الجزائر- “القدس العربي”:
عرفت نتائج الانتخابات المحلية الجزئية بمنطقة القبائل الناطقة بالأمازيغية بالجزائر، مفاجآت عديدة، أبرزها تراجع حزب جبهة القوى الاشتراكية المستأثر التقليدي بمقاعد بلديات المنطقة إلى المرتبة الثالثة، وارتفاع نسبة المشاركة ـ حسب الأرقام الرسميةـ والتي شكلت في ولايتي تيزي وزو وبجاية هاجس السلطات الأول منذ عودة المسار الانتخابي بعد الحراك الشعبي سنة 2019.
وتميزت نتائج هذه الانتخابات الجزئية التي شملت 6 بلديات فقط تعذر فيها إجراء الاقتراع خلال الموعد الوطني في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، باكتساح القوائم الحرة لمقاعد المجالس البلدية، حيث تمكنت هذه القوائم من الحصول على 74 مقعدا، أي ما يمثل نسبة 82.22 بالمائة من إجمالي المقاعد المتنافس عليها حسب ما أعلنه رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، محمد شرفي.
واللافت في النتائج أن حزب جبهة التحرير الوطني التابع للموالاة أحرز على 7 مقاعد، ما يمثل 7.78 بالمائة، متقدما حتى على جبهة القوى الاشتراكية المعارضة في أكبر معاقلها والتي تحصلت على 6 مقاعد، ما يمثل نسبة 6.67 بالمائة من العدد الإجمالي للمقاعد، متبوعة بالتجمع الوطني الديمقراطي (الحزب الثاني في المولاة) الذي تحصل على 3 مقاعد، ما يمثل نسبة 3.33 بالمائة.
ولم يصدر أي تعليق من قبل جبهة القوى الاشتراكية على هذه النتائج، وهو حزب بات منذ فترة يعتمد خطابا معارضا متوازنا يبتعد عن الراديكالية ويدعو باستمرار لفتح حوار مع السلطة لمواجهة الأزمات المتكررة. وعانى هذا الحزب الذي أسسه الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد من انقسامات حادة في صفوفه خلال السنوات الأخيرة، ضاعف منها الحراك الشعبي الذي ظهر من حوله انقسام في التوجه العام للحزب بين من يدعو لقطيعة تامة مع السلطة ومن يفضل لغة الحوار.
يبدو أكثر ما يهم السلطة في الفترة الحالية، هو نسبة المشاركة الإجمالية في هذه الانتخابات الجزئية في المنطقة، والتي بلغت حسب الأرقام الرسمية 30,11 بالمائة بولاية بجاية و33,72 بالمائة بولاية تيزي وزو
ومن المحتمل أن تكون هذه الانقسامات قد أثرت على الكتلة التصويتية للحزب، خصوصا وأن العديد من المناضلين وجدوا ضالتهم في الترشح داخل قوائم حرة مبتعدين عن جهاز الحزب. كما أن هناك من المصوتين المعتادين من بقي متمسكا بموقفه المقاطع للانتخابات. ولا تزال رغم ذلك جبهة القوى الاشتراكية أكبر حزب من ناحية التمثيل المحلي في منطقة القبائل ولديها أعضاء في مجلس الأمة بعد انتخابات 2021 التي شاركت فيها، مستغلة مقاطعة غريمها التقليدي في المنطقة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي رفض المشاركة في كل الانتخابات التي سايرت فترة الحراك الشعبي.
ويبدو أكثر ما يهم السلطة في الفترة الحالية، هو نسبة المشاركة الإجمالية في هذه الانتخابات الجزئية في المنطقة، والتي بلغت حسب الأرقام الرسمية 30,11 بالمائة بولاية بجاية و33,72 بالمائة بولاية تيزي وزو، وهي نتيجة اعتبر رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، أنها تعكس مدى اهتمام المواطنين بالعملية الانتخابية على مستوى هذه البلديات ووعيهم بضرورة المساهمة في بناء الديمقراطية في الاتجاه الذي يصبو إليه الجميع. وأبرز شرفي أن نسبة المشاركة التي وصفها بـ “المحترمة”، تنم عن “وعي كبير” لدى مواطني هذه البلديات وضرورة اختيار من هم أهل لتمثيلهم لتسيير شؤونهم المحلية.
وتأتي هذه النسب لتكرس من وجهة نظر السلطة كسر موجة المقاطعة الكلية للانتخابات بهذه المنطقة. وفي الواقع، بدأ التراجع عز خيار المقاطعة الكلي قبل سنة في الانتخابات المحلية التي عرفت مشاركة جيدة نسبيا قياسا إلى نسب المشاركة الصفرية المسجلة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنتي 2019 و2021 بولايتي تيزي وزو وبجاية، خاصة مع بروز مجموعات كانت تغلق مراكز الاقتراع وتمنع بالقوة الراغبين في التصويت. واتهمت السلطات الجزائرية في ذلك الوقت، التنظيم الانفصالي “ماك” بمنطقة القبائل بعرقلة سير الانتخابات، ثم قامت بتصنيف هذا التنظيم الذي يقوده فرحات من العاصمة الفرنسية باريس على قوائم الإرهاب، واعتقلت العشرات من عناصره، في أكبر موجة مواجهة لهذا التنظيم منذ تأسيسه.
وما يؤكد توجس السلطات من استمرار المقاطعة الكلية في منطقة القبائل وسعيها لتغيير هذا الواقع، ما ذكره قبل أشهر محمد شرفي رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، عندما أشاد بموقف سكان المنطقة الذي قال إنه انتقل من رفض الانتخابات إلى المطالبة بها. وقال رئيس السلطة خلال عملية التحضير للانتخابات الجزئية مخاطبا سكان المنطقة: “أهنئكم على درس المواطنة لأنكم أخذتم موقفا سلميا “مكاش الفوط” (لا يوجد انتخاب) ثم أخذتم بعده موقفا سلميا آخر بتنظيم الانتخابات.