رام الله- قيس أبو سمرة:
تصّعد إسرائيل من حملة الاعتقالات في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها مدينة القدس، منذ أن بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شن حرب مدمرة متواصلة على قطاع غزة.
منذ ذلك اليوم، اعتقلت إسرائيل 4655 فلسطينيا، حولت غالبيتهم إلى “الاعتقال الإداري” (دون تهمة)، بحسب معطيات لمؤسسات فلسطينية معنية بشؤون الأسرى.
وهذا النوع من الاعتقال يصفه الفلسطينيون بـ”الانتقامي” و”غول إسرائيل” و”الموروث عن الانتداب البريطاني” لفلسطين بين عامي 1920 و1948، حين أُقيمت إسرائيل على أرض فلسطين.
وفي عام 1945، اعتقلت سلطات الانتداب البريطاني فلسطينيين وحولتهم إلى الاعتقال الإداري؛ لعدم وجود أدلة كافية تثبت التهم الموجهة إليهم، مستندة إلى قانون للطوارئ.
ومنذ احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس في حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، بدأت إسرائيل استخدام هذه العقوبة، المحظورة في القانون الدولي، ضد الفلسطينيين بمَن فيهم أطفال ونساء.
والاعتقال الإداري هو قرار حبس بأمر عسكري إسرائيلي بزعم وجود تهديد أمني، ومن دون توجيه لائحة اتهام، ويمتد إلى 6 شهور قابلة للتمديد، وتقدم المخابرات إلى المحكمة ما يُسمى ملفا سريا يُمنع المحامي و/ أو المعتقل من الاطلاع عليه.
ووفقا لمؤسسة “الضمير لرعاية السجين وحقوق الإنسان” الفلسطينية، في بيان، فإنه لا يجيز العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية “القبض على أحد أو اعتقاله تعسفا”، و”لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراء المقرر فيه”.
وتقول المؤسسة إن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) يستعين بالاعتقال الإداري، وينفذ الجهاز القضائي هذه السياسة الأمنية، عبر محاولة إضفاء الطابع “القانوني” على هذا الاعتقال.
وبحسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني، أصدرت السلطات الإسرائيلية، بعد 7 أكتوبر الماضي، أكثر من 2220 أمر اعتقال إداري (بين أوامر جديدة وتجديد) بحق فلسطينيين، بينهم 19 صحافيا، اعتقلت غالبيتهم خلال الحرب على غزة.
وحتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تجاوز عدد المعتقلين الإداريين في سجون إسرائيل 2870 معتقلا، وهذا أكبر عدد منذ أكثر من 30 عاما، وفقا للمعطيات.
رئيس هيئة شؤون الأسرى، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، قدورة فارس، قال إن “80 بالمئة من المعتقلين بعد 7 أكتوبر تم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري”.
وتابع: “لا يوجد تهم.. بصورة انتقامية وانتقائية، تعمل إسرائيل على اعتقال الفلسطينيين.. وبعد فترة سيكون الأسرى منقسمين إلى نصفين، الأول محكومون ولديهم لائحة اتهام، والآخر معتقل إداري دون تهمة”.
فارس شدد على أن “هذه الحالة غير مسبوقة ولم يمر على تاريخ القضية الفلسطينية أن وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى هذا الرقم، لا في انتفاضة الحجارة عام 1987 ولا انتفاضة الأقصى عام 2000”.
وأردف أن “إسرائيل تنفذ حربا انتقامية من خلال حملات الاعتقال وما يرافقها من تنكيل وترهيب وتخريب للمنازل والتعذيب في الطريق إلى السجن وخلال التحقيق”.
ومنددا بأوضاع الاعتقال، قال إن “الظروف العامة غير مسبوقة.. الأسرى يعاملون بوحشية على مدار اليوم أدت إلى ارتقاء شهداء؛ جراء التجويع وحالة البرد والتنكيل والتعذيب”.
وأضاف: “باتت إسرائيل نظاما مقززا وفلتت من عقالها وتحولت إلى سيرتها الأولى، بدأت بمجموعة منظمات إرهابية، وتعود الدولة اليوم بكل مكوناتها إلى ائتلاف عصابات”.
ومضى قائلا إن “إسرائيل تعتقل كل أسير سابق لا لسبب، حملة اعتقالات بالجملة دون تمييز، الغالبية هم من نشطاء حركة حماس، بينهم أكاديميون وأعضاء مجلس تشريعي سابق، ومدراء مؤسسات ونشطاء طلاب”.
وبالنسبة للهدف من هذه الاعتقالات، قال فارس إن “إسرائيل تضرب النخبة الفلسطينية الذين لهم تأثير في المجتمع وتحولهم للاعتقال الإداري؛ لأنها غير قادرة على توجيه تهمة لهم”.
وزاد بأن “المقاومة ستطرح خلال المفاوضات (بين حماس وإسرائيل) وقف أو تعليق العمل بالاعتقال الإداري، ومن المتوقع أن ترفضه إسرائيل”.
وتابع: “سيكون امتحانا أمام الولايات المتحدة وأوروبا، التي طالما طلبت من إسرائيل وقف العمل بالاعتقال الإداري.. هل سيجبرون إسرائيل؟ نتوقع أنهم سينخرسون”، مشيرا إلى أن إسرائيل ورثت الاعتقال الإداري من الانتداب البريطاني.
أما الأسير السابق وليد الهودلي، فقال إن الاعتقال الإداري هو “غول إسرائيل لتخويف الفلسطينيين ودفعهم إلى الانتحار غير الجسدي بالابتعاد عن الدور المنوط بالفلسطيني الاجتماعي والثقافي.. تدفعهم إلى ينهوا دورهم وينتحروا اجتماعيا”.
والهودلي كاتب روائي في أدب السجون، واعتقلته إسرائيل ثلاث مرات، أمضى في الأولى حكما بالسجن 12 عاما، ثم اعتُقل إداريا لمرتين الأولى 20 شهرا، والثانية 4 شهور.
وقال إن “الاعتقال الإداري هو إجرام إسرائيلي بحق الفلسطينيين ويهدف إلى ضرب المجتمع ليبعده عن الاشتباك مع المحتل”.
ولفت إلى أنه “اعتقال تعسفي دون تهمة يُجدد للمعتقل في اللحظات الأخيرة قبل الإفراج عنه، في محاولة لضربه نفسيا وضرب أسرته التي تنتظر موعد الإفراج عنه”.
وواصفا محاكم الاعتقال الإداري بـ”المهازل”، أضاف أنها “وسيلة من وسائل الحرب النفسية، والقاضي أو ما يُسمى قاضٍ يمارس دور القاضي بتمثيل مع المخابرات ويتعاون معها فيما يسُمى بملف سري.. كل أركان المحكمة متوفرة إلا التهمة غائبة”.
وعن أوضاع المعتقل الإداري، قال الهودلي إن “الأسير الفلسطيني يتمتع بشخصية المنتمي والمتسلح بالصبر والوعي، ويعلم جيدا سياسة السجان وإرادة المحتل، وله وعي كامل بطبيعة المعركة”.
واستطرد: “يواجه الأسرى كل ذلك بصبر وتكاثف.. الأسرى يأخذون المأساة بصورة من المرح، يباركون لبعضهم البعض عند تجديد اعتقالهم”.
ومتحدثا عن اعتقال زوجته عطاف عليان لمدة 36 شهرا إداريا، قال الهودلي: “عند اعتقال زوجتي تمنيت لو اعتُقلت مكانها مرات عدة، كانت أوقاتا صعبة”.
وتابع: “بعد عام ونصف من اعتقالها إداريا، وجد أنه لا داعي لاعتقالها ولا مسوغ، وبدل الإفراج عنها تم تحويلها للتحقيق، ثم مرة أخرى للاعتقال الإداري”.
وخاضت الزوجة إضرابا مفتوحا عن الطعام للسماح لها باحتضان ابنتها عائشة (عمرها عام ونصف)، وهو ما تحقق لها.
“كم هو صعب أن تحمل طفلتك إلى السجن لتصبح معتقلة مع والدتها”، كما زاد الهودلي.
وبعد أن بات عمر عائشة عامين أُخرجت من حضانة والدتها إلى والدها، الذي اعتقلته إسرائيل أيضا إداريا، فُحرمت الطفلة من الأم والأب.
(الأناضول)