البلدان المغربية والرهان التاريخي

حجم الخط
16

كان مما كتبه المنصف المرزوقي قبيل أيام معدودة، في صفحته، أن العالم العربي يوجد في مفترق طرق بين ماض طغى فيه النزوع لمشرقة المغرب، وهو النزوع المستمر في ما يسميه السيد منصف المرزوقي بمحور الشر المناهض للتغيير الديمقراطي والسيادة الشعبية، والنزوع الذي ينتصب السيد منصف المرزوقي مدافعا عنه، وهو مغربة المشرق..
توصلت برد على تدوينة المنصف المرزوقي من لدن سعيد سعدي من الجزائر. يقف سعيد السعدي على ما ورد في تدوينة المرزوقي من أن ما يجري في الجزائر من حراك سوف تكون له انعكاسات إيجابية على جارها الشرقي، لأن النظام الجزائري حينها، حسب المرزوقي، سعى إلى أن يجهض الدينامية الديمقراطية في تونس، ويدعم محور الثورة المضادة، ولذلك فنجاح المسار الديمقراطي في الجزائر سينعكس إيجابا على تونس، مثلما أنه سوف يضع حدا للحالة السيريالية مع المغرب، بإغلاق الحدود البرية، وهكذا لسوف تبرأ الجزائر، حسب المرزوقي، من أدواء الاستعمار والاستبداد…
ويقر المنصف المرزوقي بأن المنطقة المغاربية هي في مفترق الطرق.. قد تنزلق بالنظر إلى تأثير الاتجاهات الفاشية، وتدخل حينها في الصراعات الطائفية، ولكنها يمكن أن تنهض بالنظر إلى ثرائها الحضاري، وقابليتها على الانفتاح، واستيعابها للتعدد، وطبيعة نخبها.. يغلّب المرزوقي كفة الأمل والاستدراك والوعي من دون أن يغفل الأخطار المحتملة. لم يكن سعيد سعدي ليبعث برده على المرزوقي، لولا رغبته في توسيع دائرة النقاش، كي يتضمن طرفا مغربيا. وهو نقاش كنت قد بدأته قبل سنوات مع سعيد سعدي الذي لم تخُف رغبته منذ ذلك الحين، وإرهاصات التحلل بادية في الأفق لمنظومة مترهلة، من ضرورة التفكير في الخروج من المأزق التاريخي الذي توجد عليه المنطقة المغاربية. في الرد على المرزوقي، يؤكد سعيد سعدي الإيمان بوحدة شمال إفريقيا وتجذره في المخيال الجماعي، مثلما يظهر ذلك جليا كذلك في حركة الجماهير وهواجس المثقفين. يقر بأن الحراك الديمقراطي في الجزائر غايته التخلص من مخلفات الاستعمار والاستبداد… ومن الأصولية الدينية كذلك، وهو ما لا يعرض له المرزوقي. ينحو المرزوقي باللائمة على ما يسميه محور الشر، ويشير إلى الإمارات والسعودية ومصر. يرد عليه سعيد سعدي أنه يلتزم الصمت في ما يخص تدخلات مشرقية أخرى، ليست أقل تأثيرا ولا سوءا.
هل الخيار هو الانتقال من مشرقة المغرب، إلى مغربة المشرق، كما يقول المرزوقي؟ ما الفائدة من فرض تصورات على عالم غير مستعد للانسكاب في القوالب الكونية، وتطبعه الصراعات المذهبية والطائفية، وظل ينظر دوما إلى المغرب (بالمعنى العام) من عل؟ أليس الأجدى هو مغربة المغرب (الكبير) كي يعبئ قواته الكامنة، ويوجهها الوجهة التي من شأنها أن تحصنه من أي وصاية كانت، من الشرق أو الغرب. ومن الضروري تذكير المنصف المرزوقي بما كتبه في جريدة «لوموند» بتاريخ 20 إبريل/نيسان 2011 في خضم تفتق بواكير «الربيع العربي» من أن الانتقال الديمقراطي لن يتم من دون علاقات طبيعية مع الغرب، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، مع علاقات شراكة في الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط. ولا شك في أننا في هذا الظرف الدقيق نحتاج، على المستوى المغاربي، حوارا حرا مثلما نحتاج رص جبهة ديمقراطية، إن صح هذا التعبير، تسند بعضها بعضا، كما كان الأمر إبان حرب التحرير.
الغاية مثلما يقول المنصف المرزوقي هو وحدة تكون في منأى من كل وصاية، ومحصنة من كل أنظمة فظة، وهو أمر لا يتنطح فيها عنزان، كما يقال، ولكن هل هناك حظوظ لمغربة المشرق مثلما يدعو المنصف المرزقي، وما الفائدة منه؟ أليس الأولى والأجدر هو المصالحة مع أنفسنا؟ هل يمكن أن نتستر على القطيعة التي تمت في البلاد المغاربية، وخاصة ما بين المغرب والجزائر، وتركت ندوبا.

المخرج مما تعيشه البلدان المغاربية يكمن في الوحدة، أو الفيدرالية، لأن الوحدة لا تعني هدم المسارات التاريخية لكل كيان وخصوصيته السياسية

إن المخرج مما تعيشه البلدان المغاربية يكمن في الوحدة، أو الفيدرالية، لأن الوحدة لا تعني هدم المسارات التاريخية لكل كيان وخصوصيته السياسية.. وواقع الحال يفيد بأن عدم قيام الوحدة، هو الذي جعل المنطقة المغاربية تخضع لنوع من الحماية أو الوصاية من بعض دول الشرق الأوسط.. نعم، المنطقة المغاربية في مفترق الطرق، كما يقول المنصف المرزوقي، بين احتمال الاندحار وهو أمر وارد، وإمكانية الاستدراك، وهو أمر ممكن، ولكنه لن يتم بقدرة قادر، ولكن برؤية، وانخراط نخبة. لا يمكن طبعا أن نضرب صفحا عما انتسج من علائق مع بلدن الشرق الأوسط لقرون، ثقافيا وإنسانيا وسياسيا، مع ضرورة نصرة القضايا العادلة، وكل ما يصب في احترام حقوق الإنسان وكرامة المواطن، ولكن للجغرافية كلمتها، والمحيط الأقرب لشمال إفريقيا هو الضفة الجنوبية حوض البحر الأبيض شمالا، وإفريقيا جنوبا.
أشاطر ما كتبه سعيد سعدي من أن «الثورة التي تجري حاليا ينبغي أن لا تدير الظهر للبعد الإقليمي في كفاحها. وهو الشرط الأساس في نجاحها». لنُنجحْ هذا الخيار، من دون أحلام إمبريالية، ولا أوهام أيديولوجية. وللمنصف المرزوقي فضل إثارة الحوار في ظرفية دقيقة وحاسمة. وليس لأصحاب الرأي أن يركنوا للتتبع والتأثر والانطباع، وإنما يتعين عليهم الانخراط في ما يجري والتأثير فيه بفكر ورؤية وشجاعة.
كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول جزائري حر:

    شتان بين المناضل الشريف السيد منصف المرزوقي ،وبين المدعو سعيد سعدي عميل فرنسا الذي طرده المتظاهرون الأحرار في منطقة القبائل ،وهو أحد أكبر منظري الإستئصال وأكبر داعم للإنقلاب العسكري عام 92 على إختيار الشعب ، والآن يحاول عبثا ركوب موجة الثورة الشعبية ضد نظام عسكري كان هو وحزبه من داعميه.

    1. يقول الطيب الوطني:

      الاتهامات بالخيانة جاهزة عندما يتعلق الأمر بمعارضين من منطقة القبائل. إذا ما أخذنا بتفكيرك سيتم اتهام كل من كان انذاك في قيادة الجيش و المجلس الأعلى للدولة و الحكومة و المجلس الانتقالي و المركزية النقابية و الأحزاب المساندة لتوقيف المسار الانتخابي

  2. يقول فيصل الشيباني-ليبيا:

    الدول المغاربية ليس لها الا بعضها،والشرق لم يأتي الينا الا بالتطرف والفرقة والشعارات الكاذبة .

  3. يقول ادريس:

    المغرب الكبير – تامازغا – شجرة ورافة الظلال، آوت عبر العصور ذويها و كل من احتمى بها، شجرة جذورها في إفريقيا و أغصانها تشرئب نحو أوروبا، و هي تقاوم التلوث القادم حالياً من بعض دول البترول.

