القاهرة ‘القدس العربي’ بلا منازع يمثل وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي للصحف رجل الساعة والمخلص، فقد مضت الصحف تهطل على الرجل الثناء وتمنحه صفاتا شبه اسطورية وفتح المزاد بين الكتاب كل منهم يسعى لأن يثبت الولاء لوزير الدفاع ويقدم له قرابين الطاعة، وبعضهم وصفه بالمنقذ، وآخر بالمخلص، وثالث بحفيد عبد الناصر، ورابع بعاشق مصر وترابها، فيما نال الرجل المجهول الاقامة والذي كان حتى ثلاثة اسابيع مضت رئيساً للبلاد المزيد من الهجوم، وانتقى كتاب ما شاءوا من القواميس عن اوصاف الانتقاد والتخلف وعدم الوطنية والانتهازية ليلصقوها بالرجل. وفي صحف الامس تواصلت الهجمة الشرسة ضد كل ماهو اسلامي، حيث بات انصار الرئيس ورموز التيارات الاسلامية هدفاً مشروعاً لغالبية الصحف للحد الذي جعل بعض الكتاب المنتمين للتيار الاسلامي او المتعاطفين مع الرئيس مصدراً للهجوم المباشر من قبل خصومهم لحد تخوينهم ورميهم بالجنون والتخلف.
من جانبها وكأنها قابضة على الجمر سعت صحف الاسلاميين لبث التفاؤل في صفوف انصار الاخوان، لكن تلك المحاولات واجهت حرباً ضروساً امام الصحف المستقلة التي باتت تمثل مع الفضائيات رأس الحربة في الهجوم الذي يشن ضد الظهير الاسلامي. ومن اللافت ان صحفاً قومية كانت قد داهنت الرئيس المعزول خلال فترة ولايته القصيرة غيرت جلدها بسرعة البرق، وراحت تمجد وتطبل لكل من يرتدي اللون الكاكي والبيادة التي شاع عنها مصطلح جديد اطلقه احد الساخرين بمناسبة الثناء المفرط والذي ينطلق من كل حدب وصوب على وزير الدفاع هذا المصطلح هو ‘نكاح البيادة’، وفيما تنبأت بعض الصحف بقرب فض اعتصامات الاسلاميين في ميادين رابعة العدوية والنهضة وبعض المدن الاخرى بالقوة راح الاسلاميون يتحدثون عن فرج وشيك مصدره قادم من السماء:
‘المصري اليوم’: استجيبوا
للبطل قبل فوات الاوان!
شهدت صحف الجمعة حالة من الحشد الجماهيري تلبية لنداء وزير الدفاع للجماهير بأن تنزل للشوارع لتمنح الجيش تفويضاً في إدارة شؤون البلاد وعلى رأس الداعين محمد سلماوي في ‘المصري اليوم’ قائلا: ‘نادينا عليه يوم 30 يونيو أن أنقذ البلاد من خطر الظلم والاستبداد، فلبى النداء، واليوم قد نادى هو علينا أن فوضوني ضد خطر العنف والإرهاب، وسنلبي النداء ستنزل الملايين من المصريين مرة أخرى إلى جميع الشوارع والميادين، لتؤكد تقديرها لمن لبى نداءها، ومن حقق لها إرادتها بعزل الرئيس ونظامه الفاشل المستبد، ولمن فتح بذلك الطريق أمام المستقبل المشرق الذي تتطلع إليه الجماهير، عبر توافق دستوري وانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة ترسي دعائم الدولة الحديثة التي تليق بمكانة مصر التي جرى إهدارها، وبتاريخها وحضارتها العريقة التي علمت العالم التقدم والارتقاء. إن ما طالبت به جماهير 30 يونيو لم يكتمل بعد، فقد أزيح حكم الإخوان الفاشل المستبد، لكن قادتهم ما زالوا يعانون من حالة إنكار مرضية تدفعهم إلى ارتكاب الحماقات التي يهدد تصاعدها الأمن القومي للبلاد، وإن وقف هذا الخطر ومحاصرته هو الكفيل بتحقيق مطالب عشرات الملايين الذين خرجوا يوم 30 يونيو، بل أقول إنه دون التصدي للعنف والإرهاب الذي يطل الآن برأسه من بؤرة رابعة العدوية يذهب يوم 30 يونيو هباء، وينتكس كما انتكس 25 يناير بانقضاض الإخوان على السلطة إذن فالتفويض المطلوب، وإن جاء كمطلب من الفريق عبدالفتاح السيسي فإنه في الحقيقة لا يخصه شخصياً ولا يخص القوات المسلحة، وإنما هو مطلب جماهيري لا تكتمل ملحمة 30 يونيو المجيدة بدونه، فالعنف والإرهاب كفيل بإفساد الفرح الذي حققته الجماهير في ذلك اليوم، واقتلاعه هو الطريق لاكتمال ذلك الفرح’.
اغنية للسيسي بعنوان فوضناك
على وزن اخترناك لمبارك
عثرت دعوة السيسي للجماهير بالنزول للميادين على ظهير غنائي إذ قام مطرب شاب بتقديم اغنيه للرجل وقام بنشرها كما تشير عدة صحف على موقع يوتيوب، مساء الأربعاء، تُطالب الفريق أول عبد الفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، بـ’القضاء على الإرهاب’، وذلك بعدما دعا ‘السيسي’ الشعب للنزول في الميادين لمنح الجيش والشرطة تفويضًا بمواجهة العنف والإرهاب تقول كلمات الأغنية: ‘فوضناك فوضناك.. قتلوا في شعبي وشرطة وجيشي.. من المنصورة لحد عريشي.. واللي يعيشوا عليه حاجة واحدة تجارة بدين الله.. وعشان كده بقى فوضناك.. فوضناك فوضناك.. تقضي يا سيسي على الإرهاب.. فوضناك فوضناك.. والجمعة الجاية وراك.. فوضناك فوضناك’.
وتضيف الكلمات: ‘دمروا سينا وقولوا علينا.. انقلاب عسكري بادينا.. إحنا الشعب المصري.. فوضناك فوضناك’.
‘الإخوان’: تصريحات السيسي
‘دعوة لحرب أهلية’
ومن جانبها وصفت جماعة الإخوان المسلمين خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي، في احتفال تخريج دفعة من الكليات العسكرية، بأنه ‘خطير’، معتبرة أن دعوته لتظاهر المصريين الجمعة المقبل لـ’تفويض الجيش ضد العنف والإرهاب المحتمل’ هي ‘دعوة لحرب أهلية’، مشددة على أن ‘السيسي’ خان وخادع الرئيس المعزول محمد مرسي وقالت ‘الإخوان’، في بيان لها إن الخطاب يؤكد أن ‘السيسي’ هو الحاكم الفعلي للبلاد، لأنه ‘هو الذي يطلب النزول إلى الشارع، وهو عمل سياسي، ويطلب تفويضا له وللشرطة، وبأي صفة يتحكم في الشرطة إلا إذا كان الحاكم الفعلي للدولة، وهذا ما يؤكد أن ما فعلوه إنما هو انقلاب عسكري كامل’. وأكدت ‘الإخوان’ في بيانها أن ‘السيسي’ مُصرّ على ما سمته بـ’خيانة القسم والانقلاب على الشرعية وإهدار الدستور واحتقار الديمقراطية’.
‘المصري اليوم’: دعوة السيسي
اشد جرما من هدم الكعبة
الكلام لمرشد الاخوان محمد بديع في ‘المصري اليوم’ والذي اعتبر أن دعوة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، الشعب المصرى للخروج اليوم، لإعطاء الجيش والشرطة التفويض الشعبي لمواجهة الإرهاب جريمة، وقال: ‘أقسم بالله غير حانث أن ما فعله (السيسي) في مصر يفوق جرمًا ما لو كان قد حمل معولا وهدم به الكعبة المشرفة حجرا حجرا’ وتساءل ‘بديع’، في رسالته الأسبوعية تحت عنوان ‘رسالة إلى الشعب المصري الحر’: ‘هل لو فعل السيسي هذا يا حماة الحرمين الشريفين هل كنتم ستؤيدونه فيما فعل؟! أعدوا جوابًا على هذا السؤال عندما تعرضون على من لا تخفى عليه منكم خافية؟’ وتابع مرشد الإخوان هجومه على السيسي، الذي وصفه بـ’قائد الانقلاب’، قائلا: ‘لقد جعل الصورة أمامه وخلفه تكذيبا بالفوتوشوب، فقد رسم صورة حقيقية له أنه الحاكم الفعلي للبلاد، وأن الجميع حوله كومبارس، لذا يتحمل هو الوزر ولا يعفيهم هذا من نصيبهم أبدا’.
