الاقتباس بين الأدب والسينما

في ذكرى رحيل الروائي المصري نجيب محفوظ التي صادفت يوم 30 أغسطس/آب، لابد من الحديث عن موضوع الاقتباس من الأعمال السردية إلى الأفلام السينمائية، ومن الأفلام السينمائية إلى أعمال سينمائية أخرى. ولا يخفى أن علاقة الأدب بالفن السابع علاقة قديمةٌ عريقة، سواء على المستوى العالمي أو العربي، وبالتحديد التجربة السينمائية المصرية، التي كان لها قصب السبق عربياً.
قال الناقد حمادي كَيروم في هذا الصدد: «إن الكلام عن السينما المصرية هو الكلام عن المغارة الأولى التي تعرفنا من خلالها على ظلال الحقيقة والوهم بالواقع، هذه الظلال والأضواء التي جعلتني أعيش في الحارة المصرية قبل أن أزور مصر، وأن أذهب بعد سنوات لزيارة السيدة زينب ومقام سيدنا الحسين، وأن أُعرجَ على مقهى الفيشاوي لأتلمس مقعد نجيب محفوظ، وهو يعاقر مصير شخصياته مع شلته المشاغبة» (من حوار معه بعنوان «السينما المصرية .. جماهيرية دون منازع « 125 عاما على السينما المصرية «). وسنكتفي في هذه المقالة بأشهر الأفلام التي تم اقتباسها من روايات أو مسرحيات عالمية ذائعة الصيت في الرواية الأجنبية، وبالأفلام التي اقتبست من روايات أو مسرحيات عربية معروفة لدى الجمهور العربي.
من بين الأفلام الغربية التي اقتُبست من أعمال أدبية عالمية، يُمكن أن نذكر هنا على سبيل المثال: «الحرب والسلم» المأخوذ عن رواية في العنوان نفسه للكاتب الروسي ليو تولستوي؛ «دكتور زيفاغو» المقتبس عن رواية في العنوان نفسه لبوريس باسترناك؛ «ذهب مع الريح» المأخوذ من رائعة الكاتبة الأمريكية مارغريت ميتشل، فيلم «زوربا اليوناني» المقتبس من رواية في الاسم نفسه للكاتب نيكوس كازانتزاكيس؛ فيلم «الملك لير» و»عطيل» المأخوذين عن مسرحيتي شكسبير؛ فيلم «سيدتي الجميلة» المأخوذ عن مسرحية «بيجماليون» لجورج برنارد شو.

تولستوي

أما الأفلام العربية، وعلى وجه التحديد (المصرية) وهي التي يتم الاهتمام بها هنا، فمن الجدير الإشارة إلى أن ظاهرة الاقتباس اتجهت فيها اتجاهين أساسيين هما :
1 ـ الاقتباس من الأفلام و الروايات الغربية، وقد أفادت السينما المصرية من كمٍّ وفير من الأفلام السينمائية الأجنبية الناجحة، نذكر بعضها هنا على سبيل التمثيل لا الحصر: «أمير الانتقام» للممثل والمخرج أنور وجدي المأخوذ عن فيلم «الكونت دي مونتِ كْريستو» عن رواية للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما؛ «نهر الحب» المقتبس من رواية «أنا كارنينا» لليو تولستوي، «يوم من عمري» لعبدالحليم حافظ، وهو مقتبس من فيلم «رحلة في روما» من بطولة أودري هيبورن وغريغوري بيك.. ومن الجدير بالذكر أن الذي يشاهد النسختين: الأصلية والمقتبسة من هذه الأفلام، سيلاحظ بالملموس أن الفيلم المقتبَس لا يرقى إلى مستوى الفيلم الأصلي، سواء من حيث البناء الفني والجمالي، أو من حيث المضمون والمحتوى، حيث يتمُّ تغيير في أحداث القصة، أو في مواقف بعض شخوصها من أجل أن تكون مناسبة لواقع المجتمع العربي وتقاليده المرعية.
2 ـ الاقتباس من الأعمال الأدبية، رواياتٍ ومسرحياتٍ وقصصاً ألفها كتاب مصريون، والنادر منها من تأليف كتاب من بلاد عربية أخرى، فقد كانت السينما المصرية مكتفية بذاتها، سواء في ما يتعلق بالنصوص الروائية والقصصية والمسرحية الغزيرة، أو في ما يتصل بكتاب القصة والسيناريو والحوار المختصين في هذه الأعمال في المجال السينمائي مباشرة. وسنكتفي بذكر بعض النماذج على سبيل التمثيل، فالأمر يتطلب تسويد عشرات الصفحات لمجرد ذكر عناوين الأفلام التي تمَّ اقتباسها من تلك الأعمال السردية الغزيرة المتنوعة، التي أنتجها الأدباء المصريون. من هذه النماذج نذكر المشهورة منها التي كان لها تقبل إيجابي وإقبال جماهيري: فيلم «رصاصة في القلب « تمثيل عبدالوهاب، المقتبس من مسرحية لتوفيق الحكيم في العنوان نفسه ـ فيلم «دعاء الكروان « المأخوذ من رواية لطه حسين تحمل الاسم نفسه ـ فيلم « الحرام» المأخوذ عن رواية يوسف إدريس؛ فيلم «الوسادة الخالية المقتبسة من رواية لأحسان عبدالقدوس في الاسم نفسه.

ومن النماذج السينمائية المخضرمة، يمكن أن نذكر الفيلمين التاليين: «الكيت كات» المقتبس من رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان ـ «الطوق والإسورة» المأخوذ من الرواية القصيرة للقاص يحيى الطاهر عبدالله في الاسم نفسه ـ ومن الأفلام المقتبسة عن كتّاب من خارج مصر نذكر فيلم «المخدوعون» من إخراج المصري توفيق صالح، وهو مقتبس من الرواية الشهيرة للروائي الفلسطيني غسان كنفاني بعنوان «رجال في الشمس».

ولا يمكن أن ينسى جيل السبعينيات الإقبال المنقطع النظير على فيلم «أبي فوق الشجرة» المقتبس من رواية للمؤلف نفسه التي تحمل العنوان نفسه. ومن النماذج السينمائية المخضرمة، يمكن أن نذكر الفيلمين التاليين: «الكيت كات» المقتبس من رواية «مالك الحزين» لإبراهيم أصلان ـ «الطوق والإسورة» المأخوذ من الرواية القصيرة للقاص يحيى الطاهر عبدالله في الاسم نفسه ـ ومن الأفلام المقتبسة عن كتّاب من خارج مصر نذكر فيلم «المخدوعون» من إخراج المصري توفيق صالح، وهو مقتبس من الرواية الشهيرة للروائي الفلسطيني غسان كنفاني بعنوان «رجال في الشمس». نصل الآن إلى المتن الروائي المحفوظي الغني بالروايات، فنجد أن معظمها قد حُول إلى أفلام سينمائية نذكر منها هنا على سبيل التمثيل «بين القصرين» من ثلاثيته الشهيرة التي أخرجها حسن الإمام؛ «القاهرة 30» لصلاح أبي سيف؛ «اللص والكلاب» من إخراج كمال الشيخ؛ «الطريق» للمخرج حسام الدين مصطفى؛ «الكرنك» لعلي بدرخان. بعضُ هذه الأفلام المقتبسة من أعمال نجيب محفوظ، كان مخرجوها أمناء في نقلها واقتباسها، بناء ودلالة، وبعضها الآخر تعرض لتصرف المخرجين، وأُخْضِع لرؤاهم الخاصة. وقد «اتفقت أغلب الدراسات والمقالات والأبحاث، بل الرسائل العِلمية على منح كاتب السيناريو مساحة كبيرة من الحرية للتدخل في النص، بما يتوافق مع طبيعة فن السينما وطريقة بناء النص السينمائي.. وقد يرى البعض أن من حق كاتب السيناريو والمخرج أن يفعلا ما يشاءان بالعمل الأدبي، ذلك أنه لم يعد عملاً أدبياً، بل تحول إلى نوع آخر من الإبداع..»(رجاء النقاش، نجيب محفوظ، صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته، ط.1، مؤسسة الأهرام).

من فيلم زوربا اليوناني

والمعروف عن نجيب محفوظ أنه كان يتخذ موقف الحياد حين «يلتزم المخرجون بروح النص الأصلي لأعماله» (المصدر نفسه) على اعتبار أن المعالجة السينمائية لها خصوصيتها كما يعلم من تجربته في مجال السينما، أولاً: كونه كان كاتباً لسيناريوهات غزيرة للأفلام المصرية. يقول: «أعتبر نفسي من خلال أعمالي الأدبية ومساهماتي في كتابة سيناريوهات عدد من الأفلام من أكثر الأدباء الذين أفادوا السينما، ولا يسبقُني في ذلك إلا إحسان عبدالقدوس». ثانياًـ لتقلده منصب مدير عام الرقابة على المصنفات الفنية، إلا أنه يعتبر أن رواية «ميرامار» هي الرواية الوحيدة التي تعرضت لتغييرات وجه إليها الناقد السينمائي علي أبو شادي نقداً لاذعاً في كتابه «كلاسيكيات السينما المصرية، واعتبر ما قام به السيناريست ممدوح الليثي تشويها لرؤية الكاتب وقلباً للحقائق، بل التعدي على شخصياته الروائية..» إلا أن نجيب محفوظ عالج الأمر بهدوء بقوله: «ربما تكون رواية «ميرامار» هي الوحيدة من بين أعمالي التي تعرضت لبعض التغييرات عند تحويلها إلى فيلم سينمائي، حيث ركز الفيلم على شخصية «طلبة مرزوق» التي جسَّدها يوسف وهبي، وهي شخصية خفيفة الظل وقريبة من المزاج الشعبي. هذا التركيز قدم الشخصية في صورة تقلب الهدف الذي قصدتُه منها رأساً على عقب، ففي الرواية حاولتُ تقديم هذه الشخصية في صورة رجعية مكروهة. أما في الفيلم فقد حولها إلى شخصية محبوبة.. وساعد على ذلك الأداء البارع للفنان الكبير يوسف وهبي «. والحقيقة أن معظم روايات نجيب محفوظ التي حُوِّلتْ إلى أفلام سينمائية قد تم فيها المحافظة على روح النص الأصلي فيها باعتراف الكاتب نفسه (انظر الكتاب الحواري مع رجاء النقاش). وقد كان المخرج صلاح أبو سيف أميناً في اقتباسه لروايته: «القاهرة الجديدة « و»بداية ونهاية» ويليه في ذلك غيره من المخرجين المعروفين بتجويد أعمالهم أمثال كمال الشيخ وحسين كمال وعاطف سالم وحسام الدين مصطفى وعلي بدرخان.
يبقى أن نقول في الأخير، إن الروائي العبقري نجيب محفوظ، أغنى الحياة الروائية والسردية العربية بالأعمال ذات القيمة العالمية انطلاقاً من المحلية، وواقع الحارة المصرية، كما أفاد السينما المصرية بأعماله التي تم اقتباسها من رواياته، وبعض قصصه، وقدم للمشاهد العربي فنه الروائي الرفيع في كل الأقطار العربية، سواء من خلال السينما، أو عبر التلفزيون الذي يدخل كل بيت، وبذلك يكون هذا النجيب، قد أوصل فنه الهادفَ إلى قطاع واسع من الجماهير العربية.

كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية