موضوع هذا المقال هو سورية. ليس مثل القول ‘لا يشهد الخباز على عجينك’، بودي أن أبدأ باقتباسين لامور كتبتها في هذه الصفحات. في 3 نيسان/ابريل 2011 كتبت أقول: ‘مصير كل الطائفة العلوية موضوع على كفة الميزان، لمواصلة السيطرة ربما مع اصلاحات عديمة المعنى أو الى وادي القتل والذبح، توقعوا قمعا وحشيا وعالما صاخبا’. في 1 تموز/يوليو 2012 كتبت هكذا: ‘ينبغي للمرء أن يكون سخيفا متجذرا كي يتوقع ان يسقط الاسد قريبا او بعد سنة او بعد عدة سنوات’. أعترف بالحقيقة، أردت بكل القوة أن يسقط نظام الاسد ويختفي، ولكن التفكير البارد والحذر، الذي يستند ضمن امور اخرى، الى التجربة والتعلم سنين عدة عن المجتمع والنظام في سورية الدولة وفي سورية في العهد العثماني، هو الذي يملي تقديري. رأيي الثابت هو أن الاسد فقد منذ زمن بعيد شرعيته، والدولة الوطنية السورية تتفكك ولكن بين هذا وبين سقوط نظام الاسد المسافة واسعة. بتقديري، عائلة الاسد والحكم الذي اقامته في سورية منذ السبعينيات شكل ويشكل، الى جانب ايران العدو الاكثر خطرا، الاكثر دهاء والاكثر وحشية بالنسبة لنا، اكثر من ‘الف’ عصابة للقاعدة وأمثالها. كل يوم يواصل فيه البقاء في الحكم سيئ وخطير لدولة اسرائيل. ومقابل هذا التقدير تعرض حجتان مركزيتان، الاولى هي أنه في زمن حكم عائلة الاسد كانت لنا حدود هادئة منذ اتفاق فصل القوات في 1974، بمعنى أن هذا هو نظام يريد الهدوء، وانه سيكون لنا خير في الحدود مقابله. في هضبة الجولان كان هناك هدوء حقا، ولكن نظام عائلة الاسد جعل لنا الموت عبر الحدود اللبنانية، وسفك من هناك دمنا من خلال مبعوثيه وعلى رأسهم منظمة حزب الله، التي طورها وسلحها لهذا الغرض؛ هو الذي استضاف في دمشق كل قيادات منظمات الارهاب المختلفة وعلى رأسها حماس وحرص على تسليحها وتدريبها. المهم أن يسفكوا دما يهوديا، وتقوم اياد سورية نقية. والمثيرون للشفقة في اسرائيل يتباهون بالحدود السورية الهادئة. وبالمناسبة، في الستينيات ايضا، قبل صعود الاسد، عرفت الانظمة في دمشق (باستثناء فترة واحدة قصيرة الايام) كيف تستخدم ضدنا الارهاب عبر الاردن وعبر لبنان وفقط ليس من داخل الحدود السورية. وكان شعارهم دوما: ‘مهمة الاشرار ينفذها آخرون’. الحجة الثانية حظيت بصدى واسع في شكل القول، بانه خير لنا الشيطان المعروف المتمثل بالاسد على الشياطين غير المعروفة التي ستأتي في أعقابه. واعتقد أن هذه حجة مغلوطة من اساسها، لماذا؟ لان الاسد الحقيقي لم يكن حقا معروفا في الماضي لمؤسستنا الامنية؛ هذه المؤسسة واخرى كثيرة اعتقدت بان هذا شاب طيب مع تعليم غربي يرغب في السلام وكلمته هي كلمة في الصخر. وفقط اذا ما اعطي كل هضبة الجولان فانه سيقطع كل علاقاته مع ايران وحزب الله. لقد آمنت مؤسستنا الامنية بذلك حتى عندما تبين أن هذا الشاب اللطيف يطور قدرات نووية. ثانيا، العلاقة الشجاعة والوثيقة التي كانت له في الماضي مع حزب الله وايران اصبحت الان حلفا دمويا. وعلاقته مع روسيا توثقت الان هي ايضا. كل الجلبة والتوتر والمخاطر حول مسألة صواريخ اس 300 ما كانت لتولد لو كان نظام الاسد سقط. وبالمقابل، لا يهم من يستولي على السلطة بعد سقوط الاسد ونظامه، فكائنا من يكون لن تكون في ايديه كل عناصر القوة السياسية والعسكرية لنظام الاسد. عندها ستكون عصابات اسلامية متطرفة في هضبة الجولان، والفوضى ستسود في سورية. وبالفعل من ناحية اسرائيل سيكون دوما التعامل مع ثعالب صغيرة تعض افضل مما مع أسد جريح وغاضب مسنود بملك الاسود الاقليمي الايراني.