(الأناضول): لا تتوقف أزمات اليمنيين في ظل حرب مستمرة منذ عام 2015، فمنذ أيام استيقظ سكان المحافظات الخاضعة لسيطرة مسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثي) والرئيس السابق، علي عبد الله صالح (1978-2012)، على أزمة جديدة، حيث ارتفعت أسعار غاز الطهي بشكل قياسي.
ويُحكِم مسلحو تحالف الحوثي وصالح سيطرتهم على العاصمة صنعاء، ومحافظات الحُديدة والمحويت وريمة وحجة وأجزاء من تعز (غرب)، وإب وذمار وأجزاء من البيضاء (وسط)، إضافة إلى صعدة وعمران (شمال).
في تلك المحافظات، ومنذ أيام، بدأت محطات تعبئة الغاز ببيع الأسطوانة بزيادة 40% عن السعر السابق، لترتفع من 3700 ريال (نحو 9.9 دولار أمريكي) إلى 5400 ريال (14.4 دولار).
وفق إسماعيل أحمد (42 عامًا)، عامل في ورشة نجارة ويسكن في صنعاء مع 6 من أفراد أسرته، فإن “ارتفاع سعر الغاز شكل أزمة كبيرة، وقدرتي الشرائية ليست كافية.. اليمنيون لم يعد بإمكانهم تحمل أي أزمة جديدة”.
وتابع أحمد، في حديث للأناضول: “راتبي (الشهري) 65 ألف ريال (173.3 دولار)، وإيجار السكن يبلغ 25 ألف (66.6 دولار)، ويتبقى لدي 40 ألف ريال، وإذا استهلكت أسطوانتي غاز سيتبقى لي (أقل من) 30 ألف ريال (80 دولارًا)، وهذا المبلغ لا يكفيني مع أسرتي طيلة شهر”.
** اتهامات للحوثيين
ويتهم السكان وملاك محطات الغاز جماعة الحوثي، المتحكمة في تجارة الوقود عبر موالين لها، برفع الأسعار، غير مكترثة بالأزمة المعيشية التي يكابدها اليمنيون، في ظل الحرب المتواصلة بين مسلحي الحوثي وصالح، المدعويمن عسكريًا من إيران، والقوات الحكومية، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية.
وخلّفت الحرب أوضاعًا متردية للغاية في أفقر بلد عربي، حيث بات 21 مليون يمني، أي حوالي 80% من السكان، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفق تقدير منظمة الأمم المتحدة.
وقال مالك إحدى المحطات في سوق البونية، وسط صنعاء، للأناضول، مفضلًا عدم نشر اسمه لاعتبارات أمنية، إن “موردي الغاز من محافظة مأرب (شرق صنعاء- خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية)، رفعوا الأسعار فجأة”.
وأوضح أن “أغلب موردي الغاز عبر المقطورات هم من الحوثيين، إضافة إلى أن بعض قيادات الجماعة تستثمر في هذا القطاع، وهم من يقفون وراء ذلك بغية الثراء الفاحش”.
و”الغاز هو مورد محلي يُستخرج من حقول الغاز شرقي اليمن، ويُكلف سعر أسطوانة الغاز من شركة “صافر” (حكومية)، نحو 1026 ريال (2.7 دولار)، وإضافة إلى أجور النقل فإن الحد الأعلى لسعر الأسطوانة هو 1700 ريال (4.5 دولار)”، بحسب مالك المحطة.
** شراء أخشاب
أزمة الغاز دفعت عشرات الأسر في صنعاء ومحافظات أخرى، إلى شراء الحطب (أخشاب) لاستخدامه في الطهي، بعد أن اجتاز الإنسان هذه المرحلة.
وفي شارع الحصبة وسط صنعاء تتكوم حزم من الأخشاب اليابسة، ويبلغ سعر الحزمة ألف ريال (2.6 دولار) أو أقل.
“أم عماد”، اشترت حزمة حطب، وقالت للأناضول: “أُرغمت على شراء الحطب، فم أعد قادرة على شراء أسطوانة غاز الطهي”.
وتابعت: “أسكن في منزلي، ما يسهل علي أن أستخدم الحطب على السقف (أعلى المنزل).. أشتري الحطب وأوقد في بيتي”.
وبألم أضافت: “الله يحكم من أوصلنا إلى هذا الحال، قبل الحرب كانت أسطوانة الغاز بـ1200 ريال ( 3.2 دولار)، واليوم ارتفعت إلى 5400 ريال، يعني الفارق 4200 ريال، فين شروحوا (كيف سيبررون ذلك ؟!) من أرحم الراحمين”.
** احتطاب من الشوارع
الانحدار لم يتوقف عند شراء الحطب، فقدرة بعض اليمنيين الشرائية المعدومة أجبرتهم على احتطاب أشجار تزيّن بعض شوارع العاصمة، وأمام المنازل.
وقال خليل الحرازي، وهو طبيب أسنان، للأناضول: “أحد جيراني طلب مني السماح له بالاحتطاب من شجرة عملاقة أمام منزلي، للاستفادة من أغصانها لإيقاد النيران.. لم ولن أسمح له، فهذه الشجرة منذ زمن وأعمل على تربيتها”.
وقال سكان في صنعاء للأناضول إن عددا من الأشجار المزروعة في شوارع العاصمة وفناء الجامعة الحكومية (وسط) تعرضت للاحتطاب من قِبل السكان، رغم اعتراض سلطات الحوثيين على ذلك.
** “نهب للأموال”
وتعزو جماعة الحوثي الأزمة إلى أن شركة “صافر” (حكومية) لاستخراج الغاز، والسلطات الحكومية في مأرب، امتنعت عن توريد الغاز إلى المحافظات الخاضعة لسيطرة مسلحي الحوثي وصالح.
وهو ما نفت الحكومة الشرعية في عدن (العاصمة المؤقتة- جنوب) صحته، واتهمت جماعة الحوثي بالكذب.
وقال وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في مؤتمر صحفي، الإثنين الماضي، إن “ما يروج له الانقلابيون (يقصد تحالف الحوثي وصالح) من مبررات لرفعهم أسعار الغاز، كذب وتدليس على الشعب”.
وأضاف: “المليشيا رفعت سعر أسطوانة الغاز في المحافظات الخاضعة لها، بهدف نهب أموال الشعب وإذلاله لخدمة مشروعها الطائفي”.
وأوضح مفتاح أن “ما يتم إنتاجه من غاز منزلي في صافر يتراوح يوميا بين 70 و75 مقطورة غاز، وتذهب أكثر من 50 مقطورة منها، أي حوالي 70% من الإنتاج، إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين”.
واعتبر أن الحوثيين يريدون “المزيد من إذلال المواطنين ونهب أموالهم بالباطل، كما نهبوا البنك المركزي وأموال شركة الغاز بملايين الدولارات”.
** تجاهل للسعر
مصدر في لجنة شكلها الحوثيون لحل أزمة الغاز قال من جانبه إنه “تم توفير أكثر من 4 آلاف طن من الوقود، وإنزالها إلى السوق بسعر تكلفة الاستيراد والتكاليف المرتبطة بها فقط”، وفق وكالة “سبأ” للأنباء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وتابع المصدر: “بات بإمكان المواطنين في صنعاء التزود بمادة الغاز المنزلي عبر 23 محطة خاضعة للرقابة”.
لكن المصدر تجاهل ارتفاع السعر، ولم يحدد سعر البيع، واكتفى فقط بقوله إن سلطاتهم اتفقت مع التجار على توفير “مخزون استراتيجي من الوقود”.