الامبراطوريات السادية وصمت الانظمة العربية
د. مضاوي الرشيدالامبراطوريات السادية وصمت الانظمة العربيةصور التعذيب الوحشية التي تناقلتها اجهزة الاعلام العالمية والعربية اثبتت ان العرب اليوم هم بصدد المواجهة مع امبراطوريتين ساديتين: الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا التي كانت يوما ما عظمي. سقطت هاتان الامبراطوريتان في مستنقع العراق اذ انهما برهنا علي قدرة خارقة علي ممارسة انواع متعددة من السادية التي تتلذذ بتعذيب الجسد العربي المسلم فتجد في هذا التعذيب المنظم والمتكرر والذي تخضع له الاجساد العراقية بشكل روتيني نشوة حضارية تطلق العنان لحيوانية الجندي البسيط ورئيسه المرتفع من أجل ممارسة انتهاك الجسد بفظاعة مفضوحة تعري الوعي واللاوعي وتختزل الضحية والجلاد في معادلة بسيطة.الامبراطورية السادية تعذب الجسد العاري بعد ان تسلحت بفكر يمهد لعملية التعذيب هذه بل يشرعنها. ليس من المستغرب ان ينحصر التعذيب ويختصر بالانتهاك الجنسي والتعرية والاذلال للضحية من قبل جلاد ذخيرته سنوات طويلة من البحث والدراسة التي لخصت له العربي المسلم بعدة صور يتناقلتها وسائل الاعلام بعد ان خرجت هذه الصور من الاساتذة المختصين بدراسة الاسلام والشرق الاوسط. صورت هذه الدراسات العربي المسلم وكأنه حيوان متوحش يرابط داخل المساجد يزأر كالاسد في حلقات الدرس. صورت مثل هذه الدراسات العربي وكأنه ذلك الماتشو الذكري الذي يقفل علي زوجاته وبناته في فضاء كالعدم. نظرة الغرب لهذا العربي لا تتجاوز كونه الفحل الذي يتنعم بسوار من الجنس الناعم ويدمر كل من تراوده نفسه بالاقتراب من هذا السوار والذي تشبهه الآلة الاعلامية الغربية بالقطيع الغنمي. ينظر الغرب للعربي وكأنه الأخير الذي يصك علي بناته ولكنه في نفس الوقت يطارد بنات الآخرين من السمراوات والشقراوات. هو وحده الذي يقتل ذاته بنهم ولكنه ايضا يقتل معه الآخرين الابرياء. يعيش هذا العربي المسلم علي أوهام العفة والطهارة والكبت الجنسي والنفسي في حياته هذه ولكنه يعلل النفس بالاماني وينتظر حياة البوهيميا والاباحية في جنات النعيم. ان وصل به العلم الي درجة عالية فهو شذوذ يكرس القاعدة العامة. ان كان العربي حسن الخلق مستقيم متعبد فهو متطرف في طريقه الي الارهاب. ان كانت امرأة متعلمة مثقفة فهي ايضا من الشواذ الذين يكسرون القيد ويتجاوزون حواجز الدين والقبيلة وقيدهما. وان كانت ربة بيت وأما مثالية فهي بالضرورة محطمة نفسياً او آلة انجاب فعالة في تكريس استمرارية التخلف.المسلم العربي في صور الغرب هو اليوم الآخر الوحيد الذي يهدد السلام العالمي والتعايش الحضاري والتعددية الدينية والثقافية التي يتبجح الغرب بها ولكنه يحاربها علي كل جبهة بدءا بالاعلام وانتهاء بأروقة السياسة والقوة. يخافه الغرب لأنه وان استوعب انجازات الغرب الحضارية والعلمية الا انه يظل ينظر لهذا الغرب بازدراء وخاصة قيمه المادية وثقافته الاجتماعية. هذا العربي المسلم الشاذ عن تطور ومسيرة الشعوب يتعالي علي الغرب وبكل وقاحة ليمجد اساطيره الماضية وديانته البالية وتاريخه المنقرض. اليوم وبفعل دراسات ونظريات روجها من درس العالم العربي والاسلامي يجد المسلم نفسه في صورة رسمها له الغير يري الغربي في المسلم تلك الساحرة التي تبعثرت اشلاء جسدها بعد محاكم التفتيش الاوروبية. يري الغربي في المسلم صومعة الراهب الناسك والمتعبد ولكنه يري فيه القوة المعنوية التي فقدها هو نفسه. تتضارب الصور في مخيلة الغربي فيوما يصور العربي وكأنه دون جوان متنقل ويوما يراه الساجد الخاشع. يري الغربي في العربي سيطرة الكهنوت وتضليل الشعوب باسم الدين وممارسة الاستبداد بغطاء شرعي مستمد من النصوص الدينية. هذه الخلفية الثقافية للرجل الغربي التي حددت له الاطار الذي يستطيع من خلاله ان يستوعب العربي المسلم الآخر ادت وبشكل واضح الي صور التعذيب السادية والتي ركزت في مجملها علي انتهاك حرمة الجسد والجسد فقط هذا لان الغربي يختصر العربي الآخر بالدين والجنس والعنصر. عندما انتهكوا جسد العراقي كانت الامبراطوريات السادية تضرب في عمق الحضارة الاسلامية والعربية ليس من المستغرب اذا ان تختصر عملية التعذيب الوحشية بانتهاك حرمة الدين المتمثلة بتدنيس المصاحف ورسوم الكاريكاتور ومن ثم تنتقل الي رمزية تعرية الجسد الذي ينتهك عن طريق ممارسة الجنس المفضوح والشاذ بأنواعه المختلفة.خلفية الغربي الثقافية مهدت لتجنيد المرأة الغربية ذاتها في عملية الانتهاك. لان الغربي يعتقد ان العربي المسلم يحتقر المرأة وينتهك حقوقها ويصادر قرارها لذلك نجده يعذب الذكر العربي بالانثي الغربية. صور المجندات الامريكيات وهن يتلذذن بالتعذيب السادي في مسرح زنزانات ابو غريب يتفرجن علي الجسد الذي يلتوي ويئن تحت وطأة ساديتهن اللامتناهية برهنت علي مدي تمادي الغرب وحضارته التي سقطت في تطبيق الارث الفكري لاعلامه السابقة والتي كانت قد لعبت دورا مهما في تخصيب المخيلة الغربية وبلورة نظرتها الي هذا العربي الآخر الخارج عن سياق التاريخ والحضارة. الجلادة الغربية تلعب الدور الاول في تطويع الذكر العربي وترويض ذكوريته وهي تعلم في مخيلتها المبنية علي قراءة الثقافة الغربية من منظور عنصري انها بنظر ضحيتها عاهرة روحية فقط لا غير. فان كانت هذه هي صورتها في نظر العربي فهي نفسها تنتهك حرمة جسده لتذله لانها تعتقد ان هذا العربي كيان لا يحركه الا الجنس والحيوانية. هي تعلم انها لن تستطيع ان تقهره برصاصات صديقها المجند او طيار طائراتها الحديثة ولكنها تعتقد انها تقهره بتعرية جسده وفرض الشذوذ الجنسي عليه كجزء من عملية التعذيب وقتل النفس. عندما قطع الزرقاوي الرؤوس وتناقلت وسائل الاعلام صور سكاكينه وهي تنحر الضحية علق المعلقون علي وحشية العربي المسلم الذي يقتل وجها لوجه وبالسكين. هذا المتخلف الوحشي يختلف نوعيا عن ذلك الطيار المدرب علي تطويع احدث وسائل القتل البعيد اذ ان الطيار وجه حضاري غربي فهو يقتل ببرودة اعصاب ومن علو شاهق يضغط علي زر الكتروني ويصيب ضحيته اصابة فيها من التقنية ما يبهر المتفرج. طيار الامبراطوريات السادية مثقف متعلم مدرب احسن تدريب علي القتل البارد.