تونس-“القدس العربي”:يمرّ الاقتصاد التونسي على غرار كل اقتصاديات العالم، بأزمة شديدة بسبب جائحة كورونا وما فرضته من إجراءات عزل صحي وحظر شامل للتجوال طوال المدة الماضية أثرت بشكل كبير على الدورة الاقتصادية العامة في البلاد. وهناك تخوفات كبيرة من التداعيات التي ستخلفها عاصفة كورونا بعد انجلائها، خاصة وأن هناك عديد المؤسسات الصغرى والمتوسطة في حالة ضعف وقد لا تستطيع أن تصمد أكثر أمام هذا الكساد، هذا عدا عن توقعات المراقبين بارتفاع نسب البطالة ووصولها إلى 20 في المئة في نهاية العام في حال استمر الاغلاق الجزئي.
ويشار إلى أن اقتصاد البلاد كان يترنح قبيل أزمة كورونا، وكان قاب قوسين أو أدنى من حصول كارثة كبرى، ولم تكن هناك حلول جذرية للخروج من عنق الزجاجة باعتبار أن قانون المالية لم يخصص سوى 7 في المئة من ميزانية 2020 للتنمية. ويعتبر هذا المبلغ زهيدا وغير كاف لخلق الثروة التي ستوفر بدورها مواطن شغل وتحد من البطالة المستفحلة في صفوف الشباب من حاملي الشهادات العليا وغيرهم.
قطاع منكوب
وفي هذا الإطار يقول المحلل والخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي لـ “القدس العربي” إن الاقتصاد التونسي كان قبل كورونا في وضعية صعبة وجاء الوباء ليعقد الأمور أكثر، وقد تضررت قطاعات كثيرة وفي مقدمتها قطاع السياحة. ويضيف: “قطاع السياحة يشغّل حوالي 450 ألف تونسي ويقتات منه قرابة مليون بصورة غير مباشرة. وهو قطاع منكوب بأتم معنى الكلمة، وهناك خسائر كبيرة يتم تسجيلها، وإلى حد هذه اللحظة ليست هناك استراتيجية واضحة أو عودة للنشاط السياحي. فالسنة الماضية ساهمت السياحة بمداخيل للاقتصاد تقدر بقرابة 4.5 مليار دينار تونسي، وهذا العام سيكون المدخول ضعيفا جدا وربما لا يتجاوز 1.5 مليار دينار. وهو ما يعني أن هناك خسائر كبيرة تقدر بحوالي 3 أو 4 مليار دينار ستقع في القطاع السياحي إضافة إلى الأضرار في القطاعات الأخرى الحيوية مثل الصناعات المعملية والطاقية والمؤسسات الصغرى والمتوسطة المتضررة كثيرا جراء الأزمة بسبب وقف الإنتاج وتعطل الاستهلاك.
ويؤكد الجودي أن الدولة اليوم بإمكانياتها غير قادرة على تمويل برنامج إنقاذ وإعانة للمؤسسات لأن هناك عجزا في ميزانيتها ومديونية كبيرة ومصاريف استثنائية والدولة لم تقم بالإصلاحات اللازمة قبل كورونا، وهذا الوباء عقد الأمور أكثر وأوقف الإنتاج والاستثمار، وهذان العاملان هما اللذان يخلقان الثروة والمداخيل الجبائية للدولة لكي تستطيع أن تصرف. ويتابع: “الدولة ليس لديها احتياطي ومدخرات، وهي الآن في حالة عجز وتعيش بالتمويلات الأجنبية خاصة قروض صندوق النقد الدولي وهبات الاتحاد الأوروبي وهي ليست دائمة ومتواصلة. والإشكال القائم في الفترة المقبلة هو كيف ستجابه الدولة المصاريف وتعهداتها والخسائر الناجمة عن تراجع الاقتصاد. فمن المنتظر أن تكون نسبة النمو في تونس 2020 سلبية، وربما تصل إلى 4 أو 5 في المئة تحت الصفر، ونسبة البطالة من المتوقع أن تصل إلى حدود الـ 20 حتى نهاية العام”.
أي حلول؟
وأشار الجودي إلى ان قطاع الطيران هو من أكثر القطاعات تضررا، فشركة الخطوط الجوية التونسية تعاني كثيرا والسؤال اليوم هو حول مصير ووضعية هذه الخطوط خاصة بعد ان أعلنت عديد شركات الطيران في العالم إفلاسها، مثل التايلندية وغيرها، وقطاع الطيران في حالة احتضار على المستوى الدولي وتبقى الناقلات الجوية التي تمتلك احتياطيا كبيرا هي التي تستطيع تجاوز الأزمة ولكن الناقلات الصغيرة أو التي تمرّ بصعوبات مالية سوف تندثر. فالخطوط التونسية لديها خسائر كبيرة جدا وهي تمرّ بصعوبات جدية وربما تدخل في مرحلة صعبة في حال لم يتم وضع برنامج إنقاذ وضخ أموال من قبل الدولة”.
أما عن حلول وآفاق المستقبل وكيفية مواجهة كل هذه التحديات، فيؤكد الجودي أن الحلول موجودة ولكن المشكلة الأساسية تتمثل في القرار السياسي، فهناك أزمة حوكمة في تونس، حيث أطراف متداخلة وصراعات داخلية لا تسمح بتنفيذ القرارات بسهولة وتطبيقها كما في البلدان المتطورة مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها. فمنظومة الحكم تتكون من ثلاث رئاسات وأحزاب متناحرة وكل ذلك يجعل البلاد معطلة سياسيا. ويرى الخبير الاقتصادي أن المنظومة السياسية الحالية لا تدفع في اتجاه اتخاذ قرارات هامة وذلك في ظل غياب رؤية واضحة وفي غياب الخبرات والبرامج في هذا المجال، وهذا ما يجعل القرار السياسي المعطل الرئيسي للاقتصاد لأن القرار السياسي يفتقد العمق والمرونة اللازمة. وحتى القرارات التي أخذتها الحكومة منذ أكثر من شهر على خلفية كورونا لم يتم تطبيقها بالكامل. وهناك ثقب في الإدارة وانخرام في المنظومة السياسية يجعل القرارات الحكومية لا تأخذ حقها. يجب أن تكون هناك إصلاحات شجاعة ومتناسقة مع قرارات البنك المركزي فيما يتعلق بالسياسات النقدية، ويجب تنشيط الاقتصاد ومرافقة مؤسساته لتفادي الإفلاس وهذا كله ليس موجودا على أرض الواقع مثلما يجب”.
وفي إطار ما ذهب إليه الخبير الاقتصادي يؤكد العارفون بالشأن التونسي على أن هناك علاقة وطيدة بين الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد والنظام السياسي الذي اعتمدته منذ سنة 2014. فهو نظام يفرض ائتلافا حزبيا واسعا لتشكيل الحكومة وهو ما يضطر المكلف بتشكيل الحكومة إلى توسعتها وترضية أكبر قدر من الأحزاب بالحقائب الوزارية والمناصب الاستشارية على حساب البرامج الاقتصادية والتخطيط والتنمية. كما أن سرعة انهيار الحكومات بسبب الائتلافات الهشة يساهم في عدم تنفيذ البرامج والمخططات وهو ما يعيق التنمية ويعمق من الأزمة.