الانتهاء من إعداد الدستور واتهامات لشعب مصر بخيانة الشهداء لتأييده قانون التظاهر

حجم الخط
0

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ كل الأخبار والموضوعات والأحداث في صحف يومي السبت والأحد، رغم عنف بعضها تعكس استمرار النظام في السير بثقة شديدة نحو تنفيذ مراحل خارطة المستقبل، فقد أوشكت لجنة الخمسين لإعداد الدستور على الانتهاء منه بعد ساعات، بعد الاتفاق على مئة وثمانية وثلاثين مادة من أصل مئتين وسبعة وأربعين، استعداداً لطرحه للاستفتاء، مع ثقة زائدة بإقبال شعبي كبير للموافقة عليه، وهو ما يبدو صحيحاً حتى الآن.
وأعلن صديقنا العزيز اللواء هاني عبداللطيف المتحدث باسم وزارة الداخلية عن ضربة موجعة وجهتها الوزارة ضد الإرهاب، بإلقاء القبض على احمد عزت محمد شعبان المنفذ لعملية اغتيال المقدم بالأمن الوطني محمد مبروك، بعد معركة بالرصاص في منزله بمدينة الرحاب بالقاهرة، استمرت ست ساعات اصيب خلالها ضابط وجندي، والعثور على ترسانة أسلحة في الشقة.
وسمحت الشرطة بأكثر من مظاهرة، للاحتجاج على قانون تنظيم التظاهر وعنف الشرطة. وتحديد محكمة جنح مستأنف قسم سيدي جابر بالإسكندرية يوم السبت القادم للنظر في استئناف الأحكام الصادرة على عدد من فتيات الإخوان المشاركات في جماعة ‘سبعة الصبح’، واتهامهن بتعطيل المواصفات والاعتداء على المواطنين باستخدام أسلحة وتحطيم واجهات محلات تجارية، وسط انقسامات ما بين مطالب بالإفراج عنهن ومطالب بتطبيق القانون على الجميع. والسخرية من السماح للنساء والبنات بعدم الالتزام بالقانون وتطبيقه على الرجال والشباب. وتجديد حبس أربعة وعشرين من المتهمين في المظاهرة امام مجلس الشورى، واشتباكات امام محكمة عابدين بالقاهرة بين بعض الناشطين والأهالي أثناء تحقيق النيابة مع أحمد ماهر، منسق حركة السادس من ابريل السابق، والبحث عن حل للأزمة بين النيابة والشرطة في محافظة الغربية، واستمرار التحقيقات في مقتل طالب هندسة القاهرة، والقبض بأمر من النيابة على صديقنا الشيخ عبدالرحمن بن لطفي أمين حزب الاستقلال.
وإلى بعض مما عندنا:

الجسر الميري المؤبد الذي سيزيل
ورقة التوت المدنية عن جسد البلاد

ونبدأ بالخلافات حول قانون تنظيم التظاهر وما حدث أمام مجلس الشورى ضده، وردود الأفعال عليه وبدأها يوم الخميس زميلنا وصديقنا متعدد المواهب بلال فضل بقوله في بابه اليومي بـ’الشروق’ (اصطباحة):
‘عندما حاول الإخوان ورئيسهم سيئ الذكر محمد مرسي فرض قانون التظاهر، الذي لا يختلف في جوهره عن قانون التيار السيسي هاجت الدنيا وماجت دفاعاً عن الحريات، وهجا الجميع الرئيس الذي جاء بالتظاهر، فقرر أن يمنع التظاهر، لكن عندما فرضت ‘حكومة الأيدي المرتعشة في كل شيء إلا القتل’ قانوناً ألعن وأضل لم تستنكر إلا أصوات قليلة منع التظاهر على يد سلطة لم تصل إلى مقاعدها إلا بالتظاهر. عندما قامت الدولة الأمنية بارتكاب مذبحة رابعة لاحقت اللعنات كل من اعترض أو أدان، أو حتى تساءل، وعندما قتلت الدولة الأمنية بدم بارد أكثر من ثلاثين مواطناً مسجونين في سيارة ترحيلات، لم يعلن أحد من المدنيين المرتمين في أحضان الدولة الأمنية والمقدرين لجميلها، عن استيائه مما حدث، ولم يهدد بالانسحاب من موقعه، لأن القتلى كانوا من ‘الأغيار’ الذين لا يستوجب قتلهم الإدانة، ولذلك تعامل أصحاب الأفكار المدنية الحضارية مع هؤلاء بوصفهم ‘خسائر جانبية’، تماماً كما تعامل كثير من أنصار تيارات الشعارات الإسلامية مع الضباط والجنود الذين يتم اغتيالهم كل يوم، والثاني على أن دمهم مباح طالما أنهم يقفون في صف الدولة التي أطاحت بمرسي من على كرسيه. للأسف لم يفهم الببلاوي وكل الذين قبلوا الاستمرار في تحالف الوطنية الدموية داخل السلطة أو على ضفافها، أن سلطة اللواءات لن ترضى عنهم إلا إذا سلموا أنفسهم لها تماماً كما يسلم أي جندي نفسه لقائد الكتيبة، وأن تفريطهم المتواصل في مبادئ الإنسانية والحرية لن ينفي عنهم تهمة أنهم من مؤيدي نكسة يناير ومن الخلايا النائمة، إن سلطة اللواءات اتخذتهم جسراً ورقياً ترعى عملية إحراقه بانتظام لمواصلة تكفير الناس بأي حل مدني ديمقراطي ليصفق الناس بانبهار لعمليات نصب الجسر الميري المؤبد الذي سيزيل ورقة التوت المدنية عن جسد البلاد ويكسوها كلها بالكاكي وسط تصفيق حاد من فرقة الموالين الجدد الجاهزين بالاستشهادات التاريخية والمعاصرة’.

