الاسلاميون الجهاديون يسيطرون على المشهد في سورية.. ودراسات امريكية لا ترى هناك قوى علمانية على الارض

حجم الخط
0

لندن ـ ‘القدس العربي’ يبدو المشهد في سورية مثيرا لقلق الولايات المتحدة التي حذرت النظام في دمشق من استخدام السلاح الكيماوي وان ثبت ذلك سيكون بشار الاسد قد اجتاز الخط الاحمر، ولم تحدد الادارة الامريكية طبيعة التحركات او شكل اللعبة التي ستلعبها مع نظام الاسد. لكن السلاح الكيماوي شيء وخطر الاسلاميين شيء آخر، ففي مدينة حلب يسيطر الناشطون التابعون لجبهة النصرة على مولدات الكهرباء والمخابز فيما يصدر رؤساء المحاكم الشرعية احكامهم على قضايا حسب الشريعة الاسلامية.
وفي مناطق اخرى من سورية سيطر الاسلاميون على آبار النفط واعادوا العاملين فيها وطلبوا منهم تشغيلها وهاهم اليوم يستفيدون من النفط الخام الذي يبيعونه.
وفي انحاء سورية تنتشر المحاكم الشرعية التي يعمل فيها الشيوخ والمحامون، وهناك الفصائل العسكرية التابعة للاسلاميين، بل والمجلس العسكري الاعلى الثوري السوري، الذي يعول عليه الغرب في السيطرة على الميدان وتحييد الاسلاميين، وفي سلمه قيادات تؤمن بضرورة ادخال الشريعة الاسلامية في الحكومة السورية في مرحلة ما بعد الاسد.
ويرى تقرير لصحيفة ‘نيويورك تايمز’ انه لا يوجد في سورية اليوم قوة علمانية تقاتل. وهذا هو المشهد الذي يواجه باراك اوباما وهو يفكر بالطريقة التي سيرد بها على النظام السوري الذي اجتاز الخط الاحمر.
واشار التقرير الى جبهة النصرة التي تعتبرها الولايات المتحدة جماعة ارهابية، حيث اعلنت الجماعة موالاتها لتنظيم القاعدة.
ونقلت الصحيفة عن آري رانتر من معهد ترومان للامن القومي والمستشار السابق في وزارة الخارجية قوله: ‘بعض هذه الجماعات المتطرفة مخيفة من وجهة النظر الامريكية، وهذا يضعنا امام مشكلة’، واضاف ‘ليس لدينا اية اوهام حول التعامل مع الاسد الذي يجب ان يذهب، ولكننا متحفظون جدا حول دعم المقاتلين المتشددين’.

البديل عن النظام هم المتطرفون

واشارت الصحيفة ان النظام السوري واع لمعضلة امريكا، التي ليس لديها اصدقاء كثر في داخل الجماعات المقاتلة، وحاول القيام بحملة لاقناع الولايات المتحدة او تخويفها لابعادها عن الساحة السورية. وأكد المسؤولون السوريون في كل مرة ان البديل عن الاسد هم المتطرفون.
ويقول التقرير ان الطابع الاسلامي للمعارضة يعكس الدائرة الواسعة للثورة والتي تمثل الغالبية السنية، والذين يمثلون مناطق محافظة ومهمشة، مشيرا الى ان انزلاق سورية للحرب الاهلية ادى الى تعزيز الخلافات الطائفية. كما ان فشل الجماعات المعارضة الرئيسية للحصول على دعم عسكري بشكل منتظم ادى الى فتح المجال امام الجماعات الاسلامية لملأ الفراغ، حيث جعلهم مختلفين عن بقية الجماعات والناشطين المدنيين والعاملين في مجال الاغاثة الذين تطلعوا لاقامة حكومة مدنية وديمقراطية في سورية. ومع ان المقاومة المسلحة بدأت بمنشقين عن جيش علماني العقيدة الا ان المقاومة المسلحة تطورات لتضم مقاتلين من جماعات اسلامية متشددة مثل القاعدة او معتدلة مثل الاخوان المسلمين وكل يحاول تطبيق اجندته.
ومن هنا تقول اليزابيث اوباغي من معهد دراسات الحرب والتي قامت برحلة لسورية وقابلت المقاتلين ‘ شعوري لا يوجد علمانيون هناك’. وبالاضافة لجبهة النصرة التي تثير قلق الامريكيين فهناك فصيل احرار الشام الذي يحمل اجندة سلفية وان اشتركت مع النصرة الا ان مقاتليها في غالبيتهم من سورية.
وتسيطر الجماعتان محافظة الرقة والتي تعتبر المحافظة الوحيدة التي تقع بالكامل في ايدي المقاتلين. واشار التقرير الى ان يد النصرة واضحة حيث اقامت محاكم ولجان شريعة في مستشفى العيون، ويتبع اللجان محاكم وقوة شرطة تقوم بتطبيق الاحكام، وتقوم الجبهة بالاشراف على توزيع الطاقة الكهربائية والطحين والخبز.
وادى سيطرة الجبهة على مناطق ومنشآت حيوية الى خلافات ومواجهات بالسلاح مع الجماعات الاخرى. وفي دير الزور مثلا قامت بالسيطرة على آبار النفط حيث وضعت البعض تحت سلطة ميليشيات تابعة للقبائل واحتفظت بالسيطرة على البعض الاخر.
ونقلت عن قيادي في جماعة مقاتلة اخرى اعترافه من ان النصرة هي الاقوى في المنطقة. واضاف ان الكثيرين انضموا اليها من اجل السلاح وتركوها بعدما علموا عن علاقتها بالقاعدة.
المجلس العسكري الاعلى

ومع صعود الاسلاميين في ساحات القتال، حاولت الولايات المتحدة والدول الصديقة للمعارضة تحديد دورها، اولا عبر تصنيف النصرة كمنظمة ارهابية، وثانيا بانشاء المجلس العسكري الاعلى الثوري السوري، بقيادة سليم ادريس.
ومع ذلك فقد انضمت للمجلس جماعات ذات اجندة اسلامية من مثل جبهة تحرير سورية التي كان ينسق افرادها بشكل قريب مع الجبهة الاسلامية لسورية، وهي جماعة تضم جماعة احرار الشام السلفية، حسب دراسة اوباغي.
ودافع متحدث باسم المجلس العسكري قائلا: ان المجلس يعكس في تركيبته المجتمع السوري المتدين بطبعه. وقال ان من الغباء التفكير ان سورية ستصبح افغانستان، وان من يفكر بهذه الطريقة لا يريد مساعدة سورية.
وفي ظل المشهد الحالي يبدو من الصعب السيطرة على العامل الجهادي في سورية، فادارة اوباما تعاملت مع اقبال الشباب على الجماعات هذه باعتباره محاولة للاستفادة من مصادرها المالية والعسكرية، وذلك بحسب ستيف هايدمان، الباحث في معهد دراسات السلام الذي يتعاون مع وزارة الخارجية الامريكية. وقال ان التحدي الاكبر هو انهاء النزاع قبل ان تضيع فرصة انشاء نظام حكم لا يقوم على قانون التطرف الاسلامي.

حزب الله يثير

وفي مجال اخر، باتت مشاركة حزب الله في الحرب السورية الى جانب النظام مصدر قلق اخر، ولكن ليس لامريكا بل للحكومة اللبنانية التي اكدت على موقف حيادي مما يجري في سورية. ويهدد الحزب الذي زاد من نشاطاته العسكرية في الاسابيع الاخيرة وقدم معدات وقوات كبيرة لمساعدة الجيش السوري على السيطرة على قرى حدودية بزيادة التوتر الطائفي في لبنان.
وفي الوقت الذي تجنب الحزب فيه الحديث عن دوره في الحرب الا ان محللين مقربين منه اكدوا على زيادة جهوده الحربية الى جانب النظام.
وقد زادت هذه النشاطات من التوتر الطائفي في داخل لبنان حيث دعا قادة اسلاميون من السنة الشباب الى السفر والقتال الى جانب السنة في سورية. وقال الشيخ احمد الاسير ان دعوته ادت الى حشد مئات الشباب.
ويقول محللون نقلت عنهم ‘واشنطن بوست’ ان المشاعر الطائفية بين السنة والشيعة بدأت تعبر عن نفسها بسبب الحرب في سورية.
وقال محمد عبيد وهو محلل قريب من حزب الله ان حديث الحكومة اللبنانية عن الحيادية لم يعد احد يتعامل معه بجدية حيث قال ان ‘كل طرف قام بانتهاكه، وليس حزب الله فقط’، واضاف ان كل طرف ‘يتعامل بناء على خطوط طائفية مع ما يجري في سورية’.
واكد عبيد الذي يتصل مع الحزب ويسافر الى دمشق للقاء المسؤولين هناك ان الجيش السوري بات يستفيد من خبرات حزب الله في حرب الشوارع.
وتقول الصحيفة ان حالة الاستقطاب في لبنان بسبب الحرب السورية والدور المتزايد لحزب الله فيها قد يعرض لبنان الى اثارها في حالة قرر المقاتلون السوريون وداعموهم من دول الخليج استهداف الحزب في اراضيه.
ويقول بول سالم من وقفية كارنيجي في بيروت ان تحركات حزب الله في القصير قرب المنطقة الحدودية السورية- اللبنانية تقدم اشارة عن نوه جديد من التورط او المشاركة، كما ان الرد من المقاتلين يعتبر خطوة اخرى على مسار سيئ وتقول الصحيفة ان تورط حزب الله الذي بدأ قبل عام او اكثر زادت وتيرته في الفترة الماضية وذلك حسب سكان قرب القصير وناشطون سوريون.
واظهرت اشرطة فيديو بثتها المعارضة السورية نشاطات لحزب الله، حيث عثر على هويات لمقاتلي الحزب، كما ان الحزب نظم اكثر من جنازة لافراد قتلوا في داخل سورية. ونقلت عن الشيخ الاسير، اتهامه للحكومة اللبنانية، ووزارة الخارجية والجيش بالعمل لصالح الحكومة السورية.
وقال ان ‘سياسة الحياد التي تدعيها الحكومة اللبنانية ليست حيادا، ولكن غض الطرف عن تورط حزب الله’ في سورية.

ادلة عن مشاركته

ونقلت عن هادي عبدالله احد الناشطين الذي ظهر في شريط فيديو يوم الاربعاء وبيده ادلة عن وجود حزب الله في سورية، قال: ان التنصت على اتصالات حزب الله اظهر ان الحزب لم يعد يقدم الدعم فقط بل يقود العمليات، حيث قال ‘انهم يعطون الاوامر لضباط وجنود النظام متى يطلقون او لا يطلقون النار’.
واكد عبيد هذه المعلومات حيث يقول: ان النظام السوري يعتمد الان كثيرا على خبرات حزب الله في الحروب غير التقليدية. وقال: عبيد ‘ حزب الله يساعد في وضع الخطط’ مضيفا ان ‘ الجيش السوري كبير وقوي وبقيادة جيدة، ولكن حزب الله لديه الخبرة في حروب الشوارع’. ويعتبر المحور الحدودي قرب القصير مهما وشريان الحياة الذي يربط دمشق والمدن الرئيسية مثل حمص بلبنان. وقال عبيد: ان الخطة الرئيسية هي فتح الطريق الذي كان يسيطر عليه ‘الاصوليون’ والان ‘فحزب الله وقوات النظام يحررون القرى والمدن’.
وقال عبيد انه ‘لو استطاع الاصوليون الاطاحة بالنظام السوري ـ ولا اعتقد انهم قادرون- فان هذا سيحول سورية الى عدو جديد لحزب الله’، و’بدون الاسد فحزب الله سيكون محاصرا في هذه المنطقة باعداء سياسيين’ حسبما يقول عبيد. وتنقل الصحيفة عن لبنانيين قولهم ان ما يقوم به حزب الله يخلق الكراهية ويؤثر على علاقات السنة والشيعة في داخل البلاد.

