نجح الشعب السوداني بكل مكوناته السياسية والعسكرية في التوقيع هذه الأيام على اتفاق تاريخي حول تقاسم السلطة كمرحلة انتقالية نحو إرساء حكم مدني حقيقي، وهذا ما سيحدث في الجزائر على المدى القريب جدا. وتأتي هذه التطورات لتبرز مجددا، أن المؤسسة العسكرية قابلة للتغيير من أداة قمعية إلى أداة وطنية، فهل سيكون الدور على جهاز الاستخبارات الذي يبقى العقبة الكبرى أمام الانتقال نحو الديمقراطية.
عندما اندلعت الموجة الثانية من الربيع العربي في كل من السودان والجزائر، ونجحت المؤسسة العسكرية في عزل كل من الرئيسين، عمر البشير في حالة السودان وعبد العزيز بوتفليقة في حالة الجزائر، ظهرت المقالات في الصحافة الغربية ومراكز التفكير الاستراتيجي، التي تتحدث عن تكرار التجربة المصرية، أي ظهور نوع جديد من السيسي في البلدين. وتضاعفت هذه التكهنات في أعقاب الحديث عن أدوار معينة لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية.
وجرى التعامل مع هذه التكهنات وكأنها من المسلمات المكتوبة على العالم العربي إلى الأبد. وتناسى أصحاب هذه التحاليل الجاهزة، دينامية المجتمعات ودينامية المؤسسات من جيل الى آخر، ومنها كذلك تراجع دور الثورة المضادة. وتعامل معظم الإعلام العربي مع هذه المسلمات بنوع من التقديس، بينما ما كان يجري على أرض الواقع شيء آخر. وعليه، فرغم سقوط القتلى والاحتجاجات والاحتقان، فقد أبان الاتفاق السوداني عن نضج حقيقي للمجتمع المدني، بالأخص للمؤسسة العسكرية السودانية، حيث أكدت، بعد تنقية صفوفها من الانقلابيين، أنها كانت تبحث عن الصيغ المناسبة لتحقيق الانتقال. ويتكرر السيناريو نفسه مع المؤسسة العسكرية الجزائرية، فجيش 2019 ليس هو جيش 1992 الانقلابي ضد التجربة الديمقراطية. ويغيب عن الكثير من الباحثين في الغرب التطورات العميقة في العالم العربي، إذ يصعب عليهم رصد ما يجري مثلا في المؤسسة العسكرية من جنود كانوا تاريخيا في الثكنات والآن منفتحون على المجتمع، وأغلبهم يتوفر على حساب بدون هويته في شبكات التواصل الاجتماعي، ينتقد السلطة التي يعمل لصالحها وينتظر ساعة التغيير. عمليات الانتقال الديمقراطي هي مخاض يتطلب صبرا وزمنا، ومن أبرز تجارب الانتقال الديمقراطي ما حدث في إسبانيا بعد رحيل الجنرال فرانسيسكو فرانكو، فقط تطلب الانتقال سنوات، بل تعرضت البلاد لعمليات انقلاب عسكري فاشلة آخرها يوم 23 فبراير/شباط 1981، علما أن إسبانيا بلد أوروبي.
أبان الاتفاق السوداني عن نضج حقيقي للمجتمع المدني، وبالأخص للمؤسسة العسكرية السودانية
لقد بدأت المؤسسات العسكرية العربية تدرك أنه حان وقت التغيير، لقد رأت بأم أعينها، الشعارات الفارغة للزعماء الذين كانت تحميهم، وتبين لها لاحقا أن أغلبهم من طينة «اللصوص»، اغتنوا وأغنوا محيطهم من أموال الشعب وفرطوا في الوحدة الوطنية وثوابت الوطن، بل لعبوا دورا لصالح القوى الدولية على رأسها تهريب ثروات الشعب الى الحسابات في الخارج، لقد كانوا بالنسبة لشعوبهم بمثابة «بلاك ووتر» شركة الأمن – العسكري الأمريكي سيئة الذكر في العراق وحرب اليمن. الجندي العربي الآن يكتسب تدريجيا وعيا سياسيا يختلف عن تلك الدروس من الوطنية الرخيصة، التي جرى تلقينه إياها في الثكنات، وهي تجسيد العدو في القوى الحية الراغبة في الديمقراطية والشفافية وليس في عدو خارجي. الجندي الآن وبفضل شبكات التواصل الاجتماعي والإنترنت يدرك فساد النظام الذي يعمل تحت مظلته.
