البلتاجي: الموت وخيارات الاباء

حجم الخط
30

يختصر القيادي في جماعة الأخوان المسلمين المصرية محمد البلتاجي مسافة كبيرة نحو وجع الأمة الحقيقي وهو يخاطب أبنته الشهيدة أسماء التي قتلت في أحداث ميدان رابعة واعدا أن يقضي معها المزيد من الوقت في الجنة يوم القيامة.
رسالة الرجل لإبنته الشهيدة مؤثرة وإنسانية وتظهر حجم اللوعة عند اب أجبرته الظروف على فقدان إبنته الطفلة عمليا.
الموت لا يستحق إلا الإزدراء ورسالة البلتاجي لإبنته مع الإحترام الشديد لدلالاتها الأبوية وإشاراتها العاطفية تظهر حالة من تمجيد الموت على حساب الحياة.
القتل لا دين ولا طائفة ولا عشيرة له فالجريمة تبقى جريمة سواء إرتكبها جنرال مصري أو أخ مسلم أو إرهابي أو متطرف أو إسرائيلي أو أمريكي.
هنا مكمن الوجع فنحن أمة أظهرت صولاتها وجولاتها الأخيرة اننا نتفنن في تمجيد الموت دون أن نتقن فن الحياة.
لدى الشعوب العربية فائض عجيب من العنف والقسوة والغلاظة والرغبة في الإقصاء يمكنه أن يتكفل بكل أعداء الأمة ويصلح كل أحوالها لو قيض له الإتجاه في المسارات الصحية والصحيحة حيث الإيجابية والبناء والشراكة والمصير الواحد.
إسلاميون ويساريون وتقدميون وسلطيون كلنا نعلي بشكل غريب من قيمة العنف والسلبية نحو الحياة فنمجد الموت على حساب الحياة ونكرس الإقصاء على حساب الشراكة ونجعل الفرقة والثأر والإنتقام ورد الفعل قيمة تستحق الإستشهاد من أجلها.
الطفلة أسماء كغيرها من الأموات المجانين في مصر غدروا فجأة وقتلوا بدون ذنب وقصتها تكمن في أنها صبية مثل الوردة قتلتها خيارات والدها وقتلت بعدما وجدت نفسها في مربع محاصر بآلة فتاكة قررت فجأة إخضاع الأخوان المسلمين وإخراجهم من المعادلة وهي آلة دعمتها قوى معادية للإسلام والمسلمين وللأمة العربية ولمصر ولشعبها ومدعومة بالمال الخليجي.
أسماء البلتاجي لم يكن ينبغي أن تموت من حيث المبدأ عبر التقدم خطوات نحو الموت بهذه الطريقة والجلوس في وسطه وكان ينبغي لها أن تقضي المزيد من الوقت بصحبة والدها في الدنيا وبهدوء.
وجه الشهيدة رحمها الله- يعج بالحياة وعيونها تضربنا يوميا بسياط السؤال البشري الأزلي القرآني الكريم: بأي ذنب قتلت؟
رسالة البلتاجي لإبنته القتيلة موجعة جدا لكن من قتل الصبية الطيبة المبتسمة التي عرف بها العالم فقط بعد مقتلها ليس فقط تلك الرصاصة الحكومية التي إستقرت في رأسها أو قلبها.
حالتنا الثقافية قتلت أسماء ودمها الزكي في أرقابنا جميعا ولا نستثني خيارات والدها الشخصية فالفتيات اللواتي في عمر أسماء البلتاجي مكانهن الطبيعي المدارس وصفوف العلم وخدمة المجتمع في بلد مستقر وآمن يتطلع للمستقبل.
بصراحة أنا ضد الإنقلاب في مصر وضد محاولات إقصاء الأخوان المسلمين لكن لم تعجبني رائحة تمجيد الموت في رسالة البلتاجي لإبنته الشهيدة .
وكنت أفضل أن يجد البلتاجي والسيسي وأقرانهما طريقا للتفاهم يضمن لأسماء وبنات جيلها ولجميع شباب مصر دربا للحياة والمستقبل يخلو من الضغينة والفرقة والإنقسامات ويؤمن بالوحدة الوطنية .
لا تعجبني إطلاقا موسيقى تمجيد الموت وإقصاء الحياة في خطاب التيارات الإسلامية .
وبنفس القدر تبدو إشارات الإستعداد لقتل الأخوان المسلمين وتصفيتهم وإستئصالهم من جذورهم عند السلطات الإنقلابية أو عند خصومهم في التيارات الأخرى مساوية تماما بالمقدار وإن كانت معاكسة في الإتجاه لفكرة التلذذ بالموت والقتل والإستهداف.
رائحة الموت تجد من يمجدها الان بيننا في كل مكان في مصر وسوريا والعراق وفلسطين وغزة والعنف له عدة عشائر وتنتمي له عدة قبائل وتسانده العديد من الطوائف وينظر له مثقفون ينبغي أن تكون مهمتهم المقدسة هي تسويق الحياة فينا لا الموت وثقافاته المتعددة.
استمعت عدة مرات لأشرطة كاسيت {فلسطينية} فقدت المساحة الفاصلة في رسالتها الضمنية ما بين تعزيز فكرة المقاومة وتمجيدها وبين الترويج لثقافة الموت فأفلتت الأولى وتكرست الثانية وبالنتيجة خسرت فلسطين.
هذه الأشرطة تروجها أوساط تعليمية في الكثير من المدارس في غزة وعمان.
وإستمعت لخطابات زعماء ورموز بينهم الشيخ حسن نصر ألله ونوري المالكي وغيرهما وكانت دوما رائحة تمجيد الموت والإشادة به في ثنايا الخطاب وبين مفرداته جالسة بوقار على حساب برنامج الدعوة للحياة.
الشهداء هم أنبل ظاهرة عندما يتعلق الأمر بعدو الوطن ومعارك الإستعمار وإحتلال الأوطان لكن هذا النبل يتم خدشه يوميا في إستعارات يومية متكررة تتغطى بفكرة الشهادة بينما تروج في الواقع لجعل الموت قيمة ينبغي أن يسعى لها الإنسان العربي أو المسلم.
لدينا فائض عجيب من الذين يروجون لثقافة الموت او يظهرون الإستعداد للموت في معارك وهمية ضد الأخ والشريك والنظير والجار.
وهي معارك يفرضها الأخرون مقابل ندرة في العلماء والفنانين والمثقفين الكبار والفلاسفة والجنرالات الحقيقيين ورجال الدولة ونجوم الرياضة.
ولدينا فائض من أصحاب لقب {أمير} الذين يدفعون المليارات لترويج الموت بإسم إستقرار النظام العربي الرسمي البائس مقابل ندرة في الأمراء والزعماء الذين يمكنهم إشعال ولو عود ثقاب على طريق التحضر والمدنية والإيمان بان حياة الإنسان هي القيمة الأغلى.
شعوب العرب تتطاحن وتشعل النار في بعضها البعض بينما تنشغل شعوب أخرى في التقدم والإستقرار والإبداع في مجالات صناعة الحياة التي نفتقدها في عالمنا العربي.
لدينا أوطان محتلة وشعوب في الدرك الأسفل من الفقر والحاجة والجهل والظلم والتعسف والإستبداد..هذه معارك تستحق تمجيد الحياة من أجلها لا الموت.
لا يوجد سبب عقلاني أو بشري يدفعنا للقبول بالموت المجاني في أي مكان.
ولا يوجد سبب لموت نخبة من شباب الشرطة المصرية بالطريقة المقيتة التي حصلت فهذه أيضا جريمة نكراء لا يمكن تبريرها بأي حال فهؤلاء أيضا مثل أسماء البلتاجي لديهم احلام وطموحات وكان ينبغي أن لا يتم الزج بهم في معركة الموت والإنفلات التي تجتاح مصر العزيزة التي علمتنا على مدار عقود كيف تكون الحياة أبهى وأجمل.
مرتكب جريمة القتل الجماعية ضد شباب الشرطة المصرية بصرف النظر عن هويته ومبرراته وخلفياته يوجه لنا رسالة واضحة وبسيطة يقول فيها : أنا عدو الحياة وهي رسالة إجرامية بإمتياز لا يمكنها ان تكون بمثابة الكلمة الأخيرة في بلد عملاق كمصر.
ويمكن القول بضمير مرتاح بان نفس الرسالة وجهت لنا عندما قتل أكثر من 50 مواطنا مصريا على أسوار أحد السجون فالموت هو الموت سواء تسبب به بسطار العسكر أو ذهنية من يعتقدون أنهم يسلبون الحياة بإسم الله والسماء .
لم نصل بعد لنهاية المطاف وعلى جميع دعاة الحياة في التيار الإسلامي وخارجه التوحد معا في المعركة الحقيقية التي تواجه اليوم الأمة العربية والإسلامية وهي هزيمة ثقافة الموت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mohamed tetouani:

    نحن نعيش فعلا زمن الفتنة لا ندري من الضحية ومن الجلاد من المذنب ومن البريء

  2. يقول د. محمد الزيود:

    احسنت. علينا جميعا ان نعمل لهزيمة ثقافة الموت.

  3. يقول ABOUSARI:

    الشهادة هي حب للحياة بعزة و كرامة و ليس تمجيدا للموت و هذا يذكرني بأغنية بني وطني غنتها عليا التونسية سنة 1962 بمناسبة حوادث الجلاء عن مدينة بنزرت التي احتفظت بها فرنسا بعد استقلال تونس سنة 1957 حيث سقط العديد من الضحايا ابناء تونس في مواجهة عنيفة مع المستعمر الفرنسي و هذا مقطع منها :

    لأنتم حماة العرين أباة نشدتم لدى الموت حق الحيا ت
    مدا ومدى وكنتم تريدون سبل النجاة ورسل الهدى

    فلو كان للخصم رأي سداد
    وعقل يمـــــــيل به للرشاد
    ويردعه عن ركوب الردى
    لما اختار نهج الوغى والجلاد
    وسالت هباء دماء الأبرياء

    فإما حياة وإما فلا

    أردنا الحياة ورمــنا العلا
    وفي حقنا لانخاف البلاء
    ومن دمنا قد صبغنا رداء
    رفعناه فوق البـــلاد لواء
    فماس به الأفق حين بدا

    فإما حياة وإما فلا

  4. يقول الجزائري الحر:

    علينا ان نهزم ثقافة الحسد و البغضاء ضد الدين يفوزون و ينجحون و نستطيع تمثيل ما حدث في مصر بفريقي كرة القدم واحد فائز و اخر خاسر خيث يقوم الفريق الخاسر بالاعتداء و قتل لاعبي الفريق الفائز بدافع الخسد و يجند انصاره للقتل و حرق الجثث انه الجنون و الللامنطق

  5. يقول paradise:

    أنا اوافقك تماما في نقدك لثقافة تمجيد الموت في الخطاب الديني. منذ نعومة أظفارنا ونحن نستمع الى العقلية التي تمجد تحقير الانسان وتصغير شأنه وهذه الثقافه تعود في جذورها الى التلمود والى العقلية اليهودية المتدنية التي تحقر الانسان. من أفضل ماأتى به الاسلام العظيم العدالة والمساواة. الاسلام يساوي بين المسيحي واليهودي والزرداشتي وحتى الكافر اذا عاش في الدولة واحترم قوانينها. الاسلام مجدالانسان و الحياة واحترم كينونته واحترم أصغر تفاصيل حياته. ولكن الاخوان المسلمون كجماعه لايمثلون الاسلام وهم أقرب الى الجماعات الضيقة المتقوقعه على نفسها.لننظر ماذا حل بالشعوب في العصر الحديث عندما أتى الاسلاميين: الصومال فشلت كدولة. حماس أتت بصناديق الانتخاب مرة واحدة ثم التصقت بالكرسي. ماالذي حدث منذ أتت؟ انقسم الصف الفلسطيني وتحولت الفلسطيني من أعظم مناضل عرفه التاريخ الحديث الى ارهابي بفضل العمليات الانتحارية التي قامت بها حماس والأخطر من هذا لقد أفهموا الجميع بانهم وحدهم الذين يناضلون وغيرهم خونة وكلنا نعلم ان كثيرا من الفصائل الأخرى مازالت تقاوم. ماذا حدث في السودان عندما أتى محمد البشير؟ انقسمت السودان. والله يا أخ بسام لو بقي الاخوان في مصر لسنة أخرى لانقسمت لاى دولة قبطية واسلامية
    و…………………. في مصر شعب عظيم وهم الذين رفضوا التوريث كما حصل في سوريا. وعندما أتى مرسي وشعروا أن مصر ستتمزق قاموا بالرفض.ربما ليست الطريقه الصحيحة ولكن هذا يحصل في كل الثورات اذا عدنا للتاريخ. الاخوان خارج الزمان والمكان ويعتقدون أنهم أفضل من يمثل الاسلام.

  6. يقول ali:

    قل ان صلاتي ونسكي وحياي ومماتي لله رب العالمين

    كيف تريد ان تكون رسالة الوالد المكلوم لأبنته بعد المصيبه؟ رسائله قبل المصيبه – وهو استاذ جامعي- يحب الحياه مثلنا كانت اكيد مختلفه .المسلمين مطالبين بذكر هادم اللذات فقط لكبح جموح وشرور النفس البشريه او لتقويه العزيمه حين تخور قوة الانسان. فلو ذكر المجرمين الموت
    لما وقعت الجرائم – كفى بالموت واعظ-
    من المفارقات العجيبه ان نسبة الخوف من الموت عند المسلمين اعلى باضعاف من الغربين – راجع ان شئت الدرسات المنشوره في هذا المجال-

    هل بامكانك توجيه ما قلت للفتاه الامريكيه راشيل كوري التي دهستها جرافات اليهود في غزه وهل نقول انها كانت تحب الموت ؟ ومن قال ان الاباء يتبعون الابناء ؟ مصعب حسن يوسف اكبر خائن لأمته هو ابن حسن يوسف احد مؤسسي حماس
    بالنهايه ما برميك على المر الا الامر

  7. يقول Intessar:

    إنا لله وإنا اليه راجعون اللهم أجرنا في مصائبنا واخلفنا خيرا منهم اللهم صبر اهل كل شهيد

  8. يقول فالح.فالح:

    اخوتي في الاسلام والعروبة اعتقد اننا عاطـفيون .تـؤثـر بنا الاحـداث .
    نتـابع يوميا الـدمار والقتل في معظم الدول العربية والاسلامـية ,واصـبحنا
    مـخـدرين بدون وعـي او احـسـاس .وكأن ذلك عـمل عـادي لا جـديـد فية .
    هل نـحن جـهلاء واغـبياء ,نقـتل بعـضنا باسم الـدين والوطـن,ونصـف
    بعـضنا شـهـداء اوكـفار,لماذا لا نــعـيش بـرحـمة اللة ونـحب بـعـضنا ,
    مثل الـشـعوب والاديان الاخــرى ؟؟؟ .هل نحن افـضل منهم لا ولا انهم
    يحـبون اهلهم واوطانهم ,اوروبا مـوحـدة رغم لغـاتها المـخـتلفة ,وفيها
    طـوائـف من كل الـعالم ,وفيها ملايين المــسلمين و حـقوقهم مـحفوظـة مثل
    الاوروبيون .اما نحن في بلادنا العربية والاسلامية لاحقوق لنا .ويعامل
    المواطن العربي على الـحـدود العربية وكأنـة مجرم .وكل جـكوماتنا تابعة .
    اما ثـقا فـه المـوت فقـد اخـتـرعتها الاحـزاب الـمـسـتـدينة .لتـخـويف الشعب
    البـسـيط الـجاهـل,امـثال اتباع الاخوان المـخـدرين خـلف مرسي مالك
    مـفاتيح الـجـنة ,يـريـدون تــخـريب وقـتل مصر وجـشـها الـعـظـيم ,
    كل ذلك من اـجل كـرسي الـحكم الـمـدعوم من امريكا واسرائيل .لقد قال
    الاخواني ابو اسـماعيل قبت اشهـر اذا عمل الجيش انقلابا ,سوف نـدمـر
    مصر مثل سوريا ,ثم قال المرشد بـديـع بعد اعـتقال مرسى ,ان هـدم الـكـعبة
    حـجرا حـجرا اهون عند اللة من عـزل مـرسـي , هل مرسي افضل من
    الـكـعبة ايها المـسـلمون ؟؟؟ اليس الاخوان كـفـرة ,من بـدأ بـالـقـتـل غـيـر
    الاخوان .واعـتصـامهم في مسجد رابعة وغـيـرة لمـدة 6 اسـابيع واعماائهم
    الـعـدوانـية والـتـخـريـبـيـة واسـتـعمال قوة السلاح .الاخوان ارادوهـا حربا

    دامـية لاثـارة الـرأي الـعالـمي والامـريكي لصـالحـهم .وان اوامــر الجيش
    والـشـرطـة لـفـض الاعـتـصـام سـلــميا ,ولكن الاخوان هم من بــدأ
    بـالـعـدوان /، كل الـجهات ومن فوق الـمباني ,واسـتشـهد اكـثـر 40
    عسـكريا ,ومات من الـشـعب كـذلك الـكـثـيـر ومنـهـم ابنـة البـلتـاجـي
    شـهـيـدة انشاء اللة وكذلك الذين قـضـوا نـحـلهم دفـاعـا عن مصـر .
    نـرجـوا من اللة وقف ارا قــه الـدماء ,والـعـيش بسلام واخــوة لـمصـر
    وسوريا والعراق وفلسطيـن وافغانستان لبنان والصومال ووووو

  9. يقول ziad:

    غالبا اتفق معك لكني اختلف معك هنا بشده

  10. يقول عصام:

    بدون مجاملة هذا من أجمل ما قرأت في حياتي وهذا اول تعليق لي في حياتي

    من القلب أشكرك

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية