الخرطوم ـ «القدس العربي»: طالب القائد العام للجيش في السودان، عبد الفتاح البرهان، الأحد، السياسيين بعدم التدخل في شؤون الجيش، مؤكدا عدم قدرة أي جهة على تفكيكه، واصفا إياه بـ«المؤسسة الوطنية الاحترافية الملتزمة بالقوانين الدولية».
وأكد خلال خطاب في احتفال عسكري، في إقليم النيل الأزرق، الواقع في الجنوب الشرقي للبلاد، أن «القوات المسلحة ستظل تحرس السودان وتحافظ على وحدتها من أجل توحيد البلاد».
وجدد دعم الجيش لـ«التحول الديمقراطي وكل الخطوات التي تقود للانتقال المدني في البلاد» مبديا تطلعه لـ«إبعاد الجيش عن السياسة، وأن تكون قواته احترافية لا يوجد فيها إخوان مسلمون أو يسار أو يمين» مضيفا أن «القوات مسلحة ملك السودانيين وصمام أمان هذا البلد».
«سنحميه ونسانده»
وأشار إلى مضيه في ما تم من توافق في الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بين العسكر وعدد من الأطراف المدنية، مؤكدا إن الاتفاق «سيُخرج البلاد من الأزمة الراهنة ويوحد الصفوف».
وأضاف: «أهلنا عانوا لسنين طويلة وليس أمامنا إلا أن نلبي نداء الشعب السوداني وطموحاته ونقول له: إننا سنحميه ونسانده ونحافظ عليه حتى تتحقق دولة الحرية والسلام والعدالة».
وطالب المؤسسة العسكرية بـ«عدم الاستماع لما يقوله بعض الناس الذين لا يعرفون الجيش» على حد قوله، مؤكدا أنه «لا يوجد شخص باستطاعته تفكيك الجيش السوداني، وأنهم ملتزمون بمسؤولية الحفاظ على الجيش ووحدته وتماسكه وقوميته بأرواحهم وبحماية الدولة السودانية».
وخاطب السياسيين الذين أشار إلى إنهم يتحدثون بشأن الجيش، قائلا: إن «الأفضل لكم أن تنشغلوا بشؤونكم، تحدثوا في سياستكم ورتبوا أحزابكم وصفوفكم، ونحن من جانبنا قادرون على وضع الجيش في الطريق الصحيح حتى يصبح جيشا ديمقراطيا».
وأضاف: «نحن نؤمن بالديمقراطية ونريد بناء جيش ديمقراطي يؤمن بالتحول المدني» مؤكدا أن «القوات المسلحة ستكون تحت القيادة المدنية في الدولة عندما تتحقق الظروف المناسبة لذلك».
وأكمل: «ندعم ما تم من خطوات من أجل التحول الديمقراطي، وسنحاول إصلاحها لتكون الطريق الآمن وليس طريق الشوك» وزاد: «طريق آمن ينقل البلاد وينفذ بها إلى بر الأمان».
ورحب بالدعم الدولي والإقليمي للسودان، لافتا إلى «دور دولة جنوب السودان في استقبال اللاجئين السودانيين». كما أكد دعمه لدولة إثيوبيا في استكمال عملية السلام، حتى تعود كما كانت «وفية وصديقة لبلادنا» مضيفا: «التحية كذلك لجارتنا مصر، وكل من وقف معنا نقول لهم كما وقفتم معنا يجب أن نقف معكم جميعا «.
ثوابت
وشدد على «وجود ثوابت وخطوط حمراء للأمة السودانية، لا يمكن تخطيها» مشددا على عدم «وجود جهة يمكن أن تفرض على السلطات السودانية أو تجبرها على فعل ما لا ترد».
وأضاف: «لا تسمعوا من يتحدثون عن السفارات أو غيره، ما نريده نفعله، ونحن كلنا وطنيون وجزء كبير من السياسيين وطنيون ويعرفون حدود الوطن وسيادته وحريصون على أمنه واستقراره، لا يوجد شخص يمكن أن يملي علينا أي شيء».
وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» أقرَ في تصريحات الشهر الماضي، بوجود تدخلات خارجية في البلاد، قائلا: «إن قلنا لا تسيرنا السفارات نكون قد كذبنا».
وقطع البرهان خلال كلمته بأن «الجيش السوداني لم يجند في يوم من الأيام مرتزقة حتى تقاتل في بلد ثانية» مضيفا: «نحن جيش محترف ونظامي نعترف بالنظم والقوانين الدولية».
قال إن الاتفاق الإطاري «سيُخرج البلاد من الأزمة الراهنة»
وقال إن «كل القوات النظامية، من الشرطة والمخابرات العامة وذراع القوات المسلحة الدعم السريع، كلها قوات ووحدات نرى أنها يجب أن تعمل موحدة ومتماسكة وقوية حتى نمضي ونعبر ببلادنا جميعا الى بر الأمان» مضيفا: «سنظل جيشا واحدا وشعبا واحدا».