عموما، تنقص دراسات سوسيولوجية خاصة بالمؤسسة العسكرية العربية، لرصد التطورات التي تسجلها في ظل التغيرات الحالية، وهي مؤشرات قوية على تغييرات إيجابية، رغم بعض النكسات المحدودة بين الحين والآخر. لكن الأهم نحو الانتقال هو ضرورة تركيز الشعوب على التغيير في صفوف ومفهوم عمل الأجهزة الاستخباراتية. لقد نجحت الثورة السودانية بعد تحييد نسبي وتدريجي لدور الاستخبارات، من خلال اعتقال مدير هذا الجهاز صلاح قوش. وتنجح الثورة الجزائرية وستنتهي بالديمقراطية نتيجة تقليص دور المخابرات باعتقال مديرها طرطاق وسلفه في المنصب توفيق مدين، وإعادتها الى الجيش. وليس من باب الصدف أن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي لم يجد معارضة من طرف ضباط المؤسسة العسكرية، الذين أجبروا الرئيس الأسبق حسني مبارك على التنحي، بل وجد المعارضة والانقلاب من عبد الفتاح السيسي القادم من صفوف المخابرات الحربية. واندلع الربيع العربي بعدما وقف الجيش في وجه الاستخبارات التونسية، ونزل الى الشارع لحماية الشعب من نظام بن علي، إنها من اللحظات المفصلية في التاريخ العربي خلال القرن 21، التي لا ينتبه لها الكثير من الباحثين.
هناك فرق بين المؤسسة العسكرية والاستخباراتية، الأولى تكون أحيانا على الهامش ولكن تبقى وطنية في العمق، والثانية تتبنى وطنية شوفينية تنخرط في الدفاع عن النظام الحاكم، وفي حالة العالم العربي، النظام الفاسد في أغلب الأحيان، ولا تقوم بالدفاع عن الوطن، بل تؤمن بتعرض النظام الحاكم للمؤامرات، وبالتالي تجتهد في إعداد ملفات الاعتقال والملاحقة والاغتيال. ومن خلال الكثير من التجارب الدولية، كانت المؤسسة العسكرية هي التي وقفت في وجه جبروت الاستخبارات وقادت البلاد الى الانتقال الديمقراطي.
لضمان بناء الديمقراطية في العالم العربي، يتطلب الأمر إعادة النظر في دور جهاز الاستخبارات. إذ لا يتوفر العالم العربي على استخبارات وطنية مثل الغربية التي تدافع عن مصالح البلاد، بل ليست حتى في مستوى الروسية والصينية التي تمزج بين القمع وخدمة الأهداف الوطنية الحقيقية مثل، التجسس الصناعي والاقتصادي، بل يتوفر العالم العربي على أجهزة تتنافس في القمع والاغتيال وتتبارى في خدمة الأنظمة الفاسدة.
المرحلة الجديدة من الربيع العربي بدأت تحمل معها، وفق التجربة السودانية والجزائرية وقبلها التونسية، تقزيم وتقليص دور الاستخبارات، بمفهومها الدموي السابق. وعليه، الثورات المقبلة في الدول التي تعاني من الديكتاتورية مطالبة بمخاطبة الجيش والعمل على تقزيم الاستخبارات.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
ملاحظة مهمة للغاية نتمنى تعميمها في باقي الدول العربية
فليكن وسطا الإنتقال الديمقراطي في الجزائر وكل طرف يتنازل من جانبه لفائدة الجزائر فالشد والجذب لم يضف إلى نتيجة.
الحل أن يأخذ الشعب ما يريد. والذين حكموا قبل الحراك يعتذروا للشعب وكل من أخذ ما ليس له يعيده إلى الخزينة العامة وذلك من خلال مصالحة.
أما الجيش فيبقى على الحياد بعد تمكين الشعب من الحكم.
والضامن هو دستور تشارك فيه كل الأطراف بما فيه الشعب عبر تشريعيات للغرض.
الحمد لله ان ما كنا نقوله قبلا عن اختلاف حالة الجزائر عن مصر وسوريا وعن تطور المؤسسة العسكرية الجزائرية وعيا وانفتاحا على الديمقراطية بعد ما عاشته الجزائر في التسعينات من خلال اطارات شابة ومتعلمك قد بدأ يظهر للعيان بعد حملات مغرضة كانت تشنها اطراف ارادت ان تركب الحراك وتدفع به نحو احراق الجزائر بتأليب الجماهير ضد الجيش رغم ما تحلى به هذا الأخير من سلمية تدخلاته حيث لم يسجل أي ضحية له في الاحتجاجات والمسيرات المليونية..
الاشارة الي الاختلافات الجوهرية بين المؤسسة العسكرية وللاستخيارات مهم جدا ولعل ذلك يثير انتباه من لا تزال المخابرات في بلده عمودا فقريا في الدولة تتحكم في كل صغيرة وكبيرة من خلال جموع القياد والباشوات وخدام الدولة وجموع أخرى اقل شئنا وآخرين لا يمكن الاشارة لهم.
جيش الجزائر الوطني هو ابن الشعب وغي خدمة الشعب.. لا هو طائفي ولا جهوي ولا هو في خدمة شهص واحد..
جيش سعب خاوة خاوة..
رب ضارة نافعة ومصائب قوم عند قوم فوائد, فلعل تورط الرياض وأبوظبي في مستنقع الحرب الأهلية اليمنية وأزمة الملاحة بالخليج العربي ثم تهديد الحوثي للأراضي السعودية والإماراتية شغلهم عن تركيز جهودهم لإجهاض حراك السودان والجزائر. الأمر كان مختلف إبان الإنقلاب على أول تجربة ديموقراطية في مصر حيث تم ضخ ملايير البيترودولار للإنقلابيين واللوبيات في الغرب لشراء صمت الحكام لديهم.
الكاتب متفائل أكثر من اللازم، وإن كان التفاؤل مطلوبا في كل مكان وزمان مهما كانت الظلمات كثيفة. المؤسسات العسكرية بنيت بناء خاطئا وليست مؤهلة إلا لقتال شعوبها، فقد وضعت مخططات الانقلابات العسكرية بعد النكبةعام 48 لتستأصل الإسلام بوصفه عنصر المقاومة الحقيقي للكيان الصهيوني، وكان من يخططون للانقلابات على وعي بأن طبقة العساكر من الجهل بمكان،وأنها تسعى للسيادةالطبقية قبل القتال ضد العدو الصهيوني. لقد تحولوا إلى ملوك غير متوجين، وكانت غايتهم تأمين الكراسي والمكاسب، ولهذا جعلوا المخابرات تقود السياسة الخارجية،وجعلوا أمن الدولة تقود السياسة الداخلية، ولأن الجهل يحكم الطرفين، فقد انتكس الخارج والداخل، وكان النجاح الوحيد هو قمع المواطن العربي وإذلاله، وقتله في مذابح غير مسبوقة في التاريخ (رابعة وأخواتها مثلا)، ولذا لم يبالوا بالركوع أمام العدو الصهيوني والاستسلام له. ماجرى في السودان لن يحدث في الجزائر إلا إذا استمر الشعب في الحراك إلى أمد بعيد. وقد تحمل السودانيون صفقة فيها غبن كبير حقنا للدماء التي لم يتورع العسكر عن سفك عينة منها في اعتصام القيادة، والله غالب على أمره!
بالعالم العربي يشكل منتسبوا مؤسسات عسكرية وأمنية ومتقاعدوهم ومؤسسات خدمية تابعة لهم وعائلاتهم وأقربائهم وأصدقاؤهم ثلثي مواطني كل دولة، ويبقون الأقرب لعامة الشعب ولمتدينين معتدلين ولمعظم أصحاب مصالح تجارية وصناعية ولأغلبية صامتة تخرج عن صمتها كلما نزلت نازلة بالوطن أو انفلت أمن وسلام المجتمع، وبالتالي ينجح حلفاؤهم ولا ينجح أعداؤهم أو من يقصيهم بالوصول للسلطة أو البقاء فيها حتى لو استعانوا بدول غربية ومؤسسات مجتمع مدني ممولة من الغرب ومغتربين متأهبين لقنص السلطة وشفط الثروة، إذن الأفضل تحالف معهم.
لا أتفق مع عنوان (الانتقال الديمقراطي يتطلب مخاطبة الجيش وتهميش الاستخبارات العربية) لمقال المغاربي د حسين مجدوبي في جريدة القدس العربي، والأهم لماذا لا أتفق معه؟!
فالمخزن في المغرب، هو مطبخ أي قرار سياسي/ثقافي/إعلامي في دولة الحداثة، وجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وفق محددات سايكس وبيكو تعمل بذلك.
ولاحظت على أرض الواقع، كانت فقط دول مجلس التعاون في الخليج العربي وتايوان مطبخ أي قرار فيها أساسه الإقتصاد أولاً وأخيراً،
بلا أمن/سياسة/ثقافة وخزعبلاتها، حتى نهاية الحرب العراقية الإيرانية يوم 8/8/1988 وثبتت رؤية الهلال لتغيير سياسة/ثقافة/أمن هذه الدول يوم 2/8/1990، واكتمل مع فرض جورج بوش الأب موضوع الترتيب الجديد للعالم، تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدولي وأخيراً معهد الحوكمة الكندي في 2018.
ودليلي على ذلك قول الرئيس عبدالفتاح السيسي أن عقد توقيع اتفاقية استرجاع الجزر السعودية من مصر،
وقعه الرئيس حسني مبارك أثناء عاصفة الصحراء/أم المعارك وجيوشه تحارب معهم عام 1991، بينما الآن الجيش المصري لا يحارب في عاصفة الحزم،
عكس الجيش السوداني الذي رفض المشاركة في عاصفة الصحراء ضد ممثلي الفكر القومي العربي وشارك في عاصفة الحزم ضد ممثلي الفكر القومي الفارسي تحت قيادة الفريق عمر البشير.
لأن من وجهة نظري كل العالم ملتهب، خوفاً من شيء مشابه للإنقلاب في تركيا عام 2016، وهل يمكن أن يفشل كما فشل في تركيا، أم لا؟!
فبدون تشخيص صحيح، لن يمكن إيجاد حلول صحيحة،
ولذلك يجب الرجوع إلى عقلية المطبخ التي كونت مجلس التعاون في الخليج عام 1980 وحتى 8/8/1988 تاريخ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية من وجهة نظري على الأقل،
لمن يبحث عن حلول بواسطة الأتمتة (وقف بسطة (صالح)) في الإنتقال من الإقتصاد الورقي إلى الإقتصاد الرقمي/ الإليكتروني.??
??????
ارتداء النظارات السوداء لدى جميع افراد المخابرات العربية لإخفاء ما تبوح به عيونهم من نوايا سيئة وشرور نحو شعوبهم بحيث صار الشعب هو العدو الوحيد لهم اما عداوة الخارج كإسرائيل مثلا فأنهم لا يملكون إلا الخضوع والاستسلام لها . لذا انا اضم صوتي للكاتب المحترم في تهميش المخابرات وإخضاعها لسيطرة الجيش وليس العكس .
الاستاذ مجذوبي متفاءل أكثر مما يجب. ربما ينخدع الحراك الثوري بالاتفاقات الغادرة فيخمد قليلا ،لكن مناورات الديكتاتورية لن تتوقف لأحكام سيطرتها على الشعوب المنتفضة وإعادة تدجينها. لقد أغفل أستاذنا عامل الغرب الذي يسخر كل امكاناته ودعمه لإجهاض أي استقلال حقيقي للدول العربية . المنطقة مقبلة على كوارث بعد أن وثقت بالسلطة الديكتاتورية فاسترجع الطغاة أنفاسهم والان سترون فتكا بالشعوب العربية لم تروه من قبل فانتظروا اني معكم من المنتظرين.