وأضاف ‘بديع’ أن ‘الفريق أول السيسي لا يعرف الشعب المصري ولم يفهمه، فهو لا تخيفه تهديدات السيسي، كما حدث من قبل، والشعب المصري سوف يرد على الفريق السيسي كما رد على من ظلموه من قبل، فهل سمعت يا سيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي، هذه الآية الكريمة (وإن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم)، ووعيتها، هل تعرف معناها فأمكن منهم؟’ وقال: ‘أذكرك يا سيادة الفريق أول السيسي، بمن جلسوا قبلك وسكنوا نفس المساكن وتبوأوا نفس المناصب وفعلوا نفس الجرائم وماذا كانت نهايتهم؟ وكيف كان أخذ الله لهم أخذ عزيز مقتدر، والواقع ينتظره السيسي ونحن معه من المنتظرين، إلا أن يتوب ويرجع’.
لماذا انفرد بدعوة الشعب واقصى الرئيس؟!
السؤال وجيه للغاية اذ انه من المفترض ان يقوم رئيس الجمهورية او رئيس الحكومة بتلك الدعوة للجماهير، فلماذا انفرد بالقرار وزير الدفاع، هذا ما يطرحه حسن نافعه في ‘المصري اليوم’: يمكن القول إن دعوة الشعب للخروج إلى الشوارع والميادين تستهدف تحقيق أمرين، أحدهما سياسي: بالتأكيد على أن خارطة الطريق الجديدة تحظى بدعم الأغلبية، وأن المعارضين لها ليسوا في الواقع سوى أقلية، والآخر أمني: بردع أي محاولة للتحريض على استخدام العنف، من خلال تفويض شعبي يتيح للسلطات القائمة القدرة على مقاومته والتصدي له بكل الوسائل المتاحة.
لكن لماذا كان توجيه الدعوة من السيسي وليس من رئيس الدولة أمراً ضرورياً؟ لعدة أسباب، أهمها: أن الرئيس الحالي للدولة رئيس مؤقت وليس منتخباً، وبالتالي فإن وضعه الفعلي لا يسمح له بالتصرف باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، حتى ولو كان وضعه القانوني يتيح له ذلك كما تسعى الجماعة جاهدة إلى ترسيخ فكرة أن الشعب يواجه جيشاً قام بانقلاب عسكري، وبالتالي فإن توجيه الدعوة إلى الشعب مباشرة من القائد العام للجيش، المتهم شخصياً بتدبير هذا الانقلاب، يحمل معنى مهماً جداً، وهو أن الجيش في حالة تلاحم تام مع الشعب، في هذه اللحظة تحديداً، وأن الثقة كاملة بينهما، فالدعوة الموجهة للشعب بالخروج إلى الشوارع تنطوي، في الوقت نفسه، على مخاطرة كبرى في حال عدم التجاوب معها، خصوصاً حين تكون موجهة من شخص متهم بتدبير انقلاب عسكري. ولو لم يكن الفريق السيسي على ثقة تامة بأنه يعبر، في هذه اللحظة، عن إرادة الشعب لما أقدم على توجيه هذه الدعوة أثق أن الشعب المصري يدرك مغزى دعوة الفريق السيسي للخروج إلى الميادين، ولذلك سيتجاوب معها بحماس منقطع النظير، كما أثق في الوقت نفسه أن هذا الشعب العظيم لن يقبل عن الديمقراطية الكاملة بديلاً، وسيقاوم أي محاولة للعودة بمصر إلى عصور الاستبداد، أياً كانت العباءة التي سيتدثر بها هذا الاستبداد’.
‘الشروق’: هل هي دعوة للانتحار الجماعي؟
وإلى جريدة ‘الشروق’، التي يسبح خلالها كاتبان هما فهمي هويدي ووائل قنديل ضد التيار ويتعرض الكاتبان لهجوم واسع بسبب معارضتهما لكثير من مواقف الجيش، وقد وصل الامر لحد امر النائب العسكري بقرار لحجب مقالة وائل قنديل قبل الاخيرة عن النشر، لكن الكاتب لم يعبأ للقرار وواصل تغريده خارج السرب فكتب في ‘الشروق’: ‘إنها أول دعوة رسمية للانتحار الجماعي والقفز في أتون حريق قومي شامل، أن يدعو قائد الجيش الشعب للخروج الكبير لتفويضه بمواجهة ما يسميه ‘العنف والإرهاب’ ويلفت النظر هنا استخدام وصف ‘الشرفاء الأمناء’ لمن سوف يلبون دعوة الفريق للانتحار، ما يعني أنه يعلن رسميا تقسيم المواطنين إلى نوعين، الأول شريف وأمين ومعيار الشرف والأمانة هنا يتحدد حسب المسافة من القائد العسكري، فمن يمنحه التفويض لمواجهة المعارضين له هو الشريف الأمين، ومن لا يفعل فهو من النوع الثاني، غير الشريف وغير الأمين، عدو الوطن، المنبوذ لقد أعادت دعوة الفريق إلى الأذهان ذكريات مؤلمة شهدتها مصر خلال عام 2011، حين لجأ المجلس العسكري الحاكم لأول مرة لاستخدام مصطلح ‘المواطنون الشرفاء’ والذي جرى إشهاره في وجه القوى الثورية في مناسبات عديدة سالت فيها دماء وفقئت عيون وتعمقت جراح، بدءا من موقعة العباسية الأولى، مرورا بماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء واستاد بورسعيد ولعلك تذكر دعوة التلفزيون الرسمي المتعسكر في أحداث ماسبيرو، المصريين الشرفاء للنزول لحماية جيشهم من المتظاهرين الأقباط الأوغاد، بالطريقة ذاتها التي حرض بها المشير طنطاوى الشعب على الشعب في مجزرة بورسعيد، ‘حين قال هو الشعب ساكت عليهم ليه’ لتكتشف أن أحدث دعوة ليست غريبة عن سياق عام يقوم على اختطاف قطاعات من الشعب بعبارات تدغدغ غرائز الخوف والجوع ثم اطلاقها على بقية الشعب، وصناعة حالة من العداء بينهما غير أن المفارقة المدهشة هنا أن من كانوا ضحايا لهجمات ‘المواطنين الشرفاء’ مدعوون الآن لكي يلعبوا دور الشرفاء في مواجهة من كانوا يحمون الميدان معهم في منعطفات ثورية خطيرة، أهمها على الإطلاق موقعة الجمل، بل أن منهم من يتقمص شخصية ‘الشبيح الليبرالي’ ويهتف ‘فوضناك’ بالطريقة ذاتها التي قالوا بها للمخلوع ‘اخترناك’ إن مصر كلها تواجه اليوم أعنف اختبار للأخلاق والإنسانية والقيم الثورية التي تجلت في يناير 2011 وما تلاه’.
‘اليوم السابع’: مصر
على الطريق السوري بعد قليل!
انقسام المصريين إلى فصيلين واحد مع الجيش وآخر مع الرئيس المعزول وتزايد دعاوى التخوين التي توجه لرموز القوات المسلحة كلها امور تدفع بتحول مصر نحو محاكاة المشهد السوري وهو ما يشير اليه عضو البرلمان المنحل مصطفى النجار في ‘اليوم السابع’: ‘قميص الشرعية المرفوع في وجوهنا لا معنى له، سقطت هذه الشرعية منذ نقض العهد بين الحاكم والمحكوم، سقطت هذه الشرعية تحت أقدام ملايين المصريين الذين نزلوا يطلبون التغيير، أما الحديث عن انقلاب عسكري فهو مغالطة مكشوفة، هل كان المطلوب من الجيش ترك البلاد تدخل في حرب أهلية حتى لا يسمى انقلابا؟ هل كان مطلوبا من الجيش أن يفقد السيطرة على فرض الأمن وتتحول مصر إلى صومال أو عراق جديدة؟
ن أخطر ما يحدث الآن هو تجاوز مراحل الماضي وما حدث فيه والبدء من مشاهد إراقة الدماء والبناء عليها مع إغفال كل ما مضى مما سيقودنا إلى المشهد السوري بعد قليل إن شحن الشباب ضد جيش بلدهم أمر شديد الخطورة، إن تخوين قيادات الجيش المستمر ليلا ونهارا على منصة رابعة جريمة في حق الوطن لا يعرف هؤلاء العابثون مدى خطورتها وكارثيتها إلى شباب الإخوان وأفراد الجماعة، عودوا إلى رحاب الوطن فهو أوسع من ضيق الجماعة وأسوارها التي عزلتكم عن أبناء وطنكم، لا تبادروا بالهجوم والتخوين فكاتب هذه الكلمات يشفق عليكم ويعرف إلى أين ستمضي بكم هذه القيادات ومصر تحتاج إلى جهد كل مخلص تعلموا فضيلة الشك وتخيلوا للحظة واحدة أنكم على خطأ وتصوروا ما هي التداعيات التي ستمضون إليها ويمضي إليها الوطن إذا كنتم على خطأ لن نسمح بإراقة دمائكم ولا دم أي مصري ولن نرضى بعودة عصور الظلام والقمع وانتهاك الكرامة الإنسانية’.
شكراً ياعم ‘غوجل’ لأنك
صنعت خبراء في الثورات
وإلى شيء من التفاؤل إذ يرى أكرم القصاص أن سيناريو الحرب الاهلية الذي يتخوف منه زميله في نفس الصحيفة مصطفى النجار مستبعد لأن الشعب يندد به ويرفضه، يقول القصاص في ‘اليوم السابع’: ‘مظاهرات 30 يونيو غيرت نظريات الحشد والميادين، أسقطت أسطورة أن الإخوان والإسلاميين هم من يملأون الميادين، كما أسقطت أسطورة الثوريين المحترفين من نشطاء وخبراء ووكلاء، هم من يدفعون الناس للنزول أو التراجع. تراجعت صورة المحترفين، ليظهر المواطن العادي واحدا من ملايين تخرج وتتساند على بعضها، بعد أن اكتشفت بسرعة زيف النخبة السياسية التقليدية، بل زيف الثوريين من محترفي الكلام المجعلص والنظريات المستوردة. والحقيقة أننا لدينا عدد من المنظرين، كل ما قدموه منذ 25 يناير وما بعدها هو الحيرة، حيروا الشعب وقسموه، لثوار وكنبة ومصطبة، ولم يشيروا على الشعب ‘توههوه وفشحطوه’، بعضهم حصل على مهنة الوكيل الحصرى للثورة، لمجرد أن موبايلاتهم مفتوحة، وحصلوا على أولوية الصحيان بدري، والبقاء لأطول فترة في الفضائيات، ولم يكن لأي منهم أي خبرة بثورات سمعوا عنها أو قرأوا عنها، ولكن عندما يتكلم الواحد منهم يقول ‘الثورات ليست كذلك’، طيب إزاي ياعم الثوري؟ ‘ينجضع ويتفشحط’ وتنتابه حالة من الانهماك الخبراتي الحازمي، ويحكي ويلف ويدور عن رومانيا وبلغاريا. يردد ما قرأه أو سمعه أو التقطه من ‘فيس بوك’ أو ‘تويتر’. وطبعا سوف يقرأ مصفقوه ويصفقون عن إمكاناته وخبراته وتوقعاته، فيزداد ‘افشنحاطاً وازبهلالاً’ بقدراته الثورية، ونشكر غوغل الذي صنع خبراء ثورات أكثر من الثورات، لم يقدم أيهم نصيحة عن الثورة كيف تبني أو تناور، والنتيجة أنهم لبسوا الناس في الحيط. أما مناسبة اصطحاب هؤلاء المنظرين من خبراء الثورات، فهو ما يجري اليوم في مصر حيث الشعب العادي يخرج للمظاهرات، ويعلن عن رأيه ضد العنف والحرب الأهلية، ليسوا ضد التظاهر السلمي، لكنهم ضد قطع الطرقات والمزايدة بالصلوات.. المصري يعرف أن ما يجري في رابعة والنهضة يتجاوز التظاهر والاعتصام إلى السلاح والتعذيب والتخطيط، وهو ليس بعيداً عن هجمات سيناء، وتفجيرات المنصورة، وقناصة المنيل والجيزة’.
‘المصريون’: شيطنة السيسي
ومن المدهش ان نرى صحفاً باطقة بلسان الاسلاميين تنهش بقوة هذه الايام في جسد الاخوان وللمفارقه فانها تدافع عمن ازاح الرجل من منصبه اذ يدافع ايهاب العزازي في جريدة ‘المصريون’ عن وزير الدفاع ويتهم الاخوان بالوقوف وراء حملة تشويهه: ‘ماذا فعل السيسي غير تنفيذ بعض مواد دستورهم المعيب الذي سلق في لجنة توهمت أنها قادرة على صناعة دستور خاص بها؟! فإحدى مواد الدستور تدور حول تدخل الجيش لحماية البلاد في حالات الفوضى وهو ما حدث عندما تزايدت دعوات الغضب ضد الإخوان ونزل ملايين المصريين ضدهم وتعالت الأصوات تنادي بتغيير الرئيس والدخول في استفتاء عليه، وما فعلته القوات المسلحة هو واجبها الدستوري والأخلاقي في حماية الدولة المصرية من الفوضى والانهيار، وطلب وزير الدفاع من الرئيس والمعارضة الحوار ولكنهم عاندوا واستكبروا، وطالبوا الرئيس بعمل استفتاء شعبي عليه ورفض وعاند، وطالبوه بتغييرات إصلاحية سياسية مثل تغيير الحكومة وتعديل الدستور وتغيير النائب العام ولكنه رفض والجيش استمر في مفاوضات فاشلة مع الرئاسة وفي نفس الوقت تزايد الغضب الشعبي ونزل ملايين المصريين ضد الرئيس تنادي بعزله، وخوفًا من الفوضى انحاز الجيش للشعب الذي خرج كالأمواج الهادرة في كل ربوع مصر وأبهرت الجميع بسلميتها وانتصرت الإرادة الشعبية وتغير الرئيس وسلم الجيش السلطة لرئيس المحكمة الدستورية وعاد الجيش لقواعده سالمًا فهو فقط تجاوب مع المطالب الشعبية الرافضة للحكم الإخواني تطبيقًا لمفهوم العسكرية المصرية والحفاظ على الأمن القومي والدولة المصرية’.
لو بقي مرسي في الحكم
او عاد اليه كانت الحياة ستتوقف
وإلى شهادة احد الاسلاميين وهو جمال سلطان رئيس تحرير صحيفة ‘المصريون’ عن شكل الحياة لو بقي مرسي او عاد إلى منصبه: ‘كانت الحياة ستشل في مصر أمام الرئيس مرسي ويستحيل أن يتحرك خطوة واحدة لإنقاذ البلد أو قيادته إلا إذا لجأ إلى إجراءات قمعية ودموية وعنيفة ضد خصومه، وكان أنصاره يحرضونه دائما: اضرب بيد من حديد يا مرسي، وهي نفس العبارة التي يرددها أنصار السيسي الآن مع الأسف، وإذا صحت هذه الرؤية، وهي صحيحة قطعًا، فإن الأولى أن نبحث جميعًا عن مخرج آخر بعيدًا عن افتراض عودة الدكتور مرسي، لأن عودته في النهاية لن تحل شيئًا ولن تنقذ وطنًا، وربما تعقد الأمور أكثر وتجعل الصراع السياسي أكثر فوضوية ودموية وعنفًا في الشوارع والمؤسسات، ومن ثم، فأنا أثمن تحرك بعض عقلاء الأمة ، مثل مجلس شورى العلماء ودعوته إلى البحث عن مخرج عاقل وحكيم وسريع من هذه الأزمة، وكذلك فعل الرمز الإسلامي الكبير الشيخ عبود الزمر في دعوته أمس، والتي اتسمت بالعقلانية والهدوء النادر في مثل هذه العواصف، وبدون أدنى شك، فإن الحل سيكون في ضمانات خارطة المستقبل وموقع الإخوان وحلفائهم فيها وليس في محاولة إعادة أوضاع سابقة، ولو كانت إعادة الأوضاع السابقة حلًا وإنقاذًا لبصم عليها الجميع، ولكنها كانت جزءًا من الأزمة بل جوهرها ومفجرها، فلا يعقل أن يكون شرط الحوار أو الاتفاق الجديد هو عودتها، لا المصلحة الوطنية المجردة تفرض ذلك، ولا المنطق السياسي نفسه يبرر ذلك، اللهم إلا العناد’.
‘الأهرام’: الدم الحرام
وراء انتفاضة الجيش
ونمضي مع قراءة قرار وزير الدفاع الذي دعى الناس للنزول وهو ما يعتبره عبد الناصر سلامة رئيس تحرير صحيفة ‘الاهرام’ دليلا على مخاوف تعتري القيادة العامة للجيش بمخططات تسعى للنيل من استقرار البلاد: ‘الدعوة التي أطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع لنزول المواطنين إلى الشارع اليوم لا تعني أبدا المواجهة وحمل السلاح ضد أي فصيل في المجتمع مهما تكن الأسباب، وإنما هي مجرد نزول لتسجيل موقف واضح، وهو أن الشعب مع الجيش، أو أن الشعب يؤيد الجيش، فيما يتخذه من إجراءات من شأنها حماية المجتمع واستقراره ولأن جماعة الإخوان هي الأخرى قد دعت أنصارها للاحتشاد في اليوم نفسه، فقد وجب التنبيه إلي حرمة الدم المصري، بمعني أننا أمام حالة تعبير عن الرأي يراقبها العالم بشغف واضح، ويترقبها الداخل بقلق كبير، وهو الأمر الذي يضع الشعب ــ كل الشعب- أمام مسؤولية عظيمة من المهم أن يسجل خلالها أنه على مستوى هذه المسؤولية فالدم المصري حرام، وما أصبح شائعا الآن من قتل هنا وشروع في قتل هناك، كان يقتضي، بكل تأكيد، إجراءات استثنائية لمواجهته، وما تواتر عن مخططات للفوضى كان يجب الكشف عنها، وما يثار من تكهنات الآن بشأن مواجهات شعبية هو في حقيقة الأمر عدم فهم للشخصية المصرية، التي تسعى في نهاية الأمر إلى صناعة مستقبل أفضل وليس العكس، ومزيد من الاستقرار والأمن وليس العكس’.
‘الاهرام’: الاعلام الكاذب
خطر يهدد مصر
ونبقى مع ‘الاهرام’ وإنذار من خطورة تفشي ظاهرة الكذب في اروقة الاعلام المرئي والمكتوب يحذر منها عبد الرحمن سعد: ‘تواجه مصر حالة غير مسبوقة في تاريخها المعاصر من ‘التضليل الإعلامي’، الذي يستهدف التلاعب بإرادة المصريين، وبلبلة تفكيرهم، والسيطرة على وعيهم، وتوجيه سلوكهم، وإفساد مشاعرهم، وتخريب عمرانهم، وهدم مجتمعهم تتمثل آلة هذا الضليل في قصف مدفعي إعلامي متواصل؛ وَقوده: خلخلة الثوابت، ونشر الأكاذيب، وترويج الشائعات، وبث الريب، وإثارة الفتن، وتشويه الشرفاء، والتحريض على سفك الدماء أما جنود هذه الحرب ‘المجنــــونة’ فهم كتائب من الإعلاميين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، وأعطوا ضمائهم إجــــازة مفتــــوحة، سعيًا وراء أموال زائلة، أو نُصرةً لأفكار فاسدة، أو تحقيقًا لشهرة زائفة إنه تضليل غير مرئي.. يتسلل كالنمل لكن لسعه تحت الجلد، فيعيد تشكـــيل الرأي العام، ويجدد صوغ الفرد وفق أضاليه وتوجهاته، مع أو ضد: معتقدات، أو أشخاص.. مشروعات أو أحلام، فيحيي ويميت ما يشاء منها، بحسب تأثيره اللحظي والتراكمي، دون حسيب أو رقيب وقد نجح شيطان التضليل الإعلامي – نسبيًا- في تنفيذ مبتغاه، من خلط الأوراق، وساعده على ذلك: وجود بيئة تنكر وجوده، وأشخاص يستخفون بخطورته، وغياب الحماية الكافية لوعي الناس من شر جنوده، وهمز أباليسه، وحملة عرشه والواقع أن معارك اليوم معارك إعلامية بامتياز، أدواتها: الكلمة والصورة والصوت.. وجيوش من الصحافيين والإعلاميين، خلف مكاتبهم، والشاشات السوداء.
الإعلام اليوم يحتل مكانة متقدمة في إدارة المعركة من قبل أعدائنا على ساحتنا ضد أصحاب الحق.. وبدلا من أن يؤدي إعلامنا الوطني دوره الشجاع في المواجهة مع الباطل، يُستخدم لنقض الحق’.
‘التحرير’: المصريون سيلقنون
الفئة الباغية درساً لن ينسى
هذه النبوءة لابراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة ‘التحرير’: سيعطي الشعب المصري هذه العصابة درسًا في معنى أن تكون مصريًّا.. هِي لله.. انتصارا لجيش مصر المرابط في الثغور ضد أعداء الوطن، نحميه ونحمي جنوده وتفتيت قدرته وتقسيم قواته هِي لله.. قصاصًا لدماء الشهداء الذين أزهقت أرواحَهم أسلحةُ الإرهاب الغادر.
هِي لله.. انتصارا لجيش مصر المرابط في الثغور ضد أعداء الوطن، نحميه.. قصاصًا لدماء الشهداء الذين أزهقت أرواحَهم أسلحةُ الإرهاب.. هي لله..ثم هي لمصر.
‘الحرية والعدالة’: يشوهون ‘الجزيرة’
لأنها صوت المستضعفين في الارض
وإلى شهادة عن قناة ‘الجزيرة’ والحملة العاتية التي تتعرض لها وهو ما يحزن لأجله محمد عبد القدوس في جريدة ‘الحرية والعدالة’: أتساءل عن تلك الحملة الضارية التي تتعرض لها قناة الجزيرة حاليا والمضايقات التي لا تنتهي، ويكفي أن تعلم أن مكاتبها في القاهرة مغلقة، والأمن وضع يداه على المعدات والأجهزة الخاصة بها وقيمتها بالملايين، وهناك قضية جنائية في الطريق تتهمها بالإضرار بالأمن المصري، بالإضافة إلى دعوات لمقاطعتها وإغلاقها نهائيا وفضائية الجزيرة لها مكانة خاصة عند كل من شارك في ثورة 25 يناير، وهي الوحيدة التي وقفت إلى جانب الثوار، بينما غيرها يهلل للطغيان، ولا ننسى دموع الذين بكوا بعد خطاب مبارك، وأتذكر جيدا أن تلك القناة المجاهدة كانت تعرض علينا أثناء الاعتصام الشهير بميدان التحرير ميدان ثورة يناير، وكنا نشاهد برامجها المؤيدة للثورة، وحب الجزيرة كان محل إجماع من الجميع، وبعد الإطاحة بحكم المخلوع وجهت لها اتهامات بأنها تحابي التيار الإسلامى وتعرض وجهة نظر في مختلف الأحداث، وكنت أراها تتميز بالموضوعية وتحاول تقديم الصورة كاملة، وتلك جريمة عند التيار العلماني؛ لأنهم يرفضون الصمت على الإسلاميين، فكيف تأتي الجزيرة لتكون صوت من لا صوت له’.
شقيق الرئيس المعزول:
اخي علمني الصبر
ونختتم الجولة بشهادة مؤثرة لشقيق الرئيس مرسي الفلاح المقيم بإحدى قرى الشرقية والتي اهتمت بها عدة صحف منها ‘الشروق’ و’المصري اليوم’ و’اليوم السابع’: ‘رغم ان الجيش المصري عزل شقيقه لا يضمر سيد مرسي اي ضغينه للقوات المسلحة. وقال سيد وهو جالس في بيته البسيط الذي علقت على احد جدرانه صورة للرئيس الاسلامي المعزول محمد مرسي بجوار اية قرآنية موضوعة في اطار ‘ثقتي في الجيش بلا حدود’. واضاف ‘انا صابر وهو ايضا’ مشيرا الى شقيقه الاكبر الرئيس المعزول. وتابع قوله ‘علمني انه عندما يضايقني احد.. لا تعاديه.. لا ترد بغضب’.
وتعكس الاراء في قرية العدوة التي تقيم بها اسرة مرسي في محافظة الشرقية مشاعر كثير من المصريين تجاه الجيش وهي انه رغم كون قادته غير معصومين من الخطأ الا انه كمؤسسة قادر على تحقيق قدر من الاستقرار والامن في بلد اتعبته الفوضى السياسية وتشير حقول الارز والذرة والطرق الترابية في العدوه الى عالم مختلف تماما عن القاهرة، حيث الشوارع مزدحمة ومليئة بالتلوث، رغم ان القرية التي نشأ بها مرسي واخوته في دلتا النيل لا تبعد عن العاصمة سوى اقل من مسيرة ساعتين بالسيارة ودرس مرسي وهو ابن لفلاح في القاهره وفي لوس أنجليس قبل ان يترقى في صفوف جماعة الاخوان المسلمين التي دفعته ليصبح اول رئيس منتخب بشكل حر في مصر العام الماضي الى ان عزله الجيش في الثالث من يوليو تموز الحالي.
ولا يزال اثنان من اشقائه هما سعيد وسيد يعيشان في العدوة. وفي حين سافر سعيد للقاهرة للانضمام الى الاف المعتصمين الاسلاميين المطالبين بعوده مرسي لمنصبه بقي سيد في هذه القرية الهادئة. ويفرق سيد الذي يقص شعره ويطلق لحية قصيرة على غرار الرئيس المعزول بين قادة الجيش الذين يلومهم على الاطاحه باخيه والجيش نفسه الذي لا يزال مصدر فخر هائل، وقال بينما كان جالسا على وسادة على حصيرة من البلاستيك ‘الجيش هو اهم حاجة في هذا البلد. الجيش خط احمر بالنسبة للمصريين. اذا ارتكب احد في الجيش اخطاء فهذه مشكلة. لكننا بشر وكلنا نخطئ’.
لكي الله يا مصر