هو لا يري الدماء ولا يشعر بحرارة جسد ضحيته قبل ان تلفظ انفاسها الاخيرة. لا يسمع صرخات الجرحي وعويل الامهات لانه بعيد يحلق في الفضاء الذي لا يملك احد السيطرة عليه سوي شخصه الحضاري.اليوم ان اعترضنا علي ممارسات الامبراطوريات السادية فنحن متهمون بالعداء للغرب وامريكا بالذات وان راعنا ما تتعرض له اجساد اخواننا واخواتنا في العراق فنحن نلوح بشعار العروبة الفاشية وان اعترضنا علي رسوم تدنيس رسولنا فنحن نتبني مقولات الاسلام الاممي الارهابي. عروبتنا فاشية رهيبة وقوميتهم شعور حضاري يوصف وكأنه نوع من Patriotism الخفيف الايجابي الذي يعبر عنه بتلويح الاعلام الامريكية المصنوعة في الصين.مقابل هذا كله نواجه مسألة صمت الانظمة العربية. هذا الصمت له مبرراته اذ ان هذه الانظمة لا تريد ان تفتح ملفاتها الخاصة التي تؤرخ لساديتها المتطورة والتي هي مستمدة من اساليب وتكنولوجيا عالية تستوردها من الغرب الحضاري ذاته.النظام العربي الاخرس شريك متعاون مع الغرب في اساليب التعذيب الجسدي والنفسي. الارشيف العربي للتعذيب سيبقي مغلقا الي أجل غير مسمي حتي يأتي ذلك الجيل من الرجال والنساء الذين يقلبون المعادلة ويفتحون الملف الخاص والذي حتي هذه اللحظة ما زال مقفولا بقفل كبير يمسك زمامه طيف كبير من المتعاونين والمدربين والمنظرين الذين يشتركون في الجريمة السرية في زنزانات ضيقة.بين الحين والحين تخرج القصص الشنيعة واسرار التعذيب بين الجلاد العربي وضحيته. كثرت هذه القصص وتراكمت فتناقلتها المنظمات العربية والعالمية لحقوق الانسان. ونتج عنها نشوء ادب السجون حيث لا ادب ولا اخلاقية. المطلع علي التقارير العالمية وهذا الادب لن تفوته انتهاكات الجسد والتي اصبحت روتينية تمارس بطريقة فجة. وعندما تتعهد الانظمة العربية لحليفاتها في الغرب بعدم ممارسة التعذيب مقابل استلام المطلوبين الذين يقبعون في السجون الغربية هم بذلك يعترفون صراحة ويوقعون اعترافهم علي الورق بأنهم سادة التعذيب السادي.يفوتهم دوما ان انتهاك الجسد وحرمته قد اطلق الروح والمخيلة لانتاج أدب عالمي صور المعاناة ولن ننتظــــر طويـــــلا لأن يصبح هذا الأدب مقررا دراسيا مفروضا علي طلاب الأدب العربي في كل عاصمة عربية كشاهد علي سادية الانظمة في القرن العشرين.منذ ان عرفنا تاريخ المجتمع الانساني نجد الانسان قد انطلق اول ما انطلق في تفكيره من الجسد اذ انه حمله رموزا متعددة المعاني يزيفه الانسان بالريش ويلونه بالالوان يطبع عليه صورا مختلفة يلبسه الحلي والسلاسل ويكسيه بانواع متعددة منها الشجر والعيدان والنسيج الخفيف والثقيل. حتي في مجتمعات العراة نراهم يزخرفون الجسد بطريقة رمزية. حضارات قديمة وديانات بنيت علي مفهوم الجسد ورمزيته. حتي وصلنا الي مفهوم الجسد الحالي المسيطر في الغرب الاستهلاكي. الجسد اليوم صومعة تدرب علي الاستهلاك والاثارة والابتذال تارة يجوع الي درجة مرضية حتي يفقد حيويته ونضارته ولكنه يعصر في قوالب ضيقة. اصبح الجسد اليوم سلعة رخيصة في الغرب. فقد رمزيته السابقة ولم يبق منه سوي استعراض العضلات الملتفة والجنس بانواعه الطبيعية والشاذة. وتارة يضخ بالمقويات والمنشطات او بالمخدرات حتي ينفصل صاحبه عن الوعي ويشطح به الي عالم آخر بعيد عن المحسوسات. يلهث الانسان وراء اشباع رغبات هذا الجسد فتارة يطير به الي تايلند والفلبين وتارة يحمله الي قمم جبال العالم الشاهقة. عندما كانت القيم الغربية ترفض الشذوذ الجنسي رحل به الرجل الغربي الي شواطئ شمال افريقيا بحثا عن الغلمان كما فعل اندريه جيد في تونس في بداية القرن العشرين. كان الشرق عندها يصور علي انه مرتع اللذة اللامتناهية والمحرمة.اما اليوم فالشرق ذاته بؤرة للتطرف والتقييد علي الجسد. الشرق الذي كان يحج اليه الغربي بحثا عن اهوائه في الماضي قد اصبح اليوم رمزا لكبت اللذة هذه. تحت علم الامبراطوريات السادية وصمت الانظمة العربية ومباركة مثقفي السلطة الاقزام تحول العالم العربي والعراق بالذات الي زنزانة كبيرة تمارس فيها وسائل التعذيب الجسدي التي عكست شذوذا فكريا متأصلا ها نحن اليوم قد بدأنا نري بأم اعيننا مدي تطوره وتقنيته العالية. تأتي هذه السادية مبررة تحت مظلة نقلنا حضاريا من الاستبداد الي الديمقراطية حسب مقولات الولايات المتحدة ومظلة تثبيت ـ القانون والنظام ـ حسب مصطلحات النفاق البريطاني والذي له جذور تاريخية عميقة في منطقتنا.امريكا السادية اخذت علي عاتقها المهمة الحضارية وبريطانيا تزحف خلفها تحت ستار الليبرالية المتعددة الثقافات.اما الانظمة العربية فلا تشغل نفسها بمثل هذه المرويات الفارغة. فتعذيبها صريح مفضوح لا يعكر صفوه تقرير لجنة حقوق انسان او ما شابه. فقد جندت هذه الانظمة ابواقا كبيرة كان منها من دعاني لشكر خالقي علي نعمة قدوم الامبراطوريات السادية وشكر هذه الامبراطوريات ذاتها علي خدمة قضايانا في منطقة الخليج بشكل خاص. شرح لي مثقف السلطة ان قدوم الامبراطوريات كان مبنيا علي طلب محلي من انظمة تتمتع بشرعية ثابتة وعتب علي لانني اعترضت علي قدوم الضيف السادي بعد تلقيه عزيمة من الاقزام والمسوخ الجاثمة علي صدورنا. لن اعلق علي هذا الهراء بل سنكرس حقيقة مهمة وهي كوننا لا نكره الغرب بالجملة وسنظل نفتح الباب للحوار مع شرائح كبيرة في الغرب ذاته تنفر من تصرفات حكوماته. وسنكون وهم جسرا يعبره التفاهم والالتقاء الحضاري الذي يفضح سادية القوي الغربي والعربي معا وحقيقة تضامنهم. نعم لنا اصدقاء في الغرب نعتمد عليهم في ايصال صوتنا بطريقة سلمية حضارية. ولكننا سنظل نذكر انفسنا واجيالنا القادمة انهم بالأمس غزونا ثم كتبونا ورسمونا واليوم حلوا علينا صنوفا ثم عذبونا وصورونا ولكنهم ابدا لن يقتلونا.9