الاسلحة الكيماوية

في سياق اخر، ظهرت ادلة جديدة تلقي بظلال من الشك على الاتهامات للنظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي ضد المعارضة، واشارت صحيفة ‘اوبزيرفر’ البريطانية الى ان الشكوك تنبع من التناقض في شهادات الشهود على الهجوم وبين الاعراض الحقيقية التي تصيب ضحايا الهجمات هذه.
وقالت الصحيفة انه في الوقت الذي تزداد فيه التساؤلات حول ادلة استخدام نظام الاسد الاسلحة الكيماوية في نطاق محدود فان حادثا يتعرض لاسئلة وتدقيق. ففي الوقت الذي تجنب فيه الفرنسيون والبريطانيون الحديث عن مصدر العينات التي اظهرت اثار غاز السارين فان تصريحات المسؤولين حددت المكانين في حمص وحلب.
وفي رسالتها للامم المتحدة قالت بريطانيا انها شاهدت ادلة ‘محدودة ولكنها مقنعة عن استخدام السلاح الكيماوي’ واشارت الى حادثين في 19 و23 اذار (مارس) في كل من حلب ودمشق.
ونقلت صحيفة ‘لوس انجليس تايمز’ عن مسؤول دفاعي امريكي ان العينة التي تمت دراستها في امريكا جاءت من حمص.
وحسب المركز الامريكي لمنع ومكافحة الامراض فان السارين غاز اعصاب سام ويعتبر من اخطر العوامل الكيماوية في الحروب، وهو في العادة سائل صاف بدون لون او رائحة او طعم.
ولكن الشهود الذين نقلت شهادتهم وكالة انباء اسوشيتدبرس وصفوا ما حدث بمشاهدتهم لدخان ابيض يخرج من قذيفة ورائحة تشبه رائحة حامض الهيدروكلوريك. فالحديث عن غاز السارين واستخدامه في حمص اضاف الى حالة التشوش حول المزاعم التي وردت بمستويات مختلفة من بريطانيا واسرائيل وفرنسا، فبحسب المصادر البريطانية فقد قامت المعارضة باخذ عينات ضئيلة وقدمتها الى وكالات استخباراتية غربية واظهر الفحص احتوائها على اثار السارين، ولم يذكر استخدام اي عامل كيماوي اخر غير هذا.
وفي الوقت الذي تقول فيه الصحيفة ان التناقض بين الشهادات واثار السارين في العينات يمكن ان تنسب الى حالة الفوضى في ارض المعركة الا انه تطرح اسئلة حول حقيقة المزاعم التي تضم اسئلة حول الصور التي اشارت الى مصابين وطبيعة الاعراض الحقيقية.

علينا توخي الحذر

ويبدو ان هذا كان وراء الحذر الذي شاب تصريحات اوباما وكذا رسالة مكتبه للكونغرس، وهو ما دعا ‘اوبزيرفر’ في افتتاحيتها للتحذير من الاندفاع بالاتهامات وتوخي الحذر. وقالت انه في الوقت الذي لا يجادل فيه احد ان استخدام الاسلحة الكيماوية بشكل واسع من قبل الحكومة او المعارضة لن يؤدي الى تغيير المواقف تجاه التدخل العسكري. ولكن السؤال كيف نصل الى تلك النقطة؟ وفي قراءتها للوضع تقول ان التأكد من الاستخدام يجب ان يقوم على ادلة حقيقية، وما نملكه الان هو عينات صغيرة فيها اثار للسارين قدمت لثلاث وكالات استخباراتية لديها وجود على الارض، ولكن الفرنسيين قالوا انه لا يوجد لديهم عملاء على الارض اما الامريكيون فاعترف مسؤولون ان المعارضة هي من زودتهم بها اما البريطانيين فالكعادة يتكتمون.
وتقول الصحيفة ان المتحدث باسم منظمة مكافحة استخدام السلاح الكيماوي في هيج تحدث عن الوضع الاشكالي في المسألة، وكذا البيت الابيض في رسالته، مما يعني انها ليست دليلا كافيا.
وتشير الصحيفة الى ان الادلة على تعرض اشخاص للغاز والتثبت فيما ان كانت قوات النظام من وراء اطلاقه مسألة تحتاج الى اثبات كيف ومن اطلق واعطى الاوامر ومتى وما اذا كان الامر مصادفة ام قرارا.
وحتى لو ثبت ان وحدة في الجيش السوري قامت باطلاق الذخيرة الكيماوية في يوم ما فهذا لا يعني بالضرورة سياسة من النظام مقصودة، كما ان الحالات المماثلة في البلقان وغيرها اظهرت ان اثبات وجود تسلسل قيادي لاعطاء الاوامر امر صعب. وعلى خلاف صدام مع الاكراد فلا يوجد شكل واحد من التصرفات يؤكد على انه سياسة متبناه من النظام لاستخدام السلاح الكيماوي. وترى الصحيفة ان ما تحدث عنه البعض مثل جون لي اندرسون في ‘نيويوركر’ عن المدخل التدريجي للاسد، اي ان الاسد استخدم السارين بكميات قليلة لفحص ردة فعل المجتمع الدولي قد يفسر منطق من يحاولون البحث عن اسباب.
وفي كل النقاش حول الهجمات لم يجب على سؤال ما هو الرد، مشيرة الى ان التدخل في العراق وافغانستان وليبيا والفشل فيها وراء التردد في اتخاذ الفعل على الاقل من جانب واشنطن. وفي الوقت الحالي المطلوب هو تقييم صريح وصادق للمزاعم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية