الانتخابات الأمريكية وغزة: ترامب وهاريس يتحملان مسؤولية في الإبادة الجماعية بغزة

رائد صالحة
حجم الخط
0

واشنطن ـ «القدس العربي»: في الرابع والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر، قال أحد المرشحين للرئاسة الأمريكية لمحاوره: «إن جدول أعمالنا في اليوم الأول يتضمن أيضاً رفع سماعة الهاتف وإخبار نتنياهو بأن الحرب انتهت، لأنها في الأساس حربنا بالوكالة. نحن نسيطر على الأسلحة، والتمويل، والغطاء الدبلوماسي، والاستخبارات، وما إلى ذلك، لذا يمكننا إنهاء هذا في غمضة عين بمكالمة هاتفية واحدة، وهو ما فعله رونالد ريغان عندما دخلت إسرائيل إلى لبنان وكانت تقتل الآلاف من الناس. لذا يمكننا أن نفعل ذلك الآن. هذا هو اليوم الأول».

من المؤسف أن المرشح الذي قال ذلك لم يكن دونالد ترامب أو كامالا هاريس، بل مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين، التي لا تستطيع الفوز في الانتخابات.
وفي الواقع، يعتقد كثيرون أن التصويت لها في الولايات المتأرجحة سيساعد في انتخاب ترامب من خلال سحب الناخبين من هاريس.
وهناك العديد من المرشحين الآخرين من «حزب ثالث» لمنصب الرئيس، والعديد منهم لديهم مقترحات سياسية جيدة لإنهاء المذبحة والإبادة الجماعية التي ترتكبها الولايات المتحدة وإسرائيل في غزة، وعلى سبيل المثال قالت كلوديا دي لا كروز، المرشحة الرئاسية عن حزب «الاشتراكية والتحرير»: «ينبغي لنا أن نستخدم أموال الضرائب التي ندفعها لتلبية احتياجات الناس، وليس لدفع ثمن الرصاص والقنابل والصواريخ المستخدمة في المذبحة في غزة».
والواقع أن العديد من المبادئ والمقترحات السياسية التي يطرحها المرشحون المستقلون تتوافق مع آراء أغلب الأمريكيين، أكثر من آراء هاريس أو ترامب. وهذا ليس مفاجئا على الإطلاق نظرا للفساد المعترف به على نطاق واسع في النظام السياسي الأمريكي. وفي حين يتقلب ترامب على نحو ساخر لجذب الجانبين في العديد من القضايا، وتتجنب هاريس عموما الالتزام بتفاصيل السياسة على الإطلاق، وخاصة فيما يتصل بالسياسة الخارجية، حسبما لاحظت ميديا بنيامين من حركة «كود بينك» والباحث نيكولاس ديفيس في سلسلة مقالات نشرتها منصات تقدمية أمريكية.
وقد نشر مايكل مور منشورا بعنوان «هذه هي أمريكا» يظهر أن أغلبية كبيرة من الأمريكيين يؤيدون المواقف «الليبرالية» بشأن 18 قضية مختلفة، من وقف إطلاق النار في غزة، إلى الرعاية الصحية للجميع، وصولا إلى إبعاد المال عن السياسة.
ويشير مور إلى أن هذا ينبغي أن يكون مطمئنا للديمقراطيين وأنصار هاريس، وهو ما كان ليحدث لو كانت تترشح على أساس هذه المواقف، ولكن في الأغلب الأعم، لم تكن كذلك. ومن ناحية أخرى، يترشح العديد من المستقلين للرئاسة على أساسها، ولكن النظام السياسي الأمريكي المناهض للديمقراطية يضمن عدم تمكنهم من الفوز، حتى عندما يتفق معهم معظم الأمريكيين.
وقال ديفيس وميديا إن الحرب والعسكرة هما أكثر القوى فتكاً وتدميراً في المجتمع البشري، حيث تتسببان في قتل أو تشويه الناس وتدمير منازلهم ومجتمعاتهم ودولهم بأكملها. لذا فمن المزعج للغاية أن يتحول النظام السياسي في الولايات المتحدة إلى نظام خاضع للحزبين، لمجمع عسكري صناعي يمارس على وجه التحديد «النفوذ غير المبرر» الذي حذر منه الرئيس أيزنهاور قبل 64 عاماً، ويستخدم نفوذه لجر الولايات المتحدة إلى حروب تسبب الموت والدمار في بلد تلو الآخر.
وباستثناء الحروب القصيرة لاستعادة المواقع الاستعمارية الصغيرة في غرينادا وبنما والكويت، والتي مضى عليها الآن عقود عديدة، لم يفز الجيش الأمريكي بأي حرب منذ عام 1945. فهو يفشل بشكل منهجي وفقاً لشروطه الخاصة، في حين لا تؤدي قوته القاتلة المدمرة إلا إلى ملء المقابر وترك البلدان في حالة خراب. وبعيداً عن كونها وسيلة فعالة لإبراز القوة الأمريكية، فإن إطلاق العنان لوحشية آلة الحرب الأمريكية أصبح أسرع وأضمن طريقة لتقويض مكانة أمريكا الدولية في نظر جيراننا.
وبعد كل هذه الحروب، وفي ظل كل هذه الإدارات من كلا الحزبين، لا يستطيع الجمهوريون ولا الديمقراطيون أن يزعموا أنهم «الشر الأقل» في مسائل الحرب والسلام، ناهيك عن كونهم «حزب سلام».
وكما هي الحال مع العديد من مشاكل الولايات المتحدة، من توسع نفوذ الشركات والأثرياء إلى الانحدار الذي شهدته مستويات المعيشة على مر الأجيال، فإن التأثير المشترك لعقود من الحكم الديمقراطي والجمهوري أكثر خطورة وأكثر ديمومة وأكثر صعوبة من سياسات أي إدارة منفردة. ولا شك أن هذا الأمر أكثر وضوحا في مسائل الحرب والسلام.

الإنفاق العسكري

على مدى عقود من الزمان، كان هناك جناح تقدمي صغير ولكنه متنامٍ في الحزب الديمقراطي يصوت ضد الإنفاق العسكري القياسي، ويعارض الحروب والاحتلالات والانقلابات في الولايات المتحدة. ولكن عندما ترشح بيرني ساندرز للرئاسة وتجمع الملايين من الديمقراطيين حول أجندته التقدمية، قاتل زعماء الحزب وداعموهم من أصحاب الشركات والأثرياء بقوة أكبر لهزيمة بيرني والتقدميين، مقارنة بما قاتلوا به من أجل الفوز في الانتخابات ضد الجمهوريين، أو لمعارضة الحرب على العراق، أو التخفيضات الضريبية للأثرياء.
هذا العام، وبفضل الأموال التي جمعها اللوبي الإسرائيلي، هزم الديمقراطيون المؤيدون لإسرائيل اثنين من أكثر أعضاء الكونغرس الديمقراطيين تقدمية وحماسا للمصلحة العامة، كوري بوش وجمال بومان .
وعلى الجانب الجمهوري، ورداً على الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان، قاد عضو الكونغرس الجمهوري الليبرالي رون بول مجموعة صغيرة من الجمهوريين للانضمام إلى الديمقراطيين التقدميين في تجمع غير رسمي من أجل السلام في الكونغرس. ولكن في السنوات الأخيرة، تقلص عدد أعضاء أي من الحزبين على استعداد لاتخاذ أي موقف من أجل السلام بشكل كبير. وعلى هذا، فبينما يوجد الآن أكثر من مئة تجمع من التجمعات الكونغرسية، من تجمع كاندي إلى تجمع بيكلبول، فلا يوجد حتى الآن تجمع واحد من أجل السلام.
وبعد أن اجتمع المحافظون الجدد الذين قدموا الوقود الإيديولوجي لحروب بوش الكارثية حول هيلاري كلينتون في عام 2016 حاول الرئيس ترامب «جعل الجيش الأمريكي عظيما مرة أخرى» من خلال تعيين جنرالات متقاعدين في حكومته وتحديد مواقفه في كل مكان، من الدعوة إلى قتل عائلات «الإرهابيين» إلى استراتيجية الدفاع الوطني التي تسمي روسيا والصين «التحدي المركزي لازدهار وأمن الولايات المتحدة» إلى تصوير نفسه صانع سلام من خلال محاولة التفاوض على معاهدة سلام مع كوريا الشمالية.
والآن، يخوض ترامب الانتخابات ضد حرب بايدن في أوكرانيا ويحاول أن يكسب المعركة في غزة، مع دعمه المستمر لإسرائيل، ووعده بإنهاء الحرب على الفور. ويدعم بعض الأمريكيين من أصل فلسطيني ترامب لأنه ليس نائب الرئيس جو بايدن، تماما كما يدعم آخرون هاريس لأنها ليست ترامب.
ولكن أغلب الأمريكيين لا يعرفون إلا القليل عن سياسة الحرب الفعلية التي ينتهجها ترامب بصفته رئيسا، والقيمة الفريدة التي يتمتع بها زعيم مثله بالنسبة للمجمع الصناعي العسكري والمتمثلة في أنه يلفت الانتباه إلى نفسه ويصرف الانتباه بعيدا عن الفظائع التي ترتكبها الولايات المتحدة في الخارج، وفقاً لما قاله ديفيس وميديا.
ففي عام 2017 وهو العام الأول لترامب في منصبه، أشرف على ذروة حرب أوباما ضد داعش في العراق وسوريا، والتي قتلت على الأرجح عددًا من المدنيين يعادل ما قتلته إسرائيل في غزة. في ذلك العام وحده، ألقت الولايات المتحدة وحلفاؤها أكثر من 60 ألف قنبلة وصاروخ على العراق وسوريا وأفغانستان واليمن وليبيا وباكستان والصومال. وكان ذلك أعنف قصف منذ حرب الخليج الثانية عام 1991 وضعف الدمار الذي خلفته عملية «الصدمة والرعب» للعراق عام 2003.
وفي مجالات أخرى، أدى تراجع ترامب عن إنجازات أوباما الدبلوماسية مع إيران وكوبا إلى أزمات جديدة لكلا البلدين عشية هذه الانتخابات. فمن خلال نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، ورشوة الطغاة العرب بصفقات «إبراهيمية» وتشجيع طموحات نتنياهو في إقامة دولة إسرائيل الكبرى، أعد ترامب برميل البارود للإبادة الجماعية في غزة، والأزمة الجديدة في الشرق الأوسط تحت حكم بايدن.
وعلى الجانب الآخر، تتحمل هاريس مسؤولية الإبادة الجماعية التي يمكن القول إنها أخطر جريمة دولية في التاريخ. وما يزيد الطين بلة أنها تواطأت في مخطط غريب لتوفير غطاء للإبادة الجماعية من خلال التظاهر بالعمل من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والذي كما قالت جيل شتاين وكثيرون آخرون، تستطيع الولايات المتحدة فرضه «بغمضة عين، بمكالمة هاتفية واحدة» إذا أرادت ذلك حقا. أما بالنسبة للمستقبل، فقد التزمت هاريس فقط بجعل الجيش الأمريكي أكثر «فتكا».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية