دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خط دعم صديقه العزيز نتنياهو لدورة جديدة في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة فقدم له هدية معنوية كبيرة تمثلت في إعادة رفات زخريا باومل، الجندي المفقود منذ عام 1982 لتضاف إلى هدايا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العديدة. فتوقيت إعادة روسيا لجثة الجندي المقتول في الحرب منذ 37 سنة والمتحجزة لدى نظام الممانعة في سوريا، لا يمكن أن تكون صدفة بل المقصود منها إضافة إنجازات لصالح نتنياهو بعد الجولان والقدس. وتذكرني هذه الحادثة بالقدرة الخارقة للنظام السوري بالعثور على جثة ليون كلنغهوفر، اليهودي المعاق، الذي قتلته مجموعة فلسطينية تابعة لجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو العباس، التي خطفت السفينة السياحية «أكيلي لاورو» في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1985 كانت في طريقها من بور سعيد المصرية إلى ميناء أسدود. وكم دفع الشعب الفلسطيني ثمنا لتلك العملية بمن فيهم أبو العباس نفسه الذي صفي في اذار/مارس 2004 في السجن بعد اعتقاله من قبل القوات الأمريكية بعد خمسة أيام من احتلال بغداد 2003.
إذن كل المؤشرات تشير إلى فوز نتنياهو بولاية خامسة في انتخابات الكنيست الـ21 يوم الثلاثاء المقبل. ليس بالضرورة أن يحسم حزبه عددا من المقاعد تؤهله لتشكيل الحكومة بل ستكون أحزاب اليمين قادرة على تشكيل الحكومة. فعدد المقاعد المتوقع أن تذهب للأحزاب المتطرفة والدينية ستكون بين 62 و65 من مجموع 120 مقعدا.
التنافس بين معسكرين وليس بين الأحزاب
والمنافسة في هذه الانتخابات بين الأحزاب الصهيونية ليس على السلام أو الحرب بل على التطرف في إنكار وجود الشعب الفلسطيني ناهيك عن حقوقه. لقد انتهى التنافس بين الحزبين الكبيرين الليكود والعمل. وكان آخر تنافس حقيقي عام 1977 عندما فاز الليكود برئاسة مناحيم بيغن لأول مرة وأسقط سيطرة حزب العمل الذي هيمن على السلطة منذ إنشاء الكيان. بعد أوسلو شعرت الأحزاب الصهيونية بأن عصر الاستقرار قد جاء وأن متلازمة الخوف وعقدة الاضطهاد قد ولت إلى غير رجعة. لقد تحول الاهتمام إلى الداخل بعد أن نبهت الانتفاضة الفلسطينية الإسرائيليين أن هناك شعبا فلسطينيا يرزح تحت الاحتلال ويناضل من أجل التحرر. انتشرت الأفكار المغالاة في تطرفها آنذاك وخاصة من الأحزاب الدينية من جهة لتوازن الأحزاب التي كانت تؤيد التسوية مع الفلسطينيين. فقد شهدت تلك المرحلة تنامي قوة حزب شاس الديني وقوة ميرتز الليبرالي. ففي انتخابات عام 1996 حصل شاس على عشرة مقاعد في الكنيست، وفي انتخابات 1999 فاز بـ 17 مقعداً وأصبح القوة الدينية الأولى والسياسية الثالثة في إسرائيل. بينما حصل ميرتز على 12 مقعدا عام 1992 ثم تراجع إلى 9 عام 1996 وكاد ينتهي عام 2009 حيث حصل على ثلاثة مقاعد فقط. في تلك الفترة دخلت الأحزاب الدينية ليس ميدان التطرف فحسب بل ونزلت بأسلحتها إلى الشارع فارتكب غولدشتاين مجزة الخليل عام 1994 وقتل إيغال عمير رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في تشرين الثاني/نوفمبر 1995. انتخب بعدها لأول مرة نتنياهو الذي كان يمثل الرافضين لأي تسوية مع الفلسطينيين والمؤيدين لتوسيع حركة الاستيطان. ومنذ عام 1996 إلى اليوم لم ينجح حزب العمل وتكتلات الوسط واليسار إلا ثلاث سنوات خلال فترة حكم إيهود باراك 1999-2001 حيث انتخب بعدها شارون الذي وعد بسحق الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
التحول الكبير في الأيديولوجية الصهيونية واتجاهها نحو التطرف والفاشية تفاقم خلال وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية بدءا بحكومة شارون عام 2001. ومنذ عام 2009 إلى غاية الآن استطاع نتنياهو أن يشكل كافة الحكومات باعتماده على تحالفات مع الأحزاب الدينية. إذ لم يعد حزب واحد قادرا على تشكيل الحكومة إلا بعقد التحالفات مع الأحزاب الدينية المتطرفة التي شعرت بقوتها وأصبحت تساوم الحزب الفائز ليس فقط على الحقائب الوزارية بل على الأيديولوجيا. فزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدرو ليبرمان، المولود في مولدوفا في الاتحاد السوفييتي سابقا والذي وصل إسرائيل عام 1978 تحالف مع نتنياهو مقابل وزارة الخارجية 2009 و2013 ثم وزارة الدفاع 2016 واستقال منها 2018 بسبب الهدنة التي قبلها نتنياهو مع حركة حماس في غزة بترتيب مصري، متهما نتنياهو «بالاستسلام للإرهاب». لا يهم عدد الأحزاب في إسرائيل بل الأهم إلى أي المعسكرين ينتمي: اليمين الفاشي والديني أو الوسط واليسار.
وللتدليل على موضة إنشاء أحزاب جديدة، فقد دخل الساحة الانتخابية حزب جديد يسمونه حزب الماريغوانا «الحشيش» واسمه الرسمي حزب «زهوت». أسسه المتطرف اليميني موشيه فيغلين المنشق عن الليكود الذي أعلن أنه لن يدخل في تشكيلة أي حكومة إلا إذا تم تشريع تعاطي الماريغوانا بشكل رسمي والسماح ببيعها وزراعتها وتسويقها. وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة فإن هذا الحزب الجديد قد يفوز بأربعة أو خمسة مقاعد ما يعطيه فرصة أن يلعب دور «بيضة القبان» في تشكيل الحكومة الجديدة. أما آراء الحزب الجديد بالنسبة للصراع مع الفلسطينيين فهو يدعو إلى إقامة دولة دينية حسب تعاليم التوراة ويدعو لنقل كل مؤسسات الدولة إلى القدس وفي محيط المسجد الأقصى ويرفض الاعتراف بحقوق المثليين أو التساهل معهم.
التحول نحو الفاشية
إن دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشعب الإسرائيلي للتصويت للسلام هي تعبير عن أحلام وردية وانسلاخ عن الواقع وتعبير مأساوي عن الهزيمة الداخلية. فإسرائيل لم تعد فقط دولة الفصل العنصري أو «الأبرتهايد» بل هي دولة فاشية بامتياز وخاصة بعد احتضان نتنياهو لحزب القوة اليهودية الوريث الشرعي للحاخام مائير كاهانا المصنف لدى الولايات المتحدة رسميا بأنه حزب إرهابي. فقد وافق نتنياهو على منح مقعدين وزاريين لحزب البيت اليهودي المتطرف إذا وافق على الاندماج مع حزب القوة اليهودية أحفاد كاهانا. وقد وافق حزب البيت اليهودي على العرض بعد محادثات مع نتنياهو. وهذا الحزب قائم على فكرة «الترانسفير» أي طرد كل الفلسطينيين من «يهودا والسامرة» كما يقولون. فدولة يهودا حسب ثقافة الأحزاب الدينية لم تكن في تل أبيب وعكا وحيفا بل في جبال القدس ونابلس. وبالنسبة لهم يمكن التخلي عن تل أبيب ولكن لا يمكن التخلي عن أي بقعة ولو صغيرة من أراضي الضفة الغربية. وقد أثار هذا التحالف حفيظة الجماعات المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة حيث انتقد تصريح نادر من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك» نتنياهو بسبب هذا التحالف الانتخابي.
إن انتقال إسرائيل من العنصرية إلى الفاشية ليس قولا محصورا في تصريحات النواب العرب في الكنيست، بل وفي أقوال رئيس المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هرتسوغ الذي قال في محاضرة إن بلاده تتجه نحو الفاشية «وأن مصيرها كدولة ديمقراطية على المحك. فهي تهدد الفنانين وقضاة المحكمة العليا وتهدد الصحافيين وتطردهم. والأكاديميون والأساتذة يتعرضون حاليا للتهديد ويخشون فتح أفواههم».
وحسب استطلاع رأي أعدته صحيفة «يديعوت أحرنوت» بعد إقرار القسم بالولاء لإسرائيل اليهودية وقانون القومية اليهودية وتعريف إسرائيل بأنها دولة اليهود، فقد أيد 69 في المئة من المستطلعين قانون القسم ومن المتدينين 89 في المئة. و36 في المئة يؤيدون حرمان العرب من التصويت في انتخابات الكنيست بينما ترتفع النسبة عند المتدينين إلى 69 في المئة، ويؤيد 58 في المئة حق الدولة بتقييد حرية التعبير إذا تمس مصالح إسرائيل حتى غير الأمنية بينما يؤيد 57 في المئة منع النشاطات الاحتجاجية عندما يكون الجيش في مهمة عسكرية، وهو دائما في مهمة عسكرية. ويرى 25 في المئة أن إسرائيل يجب أن يحكمها رجل قوي يأخذ قراراته دون الرجوع إلى البرلمان أو الحكومة.
إسرائيل تغرق في الفاشية والتطرف غير المحدود وميدان السباق والاختبار هو الدم الفلسطيني والحق الفلسطيني والأرض الفلسطينية والوجود الفلسطيني. هناك ثقافة ترسخت وتزيد الآن عمقا واتساعا بأن الوجود الفلسطيني سواء في فلسطين التاريخية أو الضفة الغربية عبء يجب التخلص منه. يقول الكاتب الإسرائيلي الشجاع جدعون ليفي: «لو قتل مواطن يهودي على يد قوى الأمن، لضجت الدولة، وذلك وفق تصنيف إثني-سياسي مسبق، إذا كان القتيل أثيوبيا، ضجة أقل، وإذا كان متشددا دينيا ضجة أكبر، أما إذا كان مستوطنا، فهذه نهاية العالم. عناوين أولى، لجنة تحقيق، بؤرة استيطانية على اسمه، تعويضا لعائلته ويخصص يوم لذكراه لكن يا لها من مصادفة مذهلة المتظاهرون الذين يقتلون بالرصاص في إسرائيل دائما عرب».
نتائج الانتخابات يوم الثلاثاء المقبل لن تغير الأمور إلا إلى الأسوأ. اليمين الفاشي هو الصاعد والمتقدم في الانتخابات مستندا إلى وضع فلسطيني مزر ووضع عربي مفكك ومتجه نحو التطبيع ورئيسين في أقوى دولتين في العالم الولايات المتحدة وروسيا يتسابقان على من يعزز حظوظ نتنياهو في الانتخابات. فهل يأتي يوم يراهن الفلسطينيون والعرب على أنفسهم وقواهم الذاتية ووحدة موقفهم؟