طوباس ـ «القدس العربي»: ترعى 15 بقرة تابعة لمستوطنين إسرائيليين في أراضي المزارعين الفلسطينيين في منطقة الأغوار الشمالية وتحديدا في منطقة خلة مكحول. البقرات التي تبدو منهمكة بحياد في التهام مزروعات الفلسطينيين من القمح والشعير قام مستوطن إسرائيلي بتركها سائبة في المنطقة وهو ما يكلف الفلسطينيين الذين زرعوا عشرات الدونمات بمجموعة من المحاصيل البعلية التي تعتمد على مياه الأمطار.
وحسب الناشط الحقوقي عارف دراغمة فإن أكثر من 15 رأس بقر تعود لأحد المستوطنين، رعت منذ ساعات الصباح، في المحاصيل البعلية التي زرعها المواطنون في المنطقة.
ويضيف دراغمة، الذي وثق بهاتفه المحمول عملية الرعي، إن هذا النوع من الممارسات يعتبر سياسة خطيرة اتبعها الاحتلال في منطقة الأغوار تحديدا للتأسيس لمستوطنات جديدة هبر بناء بؤر استيطانية صغيرة ومن ثم يقومون بإحضار الأغنام والأبقار وكل أنواع المواشي إلى المنطقة. ويعرف الناشط هذا السلوك إنه «استيطان رعوي يقوم على السيطرة على مساحات شاسعة من المناطق الرعوية عبر إفلات الأبقار والمواشي في أراضي الفلسطينيين».
ووصف المشهد الذي يبدو على السطح كأنه فعل عادي يحدث في مناطق الرعي التقليدية بأنه «سياسة خطيرة إنه استيطان رعوي قوي ويقوم على التمدد والسيطرة، ويقضي على آمال الفلسطينيين في زارعة أي شبر مما تبقى من أراضيهم».
وأضاف: «ماذا يعني أن يزرع الفلسطيني عشرات الدونمات بالقمح ومن ثم تقوم أبقار المستوطنين بالتهام المزروعات، إنه تقصير أمد تواجد الفلسطيني في المنطقة في ظل أن 80٪ من مناطق الأغوار الفلسطينية أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية.
وحسب منظمة بتسيلم فإن منطقة الأغوار وشماليّ البحر الميت تمتد على مساحة 1.6 مليون دونم، وتشكّل ما يقارب 30٪ من مساحة الضفة الغربية، حيث يسكن المنطقة نحو 65.000 فلسطيني ونحو 11.000 مستوطن، وما يقارب 90٪ منها مصنّفة ضمن مناطق C التي بقيت تحت السيطرة التامة في يد إسرائيل.
الأبقار التي ترعى بهدوء وتدمر موسم المزارعين الفلسطينيين توفر فرصة لصاحبها المستوطن الذي ترك المكان الذي يشكّل نحو 40٪ من إجمالي أراضي الضفة فيما المزارعون الفلسطينيون يتقلبون قهرا من دون أن يمتلكوا فرصة رد الظلم الذي يتعرضون له.
ويناشد دراغمة المؤسسات الحقوقية الدولية ضرورة العمل على حماية أملاك المزارعين الفلسطينيين في الأغوار، معتبرا أن الاستيطان هناك بمثابة «غول ناعم» فيما عربدة المستوطنين على السكان تأخذ أشكالا كثيرة من ضمنها «ترك أبقار مزارع المستوطنين كبيرة العدد تأكل من مزروعات الفلسطينيين.
ويذكر مثالا أن مستوطنا أقام قبل أعوام بؤرة استيطانية في منطقة السويدة القريبة من خلة مكحول لوحدة، حيث أجبر المواطنين على ترك المراعي القريبة، كما أطلق أبقاره بشكل دوري في الأراضي التي يفلحها المواطنون في المنطقة.
ويعتمد المواطنون في تلك المناطق الغورية (نسبة لغور الأردن) بعد حصاد محاصيلهم على البذور والقش في توفير طعام لمواشيهم التي يتهددها الاحتلال بالمصادرة أيضا. ولا تتوقف الاعتداءات على منطقة خربة مكحول بل تمتد أيضا إلى منطقة مراح الفرس جنوب المالح أيضا.
تهجير السكان بشكل قسري
ويرى نشطاء حقوقيون أن سعي الاحتلال من خلال استهدافه المتكرر لمنطقة الأغوار هو تهجير السكان بشكل قسري وهذا يصب في صالح بناء المستوطنات والمعسكرات الخاصة بالجيش، إلى جانب التدريبات العسكرية فيها.
يوظف الثروة الحيوانية في السعي لإثبات ملكية المستوطنين للأرض
وخلال السنوات الماضية تمكن الاحتلال من تحويل ما يزيد عن 400 ألف دونم في الأغوار إلى مناطق عسكرية مغلقة يحظر على الفلسطينيين ممارسة أي نشاط زراعي أو عمراني أو غير ذلك، وأنشأت 97 موقعاً عسكرياً هناك، إضافة إلى زرع مئات الدونمات بالألغام الأرضية، حتى باتت تلك المناطق محاذية لبعض التجمعات السكنية البدوية، مثل خربة يرزا ومنطقة واد المالح.
وتحت عنوان «الاستيطان الرعوي شكل جديد من أشكال الاستيطان الاستعماري في منطقة الأغوار» ألقت هدى خالد مباركة في ورقة بحثية الضوء على ظاهرة «الاستيطان الرعوي» باعتبارها كأداة جديدة من شأنها أن تساهم في توسيع فهم التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، خاصة في منطقة الأغوار.
واعتبرت الورقة التي نشرت في مجلة «قضايا إسرائيلية»(عدد 83) الصادرة عن مركز «مدار» أن هذا النموذج هو أحد السبل المتطورة في تسخير تنظيم «شبيبة التلال» نفسه لما يتلاءم مع البيئة الجغرافية المتاحة واتباعه كنمط حياة، من أجل التوسع الاستيطاني النابع من الأيديولوجيا والممارسة الصهيونية وبالعودة إلى التاريخ القديم والبعد الديني.
وفي رأي الباحثة فإن هذا النموذج يختلف عن النماذج الاستيطانية الأخرى بأنه يوظف الثروة الحيوانية في التوسع على الأرض والسعي لإثبات ملكية المستوطنين عليها، بواسطة ثلاث طرق رئيسية هي القانونية عبر سن القوانن وتشريعها، والتاريخية من خلال العودة إلى الماضي، والثقافية عبر محاكاة الفلسطيني الأصلاني.
وتؤكد في تصريحات صحافية أن المستوطنين يفرضون سيطرتهم على مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين المحيطة بتجمعاتهم السكانية، وفيها يقومون برعي قطعان ماشيتهم منذ عشرات السنين، حيث يفرض المستوطنون طوقا حول التجمعات السكانية الفلسطينية عبر إنشاء كتل متراصة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية ذات الطابع الرعوي، وذلك لقطع أواصر الوحدة الفلسطينية المادية على الحيز المكاني ومنع التواصل الفلسطيني ولبعثرة التجمعات الفلسطينية.
ويعمد المستوطنون إلى القيام برعي قطعانهم في جميع المناطق المحيطة ببؤرهم الجديدة، ويفرضون هيمنتهم بوسائل عدة وبحماية قوات الاحتلال لهم وصولا إلى مشاركتهم في الاعتداءات.
وفي المقابل تؤكد الدراسة إلى المعاناة المقابلة التي يعيشها رعاة الأغنام الأصليون في منطقة الأغوار الفلسطينية من جراء تصاعد وتيرة اعتداءات المستوطنين عليهم وحدتها، والتي تتخذ أشكالا عديدة بدءا بالتهديد والملاحقة والاعتداء الجسدي أو الاحتجاز والاعتقال بذرائع مختلفة.
وتؤكد مباركة أنه في عام 2021 تم استحداث بؤرتين جديدتين ومنذ عام 2016 جرى استحداث 10 بؤر استيطانية تمت شرعنة 6 منها.
وترى الباحثة أن المستوطن في هذا الشكل الاستيطاني هو رأس حربة ويقوم بالدور الذي لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية القيام به بشكل مباشر، فهو استيطان يبدأ من القاع إلى رأس الهرم وليس العكس، فيما تتكامل الأدوار في الأطباق على الأرض الفلسطينية.
وتضيف: يتم تنفيذ هذا النوع من الاستيطان من قبل مجموعات ما يسمى «شبيبة التلال» والملفت أن تجد مستوطنا لا يتجاوز الـ20 عاما معه قطيع أغنام أو أبقار يزيد عن 200 رأس، قادر على فرض سيطرته على المكان لأنه يتمتع برعاية وحماية دوريات الجيش الإسرائيلي.
مضاعفة أعداد المستوطنين
وكانت مصادر إسرائيلية قد أعلنت قبل أشهر أن حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» تسعى إلى مضاعفة عدد المستوطنين في منطقة الأغوار خلال السنوات الأربع المقبلة.
وأفاد تقرير لقناة «كان» العبرية أن وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين، يدفع باتجاه تمرير مخطط لمضاعفة عدد المستوطنين في غور الأردن في غضون أربع سنوات.
ووفقا لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية فإن عدد المستوطنين في الأغوار يقدر بنحو 6 آلاف مستوطن، فيما تشير المصادر الفلسطينية إلى أن عدد المستوطنين في الأغوار ارتفع خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى 13 ألف مستوطن، يتوزعون على 38 مستوطنة.