  4. يقول سليم dz:

    في جميع الحالات هناك فرق كبير جدا بين الأكاديمي والسياسي والواقع. المرزوقي انتظر دهرا ونطق كفرا عندما يقول أن النظام السابق الجزائري كان يدعم الثورة المضادة بتونس؟ لو كنت رجلا حرا غير منافق لقلتها من قبل وليس بعدما تسقط الذبيحة وتشهر سكينك يا بطل؟ السعيد سعدي اسألوا عن اسمه في الجزائر وعلاقاته مع النظام؟ أنا شخصيا أرى أن هناك عقبة واحدة لا بد من توضيحها هي علاقات الجار الغربي للجزائر باسرائيل وطبيعة نظامه الملكي تحول دون التناسق بين الانظمة. أما الشعوب فهي متحدة من ما قبل التاريخ وليس اليوم فقط.

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      يا اخ سليم،
      .
      السياسة ليست فيها “ان كان رجلا .. ” أو “النيف” بل هي فن الممكن. من قبل لم يكن هذا ممكنا للمرزوقي ..
      و إلا بوتفليقة سينتقم من تونس و هي ضعيفة أصلا أو يزيد من مساندة الثورة المضادة.
      و حكمة الساسة هي تجيب شعبهم المشاكل. المرزوقي رجل دولة و لا يحق له ان يتصرف
      ب “إذا كان راجل ..” هذا متروك لجارك و البقال حولك .. و الحيطيست إن رأيتهم …
      .
      أما مساندة بوتفليقة للثورة المضادة فهذا امر واقع و ما كان للمرزوقي أن يقول كلاما غليضا لو لم يكن واقعا.
      و حتى مساندة بوتفليقة و العسكر للقدافي كذلك أمر واقع.
      .
      زيادة على هذا ماذا تعني ب “علاقات الجار الغربي للجزائر باسرائيل وطبيعة نظامه الملكي ..”
      لمذا لا تقول طبيعة الحكم العسكري الديكتاتوري المتدخل في شؤون المغرب من الجار الشرقي ..
      .
      على أي إن تبرير المواقف سهل .. فإن لم يكن ما قلته كافيا سيقولون المخدرات .. و إن لم تكن المخدرات
      كافية سيقولون المغرب سيستفيد لوحده.. و إن لم يكن هذا كفيا سيقولون طريقة طبخ الكسكسي فيها اختلاف كبير ..
      .
      العلاقة بين الدول تكون بتقبل نظامهم كما هو و تبنى على المصالح المشتركة ..

  5. يقول مواطن مغاربي مغربي غيور:

    بين مرجعية التبعية و الهوية يعيش مجتمعنا المغاربي الصراع العقيم و توعية شعوب المنطقة و منحها ديموقراطية حقة هو الكفيل بخلق النخب الحقيقية و السياسيين الوطنيين لا الإنتهازيين… تبقى سلطة الغرب بتكنولوجيتة التواصلية بشارة أمل في التغيير الصعب مع مستوى التعليم المتدني في المنطقة…
    لا شيء يُقدم بدون ثمن! للغرب أطماعه كما للشرق و على النخب لعب دورها التاريخي في الإنتقال الديموقراطي و وحدة شعوب المنطقة و إزدهارها في كل مناحي الحياة….

  6. يقول hadi:

    العدل والمساواة وتغليب شرع الله هو الذي يدفع الدول الى الامام وان تصبح دولة عالمية وغير ذلك خاصة في بلاد العرب والمسلمين فإنها سوف تسير من سيء وتحكم الغرب الى الاسوء وبحيث تصبح كما الان مطية لفرنسا واسبانيا والغرب على العموم

  7. يقول اسامة كليّة:

    هو ربيع عربي (اي دول الجامعة العربية) بكل اطيافه وطبعا كلنا انا ان تنجح ثورة الجزائر ويصبح المسار المغربي مسار للنشرق ايضا مع العلم ان السودان هنا مهم جدا لانه رابطة وصل وكم ندعو لهم ايضا ان تنجح ثورتهم ان شاء الله

  8. يقول Naila:

    مغربة المشرق ؟
    لماذا ؟
    لااعتقد اننا في شمال افريقيا نود ذلك .
    اذ لكل جغرافيته وبعده الحضاري وثقافته رغم تقاطعها تاريخيا . علينا ان لا نكرر اخطاء الماضي بنسخ مختلفة . مالا نرضاه لمغربنا لانرضاه للمشرق .
    سعيد سعدي كان بامكانه ان يكون منظرا سياسيا او محللا نزيها لو تخلى عن تطرفه ايام اكتساح حزب “fis” في التسعينيات الانتخابات ، الا انه لم يفعل ولم يحتكم للصندوق والديمقراطية الذي كان من المفترض انه يؤمن بها !. كانت خيبة امل كبيرة لكل مناضل سياسي حر يعترف باحقية الصندوق ويعترف بخسارته ، ساند الدبابة وركبها وكان من الاوجه المنبوذة جزائريا .
    هدفنا الاول هو كنس الانظمة المستبدة لبناء مغرب كبير على اسس ديمقراطية يتمتع فيه المغاربي بكل حقوقه المدنية المشروعة ويمارس حقوقه الكاملة .
    لست متشائمة ولكني لست متفائلة كثيرا بتسارع وتيرة التغيير ، نظم الاستبداد متأصلة ولها ادواتها والحراك قطع شوطا كبيرا بالغ الاهمية والتأثير شرقنا وغربنا . لكن من المبكر الحديث عن مغرب موحد في ظل هذه الانظمة الميكيافيلية التي تحكمنا .

  9. يقول عبد الوهاب عليوات:

    القضية وما فيها أن بوتفليقة قام بمساندة القايد السبسي ضد منصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية ليخرج المرزوقي من الباب الضيق بعد أن اتهمته الطبقة السياسية في تونس أن أراد بيع البلاد لدول الخليج مقابل مساعدات اقتصادية هامة على شاكلة سيسي مصر.
    وردا على اصطفاف الجزائر ضده تبنى المرزوقي مطالب النظام المغربي المتعلق بفتح الحدود متهما النظام الجزائري بكل نقيصة وليجد الكتاب المغاربة فرصة ذهبية للنفخ اعلاميا في ترهاته التي لا يسمعها سوى أمثال السعيد سعدي.

    1. يقول Ananou Abdelaziz (المغرب):

      النظام الجزائري لم يكن ينتظر المرزوقي أن يقول فيه ما قال… فالشعب الجزائري قال ويقول في هذا النظام لم لم نقله نحن فيه… هذا النظام الذي هو ربما أبلد نظام ظهر في القرن العشرين…
      .
      كنا ونحن نشاهد بعض النقاشات بين “نخب جزائرية” ونتعجب من مستواها وكذبها وغباء بعضها، على يقين بأن هؤلاء يمثلون الشعب… وأنه شيء طبيعي أن من يحكمون هم من جنس الشعب… ولا غرابة أن نرى هؤلاء الحكام يحكمون هذا الشعب… والحمد لله أن الشعب ليس مدجنن كما كثيرين فيه… و هو ما أظهره الحراك… وتذكرت يوما التقيت فيه شابة جزائرية ذات نباهة وحيوية ووضوح في الرؤيا قالت لي كلاما عن النظام، وزادت نحن نفكر ونبحث كيف سنتخلص منه لتجتمع شعوبنا… وفي كلمة “نحن” فهمت أن الشعب ليست طغمة حوارييه…

    2. يقول هيثم:

      الجميع يعرف أن النظام البائد في الجزائر ساند الثورة المضادة في تونس و في ليبيا. و الغريب في هذا التعليق الاعتراف بتدخل نظام بوتفليقة لصالح قايد سبسي في تونس ضد الرئيس المرزوقي لأن هذا الأخير يجهر بقول الحقيقة حول العلاقات المغربية الجزائرية وسلبيات النظام العسكري. ومن المؤكد أن جنود الكتائب الالكترونية لدى جيراننا في حالة استنفار قصوى للافتراء على كل من يساند الحراك و يعبر بكامل الصدق والحرية عن استبداد العصابة التي تضم أغبى السياسيين في العالم ،الذين لم يدركوا بغبائهم أن ترشح الرئيس العاجز عن الحركة والكلام للعهدة الخامسة سيفجر ثورة سلمية حضارية للشعب الجزائري الشقيق ضد نظام متسلط على البلاد منذ فجر الاستقلال.

  10. يقول علي الجزائري:

    المرزوقي احد القلائل من السياسيين المحترمين.. كان على إخواننا التوانسة التمسك بالرجل و بأفكاره و التصدي لكل من أراد التضييق عليه .. أمل تونس ونهضتها متعلق بحثه على الترشح و انتخابه رئيسا للبلد …

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية