‘خرج الثعبان من الكيس آخر الامر. فقد كانت توجد على مر السنين علامات شهدت بأن بنيامين نتنياهو لا ينوي اخلاء المستوطنين عن يهودا والسامرة. وقال رئيس الوزراء نفسه في 2011 في مجلس النواب الامريكي إنه ستبقى مستوطنات اسرائيلية وقت السلام وراء حدود اسرائيل. وفي 2013 قال امين سر الحكومة السابق تسفي هاوزر في مقابلة صحفية مع صحيفة هآرتس إن فكرة اخلاء مستوطنين هي فكرة أكل عليها الدهر وشرب. وأشار مستشارون ومساعدون على اختلافهم الى أنه يُحتاج الى افكار خلاقة في شأن الاستيطان. لكن في هذا الاسبوع فقط بعد نهاية السنة الخامسة لولاية نتنياهو الثانية لرئاسة الوزراء تجرأ على أن يقول كلاما صريحا. فهو لن يهدم مستوطنات ولن يخلي مستوطنين يهودا. فالسلام كما يرى نتنياهو هو سلام بلا اقتلاع وبلا مقتلعين وبلا جرافات. وهو سلام يبقي في داخل فلسطين مئات آلاف الاسرائيليين. ‘ يستطيع ناس غوش ايمونيم أن يكونوا فخورين بأنفسهم لأنه لا حد لانتصارهم التدريجي. إن نتنياهو في أساسه ليس مناصرا كبيرا لسكان يتسهار وايتمار. ولم يتأثروا قط في البيت الحجري المقدسي الذي ترعرع فيه بمسيحانية المستوطنين وصبيانيتهم السياسية. ولا يُجل أبناء عائلة نتنياهو الحقائق على الارض ولا يسجدون للتراب. ومع ذلك كله أفضى الحجم العظيم لمشروع الاستيطان الى أن يستسلم له تلميذ جابوتنسكي. فقد خلص بنيامين بن تسيون الى استنتاج أنه لا سبيل لمواجهة طلاب الحاخام تسفي يهودا هكوهين كوك، ولا سبيل لازالة البنية الاستيطانية المدمرة التي بنوها. كانوا يطمحون الى بني كتسوبر ويهودا عصيون، وكانوا يطمحون الى حنان بورات. وكانوا يطمحون الى زئيف حفير وبنحاس فالرشتاين ودانييلا فايس. إن ذوي القبعات المنسوجة المؤمنين تغلبوا ايضا على حركة العمل وعلى الحركة الجابوتنسكية وعلى دولة اسرائيل ايضا. فاذا لم يحدث تغيير في آخر لحظة فان مستوطناتهم ستنتصر على صهيونية هرتسل وتفضي بنا جميعا الى شفا الهاوية. ‘ إن طلب نتنياهو الجديد ابقاء كل المستوطنين في بيوتهم سيفضي الى أمر من اثنين: إما أن تنهار محادثات السلام وتلقى التبعة على اسرائيل، وإما أن تكون اسرائيل مرغمة على قبول فكرة يوسي بيلين الخلاقة في شأن اللاجئين مقابل المستوطنين. ومهما يكن الامر فستكون النتيجة ضدا للصهيونية. فستكون من جهة عزلة سياسية خطيرة لاسرائيل ومن جهة اخرى اضعافها الشديد باغراقها بمئات آلاف الفلسطينيين. واذا كانت الحقائق التي أقرها المستوطنون على الارض لا رجعة عنها حقا فقد تجعل الصهيونية مرجوعا عنها. واذا كان مشروع الاستيطان مشروعا قويا لا رجعة عنه فان السيادة الاسرائيلية سيادة واهنة زمانها محدود. ‘ ليست القومية العربية هي التي تهدد اليوم الصهيونية ولا النضال الفلسطيني بل النتائج الكارثية للمسيحانية اليهودية. إن بذور الشغب التي زرعت في يهودا والسامرة أصبحت عاصفة تعرض الحلم الصهيوني للخطر أكثر من كل العواصف العربية. وإن خطر العزلة السياسية معروف ويتجاهله اليمين بعناد مستمر لكن الخطر الكامن في اقتراح بيلين اللامع الصعب هو خطر جديد يفترض أن يفتح العيون آخر الامر في اليمين الحكيم. ‘ إن معنى ذلك بسيط وهو أن الاستيطان سيضطر اسرائيل الى قبول حق العودة. وسنضطر للابقاء على ايتمار ويتسهار الى قبول لاجئين فلسطينيين في حيفا ويافا واللد. ‘ فهل كان هذا هو الحلم الصهيوني لغوش ايمونيم؟ لا. لكن سيكون هذا هو الثمن الذي سندفعه جميعا عن خطئها التاريخي لأنك اذا قبضت على كثير فكأنما لم تقبض على شيء، وقد حاولت أن ترث الارض كلها فخسرتها كلها. حينما يجري نفتالي بينيت الآن شجار شارع مع رئيس الوزراء المنتخب يجب عليه أن يتذكر أن ما لم تنجح م.ت.ف في احداثه لدولة اسرائيل يوشك أن يحدثه لها الصهاينة المخلصون المتطرفون الذين يمثلهم. وإن الذي صعد على الجبل هو الذي يضعضع اليوم أسس البيت اليهودي. ‘ هآرتس30/1/2014