ولفت إلى «شروعهم في تطوير الجيش» مؤكدا أن الأخير «مؤسسة وطنية وأنهم يعملون على الحفاظ عليه ووضعه في الطريق الصحيح».
فرصة
ودعا العسكر والسياسيين للمضي معا للأمام، مشيرا إلى أن «الفترة الانتقالية ستمثل فرصة للعمل المشترك لوضع الأسس واللوائح التي تجعل البلاد تمضي للأمام» مؤكدا أنهم «سيضعون النظم التي تجعله يتقدم بشكل مهني ومحترف ويكون مؤسسة قومية ليست به مشاكل». وأضاف «نحن جاهزون، فليراجعوا نظمنا، قواتنا ليس فيها خلل، بعد عامين سنحتفل بمرور 100 عام على تكوين القوات المسلحة السودانية، نحن نرفض أي تسيس لقواتنا وأي اتهامات بأن الجيش فيه مجموعات ذات مقاصد تريد أن تنال من القوات المسلحة أو به مجموعات تابعة به جماعات تابعة للنظام السابق».
وتطرق البرهان لأحداث الاقتتال الأهلي في إقليم النيل الأزرق، التي تصاعدت مؤخرا إذ أبدى أسفه، مؤكدا أنها «ستكون سحابة عابرة، ولن تعود مرة أخرى» مشيرا إلى «شروعهم تدريجيا في الحد من انتشار السلاح، والعمل على استقرار الإقليم».
ملك الجميع
ولفت إلى أن «إقليم النيل الأزرق ملك لجميع السودانيين وفيه قبائل عديدة» مشددا على «الاحتكام إلى القانون حال حدوث خلافات حول الأراضي أو النظم القبلية» مؤكدا أن السودان يسع الجميع، وأن السلطات تعترف وتحترم الأسس والنظم الإدارية القبلية.
وشدد على أنهم «لن يقوموا بإنشاء نظم إدارية فوق نظم إدارية، وإنهم وصلوا لكلمة سواء تجمع أبناء النيل الأزرق» على حد قوله.
وقبل أيام قليلة من زيارة البرهان الحالية إلى النيل الأزرق، تجددت النزاعات الأهلية في الإقليم، في وقت لم تصدر إحصاءات رسمية لعدد الضحايا في الأحداث الأخيرة.
ويشهد الإقليم منذ يوليو/ تموز الماضي، اقتتالا أهليا عنيفا، أودى بحياة أكثر من 450 شخصا، بينما تقدر أعداد النازحين بنحو 70 ألفا، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
وكانت تنسيقيات لجان مقاومة النيل الأزرق قد اتهمت قادة الانقلاب بـ«تجييش وتسليح القبائل، وتأجيج الخطاب العشائري في البلاد، والعمل على خلق الفتن والصراعات القبلية لتمرير أو خلق توازنات سياسية جديدة» مؤكدة «استغلال العسكر بعض المكونات القبلية للعمل على إعلاء خطاب الكراهية والعنصرية في مختلف مناطق السودان».
وقالت، في بيان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن «القائمين على الانقلاب يتعمدون زعزعة استقرار البلاد، لتبرير بقاء العسكر على السلطة» مشيرة إلى أن «حكومة إقليم النيل الأزرق ولجنتها الأمنية التي تترأسها الحركة الشعبية جناح مالك عقار، والذي يشغل منصب عضو مجلس السيادة في الحكومة السودانية، غائبة تماما عن المشهد وتتنصل من مسؤوليتها في حفظ أمن وسلامة المواطنين وموارد الدولة».
وأكدت أن «ما يحدث في النيل الأزرق يؤكد وجود خلل كبير في اتفاق السلام الذي وقعته الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020».
كما نظم المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» بالتزامن مع بداية أحداث العنف في النيل الأزرق، تظاهرات تحت شعار «السودان الواحد» للتنديد بأحداث العنف.
واتهم من أطلق عليها «قوى الردة من الانقلابيين والنظام السابق» بـ«تأجيج النزاع الأهلي وخطاب الكراهية في البلاد» وأدان ما وصفه بـ«الاستمرار المفضوح لمؤامرات دعاة الكراهية والعنصرية والحواضن التابعة لهم».
ومنذ انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قتل مئات السودانيين في أحداث عنف قبلي في دارفور والنيل الأزرق وكردفان ومناطق أخرى.
وكانت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين، قد اتهمت مجموعات مسلحة تابعة للسلطات السودانية، بالتدخل في النزاعات ذات الطابع القبلي في البلاد.