الانتخابات والقاموس السياسي الإسرائيلي

حجم الخط
8

هناك أخطاء شائعة في القاموس السياسي السائد في إسرائيل، يجري التعامل معها بصفتها حقائق. العالم ابتلع هذه «الحقائق» لأنه لا يريد أن يرى، كما ابتلعتها الأنظمة العربية لأنها لا ترى سوى البقاء في السلطة هدفاً.
الخطأ الأول هو اعتبار أن إسرائيل دولة ديمقراطية، والدليل هو الانتخابات الدورية التي تجري فيها، والتداول السلمي للسلطة وإلى آخره…
هذا الافتراض يتجاهل حقيقة أن هذه الانتخابات التي تجري من ضفاف نهر الأردن حيث تنتشر المستعمرات الإسرائيلية إلى البحر المتوسط، تستثني حوالي أربعين في المئة من السكان. فالسكان الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية التي احتلت علم 1967، لا يحق لهم المشاركة في هذه الانتخابات لأنهم لا يحملون الجنسية الإسرائيلية، بينما يشارك فيها مستوطنون في الضفة صادروا الأراضي، ولا يتوقفون عن الاعتداء على أهلها.
لكن إسرائيل التي تطلق على الضفة الغربية اسم «يهودا والسامرة»، وضمت القدس الشرقية، وتحاصر قطاع غزة، لا تعترف بأنها قوة احتلال. أي أنها قامت عملياً بضم الأراضي الفلسطينية دون أن تعلن ذلك. وإذا لم يكن هذا احتلالاً حيث يخضع السكان لحكم عسكري كامل، فماذا يكون؟
الاسم الوحيد الذي يلائم هذا الواقع ويعبر عنه هو الأبارتهايد.
هل يمكن وصف نظام الأبارتهايد بأنه نظام ديمقراطي؟
أمام إسرائيل أحد خيارين: الضم أو الانسحاب. الانسحاب ليس وارداً في القاموس الإسرائيلي، أما الضم فهو يجري ببطء وثبات عبر حركة الاستيطان والقمع الوحشي الذي يصاحبها.
بهذا المعنى، فإن الانتخابات الإسرائيلية ليست مؤشراً ديموقراطياً، وكل كلام عن الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط هراء.
إسرائيل دولة احتلال مُعسكَرة بشكل كامل، وهذا الاحتلال الدائم يقوم بتحويلها إلى دولة ثيوقراطية- دينية، حيث يسود خطاب يميني فاشي متكامل العناصر.
الخطأ الثاني هو تحليل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بصفتها تنافساً بين معسكرين: معسكر اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، ومعسكر الوسط -اليسار بقيادة يائير لبيد.
تعالوا نقرأ الخريطة بطريقة مختلفة:
معسكر نتنياهو يضم ثلاثة مكونات: يمين متطرف يعبر عنه حزب الليكود، يمين ديني تقليدي يعبر عنه حزبا المتدينين «شاس» للشرقيين و«يهوديت هتوراة» للغربيين، ويمين الترانسفير الذي يتجسد في «الصهيونية الدينية» بن غفير وسموتريتش.
في المقابل، يتكون المعسكر الآخر من أربعة مكونات: وسط اليمين ويعبر عنه حزبا «يش عتيد» بزعامة لبيد، والمعسكر الوطني بزعامة بني غانتس، ويمين متطرف ويمثله حزب «إسرائيل بتينو» بزعامة ليبرمان، ويسار صهيوني من خلال حزبي العمل وميريتس، ويمين عربي متدين بزعامة منصور عباس.
وعلى هامش هذه الخريطة قائمتان فلسطينيتان: تحالف الشيوعيين، وأحمد الطيبي، وحزب التجمع.
ميريتس والتجمع خرجا من السباق لأنهما لم يتجاوزا نسبة الحسم (3،25 ٪)، وحزب العمل خرج مُحطماً رغم أنه تجاوز نسبة الحسم بنتيجة (3،69 ٪).
تشير هذه الخريطة إلى أن المعركة كانت بين تحالفين يمينيين، الأول فاشي سافر ويريد تأبيد الاحتلال وضم المناطق، والثاني يتكلم لغة أكثر نعومة لكنه غير مستعد للتنازل عن الاحتلال، وأثبت في عمليات الجيش الإسرائيلي الأخيرة في نابلس وجنين بأنه لا يقل شراسة عن المعسكر الأول.
الخطأ الثالث هو الكلام عن يسار إسرائيلي. نعم، لقد أسس حزب المابام، الذي تحول إلى حزب العمل، الدولة بشعارات اشتراكية- ديمقراطية، لكن هذا اليسار الصهيوني أسس أيضاً التطهير العرقي، ووضع فلسطينيي الدولة العبرية تحت نظام عسكري بقبضة حديدية، وقام بحشر الفلسطينيين في غيتوات مغلقة بالأسلاك الشائكة.
هذا اليسار غير اليساري، سرعان ما انزاح إلى اليمين وتبنى سياسات نيوليبرالية من جهة، وكان المشجع الأول للمستعمرات التي أسس أغلبيتها الساحقة المتدينون القوميون، جماعة «غوش امونيم»، من جهة أخرى. آخر زعمائه إيهود باراك، أطلق شعار عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، معبداً الطريق لصعود سفاح صبرا وشاتيلا أرييل شارون إلى السلطة وعملية السور الواقي التي أنهت اتفاق أوسلو وجعلت للسلطة الفلسطينية مهمة واحدة هي التنسيق الأمني؛ أي قمع المقاومة.
هذا الشبح اليساري دخل في مسار التلاشي، وتلاشى كلياً مع حكومة لبيد الأخيرة، وصار صدى باهتاً لليمين العنصري الإسرائيلي.
وفي الانتخابات الأخيرة احتفى هذا الوهم، ولم يعد له أي تأثير بعد هزيمته المخزية.
قراءة هذه الأخطاء الثلاثة تسمح لنا بأن نستنتج حقيقتين:
الحقيقة الأولى هي انزياح المجتمع الإسرائيلي بشكل واضح إلى اليمين الفاشي، فمجتمع المستوطنين لا ينتج سوى خطاب التفوق اليهودي بلغة عنصرية تضعه على يمين قوى اليمين الفاشي- الشعبوي الصاعد في أوروبا.
الحقيقة الثانية هي أن إسرائيل في طريق التحول إلى دولة ثيوقراطية دينية. إن تربية الوحش الديني التي يلعبها نتنياهو سوف تفترس الليكود إن لم تكن قد افترسته.
المسألة لا يلخصها بن غفير، وهو مســـتوطن يعيش في مستعمرة «كريات أربع» في الخليل، أو سمورتيتش المقيم في مســــتعمرة «بيت إيل» قرب رام الله. وللــــتذكير، فإن بن غفير، الذي يستعد ليصير وزيراً، عربد طويلاً في المســـجد الأقصى والشيخ جراح، وهو تلميذ مائير كاهانا، داعية الترانسفير، ومعجب بسفاح الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين الذي أطلق النار على المصلين في المسجد الإبراهيمي عام 1994، فقتل 29 مصلياً وجرح 150 قبل أن يُــقتل.
المسألة أكثر وضوحاً وتؤشر إلى بنية مجتمعية استيطانية لن تُبقي مكاناً بين يهود إســرائيل سوى للعنصريين والفاشيين، وتعلن نهاية حتمية لليبرالية إسرائيلية أسست للجريمة وأنكرت مسؤوليتها عنها. واليوم يأتي القاتل ليقول بوضوح إنه قاتل.
إسرائيل صارت وحشاً لا يمكن إيقاظه من هوسه بالدم والتفوق إلا من خارجه. وهذا ليس مسؤولية المجتمع الدولي، الذي لا يعوّل عليه، ولا مســـؤولية أنظمة عربية وظيفتها القمع والنهب، إنها مسؤولية الفلسطينيين أولاً، ومــــسؤولية قواهم المقاومة التي تعمل في ظروف بالغة الصعوبة كي تثبت أن الــــحياة أقوى من الموت.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سنتيك اليونان:

    (اسرائيل صارت وحش..) ومتى كانت حمل وديع وتاريخها مذابح واحتلال وتهجير .البرنامج الصهيوني استيطان فلسطين بكاملها وطرد العرب بالتدريج …الفرق بين الاحزاب في اسرائيل ان بعضها لا يخفي هذا الهدف بينما البعض الاخر يخفيه بستار من الخبث والكذب . اما موضوع ديمقراطية اسرائيل هذا امر نسبي فهناك انتخابات حرة وتداول السلطة وحرية الكلام ……..المطلوب مواجهة اسرائيل بهدوء وموضوعية وكشف مصادر قوتها ومصادر ضعفها والاهم ان يتحد الفلسطينيون تحت راية التحرير

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    الصهاينة يجهزون لترحيل الفلسطينيين من بلادهم !
    هذا ما يقوله بعض من فاز بالإنتخابات الأخيرة !!
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول أليصابات خوري - كندا:

    {{الخطأ الأول هو اعتبار أن إسرائيل دولة ديمقراطية، والدليل هو الانتخابات الدورية التي تجري فيها، والتداول السلمي للسلطة وإلى آخره…}} انتهاء
    أستاذ إلياس، العرب ليسوا في موضع يخولهم انتقاد “لاديمقراطية” أو “لاتسامح” هذا أو ذاك الكيان أو البلد، إذا كانت أنظمتهم كلها آسنة في مستنقعات الديكتاتورية والعنصرية والفاشية والهمجية وما إلى ذلك.. إسرائيل قد لا تبدو ديمقراطية في الظاهر أو في جانب من الجوانب السياسية وخاصة إزاء العرب ككل وليس فقط الفلسطينيين.. ولكنها (أي إسرائيل) ديمقراطية بمعنى الكلمة بالنسبة إلى الإسرائيليين أنفسهم على وجه التحديد، حتى وإن تخلل هكذا ديمقراطية نقاط معتمة هنا وهناك – هذا ليس مديحا ولا مساندة لإسرائيل بأي شكل من الأشكال بقدر ما هو تبيان للحقيقة المرة بأن نظام العدو الصهيوني تجاه شعبه لأكثرُ ديقراطيةً بأضعاف مضاعفة من أي نظام عربي تجاه شعبه على الإطلاق !!؟

    1. يقول الشاعر السعيد:

      الديمقراطية ليست انتخابات وتداول للسلطة فقط. انها قيم واسلوب حكم. اذا انتخبت المافيا مجلس ادارة وتم تداول السلطة بينهم، فلا يعني ان العصابة اصبحت ديمقراطية. جنوب افريقيا كانت ايضا في نظر الغرب واحة للديمقراطية بسبب وجود برلمان (حتى ولو كان عنصريا)، وحكومة منتخبة (حتى لو كانت عنصرية)، ومع ذلك كان الوصف الاكثر دقة لهذا النظام هو ابارتهايد. هتلر تم انتخابه انتخابا، ولكن الانتخابات لم تكن تعني بالنسبة له قيمة ديمقراطية بتاتاً.
      واستطراداً، لا اعرف كيف يكون لنظام يحتل ارضا لشعب آخر دون ارادته، ويسن قوانين تحرم خمس مواطنيه العرب من المساواة، كيف لنا ان نسميه ديمقراطياً!!! دولة عصابات تنتخب مجرمين، وهذا ليس من الديمقراطية في شيء.

  4. يقول اسعد عسفاوي:

    تحليل رائع للواقع، بعيدا عن المغااطات الواقع فيها العالم العربي

  5. يقول رياد:

    نعم ان الحياة اقوي من الموت لعل هذه الحقيقة الغائبة عن نظام الفصل العنصري وحلفائه من دول العمالة الذين اعترفت بهذا الكيان فهم يتناسون ان شعبي لايمكن ان ينسى أن فلسطين محتلة من هدا النظام الابارتايد العنصري الاخير في العالم الحر نعم فهم يبنون نظامهم علي فتل الاخر الذي هجر وعذب واستشهد في سبيل حقه فالتحرير لكنه ما تنازل يوما عن حقه في العوده وللتحرير لكنه محاط بدول معترفه بهذا الكيان العنصري لهذا لم يتمكن حتي الان من استرجاع حقوقه لكن شعبنا القاطن في كل فلسطين التاريخية من البحر آلي نهر هو من سيعيد كتابة التاريخ والسلام

  6. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي الياس خوري. يمين فاشي أو يسار فاشي هذا لايهم طالما أن كلاهما فاشي وهذا اثبته الواقع. بالمناسبة النظام السوري وهو فاشي بكل مواصفاته يعتبر البعض يساري، ويدافع عنه معظم اليسار الأوربي والأمريكي بدعوى أنه يساري (ومثل ذلك مع بوتين الفاشي) وكأنما هكذا معطف يمكن أن يغطي العار! إسرائيل ومنذ تشأتها مشروع إستعماري ومرتبطة بالأستعمار والإمبريالية بشكل مباشر وهذا يعني أن ماوصلت إليه ليس إلا تطور طبيعي وحتى بن غوريون نفسه كان فاشي استعماري (كما تثبت الوثائق التاريخية يومًا بعد يوم) فمن الطبيعي أن يكون أحفاده فاشيين من مختلف الأطياف.

  7. يقول لبنى شعث - فلسطينية مغتربة:

    شكرا جزيلا للأخ الأستاذ إلياس خوري على هذا التقرير المفيد فيما يخص الواقع المزري لانتخابات الكيان الصهيوني ؛ وتشكر خاص موصول أيضا للأخت الأستاذة أليصابات خوري على تعقيبها الحاذق والمنوِّر وبالفعل كما تقولين “نظام العدو الصهيوني تجاه شعبه لأكثرُ ديقراطيةً بأضعاف مضاعفة من أي نظام عربي تجاه شعبه” – هذه حقيقة

إشترك في قائمتنا البريدية