منذ حروب أمريكا الأخيرة في العراق وأفغانستان، كمحطتين هامتين، في الخسارة الضخمة لسيدة الأرض، على الأرض؛ فإن السنوات الطويلة الغابرة، لم تغمض أمريكا جفنيها عن وضع إيران، لا بل أصيبت ‘بالحول’: فعين الغضب على أمريكا وعين الرضا على إسرائيل. ورغم الخسارة تلك، إلا أن أمريكا ورغم عدم رغبتها في الضربة العسكرية لإيران، فإنها قامت وتقوم وستقوم بخطوات متعددة لإجل إحتواء الوضع ما أمكن. دائماً تراهن الدول الكبرى على أن تغيير زعامات الدول الأضعف (وخصوصاً دول العالم الثالث)، غالباً ما يرافقه تغييرات في السياسة العامة لهذه الدول (بسبب التشوه في صيرورة تطورات هذه الدول وطبيعة أنظمة الحكم وغياب المؤسسات الحقيقية). إن الدول المهيمنة على العالم، قامت بدعم مباشر وغير مباشر في إحداث تغييرات، بأنظمة حكم لا تحلوا لها، ودبرت عمليات إغتيال وتصفية زعماء، لما تعتبره عقبة كآداء، في طريق ولوج هذه الدول درب الدول المهيمنة. في الحالة الإيرانية، الوضع مختلف بعض الشيء: هناك ولاية الفقيه ودور حاسم لمؤسسات الدولة (مجلس الأمن القومي، الحرس الثوري… )، وأية خطوات يخطوها الزعيم، لن تلقى الموافقة دون مباركة المرشد (له الدور الأول)، والذي بدوره يكون رأيه من المؤسسة الدينية بوجه عام. إن هذه الخصوصية الإيرانية، شكلت عقبة أمام إحداث تطورات في الحريات العامة وإعطاء جرعة أفضل من الديمقراطية، من جهة. ومن جهة أخرى شكلت (الخصوصية الإيرانية) سداً مانعاً أمام أمريكا في إحداث تغييرات خارجية من قبلها، في الشأن الإيراني، عن طريق إنقلابات أو إغتيالات أو تدخل عسكري محدود أو واسع. ولذلك كان من ضمن العمل الغربي هو العقوبات، والتي تهدف إلى تغيير المزاج الشعبي الإيراني، وإضعاف عام لإيران، على طريق حرب قادمة ـ إن لم يكن هناك مناص أو توريط أمريكا من خلال إسرائيل ـ. وفي حالة معقدة، كالحالة الإيرانية، لن يكون هناك شكل واحد للتعامل مع هذا الملف الشائك، فمن الممكن القيام بعدة خطوات مركبة: العقوبات وما تحدثه من تردي حياة كل المواطنين الإيرانيين، دعم زعامات أقل تشدداً، توريط إيران في نزاعات خارجية (سورية نموذجاً)، كسب الود، وحدوث كوارث طبيعية تهبط الهمم بإتجاه تطوير قدرات نووية. لقد إستمرت سنوات حكم الرئيس نجاد والعلاقة متشنجة مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً. وفي ظل تغيرات إقليمية (عربية غالبيتها) وعالمية، لا بد من حدوث تغيرات في إيران تتناغم مع جيرانها العرب أولاً، وخاصة في ظل لهيب الحرب في سوريا والعراق. لقد كان رفسنجاني رئيساً، في الحرب العراقية – الأيرانية، وقاد البناء بعد إنتهاء تلك الحرب، وأصبح الوضع يحتاج لولادة جديدة، بزعيم كبير السن، خبير في الدين والسياسة، قاد بلاده في الحرب والسلم. لقد زار الرئيس الأسبق خاتمي الولايات المتحدة، كسائح، في العام 2006، حيث أبدى الرئيس الأمريكي آنذاك بوش، تفهمه حيال البرنامج النووي الإيراني ( في مقابلة صحفية)، وهذا نوع من الرسائل المبطنة مع أطراف أقل تشدداً. إن الرئيس الإيراني القادم، إن كان ‘رفسنجانياً’، سيشكل بداية تغييرات داخلية، تلقى إستحساناً شعبياً إيرانياً وقبولاً إقليمياً وعالمياً أكثر من الوضع الراكد الحالي. فهل ستكون الأسابيع القادمة بداية ‘غزل’ مع أمريكا، حتى لو ظل ‘ غزلاً عذرياً’. عبدالله أبو مازن