الخرطوم: فور سقوط نظام الحكم في السودان، تصاعدت حدة المطالبة بتسليم الرئيس المخلوع عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بـ”تدبير إبادة جماعية” في إطار حملته لسحق تمرد بإقليم دارفور.
وسرعان ما طالبت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس الماضي، السلطات السودانية بتسليم البشير، تنفيذا لقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي.
ونقلت وسائل إعلام عن فادي العبدلله، المتحدث باسم المحكمة (مقرها لاهاي الهولندية) قوله: “المحكمة لا تعلق حول الأوضاع الداخلية في أي بلد، أما البشير فقد أصدرت المحكمة أمرين بالقبض عليه، ولا يزالان ساريي المفعول”.
وأضاف: “المحكمة تطلب من السلطات السودانية التعاون في شأن هذه الأوامر، والأوامر الأخرى الصادرة عنها إنفاذا لقرار مجلس الأمن الذي ألزم السودان بالتعاون مع المحكمة”.
لكن الفريق جلال الدين الشيخ، وهو أحد أعضاء المجلس العسكري الانتقالي في السودان أوضح، خلال مؤتمر صحافي في سفارة بلاده لدى إثيوبيا، الإثنين، أن “قرار تسليم البشير أمر يتخذ من قبل حكومة شعبية منتخبة وليس من قبل المجلس العسكري الانتقالي”.
من جهته، شدد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي (إسلامي)، في مؤتمر صحافي، الإثنين، على ضرورة تقديم طلب للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وميثاق روما، باعتبار أن الوجود في القضاء العالمي مسألة مهمة وضمان لعدم تكرار ما حدث من فظاعات وانتهاكات لحقوق الإنسان”.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرين باعتقال البشير في العامين 2009 و2010 لاتهامه بـ”تدبير إبادة جماعية وأعمال وحشية أخرى” في إطار حملته لسحق تمرد في إقليم دارفور.
كما عقد المجلس العسكري مؤتمرا صحافيا بالخرطوم، قبل تنحي عوض بن عوف عن رئاسة المجلس العكسري، تحدث فيه الفريق عمر زين العابدين، وهو رئيس اللجنة السياسية المكلفة وعضو المجلس العسكري، وقال: “لن نسلم البشير للخارج” وأردف: “نحاكمه وفق قيمنا، لكن لا نسلمه”.
وأوضح زين العابدين أن “عمر البشير متحفظ عليه الآن”، لكنه لم يذكر أي تفاصيل.
وهناك من يتحدث عن أن خطوة تسليم البشير يعرقلها عدم انضمام السودان للمحكمة الجنائية الدولية، ولذلك دعا حزب المفكر الإسلامي الراحل، حسن الترابي (المؤتمر الشعبي)، إلى انضمام بلاده للمحكمة ومعاهدة روما.
بالنسبة للخبير في القانون الدولي، بخاري الجعلي، فإن الموقف الرسمي للسودان، عدم تسليم البشير بدعوى أن الخرطوم ليست ملزمة بميثاق روما، طالما لم توقع عليه وتنضم للمحكمة.
وقال الجعلي، إن الكثير من الأحزاب السودانية ظل موقفها يتمسك بعدم تسليم البشير بذات الحجة.
وأضاف: “الآن لم أسمع بأن السلطة الجديدة (المجلس العسكري) قررت تسليم البشير إلى المحكمة، ولا أعتقد أنها سوف تقرر لاحقا”.
وتابع: “أعني أن المجلس العسكري لن يسلم البشير إلى الجنائية الدولية”.
وأشار إلى أن أي نظام سوداني – مهما كانت طبيعته – لن يقوم بتنفيذ مهمة تسليم البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وأضاف: “لا أستبعد أن يأتي نظام ويحاكمه داخليا باعتبار أنه مواطن سوداني قبل أن يكون رئيسًا، ومن الممكن أن يحاكم بمقتضى القوانين المحلية”.
وفي يونيو 2017 طالب الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد ، بـ”حكم قومي تكوينه الغالب تكنوقراطي لا يهيمن عليه حزب ولا يعزل حزبًا، تمثل فيه القوى السياسية رمزيًا”.
وقال المهدي –وقتها- إن “الحكم القومي مهمته إجراء تسوية في أمر المحكمة الجنائية الدولية يقبلها مجلس الأمن الدولي”.
وأضاف أن من مهام هذا الحكم “إجراء عدالة انتقالية عن طريق محكمة هجين (مختلطة) أو مفوضية للحقيقة والإنصاف، وإلغاء الدين الخارجي، ورفع اسم السودان من رعاية الإرهاب”، دون تفاصيل عن النقاط التي تحدث بها.
وسبق أن أيد الاتحاد الإفريقي في القمة التي عقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أوائل 2017، الانسحاب بشكل جماعي من المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن القرار كان “غير ملزم”.
وخلال السنوات الماضية، كثفت الخرطوم تحركاتها لتعزيز علاقاتها، وبناء علاقات جديدة وسط الدول الإفريقية، كما أثمرت جهود الخرطوم – ضمن عوامل أخرى – في انسحاب دول إفريقية من المحكمة الجنائية الدولية، بينها جنوب إفريقيا، وبورندي.
ومنذ عام 2009، تلاحق المحكمة الجنائية الدولية البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور المضطرب، غربي البلاد، إضافة إلى اتهامه بـ”الإبادة الجماعية” في 2010.
لكن البشير رفض الاعتراف بالمحكمة، ويرى أنها أداة “استعمارية” موجهة ضد السودان وبقية الدول الإفريقية، كما نفت الخرطوم مراراً اتهامات المحكمة الجنائية.
ومنذ عام 2003، تقاتل ثلاث حركات مسلحة متمردة في دارفور ضد الحكومة السودانية؛ ما خلف 300 ألف قتيل، ونحو 2.5 مليون مشرد من أصل سبعة ملايين نسمة، وفق الأمم المتحدة، بينما تقول الخرطوم إن عدد القتلى لا يتجاوز 10 آلاف. (الأناضول)