إسطنبول- “القدس العربي”: شهدت الأيام الأخيرة سلسلة إعلانات للجيش والاستخبارات التركية عن النجاح في اغتيال قيادات بارزة من الصف الأول والثاني لتنظيم العمال الكردستاني داخل وخارج البلاد من المدرجين على اللوائح الدولية للمطلوبين، في تطور يظهر مدى التغير الذي شهدته استراتيجية تركيا في الحرب على التنظيم المصنف إرهابياً ويواصل عملياته المسلحة ضد تركيا منذ أكثر من 40 عاماً دون التمكن من إنهاء قدرته على شن هجمات حتى اليوم.
ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تنجح الاستراتيجية الجديدة في القضاء على التنظيم أو إنهاء خطر هجماته المتواصلة منذ عقود، لكن الاغتيالات التي طالت عدداً كبيراً من قيادات الصف الأول والثاني والقيادات الميدانية إلى جانب الهجمات المركزة التي تستهدف تحركات العناصر الفاعلة التي تكون على وشك شن هجمات ساهمت بشكل كبير في إحباط الكثير من الهجمات وإضعاف قدرة التنظيم على المبادرة والتحرك إلى جانب حالة الإرباك والتخبط التي تقول تركيا إنها انتشرت في صفوف التنظيم في الأسابيع الأخيرة.
وتلعب الاستخبارات التركية دوراً فاعلاً في الاستراتيجية الجديدة المبنية على توفير المعلومات الدقيقة ومتابعة تحركات القيادات المطلوبة وذلك من خلال الوسائل الاستخبارية المختلفة والتي تعتمد على تقنيات مختلفة أبرزها المراقبة الجوية والاختراقات الإلكترونية إلى جانب جمع المعلومات الاستخبارية من خلال عناصر استخبارات فاعلة على الأرض.
ففيما يتعلق بالمراقبة الجوية، لعبت المسيرات التركية الاستطلاعية دوراً محورياً في هذه الحرب وذلك من خلال المراقبة الدائمة لتحركات القيادات المستهدفة ورصدها على مدار الساعة وتتبع تحركاتها سواء سيراً على الأقدام أثناء التنقل من منطقة أو مغارة إلى أخرى أو التحركات في السيارات المدنية والعسكرية حتى مناطق داخل عمق الأراضي العراقية وصولاً لأربيل والسليمانية وغيرها من المناطق التي لم تكن واقعة في مدى رصد الطائرات التركية المسيرة، بالإضافة إلى مناطق واسعة في شمالي العراق.
أما على الأرض، يعتبر اختراق صفوف التنظيم من أبرز الوسائل التي تستخدمها المخابرات التركية في الحصول على معلومات من داخل التنظيم وصفوفه القيادية المتمركزة في شمالي العراق بشكل خاص، وعلى الدوام نجحت المخابرات في إدخال عناصرها إلى صفوف متقدمة بالتنظيم في مهمة شبه انتحارية في معاقل التنظيم الذي بنى منظومة أمنية معقدة بجبال قنديل في شمالي العراق على مدى العقود الماضية ونجح في إخفاء وحماية قياداته من الصف الأول.
ومن خلال التكامل بين عمل عناصر المخابرات على الأرض والمراقبة الجوية الدقيقة التي تطورت كثيراً بفعل التطور الهائل الذي شهدته تكنولوجيا الطائرات المسيرة في تركيا، نجحت المخابرات التركية مؤخراً بالتعاون مع الجيش في قتل عدد كبير من قيادات التنظيم سواء بعملية سرية نفذتها عناصر مخابراتية على الأرض، أو من خلال عمليات جوية نفذتها الطائرات المسيرة القتالية أو الطائرات الحربية ضد أهداف نجحت المخابرات في رصدها.
وفي مؤشر على عمل قوة المخابرات التركية في معاقل التنظيم بشمالي العراق، لا تعلن وزارة الدفاع أو جهاز المخابرات عن النجاح في اغتيال القيادي إلا من خلال توزيع صور جرى التقاطها عبر الهاتف من الأرض لموقع تنفيذ عملية الاغتيال وآثار المكان أو السيارة المستهدفة للتأكد من نجاح العملية ومقتل القيادي المقصود على وجه التحديد.
وعلى الرغم مما تسببه هذه العمليات من أزمات دبلوماسية مع العراق، باتت المسيرات التركية لا تتردد في تنفيذ عمليات اغتيال وقصف لسيارات المطلوبين في مناطق تعتبر بعمق الأراضي العراقية لا سيما مدن السليمانية وأربيل التي شهدت مؤخراً استهدافات محددة من المسيرات التركية وهو ما ضيق الخناق على قيادات التنظيم التي تقول التقديرات الاستخبارية إنها باتت تتحصن في المغارات المحصنة ولا تجرؤ على مغادرتها خشية استهدافها من قبل المسيرات التركية.
وفي مشهد استعراضي، أعلن الجيش التركي قبل أيام إنه لم يكتفي بتعقب تحركات قيادات التنظيم وإنما بات يحدد المغارات التي يتحصن فيها قياداته ويستهدفها، ونشر مقاطع فيديو تظهر لحظة ادخال قنبلة كبيرة من طائرة حربية من بوابة صغير لمغارة قال إنها كان يتحصن فيها قيادي بارز بالتنظيم قتل في العملية، وهو ما تفاخر فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقول إن تركيا اليوم باتت تدخل إلى جحور الإرهابيين وتقتلهم ولم تعد كما السابق تنتظر هجماتهم في المدن الكبرى.
والثلاثاء، أعلن جهاز الاستخبارات التركي تحييد “أولاش دوغان” الذي قال الجهاز إنه قيادي بارز في العمال الكردستاني مطلوب دولياً بالنشرة الحمراء وذلك خلال عملية في مدينة السليمانية شمالي العراق، وقالت وكالة الأناضول الرسمية إن “جهاز الاستخبارات حصل على معلومات حول تخطيط دوغان لتنفيذ عمليات ضد الأتراك شمالي العراق”، وأوضحت الوكالة أن القيادي المستهدف مسؤول عن “قوات الدفاع الذاتي” بشمالي العراق.
وفي وقت سابق من يونيو/ حزيران الجاري، أعلن جهاز الاستخبارات التركية اغتيال “حسن أدير” الذي قالت إنه مسؤول مخيم مخمور شمالي العراق والذي قال أردوغان مؤخراً إنه بات بمثابة حاضنة لتنظيم العمال الكردستاني وتوعد بالقيام بعملية عسكرية ضد المخيم في حال لم تقم بذلك القوات العراقية، وجاءت هذه العملية بعد أيام من الإعلان عن اغتيال قيادي كبير آخر في مخمور يدعى “سلمان بوزكير” الذي يدعى “الدكتور حسين” المسؤول العام لمنطقة مخمور.
والشهر الماضي، أعلن أردوغان “تحييد” القيادي البارز في التنظيم “صوفي نور الدين” الذي تقول تركيا إنه الزعيم الأول لتنظيم العمال الكردستاني في سوريا وذلك في عملية مشتركة جرت بالتنسيق ما بين الجيش والمخابرات التركية، حيث جرى اغتياله بغارة جوية في مغارات التنظيم المنتشرة بالجبال الوعرة شمالي العراق. واعتبرت وسائل إعلام تركية أن صوفي هو أرفع قيادي في تنظيم العمال الكردستاني يتم قتله وهو من أعضاء المجلس المصغر الذي يتلقى أوامره من زعيم التنظيم الحالي مراد قارا يالان.