محاولات إحياء ‘رميم’ دولة
مبارك خيانة لدماء الشهداء

وإلى ‘الوطن’ في نفس اليوم وأستاذ الصحافة بجامعة القاهرة ومستشار جريدة ‘الوطن’ الدكتور محمود خليل واتخاذه موقفاً مشابها لموقف بلال في عموده اليومي، وقوله فيه:
‘كلام شماشرجية السلطة الجديدة حول الفرصة التي يمكن أن يمنحها الثوار للجماعة الموتورة بنزولهم إلى الشوارع، هو ‘حق يراد به باطل’ فوجود حالة من القلق داخل المشهد السياسي الحالي قد تفيد الإخوان بعض الشيء دعائياً، أما وجه الباطل فيرتبط بأن تظاهر الثوار في الشوارع لن يمنح الجماعة فرصة للعودة للحكم بحال، لأن الثوار هم من أزاحوهم، والأخطر أن سكوت ثوار يناير عن المحاولات الحثيثة والفاضحة لإحياء ‘رميم’ دولة مبارك القمعية يمثل تنكرا واضحاً لقيم وأهداف ومطالب ثورة يناير وخيانة لدماء الشهداء التي أريقت من أجل التغيير، خلاصة القول إن ثوار يناير هم الذين تعلموا الدرس وفهموا أنهم كانوا واحدة من المطايا التي اعتلتها جماعة الإخوان حتى تصل الى الحكم، ولن يكرروا الخطأ مرتين ليصبحوا مطية لإحياء عظام دولة القمع، بعد أن صارت ‘رميماً’ فليصرخ شماشرجية السلطة وصبيان الأمن في وسائل الإعلام كما يحبون، فسوف تضعون في النهاية خيبتكم على خيبتكم، جعجعوا على راحتكم!’.

كلام صاحب القرار وطنية
والخلاف معه مؤامرة ضد الدولة

والمهاجم الثالث في نفس اليوم الخميس للقانون كان زميلنا وائل عبدالفتاح في ‘التحرير’ وقوله في عموده اليومي:
‘مبروك، لقد عادت الماكينات الهادرة للأمن، عادت ومعها الأمن والأمان والدراما المعتادة للانتهاكات والضرب والشتائم والتحرش الجنسي وإهدار الكرامة والمرمطة، عاد ما يوحي بالأمن فالضباط والجنود وأمناء الشرطة كشروا عن أنيابهم وجربوا الزي الجديد واختبروا إمكانية أن يحميهم قانون التظاهر، هنا إذن قوى تتمتع بالصلف والغباء تتصور أنه يمكن إعادة تركيب مباركية بدون مبارك، وهذا ما جعلهم يظهرون أمس بكل بجاحتهم، لا يرون في أي خلاف سوى مؤامرة أو خيانة، على اعتبار أن كلام صاحب القرار هو الوطنية، والخلاف معه عمالة أو مؤامرة ضد الدولة، والمدهش أن هناك من يتصور انه عندما يمارس نفس تسلط مبارك أو المرسي لن نعتبره تسلطا، أو الذي يصور نفسه هو أو مؤسسته أوصياء على الدولة أو فوق الدولة لن تواجه ذلك، لأن من يفعل ذلك كان معنا في الميادين ضد المرسي، ولهؤلاء نقول لهم إننا لم نعد نحتمل استعراضات الحواة المفترسين’.

