واشنطن ـ «القدس العربي»: توجه أمس الثلاثاء، عشرات ملايين الأمريكيين للإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع في أكثر انتخابات تقاربًا وحساسية، وفي ظل ترقب شديد ينصب على الولايات السبع المتأرجحة التي ستحسم أصواتها النتائج التي قد يؤجل الإعلان عنها أكثر من أسبوع بسبب الفارق الضئيل جدًا في عدد الأصوات بين مرشحي الحزبين الكبيرين، نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس والرئيس السابق الجمهوري دونالد ترامب، إذا صحت آخر استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن الفارق بينهما لا يتعدى الواحد بالمئة.
وتتجلى أهمية هذه الانتخابات في الإقبال غير المسبوق على التصويت المبكر سواء في مراكز الاقتراع أو عبر البريد، حيث بلغ عدد الذين أدلوا بأصواتهم حتى الآن أكثر من 78 مليون ناخب، أي 49.2 بالمئة من عدد الذين شاركوا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2020، وسجلوا رقمًا قياسيًا تجاوز الـ 158.4 مليون ناخب. وجاءت الولايات المتأرجحة في طليعة التصويت المبكر. ففي ولاية جورجيا، بلغ عدد المقترعين مبكرًا أكثر من 4 ملايين شخص، أي ما يعادل 80 % من مجموع الأصوات في انتخابات 2020، وهي نسبة مماثلة للولاية المجاورة، كارولينا الشمالية، التي صوّت فيها مبكرًا أكثر من 4.4 ملايين ناخب، وبلغ العدد في إريزونا أكثر من مليونين، وفي نيفادا أكثر من مليون، وفي ميشيغان 3.196 مليون، وفي ويسكونسن 1.5 مليون، وفي بنسلفانيا أكثر من 1.7 مليون.
وفي حين فاق عدد الناخبين المسجلين كديمقراطيين أقرانهم الجمهوريين بنقطتين على المستوى الوطني وكانت نسبتهم من الأصوات في الاقتراع المبكر 41٪ مقابل 39٪ للجمهوريين و20% للمستقلين، كانت النتائج في الولايات المتأرجحة أكثر إثارة، فتقدم الجمهوريون في إريزونا ونيفادا وجورجيا بفوارق تراوحت بين ثلاث وتسع نقاط مئوية، وتقدم الديمقراطيون في ميشيغان بفارق ثلاث نقاط، وفي بنسلفانيا بثلاث وعشرين نقطة، إلّا أن المفاجأة كانت في كارولينا الشمالية وويسكونسن، حيث حلت أصوات المستقلين في المركز الأول (35٪ في الأولى و41٪ في الأخيرة).
هذا في الأرقام المحققة. أما في التوقعات عن الفصل الأخير من الاقتراع المباشر، فلا تبدو نتائج استطلاعات الرأي عشية الانتخابات أقل غموضًا لجهة تحديد الفائز. وتشير آخر الأرقام ومن مصادر متعددة إلى أن الفارق في التأييد للمرشحين أقل من نصف هامش الخطأ، ما يعني بلغة الإحصاءات التعادل النظري، خصوصًا أن النظام الانتخابي الأمريكي لا يقوم على فوز الحائز على الأكثرية المطلقة من عدد الأصوات وطنيًا، بل على الفوز بالمجمع الانتخابي الذي يعطي الولايات الصغيرة وزنًا انتخابيًا مؤثرًا يؤدي أحيانًا إلى خسارة الحاصل على أكثرية الأصوات الشعبية، كما حصل مع آل غور الذي هزمه جورج بوش الابن عام 2000، ومع هيلاري كلنتون التي هزمها ترامب عام 2016. ويعود السبب في ذلك إلى كيفية احتساب الأصوات في النظام الفدرالي الذي يعتبر كل ولاية وحدة انتخابية مستقلة بدل أن تكون الدولة دائرة انتخابية واحدة.
يقوم المجمع الانتخابي على مبدأ تمثيل كل ولاية بناء على عدد ممثليها في مجلسي الكونغرس، على أن تعطي صوتها النهائي تلقائيًا لمن يحصل على أكثرية الأصوات فيها، وكون الدستور ينص على أن كل ولاية تتمثل بعضوين في مجلس الشيوخ بصرف النظر عن حجمها أو عدد سكانها، فإن ولاية مثل وايومنغ التي يبلغ عدد سكانها حوالي نصف مليون نسمة، لها ثلاثة أصوات في المجمع الانتخابي (سيناتوران ونائب). يبلغ عدد أعضاء المجمع الانتخابي 538 (100 لمجلس الشيوخ و438 لمجلس النواب) ولذلك تلعب الولايات الصغيرة دورًا حاسمًا في انتخاب الرئيس، فهناك 15 ولاية لا يناهز عدد سكانها نصف عدد سكان ولاية كاليفورنيا مثلًا، لكن عدد أصواتها في المجمع الإنتخابي مواز لعدد أصوات كاليفورنيا صاحبة أكبر تمثيل بواقع 55 صوتًا.
تشير استطلاعات الرأي التي جرت في الساعات القليلة الماضية، إلى أن هاريس تتقدم ترامب بنسبة نقطة إلى نقطتين فقط على المستوى الوطني، أما في الولايات المتأرجحة فهي متعاكسة، لكن المختلف في استطلاعات هذه الانتخابات هو طرحها لقضايا لم تكن واردة أو مطروحة قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي رفض ترامب ولا يزال الاعتراف بنتائجها، وقبل محاولته الانقلاب الدستوري عبر منع الكونغرس من المصادقة على فوز الرئيس جوزيف بايدن من خلال اقتحام أنصاره لمبنى الكابيتول بالقوة في السادس من يناير 2021. فللمرة الأولى تعرب أكثرية كبيرة عن قلقها من احتمال اندلاع أعمال عنف بعد الانتخابات، وأظهر استطلاع أجرته شبكة “إن. بي. آر” مع مؤسسة “ماريست” أن 72% ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم قلقون من احتمال حدوث اضطرابات. كذلك اتسع فارق التأييد الجندري والعنصري بين الحزبين وبلغ للمرة الأولى نسبًا مرتفعة، حيث يؤيد 60٪ من النساء المتعلمات هاريس، ويقابلها نسبة مماثلة من الرجال البيض المؤيدين لترامب.
وفي الساعات الأخيرة قبل فتح مراكز الاقتراع، انهمك المرشحان في محاولة تحفيز قواعدهما الانتخابية في الولايات المتأرجحة، خصوصًا في الدوائر التي يريان فيها احتمال تسجيل نقاط إضافية لاكتساب أصوات أكثر. حملة ترامب شاركت في أربع محطات انتخابية، في ولايات كارولينا الشمالية وبنسلفانيا وميشيغان، أما هاريس فختمت حملتها في بنسلفانيا بعد محطة انتخابية كبيرة في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان قريبًا من أكبر تجمع عربي في أمريكا الشمالية وعلى أمل الاحتفاظ بالأكثرية المريحة التي كان الصوت العربي الأمريكي يمنحها للحزب الديمقراطي تقليديًا، والتي أصبحت موضع اهتمام بالغ هذه السنة بسبب الامتعاض الكبير من دعم الإدارة الأمريكية غير المشروط للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
وما يزيد من التركيز على الصوت العربي الأمريكي هو الاختراق الإعلامي الذي حققته حملة ترامب مؤخرًا حين تمكنت من اكتساب تزكية رئيسي بلديتين ذواتي كثافة عربية، هما أمير غالب (من أصل يمني) في مدينة هامترامك، وبيل بزي (من أصل لبناني) في مدينة ديربورن هايتس. وفي حين تسعى قوى ومؤسسات وازنة إلى حث الناخبين العرب الأمريكيين على المشاركة الكثيفة في التصويت الاعتراضي الرافض لكل من هاريس وترامب، يجهد الحزبيون المخضرمون من الديمقراطيين لإقناع الناخبين بالفارق بين هاريس وبايدن من جهة، والتحذير من مغبة وصول ترامب إلى السلطة مجددًا.
مهما يكن من أمر، فإن المؤكد هو أن نتائج الانتخابات لن تعلن كاملة مع انتهاء التصويت؛ لأن تقارب الأصوات يعني إعادة احتسابها تلقائيًا وفق القوانين المرعية، وهو ما سيستغرق بعض الوقت ويفتح الباب أمام المشاحنات التي بشّر بها ترامب وحملته حتى قبل بداية التصويت، وأمام التحديات القضائية وحملات التضليل والتعبئة الشعبوية التي لا تزال تتردد أصداؤها منذ الانتخابات الأخيرة.