نسير اليوم، في اتجاه قيم «جديدة»، يفرضها هبل العالم، ومن يتحكم في هذا الهبل، أي، من يوجد خلف/أمام الستار، ويرغب في صناعة جديدة لهذا العالم. صناعة الجهل، صناعة تتقوى وبأشكال متعددة، ومما تسعى إليه، خلخة ما راكمته الإنسانية من قيم مشتركة، قيم، جعلت من الإنسان هو محور كل رقي، بل، خلصت هذه التراكمات الآتية من رحم المعرفة والفلسفة والفن والعلم، الخ، إلى أن مأمن عالمنا اليوم، هو جعل الإنسانية، مدخلا ومعيارا حقيقيا، به نقيس جهود من بيدهم قرارات العالم الكبرى.
اليوم، نجد أنفسنا، أمام رؤى جديدة تتلخص في مأسسة الجهل وصناعته، وتبضيع الناس، ومن تم الانقضاض عليهم «لتعليب» حياتهم والتحكم في أذواقهم، وجعلها وفق ما يريد القوي اقتصاديا وماليا وماديا. كلما تطورت التكنولوجيا، وكافة تبعاتها (شبكة التواصل الاجتماعي، الخ)، تغلغت العديد من «الأفكار» الهادفة والراغبة في الربح.
بين مجد الماضي ومجد اليوم:
قديما، كان المجد يبنى كتراكمات زمنية عديدة، قصدي، أن تصبح شاعرا أو روائيا أو مطربا أو موسيقيا، الخ، عليك أن تشمر عن سواعدك وتسهر الليالي، إن أنت أردت أن تصل إلى تلك النجومية الحقيقية والفاعلة في الإنسان وفي الزمكان. مجد حقيقي، يناله صاحبه وبشكل ملموس، بل حتى حينما ينتقل إلى جوار ربه، يبقى أثره النافع، كشعر أو ككتابة أو كموسيقى أو كعلم أو كفلسفة، إلخ، داخل عوالمنا العربية الجريحة، أو عند الآخر في شقه الثقافي والفني والإنساني.
كل واحد، من أجيالنا من الممكن أن يستحضر اسما بارزا كتب قصيدة شعرية أو أخرج فيلما سينمائيا، له بعده/عمقه الإنساني، أو رسم لوحة/أحاسيس دالة، أو تمايل وأطرب الناس فوق المسرح لساعات طوال، حتى تبلل بالعرق، الخ. أسماء عديدة صنعت مجدها، داخل رقعة زمنية طويلة جدا.
اليوم، نعم، اليوم، كل القيم تسير وفق رؤى مغايرة. كلمة ثلاثية (ربح)، هي عنوان بارز لكل ما يحيط بنا في هذه العولمة، حيث، الرغبة في الضغط على عنصر الزمن، ومن تم، صناعة نجومية، مربحة وبشكل سريع. في بضع دقائق، من الممكن أن «تخربق» أي شيء، لتجد نفسك، وقد أصبحت نجما كبيرا «تتهافت» عليك «الشركات» لتوقيع عقد «بيع» الوهم للناس، لأنك أصبحت «نجما» ساطعا.
إن القبح البصري، اليوم، هو فاعل فعله في العديد من المتلقين. قبح، يحاصرنا أينما حللنا، مما يجعلنا نفكر لاسيما، من طرف من عاشوا عصور الإبداع الفني، الذي هو اليوم، أردنا أم كرهنا، مصدرا خصبا لنا جميعا.
«البوز» وموت الذوق:
«طفيليات» بصرية وسمعية، تنبت يوميا، بل وعلى رأس كل ساعة، إن لم نقل دقيقة، تنشر في «نهر» هذا العالم المتدفق ومن خلال العضو البيولوجي الجديد الذي نحمله في جيوبنا، أي الهاتف المحمول، على سبيل المثال. يكفي اليوم، أن تفتح، هاتفك المحمول صباحا، لتبدأ في تلقي قذف بصري وسمعي، (فيديوات)، الخ. لنبحث وندقق في بعض المنتوجات البصرية، على سبيل المثال، والتي تحقق نسبة مشاهدة عالية، ومن ثم انتزاعها للعديد من المكاسب المالية والمادية، إلخ.
البحث عن «البوز»، هو اليوم معيار مبحوث عنه من لدن من يغني أو يعزف. معيار، سطح الذوق، وجعل القيم والرؤى والأذواق، تتغير وتتبدل. أهتم كثيرا بطبيعة الأعمال التي تحتل مكانة عالية على مستوى المشاهدة، لكي أبحث فيها، وأعرف ما الذي جعل، على سبيل المثال، لهذه الأغنية المكونة من بضع دقائق، تحتل هذه المكانة، وتشاهد بالملايين وفي أسبوعها الأول؟ أستعين كثيرا بحوارات هامشية مع طلبتي أو أبنائي، أو من خلال ما ينشر على مستوى شبكة التواصل الاجتماعي. صحيح، قد يرد، علينا، بكون الأجيال الجديدة حرة في ذوقها. كلام، من الممكن قبوله، لو كان فعلا، مبنيا على اختيارات غايتها السمو بالذوق وانتشاله من انحطاطات بصرية «تهاجمنا»، بل تهدم كل ما تؤسسه المدرسة والقيم المشتركة التي تجمعنا جميعا فوق هذه الأرض، وداخل هذا العالم/القرية الصغيرة.
ما السبيل، لوقف هذا القبح البصري والسمعي؟
من الممكن القول، إن القبح البصري، اليوم، هو فاعل فعله في العديد من المتلقين. قبح، يحاصرنا أينما حللنا، مما يجعلنا نفكر لاسيما، من طرف من عاشوا عصور الإبداع الفني، الذي هو اليوم، أردنا أم كرهنا، مصدرا خصبا لنا جميعا.
في بعض المدن الغربية، بادر البعض وفي لوحات إشهارية كبيرة، كتب عليها ما معناه: «توقفوا عن جعل التافهين نجوما». ومن أجل الغاية نفسها، نشر البعض وفي بضع دقائق، مقارنات بين أسماء علمية أو فكرية كبيرة ماتت وأسماء جديدة احتلت شبكة التواصل الاجتماعي أو تلفزيونا ما، الخ، وكتب على الهامش لنقارن، بين هذا وذاك؟ إلى غير ذلك من الصيغ الإعلامية، التي من الممكن القول، بأنها وفي جميع الحالات، تؤشر وتدل على وجود وعي هنا وهناك، رافض لكل أشكال «التفاهات» التي هي اليوم مطية للربح ولا شيء غير الربح، ومفضية، نحو «موت» الإنسان.
المدرسة بوابة إحياء الإنسان:
تبقى المدرسة، في اعتقادي وبحمولاتها التربوية والثقافية والعلمية والإنسانية، منفذنا الجوهري الذي علينا، أن نتمسك به، في أفق أن نجعل دوما من النجومية الحقيقية نجومية مفيدة للناس جميعا، لاسيما في ظل رأسمالية وحشية لا تبحث إلا عن الطرق المؤدية إلى الربح وجعل الأذواق تعيش المزيد من أشكال التيه وغياب المعنى/الدلالات الإنسانية التي وحدها اليوم، ما تبقـــــى لنا في عالم مرعب، يتلذذ بهموم آلام الناس.
أشكال عديدة من الموت، الرمزي والجمالي والثقافي، الخ، تحاصرنا، ونحن نبحث عن فرجة مفيدة للقلب والروح، فرجة مسرحية أو سينمائية أو تشكيلية أو شعرية، أو قراءة لنصوص فكرية أو فلسفية، من شأنها أن تعيد لنا ذواتنا العقلية والنفسية والجسدية، حتى نتمكن من انتشال ما تبقى فينا، في هذا الزمن الرخو، زمن من الممكن نعته، بعنونة مضحكة ومؤلمة في الوقت نفسه، أقصد: كيف تصبح فنانا في خمسة أيام، أو في ساعة واحدة، إن لم نقل في بضع دقائق.
٭ باحث مغربي
الفيلسوف المغاربي (الحبيب الناصري) نشر عنوان («البوز» وموت الإنسان) وفي آخر مقاله فسّره بالتالي (كيف تصبح فنانا في خمسة أيام، أو في ساعة واحدة، إن لم نقل في بضع دقائق.)
فهو فهم أنّ سوق العولمة يعني (الربح) وفي هذه المهنة السوقيّة، من وجهة نظره لا يوجد جمال، بل كلّها قبح، وليس فيها إنسانية، كما عبّر عنه بمقاله؟!
إشكالية هذه العقلية، التي ترفض استغلال العقل، في إنتاج أي منتج ذو عائداً إقتصادياً، يعمل على تغطية ميزانية الدولة لتوفير خدماتها للإنسان والأسرة والشركة المنتجة في الدولة،
وليس للإنسان العالة/الآلة الذي يرفض أن يُجهد عقله على أرض الواقع في السوق،
لينافس منافسة شريفة بلا واسطة ومحسوبية ورشوة بداية من لغة الجسد (البغاء المهني) على استحقاق كرسي الوظيفة لحوكمة الحكومة الإلكترونية
بدل تخصيصه لأحد من يختاره آل البيت من شعب الرّب المُختار بواسطة السامري (المخزن)؟!??
??????