ليس من شك في أن البنيوية، بوصفها اتجاها ظهر وتطور وانتشر بشكل لافت في النصف الأول من القرن العشرين، قد امتدت إلى شتى الحقول والمجالات البحثية المعرفية والعلوم الإنسانية، كالأنثروبولوجيا، والتحليل النفسي، والسوسيولوجيا، والنقد الأدبي وغيرها من المعارف. ووجب التنبيه بداءة، إلى أن أصول البنيوية، تعود (في ظهورها) إلى عالم اللغة السويسري فيرديناند دي سوسير، الشيء الذي دفع الدارسين إلى الإقرار بأن البنيوية كفلسفة أو كنظرية أو كاتجاه قد ظهرت أولا «في مجال اللسانيات أو البحث اللغوي (وهو) المنشأ الذي أفاد منه النقد الأدبي»(يمنى العيد/ في معرفة النص). ويمكن القول في هذا الصدد، إن رومان ياكوبسون، هو أول من نقل روح الفلسفة البنيوية إلى النقد الأدبي، وطبقها كمنهج نقدي جديد في مجال الأدب.
إن المنهج البنيوي في النقد الأدبي، لا ينظر إلى النص إلا باعتباره بنية مغلقة، وباعتباره أيضا وعطفا على ذلك، نسقا لغويا مغلقا. إنه طريقة في التحليل، تعامل النص الأدبي كما يقول محمد بنيس «كعالم ذري مغلق على نفسه، وموجود بذاته، فتدخل (البنيوية) تبعا لهذا المفهوم في مغامرة الكشف عن لعبة الدلالات»(ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب). وبناء على ذلك نقول إن المقاربة البنيوية للظاهرة الأدبية لا تستقيم إلا بالاستناد إلى عمليتي التفكيك وإعادة التركيب المشروطة بخطوتين أساسيتين. تقول يمنى العيد: «ينطلق المنهج البنيوي من هذه المفاهيم التي هي أدواته. أول خطوة في المنهج هي تحديد البنية، أو النظر إلى موضوع البحث كبنية، أي كموضوع مستقل، إن دراسة هذه البنية: (المجتمع أو النص أو مجموع النصوص) يشترط عزلها حتى عن مجالها الذي هو بالنسبة لها خارج.» (في معرفة النص). أما الخطوة الثانية فهي التحليل، ونقصد بذلك تحليل اللغة بالدرجة الأولى التي تشكل مادة النص بالأساس. ويستهدف التحليل «كشف عناصر البنية التي هي هنا، مثلا، النص الأدبي، أي دراسة الرمز، الصورة، الموسيقى، في نسيج العلاقات اللغوية وفي أنساقها». (يمنى العيد)
إن المهمة الأولى للناقد البنيوي، حسب ديفيد ديتش هي «أن يصف الآثار الأدبية بدقة مستقصية، وأن يجد قيمتها على أساس من ذلك الوصف، فتركز الاهتمام على تحليل الأثر الأدبي معزولا عن أي قرينة، بدلا من الإجمال التاريخي لعصر من العصور» (مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق). وعلى هذا الأساس يخلص الناقد المصري عبد العزيز حمودة إلى أن البنيوية «تنطلق من نقطة وجود المعنى كأمر مسلم به ومفروغ منه، ومن ثم تتحول عن دراسة المعنى إلى آليات خلق المعنى حسب قواعد علمية، وهذا ما أشرنا إليه باعتباره تجاهلا تماما للمعنى». (الخروج من التيه/دراسة في سلطة النص) وغير خاف أن «البنيوية» بعدّها منهجا لا يعترف إلا بما يتبدى به النص الأدبي من هيكل/نسق، يشتغل وفق نظام داخلي محدد، قد تحررت كليا من الأوهام الأيديولوجية، التي أثقلت الذات والموضوع في النقد الأدبي (النقد الماركسي)، وصبّت من ثم كل اهتماماتها، اشتغالا وانشغالا، على الأثر الأدبي في نسقه البنيوي، بما هو نظام اشتغال هذا النص، بعيدا عن أي خارج، بما في ذلك الكاتب نفسه، الذي من شأنه أن يؤسس لعلم الأوهام، وأحكام القيمة، الأمر الذي جعل البنيوي الفرنسي رولان بارت يطلق فكرته الشهيرة «موت المؤلف».
أما في العالم العربي، فإن من أهم الأسماء الطليعية التي طبقت المنهج البنيوي، نذكر بالأساس كمال أبو ديب، من خلال دراسته المعنونة بـ»نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي».
لقد كانت غاية بارت، من خلال مشروعه البنيوي هذا، كما يقول سمير سعيد حجازي، منذ البداية «تخليص النقد الأدبي من النزعات الجمالية، والنزعات الميتافيزيقية، ومن ثم فقد راح يدعم النقد الأدبي بدعائم منهجية دقيقة، مستوحاة من مناهج اللسانيات، من أجل الوصول إلى أكبر قدر ممكن من الصرامة العلمية» (مناهج النقد الأدبي المعاصر).
وإذا كان رومان ياكوبسون كما أسلفنا، هو أول من طبق البنيوية كمنهج، على النص الأدبي في النقد الغربي، فإن مجموعة من الأسماء التي ستصبح أعلاما بارزة لهذا الأسلوب في التحليل، ستختص في تطبيق البنيوية على النصوص السردية، بإخلاص ووفاء شديدين، كرولان بارت (سبق ذكره)، وجيرار جينيت، وتزيفتان تودوروف، وكلود بريمون، وغريماس…
أما في العالم العربي، فإن من أهم الأسماء الطليعية التي طبقت المنهج البنيوي، نذكر بالأساس كمال أبو ديب، من خلال دراسته المعنونة بـ»نحو منهج بنيوي في دراسة الشعر الجاهلي». وهي تعدّ بالمناسبة حسب الكاتب سمير سعيد حجازي «أول محاولة طليعية جادة في النقد العربي المعاصر، اقتحمت الميدان بإصرار، وطبقت المفاهيم البنيوية على شعرنا العربي القديم متجاوزة الاتجاهات التقليدية كافة، التي عالجت الموضوع من قبل. والقارئ المدقق في معظم أجزائها يشعر بالإعجاب للجهد الذي بذله أبو ديب حين طبق المنهج البنيوي الذي يجمع بين شكلية بروب وبنيوية شتراوس معا»(مناهج النقد الأدبي). وسرعان ما تبعته مجموعة من الأسماء، نخص بالذكر: اصلاح فضل، وعبد السلام المسدي، وحسين الواد، وتمام حسان، وسيزا قاسم، وموريس أبو ناضر، ومحمد مفتاح، وعبد الفتاح كليطو، وسعيد يقطين، وخلدون الشمعة. إلا أن هذا المنهج، ومهما ادعى من علمية، سينال حظه من الانتقادات لما شابه من عيوب ونواقص، سيقر بها أهم رواد هذا الاتجاه النقدي وعلى رأسهم تودوروف في كتابه الشهير «الأدب في خطر» الذي أثار نقاشات واسعة، لعل من أهم هذه المآخذ نذكر:
– اقتصار الدراسة الأدبية البنيوية على المستوى السانكروني للنص دون مستواه الدياكروني.
– دراستها للأدب بوصفه بنية معزولة عن موضوعها من جهة، وعن خارجها (المجتمع) من جهة ثانية.
– اكتفاؤها بوصف النصوص الأدبية بدون تفسيرها.
– هيمنة النزعة التجزيئية على جل الدراسات البنيوية في معالجتها للنصوص الأدبية.
٭ شاعر وناقد مغربي
أحسنت الوصف أُستاذ محمّد.