لماذا هب الثورجية واستيقظوا
فجأة بحجة قانون التظاهر؟

وعلى طريقة ثلاثة في مواجهة ثلاثة، نسرع إلى ‘اليوم السابع’ في ذات اليوم لنكون مع زميلنا عادل السنهوري (ناصري) وقوله ساخراً من الثلاثة السابقين في عموده اليومي:
‘لماذا هب الثورجية واستيقظوا فجأة بحجة قانون التظاهر ومحاولة التظاهر الأجوف، بالخوف على مستقبل الحرية والتعبير حتى قبل قراءة مواد القانون، والمطالبة بتعديله، هل كان الغرض تحدي إرادة الدولة وكسر هيبتها في أول تطبيق عملي للقانون، لفرض سياسة الفوضى والعشوائية الإجبارية التي يتألق ويبدع فيها هؤلاء البلهاء، لأنها توفر لهم غطاء الشرعية في الوجود في الفضائيات وصفحات الجرائد بعد أن ظن الناس انهم اختفوا للأبد بعد الثلاثين من يونيو، وبعد ان تناسى المجتمع جرائم بعضهم في حريق المجمع العلمي ودعم الإخوان، والوقوف خلف مرسي في فيرمونت، وكانوا أول من دفع الثمن في زمن حكم المعزول، فأحد هؤلاء الصبية من الثوار تم التحقيق معه وسجنه وأطلقت سراحه ثلاثين يونيو، التي لا يعترف بها مع باقي المراهقين الذين وقفوا أمام الشورى لتحدي الدولة والقانون، وهتفوا، يسقط حكم العسكر، لم نسمع لهؤلاء صوتاً ولم نرهم ينظمون وقفات أو مسيرات للتنديد بالإرهاب الذي يحصد يومياً أرواح أبنائنا، لم يندد أحد فيهم بمسيرات العنف الإخوانية، ليس لهم هم واهتمام سوى سقوط الدولة معاداة الجيش والشرطة لأنهم لا يريدون الدولة ولا القانون وإنما يسعون للفوضى والخراب، فهي الملاذ الآمن لهم للعيش فيها’.

ما الخطأ الذي ارتكبته
هذه الحكومة التعيسة؟

والمهاجم الثاني في نفس العدد كان زميلنا عبدالفتاح عبدالمنعم وقوله:
‘أسوأ ما في قانون التظاهر أنه أعاد لنا الوجوه الكريهة التي كانت اختفت منذ مظاهرات الغضب الكبرى يوم 30 يونيو، التي أطاحت بجماعة الإخوان حليفة هذه الوجوه من المراهقين، للأسف أعاد هذا القانون الغريب في توقيته كل من اختفي من على الساحة وكأنهم كانوا ينتظرون خطأ ما ترتكبه هذه الحكومة التعيسة’ حتى ينقضوا عليها وعلى مصر بحجة حماية مكتسبات ‘الثورة’، ولا أعرف ما هي الثورة التي قاموا بها حتى يطالبوا بحمايتها’.

حزب الكنبة يرقب ما يحدث
وسيكشف عن ثورته لحماية وطنه

وعلى طريقة من كل بستان زهرة، ننتقل إلى ‘وفد’ السبت لنرى ماذا عند القيادي الوفدي محمد عبدالغفار، قال أكرمه الله وكثر من أمثاله:
‘القانون أو الفوضى، الوطن أو الانهيار، المواطن البسيط يريد الاستقرار، الأمن والأمان، العيش بكرامة، الحرية، حزب الكنبة الذي يمثل ملايين المصريين البسطاء أرهقتهم مظاهرات العنف. والائتلافات والحركات والتيارات بعضها بريء والبعض الآخر مدفوع الأجر لتحطيم الوطن، تمويل أجنبي لحركات بعينها ولأشخاص معروفين للجميع قبضوا الآلاف بل الملايين من الدولارات للرقص على جثة الوطن ولتعطيل خارطة الطريق لصالح جهات داخلية ومخابرات أجنبية، وحزب الكنبة الذي خرج بالملايين في ثورة يناير يرقب ما يحدث، وفي لحظة سيكشف عن ثورته لحماية وطنه، وللأسف بعض السياسيين الطامعين في كرسي الرئاسة سمعنا بعضهم يرفض، من اجل حفنة ممن يطلقون على أنفسهم ثواراً وننصحهم ان يقرأوا قانون التظاهر في بريطانيا أو فرنسا أو سويسرا، لكنهم لم يعرفوا القراءة أبداً، لو كانوا يقرأون كانوا قد علموا ماذا فعلت أمريكا نفسها منذ شهور قليلة قريبة عندما تظاهر المحتجون على قانون الهجرة في واشنطن، تم التعامل معهم بالعنف المفرط، وماذا فعلت شرطة أردوغان في ميدان تقسيم بالمتظاهرين، وأريد أن أسألهم: هل يعجبهم عنف المظاهرات في جامعات الأزهر وعين شمس، لقد زهق الشعب منكم جميعاً’.

محاولات بعض الحركات
ابقاء البلد ‘محلك سر’!

ونظل في نفس عدد ‘الوفد’، لنكون مع زميلتنا اليسارية الجميلة وعضو اللجنة المركزية لحزب التجمع ومديرة تحرير جريدته الاسبوعية ‘الأهالي’ أمينة النقاش ونقرأ لها قولها:
‘قدمت حركات 6 ابريل والاشتراكيون الثوريون وحلفاؤهم من الحركات الشبابية التي يحيط بها الغموض وعلامات استفهام، من دون إجابات واضحة، ويجمع بينها مشترك واحد هو العداء لثورة 30 يونيو، قبلة الحياة لما يسمى تحالف دعم الشرعية، الذي فشل على امتداد أسابيع في حشد متظاهرين ‘ضد الانقلاب’، بعد أن نجحت قوات الأمن في تطويق أعمالهم التخريبية، فخرج الجناح الثوري للإخوان لينوب عنهم في مهمتهم المقدسة، إسقاط هيبة الدولة، مشترك واحد ايضا يجمع معظم من يعارضون القانون الجديد الذي ينظم الحق في التظاهر هو معاداة ثورة يونيو وما أسفر عنها من خارطة للمستقبل دخلت أهم خطواتها مرحلة التنفيذ، وهو ما يدفع الجماعة وحلفاءها من اليمين واليسار لاختلاق مواجهات لعرقلة المضي قدماً في إنجاز بقية مراحلها وإبقاء البلد محلك سر’.

قانون التظاهر قتل
ثورة مصر في مهدها

ونترك ‘الوفد’ ونتوجه إلى ‘أخبار اليوم’ الحكومية وزميلنا صابر شوكت الذي لم يعجبه ما أخبرته به عما نشر في ‘الوفد’ و’اليوم السابع’، وصاح يوم السبت قائلاً:
‘أدعو ملايين الثوار في أرجاء مصر الذين قاموا بثورتي 25 يناير، و30 يونيو ومعهم أهالي آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا فداء، لينال شعب مصر العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، بهاتين الثورتين أدعوهم جميعاً الى التوجه إلى الله بالدعاء على من يشارك في وضع هذا القانون الفضيحة المسمى قانون حق التظاهر الذي أعدته حكومة الببلاوي الانتقالية، وأتوجه بالدعاء إلى أرواح آلاف الشهداء الذين سقطوا في الثورتين أن يغفروا لشعب مصر الصابر خطيئته في حقهم بأنه لم يحافظ على الثورتين اللتين استشهدوا من أجلهما، ذهبوا الى السماء فرحين بأنهم تركوا آباءهم وأمهاتهم وأخواتهم وأبناءهم ينعمون بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية على أرض مصر الطاهرة، إن أرواح جيكا والحسيني أبو ضيف وخالد سعيد والآلاف من شهداء ثورتي مصر يرقبوننا في حزن وغضب من فوق عرش الرحمن لكل من ساهم في وضع هذا القانون وشجع عليه وهلل له، لأنهم ارتكبوا جريمة مروعة في حقهم وهي قتل ثورة مصر في مهدها، إن الضمير الإنساني والأمانة المهنية تأبى على حملة الأقلام الشرفاء المشاركة في حملة تضليل شعب مصر وملايين الثوار، بترويج قانون ‘قتل الثورة’ على انه صدر من أجل حرية حق التظاهر السلمي لعدة أسباب جوهرية:
أولها أن هذه المرحلة الانتقالية بحكومتها برئيس جمهوريتها المؤقت وفقاً للأعراف والقوانين الدولية ليس من حقها إصدار أي قانون يتعلق بالحريات العامة للشعب. المتشدقون بأن مثل هذا القانون موجود بالعالم الحر في بريطانيا وفرنسا وأمريكا نؤكد لهم، إن كانوا يعيشون في غيبوبة، ان هذه دول مستقرة منذ عشرات السنين بحكومات منتخبة من شعوبها وضعت قوانين تحفظ شعوبها، والأهم أن جميعها ليس بها قانون غاب مثلما حدث في قانون التظاهر الذي وضعتموه في مصر’.
لكن في نفس عدد ‘اخبار اليوم’ قام كل من زميلنا إمام الساخرين أحمد رجب وزميلنا الرسام الموهوب مصطفي حسين الأول بفكرته، والثاني برسمه، بشرح مواقف القوى الثورية، فقبل صدور القانون خرجوا هم أنفسهم يهتفون، يسقط الدكتاتور الببلاوي، يسقط قانون التظاهر، يسقط الببلاوي قاهر الحريات.

اللهم ما خرجنا إلا ابتغاء وجهك
نصرة لشريعتك ورفعاً لراية دينك

وإلى الظاهرة التي تعكس الحالة التي تعيشها الجماعة، تيارات وأفرادا وامتدت الى مفتيهم وعضو مكتب الارشاد الاستاذ بجامعة الأزهر، الدكتور عبدالرحمن البر، في جريدة ‘الحرية والعدالة’ قوله والدموع تتساقط من عينيه حسرة على السلطان الذي ضاع: ‘اللهم ان هذا حالنا لا يخفي عليك وهذا ضعفنا وذلنا ظاهر بين يديك ولا حول لنا ولا قوة إلا بك وما خرجنا إلا ابتغاء وجهك نصرة لشريعتك ورفعاً لراية دينك وإعزازاً لأوطاننا وحفظاً لحرياتنا وحرماننا، فاللهم افتح لنا فتحاً مبيناً وأهدنا صراطاً مستقيما وانصرنا نصراً عزيزاً وأتم علينا نعمتك وأنزل في قلوبنا سكينتك وأنشر علينا فضلك ورحمتك وأثبنا فرجاً قريباً عاجلاً غير آجل.
يا كاشف الكرب العظيم اكشف كربنا وهمنا وغمنا فإنك ترى حالنا وحال إخواننا، إلهنا إن كانت اسقطتنا الخطايا لديك فأصفحها لنا بحسن توكلنا عليك، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين، اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيرا كبيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم، اللهم إنا نعوذ بك من شر ما عملنا ومن شر ما لم نعمل، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك وجميع سخطك، اللهم يا سميع الدعوات يا مقيل العثرات يا قاضي الحاجات، يا كاشف الكربات يا رفيع الدرجات ويا غافر الزلات أجب دعواتنا، وأقل عثراتنا، واقض حاجاتنا واكشف كرباتنا، واغفر زلاتنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم المفسدين وانصرنا على القوم الظالمين’.

لا نعرف ما نريد ولا نعرف
ماذا نبني محل ما نسقطه

وننتقل الى جريدة ‘المصري اليوم’ لنتساءل مع الكاتب عز الدين شكري هل ان القائمين على الدولة يئسوا منا وقرروا الاعتماد على قوتهم الذاتية او على قوى سياسية جديدة؟ من خلال مقاله ‘ماذا نريد؟’ الذي يقول فيه:’السؤال التقليدي لدى القائمين على الدولة وأنصارهم- المعروفين شعبياً بحزب الكنبة- هو: ماذا يريد أنصار الثورة؟ والافتراض الشائع لديهم أننا نرفض فقط، نريد الهدم فقط، أننا لا نعرف ما نريد ولا نعرف ماذا نبنى محل ما نسقطه. وأننا- مجمل أنصار الثورة- نخرج كل فترة بمطالب جديدة ومتزايدة. استشهادات الدولة وأنصارها كثيرة: فقد بدأنا بمطالب سبعة تتعلق بخلق مناخ يسمح بانتخابات تعددية حرة (مطالب الجمعية الوطنية للتغيير)، لكننا طورنا مطالبنا بسرعة خلال ‘أيام التحرير’ الثمانية عشر إلى رحيل مبارك، فوراً، وبعدها أضيفت للقائمة حل الحزب الوطني، ثم حل أمن الدولة، ثم تعطيل الدستور، ثم القصاص للشهداء، ثم المحاسبة عن كل جرائم الماضي، ثم بعد ذلك إعادة هيكلة الداخلية ثم عودة العسكر للثكنات، وهكذا، في سلسلة طويلة انتهاء بالمطالبات المتعلقة بالدستور الحالي.
والافتراض الشائع أيضاً لدى القائمين على الدولة وأنصارها أن أي إجراء يتخذونه لن يرضينا، منذ تغيير الحكومة في أول فبراير 2011، مروراً بتعيين مرشح الثورة عصام شرف رئيساً للوزارة والتغييرات الواسعة في صفوف وزارة الداخلية وقتها وقرارات رعاية مصابي شهداء الثورة وإنشاء لجان تقصي الحقائق وإقصاء الحزب الوطني وقياداته، وتعيين البرادعي نائباً للرئيس والببلاوي رئيساً لحكومة ذات صلاحيات واسعة ومعظم وزرائها من رموز المعسكر الديمقراطي، وانتهاء بالنصب التذكاري الحزين الذي أقيم وهدم في ذكرى محمد محمود.
رغم كل ما فعلوا لإرضائنا مازلنا غاضبين لاعنين متظاهرين، ومن ثم يئس القائمون على الدولة منا، وقرروا الاعتماد على قوتهم الذاتية أو البحث عن شركاء سياسيين آخرين يعتمدون عليهم بدلا من هؤلاء الذين لا يعرفون ماذا يريدون ولا أين تنتهى مطالبهم. كل هذا مفهوم. لكن الغريب أن بعض أنصار الثورة اقتنعوا بهذا الافتراض الشائع. وللأفكار يا سادة قوة لا يستهان بها، فلو اقتنعت بأنك ضعيف وبائس فقد انتهى أمرك من قبل أن تبدأ المواجهة، ولو اقتنعت بأنك تائه ومقضي عليك فمن المستبعد أن تنجو من المتاهة التي تتصور نفسك أسيرها. وهكذا، انتهى الأمر ببعض أنصار الثورة لليأس من أنفسهم وزملائهــم والاقتناع بأنهم لا يعرفون ماذا يريدون، وأنهم يحتاجون سنوات كي يكتشفوا ملامح الحلم الذي أيقظهم من سباتهم في يناير 2011.
ويسعدني إبلاغ هؤلاء وهؤلاء بأننا نعرف جيداً ما نريد، وإن كنا لا نضعه عادة في صيغة واضحة. لكننا لو بذلنا جهداً بسيطاً، وأعدنا ترتيب الأشياء التي نرفضها وتلك التي نطالب بها، واستمعنا بجد لما يقوله الناس في البيوت والشوارع والجامعات والمقاهي ووسائل المواصلات والإعلام، وقرأنا بتفهم وتعاون ما يكتبه أنصار الثورة، وفحصنا التغيرات التي حدثت في مصر خلال العشرين عاماً الماضية التي أفضت لانفجار هذه الثورة- أي لو قمنا بعملنا ككتاب ومحللين- لوجدنا الخيط الذي يربط هذه المطالب ببعضها، ولفهمنا لم لا يثق أنصار الثورة بالقائمين على الدولة ولم يرفضون كل إجراءاتهم وقراراتهم….’.

ما حدث في يناير ثورة شعبية حقة

اما في جريدة ‘الشروق’ فيتحدث لنا الكاتب عمرو خفاجي عن احتكار الثورة قائلا: ‘ من الأمور التي يصعب فهمها أو تمريرها، أو حتى تبريرها، الإصرار على احتكار الثورة من جانب بعض القوى السياسية، والتحدث بلسانها طوال الوقت، وكأنهم الثورة ولا أحد غيرهم، ويقدمون أنفسهم دوما على أنهم كذلك، حتى البعض منهم، الذي كان في مقدمة المشهد الاعلامي لثورة يناير، يفعلون ذلك على الرغم من أنهم يدركون جيدا ماذا حدث وكيف حدث، وهو لا يفرق في الكثير عن الذين يعتقدون أن إلقاء الحجارة على مهاجمي ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، أو صد هجماتهم، أنهم الثورة أو من المشاركين في صنعها، فكل ذلك قفز على الحقيقة وانتهاك صريح لها، بل هو تطاول على التاريخ، لأن صاحب ثورة يناير ومن قام بها وأشعلها هو الشعب المصري في كافة ميادين التحرير، في أربعة أنحاء البلاد، وعندما تحرك الجيش وقرر حماية الثورة، بالتأكيد لم يفعل ذلك إلا من أجل شعب، لا من أجل تيار أو حزب أو فريق، وعندما تتحدث القوى السياسية الآن عن الثورة وتستبعد الشعب من المعادلة أو لا تلتفت لمطالبه، فهذه القوى ليست بعيدة فقط عن الثورة، لكنها تكون قد خرجت من تاريخها بالفعل.
في المقابل، وهذا هو المدهش حقا، يعتقد البعض أن الشعب صامت، وأنه مغلوب على أمره، بل هو رهينة عند القوى السياسية، وهو اعتقاد أقل ما يوصف بأنه اعتقاد سخيف، خاصة أن أصحاب هذه الرؤية يستبعدون الشعب تماما من معادلة ثورة يناير، ومن الواضح أنهم يرغبون في الإساءة للثورة وقطع الطريق عليها، ونسبها لبعض القوى السياسية، وهذا أيضا باطل وغير مفهوم ولا يمكن تمريره أو تبريره، لأن ما حدث في يناير 2011، لم يكن أبدا مجرد صراع سياسي بين قوى متناحرة، أو أن بعض مؤسسات الدولة استسلم لبعضها الآخر، فهذا محض كلام فارغ وسيئ ورديء، لان ما حدث في يناير ثورة شعبية حقة، لشعب كان قد فاض به الكيل من الظلم والفساد والاستبداد فثار على كل ذلك طالبا التغيير وتحقيق رغباته في العيش بحرية وكرامة، ثم طالب بتصيح الوضع في 30 يونيو 2013، بحثا عن حريته التي بات يشعر أن هناك تضييقات عليها، وأن الاستبداد بات يطل من جديد، وربما استبداد أشرس مما ثار عليه في يناير 2011، هنا أيضا لا يجوز نسب ما حدث لأي قوى سياسية، بما في ذلك أصحاب دعوة التظاهر في 30 يونيو، لأن الشعب هو الذي قاد التغيير وأمر به، وأيضا حمى الجيش ثورة شعبه، لانه لو كان فعل ذلك لحساب أي قوى سياسية أخرى لكنا الآن أمام أزمة عظيمة.
إن استبعاد الشعب من المشهد الثوري الكلي (من يناير وحتى الآن) جريمة كبرى، ومحاولة أخرى، لاستعباده من جديد، ونضيف إلى ذلك، وهذا المؤلم، إهانة هذا الشعب من فريق ثالث، الذي يصر على سبه وذمه، مثل وصفه بـ’لاحس البيادة’، وإذا لم تصحح هذه الأطراف الثلاثة مواقفها (الذين يحتكرونها، والذين ينفونها، والذين يهينون شعبها)، وتعود لتضبط موجاتها على موجة الرأي العام، هذا يعنى ببساطة شديدة أن الرأي العام سيكفر بهم جميعا (إن لم يكن قد بدأ في ذلك فعلا)، ويبحث من جديد عمن يستطيع تحقيق مطالبه، فتحقيق المطالب فقط، هو الأمر الذي سيستمر من بين ركام المشهد الحالي’.

شعب أمضى حياته على
ضفاف النيل بانتظار المخلص

اما زميلته في جريدة ‘الشروق’ وفي نفس اليوم فتنتقل بنا عبر رأيها ‘حساسية الصمت’ لموضوع الصوت البديل للسكوت الذي فرض نفسه على البعض ممن تعب من الكلام تقول فيه: ‘ إحنا الصوت لما تحبوا الدنيا سكوت’، تطالعك العبارة على الجدران منذ قرابة الثلاث سنوات.. تصوب سهامها نحوك في صمت من خلال الجرافيتي في الشوارع، من دون أن يعرف الكثيرون – ربما – أنها أغنية 6 أبريل، كما يطلق عليها في عالم الإنترنت. وقد تكون هذه هي مشكلة الحركة الشبابية حاليا، ان أعضاءها والعديد ممن انضموا إليهم في تجمعاتهم الأخيرة، اعتراضا على قانون أو محاكمات أو غيره، مصممون على أن يكونوا ‘الصوت’ في الوقت الذي تعب فيه أغلبية الناس، خاصة من ينتمون لأجيال أكبر سنا، وهؤلاء ‘يحبون الآن الدنيا سكوت’.. يتوقون إلى الراحة والاستقرار، فتلك طبيعة شعب أمضى حياته على ضفاف النيل في استقرار، حتى لو لم يكن سعيدا وراضيا. ينتظر دائما المخلص، وعندما لا يأتي يخترع إلها، يصنعه ويمجده كي ينقذه.. ثم تتكرر الحكاية نفسها منذ فجر التاريخ.
في إحدى دور العرض، جاء تعليق أحد المشاهدين تلقائيا عندما أخبرته من بصحبته أن الكلام قليل في فيلم ‘فرش وغطا’ لأحمد عبدالله، إذ رد المتفرج على الفور: ‘أحسن!’.. هو أيضا ملّ الكلام ومن يتشدقون به ليل نهار، تحليلات وآراء تطارده على الشاشات وفي الأروقة.. الجميع يدلي بدلوه حتى لو لم يكن هناك ‘دلو’! قد يكون التوقيت هو ما جعلنا نحب صمت البطل في ‘فرش وغطا’.. نصمت ونصمت ونصمت، هذا أفضل عندما لا يكون لدينا ما نقوله.. آسر ياسين في الفيلم لا ينطق سوى بكلمات قليلة، لكن صمته معبر.. فرجته على الأحداث التي تجعله في قلبها وتشده إلى المركز، منذ اندلاع الثورة، من دون أن يقصد، هي لسان حال الكثيرين. نلوذ بالصمت حين لا ينفع الندم، فالسكوت مطلوب أحيانا.. من وقت لآخر نصبح في حاجة للاختلاء بالنفس، وهذا ما يسمح به الصمت، ففي بعض الحضارات خاصة الآسيوية يمجدون الصمت ويعلون من شأنه.. إذا كنت في مفاوضات مع يابانيين على سبيل المثال فهم يثقون أكثر فيمن يتحدث أقل. أما في الهند فممارسة الصمت لساعات أو أيام تدريب وسلوك، إذ تتطلب بعض تمرينات اليوجا أن تصوم عن الكلام ليوم كامل أو أكثر لتصل بعقلك إلى حالة ‘الزيرو أفكار’، تخلق ‘فضاء’ في الدماغ وسط خضم الرسائل والمعلومات الذي يتسرب إليها، فيصبح حشوا مبالغا فيه يمنعها من التفكير السليم أو حل المشكلات، ويعوق وضع رؤية استراتيجية بعيدة الأمد. لذا نحن في حاجة حاليا إلى الصمت، إلى استراحة المحارب التي تسمح بشحن بطاريات المخ ليعرف بعدها أين هو الآن من كل الأشياء؟ ما موقفه من كذا أو فلان.. نحن بحاجة إلى حساسية الصمت التي تمكننا من فهم ما يدور حولنا بشكل أفضل، لأننا فعليا دخلنا بيت التيه.
في منتصف التسعينيات تقريبا خرجت علينا التونسية مفيدة تلاتلي بفيلم آخر يعلي قيمة السكوت والنظرات التي تشي بالكثير من دون النطق ببنت شفة، كان عنوانه ‘صمت القصور’ (لكن قطعا مساحة الحوار كانت أكبر من ‘فرش وغطا’ فليس الغرض هنا عقد مقارنة بين الأسلوبين). قالت تلاتلي وقتها إنها كانت تفكر في أمها وهي تكتب الفيلم، كانت تفكر في المسكوت عنه لدى المرأة، في كل الحركات الصامتة التي تدخل تحت إطار الطقس اليومي أحيانا إلا أنها تقول في صمت ما يعجز عنه اللسان، المطلوب فقط هو قراءة ما يفيض به الوجه من تعبيرات والتوقف أكثر أمام بلاغة الصمت، بل وفك شفرة النظرات الحائرة أو القلقة أو الطامعة.. الصمت يعطى مساحة للفهم، فرجاء ‘شوية’ هدوء، الهدوء الذي يصل بالمعنى دون صراخ أو هتاف’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية