعرف باسم «فاير فاكتوري» (مصنع النار) في عملية صنع القرار لتحديد ما إذا كان الهدف المُستَطلَع مدنياً أم عسكرياً، وهل تجب مهاجمته أم لا، بالإضافة لتنظيم الخدمات اللوجستية والموارد الخاصة بالضربات الجوية، كما يشير تقرير لوكالة «بلومبرغ». وهكذا وبعد 75 سنة من الاضطهاد ومواصلة احتلال فلسطين، يستعمل الجيش الإسرائيلي فلسطين كحقل تجارب لتقنيات الذكاء الاصطناعي العسكرية والاستخباراتية، متمعنًا في خرق خصوصياتهم وأمنهم وغير آبه بحقوقهم.
كاتب متخصص في الذكاء الاصطناعي