باءت بالفشل كل محاولات القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية حماية الجيش والأجهزة الأمنية من آثار رجّات النقاش والانقسام والتوتر، التي تهز أركان الدولة الصهيونية كافة، تبعا لتطوّرات «الانقلاب على الحكم»، الذي تقوم به حكومة نتنياهو السادسة ويسود القلق من أن تؤدّي موجات الاستياء والإحباط، التي تعصف بنخب عسكرية قيادية، إلى إضعاف القدرات القتالية، وإلى تراجع أداء المهام الأمنية وإلى تصدّع التماسك الداخلي في المستوى العسكري والأمني، وليس المدني فقط
وخلال الأسبوع الأخير فقط سطّر المئات من ضبّاط الاحتياط ومن المسؤولين الأمنيين السابقين رسائل احتجاج شديدة اللهجة إلى القيادة الإسرائيلية، دعوا فيها إلى وقف المضي في تمرير التغييرات في نظام الحكم، وحذّروا من تبعاتها الوخيمة على الجيش والمؤسسة الأمنية عموما وقد تصاعدت الاحتجاجات «الأمنية»، ووصلت إلى نقطة جعلت القيادة الإسرائيلية غير قادرة على تجاهلها وإذا تواصل هذا التصعيد، فسيكون له دور حاسم في تحديد مصير التغييرات القضائية المقترحة
معارضة أمنية.
هذه هي المرة الأولى، خلال الاحتجاجات الإسرائيلية، التي يجرى فيها الانتقال من القول إلى الفعل من الاحتجاج إلى الرفض العملي، حتى لو كان محدودا ومشروطا
من الواضح أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ليست راضية عمّا يفعله السياسيون بشأن التغييرات في الجهاز القضائي، وكذلك من الصلاحيات الواسعة وغير المسبوقة الممنوحة لليمين الفاشي المتطرف في المجال الأمني، التي تأتي على حساب المؤسسة الأمنية التقليدية مجموعات الضباط، التي تمارس عملها، لا تستطيع الإفصاح علنا عن مواقفها، ومع ذلك تشير تسريبات، نُشرت في الإعلام الإسرائيلي وفي الصحافة الأمريكية، أنها مستاءة وغير راضية عمّا يجري وتخشى من آثاره على الجيش أمّا جنرالات الاحتياط، فهم الأكثر صخبا في مواقفهم المعارضة لمشروع «الانقلاب على نظام الحكم» في إسرائيل وفي مقدمة هؤلاء نجد كل رؤساء أركان الجيش الإسرائيلي السابقين: إيهود براك، وبيني غانتس، وجادي إيزنكوت، وموشيه يعلون، ودان حلوتس، وجابي أشكنازي، وشاؤول موفاز أمّا أفيف كوخابي فما زال في مرحلة صمت ما بعد خلع البدلة العسكرية إلى جانب هؤلاء نجد رؤساء سابقين للموساد والشاباك، والعشرات من جنرالات الجيش المتقاعدين وما من شك في أن موقف العسكر المتقاعدين ليس بعيدا عن موقف المؤسسة الأمنية، التي تخرّجوا وخرجوا منها
علام الغضب؟
تسود النخب الأمنية الإسرائيلية حالة من الغضب على التغييرات المقترحة على الجهاز القضائي، وهناك خشية من آثارها السلبية على الجيش وعلى ضباط الجيش فما أسباب ذلك؟
أولا: غضب النخبة الأمنية هو جزء من حالة الاستياء العامة التي تجتاح النخب الإسرائيلية كافة، ومنها النخب الأكاديمية والاقتصادية والقضائية والبيروقراطية ويطغى عليها جميعها شعور بأنها المستهدفة، وأن نخبا جديدة تنمو وتتعاظم قوّتها وتسعى للإطاحة بها والحلول مكانها
ثانيا: تخشى بعض القيادات الأمنية الإسرائيلية من نشوء استقطاب داخل الجيش يفقده القدرة على التماسك اللازم في التدريب والتأهيل والتجهيز والاستعداد لمواجهة التحديات ولخوض المعارك القتالية وكتب جنرالات متقاعدون ومختصون أمنيون أن إقحام الجيش في الخلافات والانقسامات السائدة في المجتمع الإسرائيلي سيؤدّي به إلى التفكّك، ويبدو انهم كتبوا ذلك للتحذير ولكن لا تحذير إلّا ومعه خوف من «خطر»
ثالثا: ما يقض مضاجع النخب الأمنية والقضائية وجزءا من النخب السياسية، هو تبعات إلغاء استقلالية الجهاز القضائي وإضعافه وتحكّم الحكومة بتعيين القضاة وبتضييق صلاحيات المحكمة العليا لقد ادعت إسرائيل حتى الآن أن لديها جهازا قضائيا مستقلا وقويا وعادلا، وأنّه يقوم بمحاكمة كل من يرتكب جرائم حرب، وكان هذا الادعاء بمثابة حصانة للقيادات العسكرية وحتى السياسية، من التعرض لملاحقة قضائية في المحكمة الجنائية الدولية وتستند إسرائيل في ادعائها هذا إلى «مبدأ التكامل»، الذي تقوم المحكمة الجنائية عليه، وهو يعني أنها تتدخل حين تكون الهيئات القضائية المحلية غير قادرة أو غير راغبة في التحقيق في الجرائم، المشمولة في مفهوم الجرائم الدولية الأساسية وعلى أساس هذا المبدأ ترفض الجنائية الدولية التحقيق في الكثير من الشكاوى الموجهة لها وما يقوله العسكر في إسرائيل أنّهم سوف يتعرضون لخطر المحاكمة، إذا جرى تمرير القوانين المقترحة، التي لن تبقي مكانا للشك بأن المحاكم الإسرائيلية غير قوية وغير مستقلة وغير عادلة
سلاح الجو
على الرغم من عشرات الرسائل والعرائض التي وجهها كبار الضباط والمسؤولون السابقون في الجيش والأجهزة الأمنية، فإن أكثر ما أثار القلق والاضطراب هو رسالة 37 طيّارا (احتياط)، من أصل 40 يخدمون في سرب رقم 69 في سلاح الجو الإسرائيلي (المكوّن من طائرات «الرعد» إف 15 آي) إلى قياداتهم وأعلنوا فيها أنهم سوف يقاطعون التدريب ليوم واحد، وبأنهم لن يخدموا «الديكتاتورية» ولن ينفذوا أوامر غير قانونية، إذا جرى تمرير «الانقلاب على الجهاز القضائي» وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هزة الضمير الديمقراطية التي أصابت الطيّارين، كانت غائبة تماما حين قصفوا غزّة عام 2014 وقتلوا أكثر من 2200 فلسطيني بينهم أكثر من 500 طفل حينها لم تهتز ضمائرهم، وعادوا إلى بيوتهم ليعودا إلى حياتهم «الحضارية»
لإسرائيل قواعدها الخاصة في الاهتزاز والشعور بالصدمة، وتعود الصدمة من رسالة الطيارين إلى عدة أسباب منها:
أولا، لأن سلاح الجو هو رأس الحربة في الجيش الإسرائيلي، ولطياريه مكانة عسكرية خاصة وهالة تبجيل في المجتمع لا يضاهيهم فيها أحد وكان طيارو هذا السلاح مطيعين في تنفيذ مهام القصف والقتل والدمار الإجرامية والوحشية ولم يسبق أن رفض أو احتج أحد منهم
ثانيا، الذين وجهوا الرسالة هم طيارون متطوعون من قوّات الاحتياط، ويشكّلون عصب القوّة الضاربة لسلاح الجو الإسرائيلي وعموده الفقري وهو يعتمد عليهم أساسا في المهام القتالية الجارية والمقبلة وسرب 69 تحديدا مسؤول عن القصف في سوريا وغزّة ويقوم بتدريبات مكثّفة استعدادا لقصف المرافق النووية الإيرانية مستقبلا، كما أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية وربما جاء توقيت القصف في سوريا هذا الأسبوع لتوجيه رسالة بأن هذا السرب ما زال يعمل ويقصف
ثالثا، إن نسبة الطيارين الذي وقعوا على الرسالة هي 37 من 40، أي أكثر من 90 في المئة، وهذا مؤشّر إلى اتساع وعمق الغضب في سلاح الجو الإسرائيلي تحديدا، وإلى أنّه يمثل القاعدة، والشاذ عن القاعدة هو الذي لا يعبّر عن غضب
رابعا، هذه هي المرة الأولى، خلال الاحتجاجات الإسرائيلية، التي يجرى فيها الانتقال من القول إلى الفعل من الاحتجاج إلى الرفض العملي، حتى لو كان محدودا ومشروطا وتهديدهم، الذي يمثل أوساطا واسعة في قوّات الاحتياط الإسرائيلية والذي قد يتغلغل إلى قوات الجيش الدائمة، بأنهم لن يستطيعوا الاستمرار في أداء الخدمة إذا جرى تمرير التغييرات القضائية المقترحة، لن تستطيع أي حكومة إسرائيلية تجاهله
أزمة الجيش
هناك شبه إجماع على أن الأزمة الحالية، التي يمر بها الجيش الإسرائيلي وتحديدا بشأن قوات الاحتياط هي الأصعب في تاريخه، إذا وضعنا الحروب جانبا فقوّات الاحتياط ليست قوّة إضافية، بل هي متن الآلة العسكرية الإسرائيلية، خاصة في وقت الحروب، ويعرّفها البعض باختصار بأنها القوّة التي تمكن من الانتصار في الحروب والمعارك وفي الأسبوع الماضي، تعرّض ضبّاط الاحتياط المحتجّون على سياسة الحكومة لهجوم كاسح من وزراء وأبواق اليمين، حيث قيل عنهم بأنهم فوضويون وإرهابيون ودمامل يجب فقعها وبأنّهم يدافعون عن امتيازاتهم وليس عن دولتهم، ولكن القيادة العسكرية خافت من تفاقم الوضع، فحاولت احتواء الأزمة عن طريق دعوتهم للحوار وحثّهم على عدم الربط بين الخدمة العسكرية والمشاركة في المظاهرات والاحتجاجات
في المقابل تتزايد الأسئلة حول سلوك الجيش الإسرائيلي حيال تطوّرات افتراضية مقبلة، ومنها مثلا: ماذا سيفعل الجيش إذا حصلت أزمة دستورية بين الحكومة والمحكمة العليا؟ من سيطيع الجيش، أوامر الحكومة أم قرارات المحكمة؟ قد يكون هذا سؤالا افتراضيا، لكن مجرد طرحه وتكرار طرحه هو دليل على عمق الأزمة التي تمر بها «ديمقراطية المستوطنين» الإسرائيلية وماذا سيكون موقف القيادة العسكرية، إذا حاول نتنياهو القيام بعملية عسكرية واسعة لنيل القوّة في مواجهة معارضيه؟ وكيف ستتصرّف إذا تواصلت وتوسّعت وتعمّقت ظاهرة رفض الخدمة؟ هل ستضغط على القيادة السياسية؟ أم تكتفي بشرح خطورة الوضع؟ الأزمة الإسرائيلية الحالية، هي واسعة وشاملة وعميقة وكاسحة، وإن تواصلت وازدادت ملامح التمرد في المجال الاقتصادي والأمني والجماهيري، فإن إسرائيل ستكون أضعف وأقل قدرة على الصمود أمام الضغوط والتحديات فهل هناك من سيحشد ضدها الضغوط؟ وهل يفكّر أحد في رميها بالتحديات؟
باحث وكاتب فلسطيني
بالنسبة لاي عربي أن اسراءيل مستمرة في اضطهاد ألشعب الفلسطيني وقد توءثر بشكلٍ سلبي هذه الخلافات على درجة اضطهاد اسراءيل للشعب الفلسطيني. اود ان اكرر مطالبتي للقادة الفلسطينين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكذلك في في فلسطين ان يكونوا ارفع من الخلافات. داخل فلسطين ادت خسارة المرشحين الفلسطينين في الانتخابات الاخيرة الى اعطاء فرصة آلى نتانياهو وغيره من المتطرفين للسيطرة على الحكومة الاسرائيلية. في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ لا زلنا ننتظر تطبيق ما تم الاتفاق عليه في الجزاءر ومكة المكرمة ووضع استراتيجية متكاملة لمواجهة التحديات الاسرائيلية اليومية.