للمرة الأولى في تاريخه يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) أزمة وجود حقيقية، بلغت ذروتها في قمة الاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسه. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصف الحلف منذ عامين بأنه «متهالك»، ثم أضاف الرئيس الفرنسي عليه منذ أسابيع أنه «ميت إكلينيكيا».
الدولة الرئيسية في الجناح الجنوبي الشرقي للحلف، تركيا، تهدد مصالح دولة أخرى عضو في الحلف هي اليونان، وتشتري أحدث دفاعاتها الاستراتيجية من روسيا، التي تعتبر في عداد خصوم الحلف. ألمانيا وفرنسا تتبعان سياسة مستقلة تجاه الأزمة الأوكرانية. الولايات المتحدة تتصرف بمفردها عسكريا في سوريا، كما تتبع سياسة «الضغوط القصوى» ضد إيران، بينما بقية دول الحلف، بما فيها بريطانيا تحاول إنقاذ الاتفاق النووي معها.
دول الحلف الأوروبية تؤيد السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على أساس حل الدولتين، بينما الولايات المتحدة لا تلتزم به. وفي الخليج رفضت بعض دول الحلف الانضمام إلى الولايات المتحدة في تكوين قوة أمنية مشتركة، ودعت فرنسا إلى تشكيل قوة أوروبية مستقلة. هناك أيضا الخلافات بشأن الإنفاق العسكري والتسلح النووي وحدود الحرب على الإرهاب. أزمة الوجود التي يواجهها حلف الناتو تهدده من داخله، وليس بفعل قوى خارجية. وعلى الرغم من هذه الأزمة فإن خبراء الدفاع وأقطاب السياسة يعتبرون الحلف حتى الآن أقوى منظمة سياسية وعسكرية في العالم، بعد أن نجح في إسقاط حلف وارسو والاتحاد السوفييتي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. هذا التناقض في تقييم الحلف، بين من يرونه «ميتا إكلينيكيا» ومن يعتبرونه «أقوى منظمة سياسية وعسكرية في العالم» يطرح سؤالا كبيرا عن طبيعة التحديات التي يواجهها، ومستقبله المحتمل وسط هذه التحديات.
في الإسبوع الأول من الشهر الحالي، انعقدت في لندن قمة الدول الأعضاء في حلف الناتو، وكان الغرض منها أن تكون تتويجا لاحتفالات العام السبعين لتأسيسه، لكنها انقلبت إلى مناسبة للسخرية من الرئيس الأمريكي، وإلى تعليقات تحط من قيمته، ما أدى به إلى إطلاق عبارات قاسية ردا على كل من ماكرون (فرنسا) وترودو (كندا)، وغادر بدون عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مقررا له. بعدها التقت في فيينا الأطراف الرئيسية للاتفاق النووي مع إيران، باستثناء الولايات المتحدة، للبحث عن سبل لإنقاذ الاتفاق. وفي الإسبوع الثاني تشهد فرنسا لقاء زعماء ألمانيا وروسيا وأوكرانيا، إضافة إلى ماكرون، للبحث في تسوية للأزمة الأوكرانية، ومحاولة إعادة العلاقات الروسية ـ الأوكرانية إلى مسار طبيعي سلمي بعيدا عن العقوبات الأمريكية. هذه اللقاءات وغيرها تكشف حقيقة تبلور محورين داخل الناتو، الأول متشدد تقوده الولايات المتحدة، هو «المحور الأطلسي» الذي يلقي تأييدا بشكل عام من بريطانيا والنرويج وبولندا ودول أوروبا الشرقية. المحور الثاني يمكن أن نطلق عليه اسم «المحور الأوروبي» تقوده ألمانيا وفرنسا ومعهما عدد من القوى الأوروبية الرئيسية مثل إسبانيا وإيطاليا.
خبراء الدفاع وأقطاب السياسة يعتبرون حلف «ناتو» حتى الآن أقوى منظمة سياسية وعسكرية في العالم
وتظهر مواقف الدول الأعضاء في حلف الناتو تجاه القضايا العالمية، من تغيرات المناخ إلى مكافحة الإرهاب، انقساما واضحا بين المحورين «الأطلسي» و»الأوروبي»، حيث يميل المحور الأول إلى تغليب المواقف التقليدية، التي نشأ عليها الحلف وتطور منذ عام 1949، مع التركيز على استمراره على أسس ومعايير الحرب الباردة، التي تقسم العالم إلى معسكرين، المعسكر الحر بقيادة الولايات المتحدة في ناحية، وبقية العالم في ناحية أخرى، خصوصا روسيا والصين، وما تطلق عليها الولايات المتحدة مصطلح «الدول المارقة» مثل إيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا. أما المحور «الأوروبي» الذي تقوده فرنسا وألمانيا، فإنه يأخذ في اعتباره المتغيرات الجديدة في العالم منذ انهيار المعسكر الاشتراكي، وبروز القوة الصينية عالميا، وسعي روسيا إلى استعادة مكانتها في العالم. ويتبنى المحور الأوروبي نهجا يؤلف بين مصالح القوى الأوروبية والآسيوية الجديدة في العالم، منذ انتهى خطر الاجتياح السوفييتي لأوروبا الغربية، وتبلور مشروع الاتحاد الأوروبي، وسعت روسيا إلى الاندماج في النظام العالمي، وتحولت الصين إلى قوة عالمية رئيسية، سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
إن أحد معالم الخلاف الرئيسية بين المحورين يتمثل في النهج الصدامي العدائي الذي يقوده ترامب ضد روسيا والصين، على أساس مبدأ «أمريكا أولا»، في مقابل النهج التعاوني السلمي للمحور الأوروبي، ليس فقط مع روسيا والصين، ولكن في كثير من القضايا الأخرى مثل الشرق الأوسط وإيران والعلاقات بين العرب وإسرائيل، وأفغانستان، ومكافحة الإرهاب في وسط وغرب افريقيا، وأمن المحيط الهادي، ومكافحة التصحر وتغيرات المناخ في العالم وغيرها.
وقد أظهرت الخلافات بين المحورين داخل الحلف خلال العامين الأخيرين، وجود عناصر استراتيجيتين مختلفتين تجاه العالم، واحدة تدفع الحلف إلى حرب باردة جديدة ضد كل من الصين وروسيا وغيرهما من «الدول المارقة» مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا، وهي رؤية ترامب، بينما تتبنى الثانية مبدأ إعادة تقييم موازين القوى والمصالح في النظام العالمي الجديد، بعيدا عن وجهة النظر الأمريكية، بما يحقق مصالح الأمن القومي للدول الأعضاء، وضمان القدر الكافي من الاستقرار والسلام في العلاقات بين الدول. ويقود وجهة النظر تلك كل من المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقد أدت التصرفات العسكرية المنفردة للولايات المتحدة في سوريا، إلى اتجاه ألمانيا وفرنسا للعب دور مستقل في الأزمة السورية، يحافظ على مصالح الأمن الأوروبي. كذلك فإن الموقف الأوروبي من الأزمة الأوكرانية يتجه إلى حل يحظى بقبول الأطراف الأربعة الشريكة في الأزمة، روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا. وفي الشرق الأوسط يؤيد المحور الأوروبي حل الدولتين في الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وللرد على ضغوط الولايات المتحدة لزيادة الإنفاق العسكري إلى ما يعادل 2% من الناتج المحلي، وضعت ألمانيا وفرنسا خطة مشتركة لزيادة الإنفاق العسكري، بما يتفق مع ميثاق حلف الناتو، في مشروعات لتعزيز الصناعات العسكرية الأوروبية، والتركيز على إنتاج أسلحة استراتيجية وتكتيكية أوروبية جديدة تخدم مصالح الأمن الأوروبي في الميادين العسكرية جوا وبحرا وبرا. وتتضمن خطة تطوير وإنتاج أسلحة أوروبية جديدة، 13 مشروعا للصناعات العسكرية، تشمل أسلحة استراتيجية وتكتيكية، منها طراز جديد من سفن الدورية البحرية لأغراض تأمين الحدود من عمليات تهريب البشر والمخدرات عن طريق البحر، تكون مزودة بقدرات كافية للمسح والاعتراض والاتصال والتنسيق العملياتي. ومنها أيضا إنتاج منظومة إلكترونية متطورة للتشويش على الرادارات المعادية، بغرض تسهيل مهام الطائرات الأوروبية التي يمكن أن تقوم وحدها بعمليات دفاعية مستقلة، إضافة إلى تطوير وإنتاج نظام أوروبي لرصد وتتبع الصواريخ الباليستية، وذلك إلى جانب تطوير قوة ضاربة إستراتيجية جوية وصاروخية، كذلك تشمل الخطة التي تشارك فيها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باستثناء بريطانيا، إنشاء صندوق أوروبي مشترك لتمويل الصناعات العسكرية، وتوطين صناعات جديدة في دول الاتحاد الأوروبي الأقل تقدما مثل اليونان والبرتغال، بما يتيح لهذه الدول المزيد من التمويل، ويساعدها على توفير المزيد من فرص العمل.
