لم يكن هناك ما يثير في الانتخابات الأمريكية يدفعنا لنقف على أصابع أقدامنا في انتظار نتائجها، فلدينا ما يشغلنا!
أتذكر في هذا التاريخ منذ أربع سنوات، كيف سهرنا ليالي طويلة، أمام «رصة» قناة «الجزيرة»، من واشنطن، والتي تضم خبراء في الشأن الأمريكي، وكانت لدينا أمال عريضة في سقوط ترامب، ونجاح بايدن، مع أن الرجل يبدو لهرمه كما لو كان قد سبق له أن توفي!
ليس في تاريخ الديمقراطيين ما يؤهلهم لاهتمامنا بفوزهم، إنهم مصدر استهانة الديكتاتوريين العرب، حتى أن مبارك كان يتعامل مع أوباماً كما لو كان حارس العقار، الذي يقيم فيه، فينتظره في مكانه بينما يقفز الرئيس الأمريكي لكي يصافحه ويقدم له العزاء في وفاة حفيده، ولم يكن الأمر مرده إلى كبرياء مبارك، لكنها الاستهانة بكل ما له علاقة بالحزب الديمقراطي الأمريكي، وقد قرأت مذكرات أوباما ورأيت كيف كان الرئيس المصري يجادله في أيام الثورة، والأمر كان مختلفاً في التعامل مع الرئيس الجمهوري بوش الابن، إلى درجة أن يقوم بتوبيخه عندما نقلت قناة «الجزيرة» صورة زميلتنا نوال علي، ويتم التحرش بها أمام نقابة الصحافيين، من جانب مجموعة من الشبيحة في حماية رجال الأمن، الأمر الذي مكنا من تنظيم مظاهرة حاشدة احتجاجاً على ذلك أمام ضريح سعد زغلول، دون تدخل من الأمن!
لقد شاهدنا كيف انحنى أوباما نفسه وقبل يد عبد الله ملك السعودية، كان وضعاً مخزياً للغاية، لكن كان لدينا الاستعداد لتبرير الأمر، فربما اختلطت الأمور في ذهنه، فعامله لكونه خادم الحرمين الشريفين، معاملة أب باعترافه، وهو تجاوز مرده إلى أننا اعتبرنا أنه سينتصر للديمقراطية، وواشنطن هي الراعي الرسمي للاستبداد في عالمنا العربي، لكن ضعفه كان مشكلة، وهو ضعف يعد سمة أساسية من سمات الديمقراطيين!
عندما خضع بايدن
تدمير العراق، وحرب أفغانستان، كان في عهد الجمهوريين، وهم وإن انطلقوا من كون أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تعود إلى الاستبداد العربي، وانشغلوا بتبييض الوجه الأمريكي لدينا، فقد انقلب الحاكم الجمهوري إلى متغزل في ديكتاتوره المفضل، ومع هذا الانقلاب كان رأينا أن سقوطه يعني اضعاف مركز هذا الديكتاتور، لا سيما وأن منافسه بايدن يقول إنه لن يعطي شيكاً على بياض لحاكم مصر، وإنه لن يتحدث معه قبل أن يجري تعديلاً على ملف حقوق الإنسان!
فما لنا لا نسهر أمام قناة الجزيرة في «انتظار الفرج»، وقد تبين أنه «فرج» مساعد «سنبل» أو محمد صبحي في الجزء الأول من المسلسل التلفزيوني «رحلة المليون»، عندما ذهب للاشتباك مع «لطفي بيه الدمنهور» أو جميل راتب، فهتف سنبل: أدخل بالرجالة يا فرج، فاذا بفرج دون رجال، فقد رفضوا أن يأتوا معه، ليمثلوا لهما «عزوة» لوقف هذا المراوغ القوي عند حده!
فلم يكد بايدن يستوي على البيت الأبيض، حتى حدث عدوان إسرائيلي على غزة، وإزاء قدرة المقاومة على الصمود، اتصل بالجنرال المصري، وتكررت الاتصالات الهاتفية، عندما يكون المطلوب الضغط على حماس وغيرها من فصائل المقاومة فقط، إلى أن حدث طوفان الأقصى، صحيح أنه لم يستقبله في البيت الأبيض، وهو رحلة الحج السنوية الى قدس الأقداس، التي يستمد منها الحاكم المصري شرعيته، لكن لا قيمة للبيت الأبيض ما دام الحاكم من الحزب الديمقراطي، فما بالنا والرئيس الأمريكي مات قبل ذلك وعندما يفيق لا تشغله سوى مصالح إسرائيل، ومن سوء حظ الديمقراطيين أن طوفان الأقصى كان في عهدهم، فمثلوا مظلة حماية وجبهة مساندة لحرب الإبادة، وهو الملف الذي كان الجمهوريون هم الأسوأ فيه!
فإذا تجاهلنا قضية الديمقراطية، وأداء الديمقراطيين فيها لا يقل سوء هذه المرة عن أداء ترامب، فما الضرر إذا عاد الأخير إلى البيت الأبيض، وماذا لو نجحت كامالا هاريس؟ لا شيء!
شأن أمريكي داخلي
إنها انتخابات تمثل شأناً أمريكياً خالصاً، ونقدر، بكل احترام، موقف العرب والمسلمين الذين انتخبوا ترامب، لموقف الجمهوريين من قضايا الشذوذ الجنسي، وفرض الإجهاض!
وإذا انتقلنا إلى قضية المهاجرين، فموقف ترامب ليس أكثر من «جعجعة»، وليس خطابه مؤثراً لدرجة أن يقلقني على المستوى الشخصي، وفي عهد الديمقراطيين رفضت السفارة الأمريكية في الدوحة منحي تأشيرة زيارة، كما لو كنت من قتل الرئيس كينيدي، فما هو الجديد إذا سقط الجمهوريون؟ أن يستمر الإصرار على عدم منحي التأشيرة؟ أنا أصلاً لن أقدم عليها ثانية، وماذا في الأمر أكثر من زيارة للسفارة التي تذكرني بسجن القناطر، عندما كنت أزور كل أسبوع زميلاً سجن في قضية نشر، فلماذا أقلب على نفسي هذه الذكريات الأليمة؟!
«الجزيرة» نفسها انشغلت بما يشغلنا وهو الحرب على غزة، والمضحك هنا أن أجندة القنوات الأخرى هي ما تقرره «الجزيرة»، وهي من تفرض على القنوات المنافسة الخبر الأول، لماذا لا تقرر كل قناة أجندتها الخاصة، فتهتم «الجزيرة» بحرب غزة، فيكون الخبر الأول في القنوات المنافسة هو الفظائع التي ترتكب في السودان على يد قوات «الدعم السريع»، وبالتركيز عليها في التغطية!
قبل يومين أو ثلاثة أيام اهتمت الجزيرة بالانتخابات الأمريكية فاهتمت القنوات الأخرى، ولم أفعل شيئاً أكثر من أنني أغلقت الصوت، فربما يرفع معنوياتي «عاجل» على الشاشة، عن أن صواريخاً انطلقت من الجنوب اللبناني أو من القطاع، تعلن هيئة البث الإسرائيلية ما أنتجته من آثار.
توقعات العرافين: ليلى وتوفيق عكاشة
وفي «الليلة الكبيرة»، وعندما جاء موعد نومي نمت، لا ألوي على شيء، وفي الصباح علمت بخبر فوز ترامب، فلم أهتم معه إلا بتوقع العرافة ليلى عبد اللطيف لـ»طوني خليفة» بفوز امرأة برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فتذكرت معه يوم أن أعلن محمد حسنين هيكل أن البيت الأبيض الأمريكي ليس مستعداً لاستقبال رئيس أسود، فعاجلته بتوقع كتوقعه بأن البيت الأبيض مستعد لاستقبال أوباما، وقد نجح!
في هذه الانتخابات لم أكن مشغولاً بها لكي أتوقع شيئاً، لكن استطلاعات الرأي قالت بفوز كامالا هاريس، ووجب رد الاعتبار إلى مصداقيتها بدلاً من اعتبارها من أدوات الدعاية لمرشح ما!
وعندما قالت ليلى عبد اللطيف ما قالت قلت «البحر يكذب الغطاس»، أي مدعي اجادة الغطس، وهو فيديو شائع ومنتشر، وفي مقابلة مع طوني خليفة، وأعلى الشاشة كتب «المشهد» فاعتقدت أنه اسم البرنامج، وقد بحثت لاكتشف أن «المشهد» محطة تلفزيونية، وأن «طوني خليفة» هو مديرها، وإن كانت تبث من الإمارات، فلا نعرف إن كانت هي المالكة لها، أم أنها من هناك حيث المدينة الإعلامية، وعموماً هو علم لا ينفع وجهل لا يضر!
المهم، لماذا لا يجد طوني خليفة نفسه مطالباً بالاعتذار للمشاهدين، وقد روج للخرافة، واستمع لضاربة الودع وقارئة الفنجان، وها هي تُضبط متلبسة بالدجل؟! إنها ليست المرة الأولى، وقد توقعت موت رئيس عربي وسط الناس، ودعا المصريون ربهم أن يكون السيسي، ويبدو أنها اعتقدت أنه الملك سلمان بن عبد العزيز، سيسعفها لمرضه، لكن مضت خمسة شهور على هذا التوقع، الذي قالت إنه سيحدث خلال 55 يوماً!
وسوف تختفي ليلى عبد اللطيف، حتى ينسى الناس، وتعود في حيث تدلي بدلوها، مع نيشان، وطوني خليفة، وعمرو أديب، وما يستجد من مذيعين، طالما هناك من لديه استعداد لأن يصدق هذه الخرافات!
واللافت أن هناك من لديهم نية مبيتة للترويج على أن كل توقعاتها تصدق، وهي حالة تحتاج للفحص النفسي لفهم دوافعها، وهو الأمر الذي يروج له البعض لكلام قديم لتوفيق عكاشة على قناته المغلقة «الفراعين»؛ يا إلهي إن كل توقعاته صدقت! وما هي توقعاته؟ لقد توقع ارتفاع الأسعار لعشرة أضعافها، وهل هذا توقع يرجع لاتصاله بعالم الجن؟!
سبق لليلى عبد اللطيف أن شاركت في برنامج كان واضحاً أنه «كمين»، أخرج لها المذيع شيكاً بنكياً لها من جانب جهة ما، فأغضبها وانسحبت من البرنامج، وهي ترغي وتزبد، فلماذا لم تتوقع حدثاً قريباً منها بأن البرنامج سيكون على هذا النحو، بدلاً من أن تضع نفسها في هذه الورطة؟!
ولماذا لا يتوقع عكاشة أنه سيخرج من مولد الانقلاب بلا حمص، وأن طمعه في أن يكون رئيسا للبرلمان سينتهي به إلى اسقاط عضويته فيه؟ ولماذا لم يتوقع أن استضافته للسفير الأمريكي في منزله، سيكون ثمنه صفعة بالحذاء من نائب «العمل الواحد» كمال أحمد؟
وبالمناسبة فقد توقعت يومها أن هذا هو العمل الوحيد الذي سيقوم به المذكور أحمد في هذه الدورة، فلم يفعل غيره، فهل كنت معاشراً للجن؟!
لقد دمرت نتيجة الانتخابات الأمريكية المستقبل السياسي للعرافة!
صحافي من مصر