حينما يختفي علم دولة الإمارات عن واجهة مبنى بلدية تل أبيب، يظهر تحته علم الكيان الصهيوني، وحينما يختفي العلم الصهيوني، يظهر فوقه علم الإمارات؛ علمان يتبادلان الأدوار إلى درجة تثير الفزع مرّة، والأسى مرّات.
انتظر الفلسطينيون، ومعهم شرفاء العرب والعالم في كل مكان، ظهور علم تحرير عربي يرفرف، مادياً كان أم افتراضيّاً، فوق مبنى كهذا أو في شارع في حيفا، أو على قمة جبل في القدس.
وانتظرنا..
«أخي جاوز الظالمون المدى»
فلا حقَّ ذاكَ الجهادُ
ولاحقَّ ذاكَ الفِدا!
من المفارقات الرّهيبة أن هذا العلَم، وكلّ علم من أعلام أخوتنا التي وقفنا لها بإجلال في سماء بلادنا كلما ارتفعت، ولنشيدها الوطني كلما صدح، كان من حقّها أن تكون أعلام تحرير، وإذا بها تتحوّل، رغماً عن شعوبها، إلى أعلام احتلال.
كل علم عربي رفرف أو رُفع بعد كل اتفاقية خزي مع الصهاينة، تمّ إجباره على أن يكون في تلك اللحظات المشؤومة علمَ احتلال، قبل أن يستردّه أبناؤه ليرفعوه في مظاهرات احتجاجهم ويحرروه من أسْر تلك اللحظات.
كل يد امتدتْ لتوقّع على اتفاقية خزي كانت يداً أخرى من أيادي بلفور.
كل اتفاقيات السلام وعودُ بلفور جديدة للصهاينة، بإعطائهم وطناً ليس لهم، وهي في الوقت نفسه اتفاقيات انتداب صهيوني على أراضي كل بلد وقّعها.
العلم الصهيوني الذي يرفرف في القاهرة، وفي عمّان، وفي أبو ظبي، هو علم انتداب صهيوني. تغضب وتحزن لهذا، تغضب لما آل إليه وضع هذه العواصم من هشاشة، وتحزن لأن هذه بلادنا التي لا نستطيع إلا أن ندافع عن مدنها وقراها وأنهارها وبحارها وصحاريها ومستقبل أطفالها كما ندافع عن فلسطين نفسها، نحن الذين غنّينا:
والنَّهرُ خلفكِ خندق الأشجارُ
أو خطُّ الدفاع المستحيلْ
والشعب في كفيكِ يحرسُ أرضَ مكةَ والجزيرةْ
مثلما يحمي الخليلْ
ليست عملية تطبيع، وحسب، تلك التي تمّ إشهارها بين نظام الإمارات والكيان الصهيوني، وصْفها كذلك فيه تحجيم لخطورتها، لأن ما حدث هو ميلاد حلف جديد مع الصهيونية ضد فلسطين وقضية فلسطين وشعب فلسطين؛ ضد شهداء هذا الشعب وأسراه وجرحاه ورجاله ونسائه وأطفاله وزيتونه وبحره ونهره، ما حدث ليس وصول طائرة إلى مطار صهيوني، أو وصول مطبّع رخيص والتقاطه الصور في الكنيست صحبة القتلة الصهاينة، ما حدث أكبر من ذلك، إنه خيانة لجوهر عدالة القضية الفلسطينية، تضاف إلى خيانات اتفاقيات سلام السلطات المصرية والأردنية والفلسطينية، الاتفاقيات التي ترفضها شعوبها، كما أنه خيانة لكل مبدأ إنساني احتضنته البشرية ودافعت عنه منذ أن بدأت تعي حقيقة وجودها على هذه الأرض.
نكتب هذا ونحن ندرك تماماً أن اتفاقية العار الجديدة لا تنتمي لقلب شعب الإمارات ولا لروحه، ولا حتى لكل أنظمة الحُكم في الإمارات السّبع، علينا أن ندرك هذا، ونتحدّث فيه، ونعلنه، فثمة شعب عرفناه هناك، ونعرف أن حبه لفلسطين ليس أقل من حبه لوطنه، ونعرف أيضاً كتّاباً ومثقفين رائعين مُدافعين عن فلسطين وقضيتها لم يتبدّلوا، كما نعرف حجم سُعار آخرين ظهروا لنا أكثر قباحة مما تخيّلنا، وقد كنا صفقنا بحرارة لنقائهم الأول، واحتضنّاه! لكن، وكما قال أحمد فؤاد نجم في قصيدته الجميلة التي غنّاها الشيخ إمام:
إللي خانوا العَهْد بينا.. واستباحوا كلِّ حاجة
واستهانوا بالعروبة.. واستكانوا للخواجة
مستحيل حيكونوا منّا.. إحنا حاجه وهمَّ حاجة
لقد رأينا الكثير من هذه النماذج التي تستهلكها أنظمة الفساد والذلّ كما تستهلك المحارم الورقية، وسيُستَهْلَكون، وإن لم تستهلكهم هذه الأنظمة المُستهلكة، سيستهلكهم التاريخ هم وأنظمتهم.
ما الذي سيورّثه مثل هؤلاء لبناتهم وأولادهم وحفيداتهم وأحفادهم؟ ما الذي سيورِّثه من وقّعوا على اتفاقيات العار، غير العار لشعوب نبيلة طيبة وناصعة كاللؤلؤ الذي أكلتْ به خبزها، وبنتْ فيه بيوتها الأولى، وعلّمتْ به أطفالها، وشقّت به طرقها بكلِّ نبالةِ وصفاءِ وشهامةِ الأمهات والآباء والجدّات والأجداد.
سنفتقد اللقاء بهؤلاء الطيبين الذين عرفنا قلوبهم عن قرب، كما نفتقد اللقاء بأغلى أحبتنا، آملين ألا يطول الفراق.
.. كما نقول فلسطين لنا، نحن نقول اليوم الإمارات لنا، وحقّ شعبها في أرضه وثرواته وكرامة أبنائه مثل حقّ شعب فلسطين في أرضه وكرامته وحريته.
لقد سبق وأن كتبتُ هنا منذ ثلاثة أشهر، في ذكرى النكبة: لا نريد فلسطين مُحتَلة أخرى، وللأسف، ها هي فلسطين أخرى تُحتلُّ ويرفع قوّادها علم المُحتَلين بأيديهم في سمائها.
كيف لا يفقه هؤلاء أنهم يحوّلون بلدانهم، ولا أقول أوطانهم، إذ لا وطن لبائع وطنه، كيف لا يفقهون أنهم يحوّلون بلدانهم بأيديهم إلى مجرد مخزون استراتيجي لهذه الإمبراطورية الأمريكية الصهيونية الفجة، التي تبصق في وجه العالم كل صباح كلما قالت لبوارجها وطائراتها وجيوشها: صباح الخير.
أيها المستجيرون من الرمضاء بالنار، ستأكلكم النار؛ فالنار التي اجتاحت دائماً صروح أنظمة الإمبراطوريات الكبرى لا يعيقها القش المحتمي بظلال أسوار تلك الإمبراطوريات.
لا عروش للأعشاب الجافة القابعة في الظلال ولا خلود.
إلى أين يقودون الإمارات اليوم، وفي أي زاوية يحشرونها، هؤلاء الذين يبيعونها بصفاقة مرعبة لأعداء لا علاقة لهم بالضمير ولا بالمبادئ ولا بمفهوم الصداقة ولا بأخلاقيات العِلم أو أيّ حق من حقوق الإنسان في أي مكان. هؤلاء الأعداء الذي بُنِيَ تاريخهم على القتل والهدم والمحو واغتيال الحرية والجمال وتحويل وطن بأكمله إلى معسكر اعتقال.
يكفي أن يرى من يعانقون النازيين الجُدد اليوم حجم الغضب النبيل الذي يشتعل في العالم العربي من مائه إلى مائه، ويكفي أن يطالعوا ما جاء في كبريات الصحف ومقالات المفكرين في العالم لاتفاقية إذعانهم، ليدركوا إلى أي درجة سحقوا وطناً طيباً وشعباً طيباً هادئاً ودَمثاً إلى أبعد الحدود.
يُهزم الإنسان في ساحات المعارك بشرف.
لكنهم يُهزمون في ركوعهم بلا شرف.
ليعيشوا بلا شرف.
أي مستقبل مجهول ذاك الذي ينتظر الإمارات كدولة على عتبات المستقبل؟!
أي أفق، وأي ليل؟
كلّ التوقّعات مُرعبة للأسف.
وبعـــد:
نفهم كيف يقوم ترامب بمنْح القدس للصهاينة من أجل أن يكون رئيساً، وسيّداً للبيت الأبيض.
لكننا لا نفهم كيف يقوم زعيم عربي أو مثقف عربي بمنح فلسطين كلّها للصهاينة من أجل أن يكون عبداً!
علم الإمارات لا يتناسب مع هذه الأبيات التي قالها صفي الدين الحلي:
بيض صنائعنا, سود وقائعنا
خُضر مرابعنا, حمر مواضينا
ولا حول ولا قوة الا بالله
لأنه يؤمن أن سيد هذا العالم هم الصهاينة.لأنه يؤمن حتى المنتهى أن بهم يخلد ملكه و يحمي عرشه و يضمن بقاءه لأحفاده. لأنهم بكل صراحة و بساطة يعبدون الصهيونية و صنمها الأكبر.
هزلت ….هزلت….هزلت
اذا لم تستحي فاصنع ما شئت