ولا تخفي باريس وبرلين رغبتهما في تشكيل قوة أوروبية مستقلة، خارج حلف الناتو، تتولى مهام تحقيق الأمن والدفاع، بما يؤدي إلى تعزيز مضمون الهوية الأوروبية عسكريا وسياسيا، بعد أن قطعت شوطا كبيرا في تحقيق مضمونها الاقتصادي. هذه الرغبة لا تمثل طموحا فقط، ولكنها تمثل الرد العملي على ضعف القوة الأوروبية في الكثير من مناطق العالم، من أمريكا اللاتينية إلى أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وأفغانستان وكوريا الشمالية. ويعتبر هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض فاعلية السياسة الخارجية الأوروبية عالميا. ومع ذلك فإن السؤال المصيري الذي يواجه حلف شمال الأطلسي ما يزال معلقا بدون إجابة شافية. السؤال: من هو العدو الذي يبرر وجود تحالف عسكري غربي، وضد من يعمل هذا التحالف؟ لقد انتهى انقسام العالم إلى معسكرين يسعى كل منهما إلى القضاء على الآخر. كما انتهي انقسام العالم اقتصاديا، فأصبحت أوروبا الغربية تعتمد على النفط والغاز من روسيا، لسد أكثر من ثلث احتياجاتها من الطافة، وأصبحت الصين الشيوعية هي أكبر مستثمر وأكبر مصدر في العالم. كذلك بلغت نسبة التداخل بين الاقتصادين الأمريكي والصيني درجة كبيرة، كشفت عنها بوضوح الحرب التجارية والتكنولوجية التي تدور رحاها منذ نحو عامين. إن استمرار وجود حلف الأطلنطي على أساس الفلسفة القديمة التي تأسس عليها في أواخر أربعينيات القرن الماضي، يعتبر في حد ذاته نقطة خارج السياق، في مسار تطور النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة، كما إنه يتناقض أيضا مع حقيقة أن ما يحدث في غابات الأمازون، يؤثر على النمو الاقتصادي للهند واليابان، وأن ظاهرة الإرهاب تهدد موسكو وبكين، بالقدر نفسه مثل باريس ولندن ونيويورك.
كاتب مصري
نعم هناك ضعف كبير في السياسة الأوروبية الخارجية
فهم معتمدون عسكريًا على امريكا
وغير قادرين على بناء جيش أوروبي سواء ألمانيا أو فرنسا تعانيان في نقص حاد في العتاد البشري سواء رجال أم نساء.
ومن أين لهم هذه القدرة على ذلك سوى من مناطق نفوذهم في أفريقيا كما كان الحال في الحرب الكونيه الأولى والثانية. ثم حلف الأطلسي لم يعد له عدو بعد!
لقد أوجدوا في الطالبان وفي القاعدة والدولة الإسلامية ( وهم من أوجدها) عدوا جديدا ولكن هذه الأمور فقط لتمديد عمر الحلف.
الأفضل ان تكون هناك سياسة خارجيه واحده في حل مشاكل العالم . الاعتماد على امريكا بات وشيكا ،لان امريكا لم تعد تدافع بدون ضريبه وجزيه. وهنا تكمن فرصه تاريخيه لتركيا ان تكون محور عسكري قوي.