البشير والأسد: ماذا وراء لقاء متعوس مع خائب رجاء؟

حجم الخط
18

حاكم السودان عمر البشير يتفوق على حاكم سوريا بشار الأسد في أنه جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في سنة 1989، في حين أن الثاني ورث السلطة عن أبيه وتسلمها عبر مهزلة دستورية في سنة 2000. وما خلا فارق الـ11 سنة في الحكم، لا يختلف الاثنان كثيراً لا سيما في التبعية للخارج والتمسك بالكرسي، أو عصا المارشالية، أياً كانت الأثمان. وإذا كان البشير مطلوباً بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية منذ سنة 2008 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، فإن الأسد ينتظر دوره أمام محاكم دولية عديدة بسبب مسؤوليته عن جرائم حرب أشد فظاعة وبشاعة.
ولكن إلى جانب اللقاء الطبيعي الذي يمكن أن يجمع أي «متعوس» مع أي «خائب رجاء» كما يقول المثل الشعبي الشهير، هنالك أولاً محاولة البشير الهروب إلى الإمام من مشكلات السودان الداخلية المستفحلة، والتي تشمل الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وتدفع الفئات الشعبية السودانية إلى حضيض الفقر والبؤس. وإلى جانب مشكلات البطالة والغلاء وانحطاط الخدمات العامة، يبلغ دين السودان الخارجي 56,5 مليار دولار، والتضخم يقفز بمعدلات فلكية، والعملة الوطنية تنحدر أكثر فأكثر، وهذا يفسر احتجاجات الشارع الشعبي التي انفجرت مراراً، وخاصة في 2013 و2016، وقابلتها السلطة بحملات قمع واسعة النطاق. كذلك يتخذ البشير إجراءات تطهيرية داخل مؤسسات السلطة والاستخبارات والجيش استعداداً لترشيح نفسه لدورة رئاسية جديدة في سنة 2020، فأقصى في هذا السياق وزير الخارجية، ثم مدير جهاز الأمن والمخابرات، وأتبعهما بإعفاء رئيس الأركان المشتركة ورؤساء أركان القوات البحرية والبرية والجوية.
ويسعى البشير ثانياً إلى الذهاب أبعد في تحويل السياسة الخارجية للسودان إلى لعبة مناورة بين المتناقضات والمحاور في المستوى العربي والإقليمي، وكذلك على نطاق دولي. فمن المعروف أنه يلمس التغيرات التي طرأت على مواقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تجاه الملف السوري إجمالاً، ومصير بشار الأسد بصفة خاصة، ولهذا فإنه يسارع إلى استباق احتمالات التطبيع، لا سيما مع نظام شبيه بنظامه من حيث العزلة عن الشعب والدولة الفاشلة. وهو يسترضي موسكو التي زارها أواخر العام الماضي وأعرب منها عن تأييد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، بل بلغ به الأمر درجة طلب الحماية العسكرية من الكرملين، وأبدى الاستعداد لاستضافة قاعدة عسكرية روسية على أرض السودان.
ومن المنطقي ثالثاً ربط تحرك بخيار الانفتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تجسدت أولى دلائله في إعلان رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو أن السودان سوف تكون الدولة العربية التالية التي سوف يزورها بعد سلطنة عمان، ثم السماح للطائرات الإسرائيلية بالمرور في الأجواء السودانية. والمساعدات المالية التي تتلقاها سلطة البشير من الرياض وأبو ظبي تصب عملياً في خدمة «صفقة القرن»، وهو التعهد الذي قطعه محمد بن سلمان ومحمد بن زايد مع جاريد كوشنر، عرّاب الصفقة ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طبقاً للتقارير التي افتضح أمرها قبل أشهر.
هي ساعات قليلة قضاها متعوس في ضيافة خائب رجاء، ومن المنطقي أن تكون حصيلتها مجرد مسرح استعراض بائس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مرتضى إبراهيم:

    استنجد غريق بغريق

  2. يقول سيف كرار،السودان:

    الرئيس البشير والاسد هم ضحايا الاخطاء البشرية الفوضوية بمسميات مختلفة مثل التهميش والقبلية والربيع العربي ،وهذا هو القاسم المشترك بينهما في إعتقادي ببساطة ،يتبع…

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    هل هي مصادفة غير سعيدة أن تكون اسماء و القاب من يحكموننا هي التضاد الكامل لصفاتهم الحقيقية السابقون منهم و الحاليون ؟!
    البشير و الأسد و صالح و مبارك و عبد الفتاح و هادي و عون و نوري و معمر و زين العابدين و محمّد و محمود و قائد و القائمة تطول ؟!
    .
    في اللغة العربية ، البصير تطلق على الاعمى و السليم على الملدوغ ….و يبدو أننا ابتلينا بقادة على هذه الشاكلة !!
    .
    و ا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم

  4. يقول ع.خ.ا.حسن:

    بسم الله الرحمن الرحيم.رأي القدس اليوم عنوانه(البشير والأسد: ماذا وراء لقاء متعوس مع خائب رجاء؟)
    المتعوس وخايب الرجاء اعلاه
    ( لا يختلف الاثنان كثيراً لا سيما في التبعية للخارج والتمسك بالكرسي، أو عصا المارشالية، أياً كانت الأثمان. )
    التيار الجارف الصهيوماسوني الصليبي الذي يجتاح العالم العربي الإسلامي لبيع فلسطين والتخلي عن شعبها وقدسها ،واهدائها لقمة سائغة لاسرائيل؛هذا التيار وبعد وعد بلفور وحتى يتمكن من زرع اسرائيل خنجرا مسموما في سويداءالقلب العربي الإسلامي،ابتدع الانقلابات العسكرية التي زرعت الدمار والخراب في البلاد واكثرت في الارض الفساد ،وسهلت مهمة اسرائيل في الاستحواذ على القوة المسيطرة في محيطها جعلت حكام العرب يتسابقون في التزلف والانبطاح لها من وراء الكواليس محافظة على كراسيهم من السقوط بتغطية وتشجيع من القوى الاستعمارية الحديثة(امريكا وروسيا ومن يدور في فلكهما)
    آخر ابتكارات القوى المعادية هي صفقة ترامب التي تهدي فلسطين كاملة، لاسرائيل واشهر من هرول لها السيسي ومحمدا الخليج والاسد ويلحق بهم البشير حتى ينضم الى عشاق التأبيد على الكرسي .
    والحل العربي الإسلامي لا يكون إلا ب(تسونامي شعبي كاسح) يُقصي العسكر عن الحكم ويحتكم الى خيار الصناديق الحرة والنزيهة

  5. يقول سامح //الأردن:

    *(المفلسان )..؟!
    *ماذا يستطيع الطاغية(الأسد) تقديمه
    للمهرج المفلس (البشير )..؟؟!!
    *فعلا إجتماع (التعيس مع المتعوس).
    سلام

  6. يقول سيف كرار ،السودان:

    سؤال واحد هام ،من وماهي الجهات التي اصدرت قرارات خلق هذة الكوارث والفوضي داخل الشعبين ،من المؤكد هو الجهل وتوابعة الكثيرة ،يتبع…

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    الامر مع ذلك ليس مصادفة او ان هناك فائدة سيحصل عليها البشير او السودان هناك كما يبدو اجماع عربي على اعادة وتاهيل سوريا والاسد مرة اخرى اما لابعاده عن ايران وحزب الله وهو امر بعيد او ان يكون جزء من صفقة لحل اسرائيلي فلسطيني وهو كذلك امر عليه نقاط استفهام كثيرة ولكن الاحتمال الاكثر قبول هو مبعوث من قبل تركيا لكي يكون هناك نصيب لالاخوان المسلمين في الحكومة القادمة في سوريا وكذلك لعودة مناطق الاكراد تحت سيطرة الدولة السورية لكي تظمن تركيا ععدم حصولهم على حكم ذاتي او ما شابه كما في العراق

  8. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

    اعجبني تعليق الأخ أثير الشيخلي, ولكنني تفاجئت بتعليق للأخ سيف كرار-السودان.
    كنا بشارون ومن ثم بشارون الآن ببشيرون وهل هناك أسوأ من هذا الكابوس, والله يسترنا من الأعظم.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية