عادة ما يمكن الفصل إلى حد ما بين الموضوعات التي تعني قراء الصفحات السياسية، والمجالات التي يبحث عنها قراء الصفحات الأدبية، مع الإشارة الضرورية إلى أن جميع الأبواب في أي صحيفة أو منبر إعلامي، سياسية أو رياضية أو اقتصادية تحمل في النهاية بعداً ثقافياً، ويمكن قراءتها من باب تأثيرها على الثقافة.
تتوالى الأمثلة التي تداخلت فيها اهتمامات الصفحات الأدبية مع الأبعاد السياسية، ففي عام 1958 أعلن فوز الشاعر والروائي السوفييتي بوريس باسترناك بجائزة نوبل للآداب، ليبدأ جدل واسع يشكك في أحقيته بالحصول على الجائزة من مدخل القيمة الأدبية، ويربط بين التكريم وروايته «دكتور جيفاكو» التي حملت نقداً للنظام الشيوعي وممارسته، وتكرر الأمر نفسه مع الروائي ألكسندر سولجنيتسين الذي حصل على نوبل 1970 بعد روايته «أرخبيل الجولاج» التي هاجمت بشكل صريح ولاذع القمع السوفييتي الموجه للأفراد من المعارضين والمختلفين سياسياً، ولا يمكن استبعاد التوظيف السياسي في تجارب الدعاية الواسعة النطاق في الأوساط الثقافية الغربية، أُثناء الحرب الباردة لتجارب ميلان كونديرا الروائية (تشيكوسلوفاكيا) وكريستوف كيشلوفسكي السينمائية (بولندا).
لم يكن الشرق العربي موقعاً للاهتمام في الأوساط الثقافية الغربية، إلا في محطات محددة كانت تندرج في معظمها تحت السلوك الاستشراقي المتعالي الوعظي والسياحي، وفي أحيان أخرى ضمن حملات تسويق السلام والتسوية، وسرت شائعات كثيرة إن لمواقف نجيب محفوظ غير الحاسمة والمباشرة تجاه قضية الصراع العربي ـ الصهيوني، مقارنة بيوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ودورها في أن يكون هو ممثل الأدب العربي لدى لجنة جائزة نوبل للآداب 1988، ومع أن هذه المقاربة خاطئة إلى حد كبير، فإنه لا يمكن تجنب الحديث عن (محلية) نجيب محفوظ، بوصفها المدخل المهم لقراءته في الغرب، وكأنه يقوم بدور الشباك الذي يتيح للغربي التلصص على الشرق الغامض وبناه الاجتماعية والذهنية والفكرية والثقافية، ولذلك لم يكن للغرب أن يتحمل نموذجاً متحذلقاً مثل عبد القدوس، يخوض في تجربته الروائية محاولة استقصاء الغرب نفسه وينتقده ويعريه في أعمال كثيرة، بل ينتقد آليات تكوين ورعاية وكلائه المحليين من (المستغربين) في نماذج متعددة أهمها، شخصية رفعت البيومي في روايته «وغابت الشمس ولم يظهر القمر».
يشكل مجتمع الخليج العربي هدفاً للاستشراق في نسخة حديثة تبحث عن تفهم التحولات السريعة التي تخوضها شعوبه
هذه المقدمة الطويلة نوعاً ما تأتي لتجنب غضب القارئ الذي تساوره النشوة في فوز العمانية جوخة الحارثي بجائزة البوكر الدولية، ليراه موازياً موضوعياً للانتصارات النادرة والعرضية التي تحدث في الملاعب الرياضية مثلاً، إلا أن القراءات التي انصرفت لرواية الحارثي وجدتها لا تتقدم بشيء عن روايات كثيرة تصدر في العالم العربي، ويذهب بعض القراء إلى أنها دون المستوى من حيث المبدأ إلا في موضوعها، الذي يلقي الضوء على سلطنة عمان، التي بقيت طويلاً تركن إلى عزلة مدروسة بعيداً عن اضطرابات العالم العربي، وتحديداً موضوع المرأة في عمان وظروفها وخياراتها، وأيضاً كما يذكر هشام غانم – الكاتب الأردني الذي لمع واختفى سريعاً وبصورة طوعية ـ عملية الانتقال أو التحول من التقليد إلى الحداثة في المجتمع العُماني، وهي مواضيع تهم القارئ الغربي الذي يجدها فرصة لتلصص استعلائي على الشرق، وتشبع الرواية ذلك النهم بتقديمها لقلق الشرق وحيرته، التي يجب أن تهتدي في النهاية إلى الحلول الغربية في أنماط الحياة بوصفها طريقة الانعتاق وطريق الخلاص.
حظيت المترجمة مارلين بوث التي نقلت رواية الحارثي إلى الإنكليزية على الكثير من الاهتمام، حتى أنها زاحمت بثوبها الذي تزينه النقوش الشرقية، المؤلفة في استلام الجائزة، وكأنها تدشن انتصاراً شخصياً، بل ظهرت الحارثي عملياً مرتهنة في مدار بوث، وتستمد منها الثقة في تجربة الانكشاف المفاجئ وغير المخطط على العالمية.
يشكل مجتمع الخليج العربي تحديداً هدفاً للاستشراق في نسخة حديثة تبحث عن تفهم التحولات السريعة التي تخوضها شعوب الخليج العربي، في تجربة الثروة والسيطرة، التي سبقت قدرة المجتمع الخليجي على استيعابها في مرحلة من تاريخه، ومنذ رواية السعودي سعد الدوسري «الرياض – نوفمبر 90» صدر العديد من الروايات التي تحاول البحث في مجتمع الخليج، الذي يغري من حيث ما يحفل به من تحولات متسارعة وتراجيدية بالتقدم تجاه غوامضه وكواليسه. بقعة الضوء التي بغتت المشهد الخليجي مع فوز الحارثي ستدفع بمزيد من الاهتمام للتقدم تجاه تفكيك صورة المجتمع الخليجي، وتكوين رأي عام في النخبة الغربية تجاه الخليج، يمكن أن تسهم في العمل على خلق تصورات جديدة، والتحول إلى تفكيك فعلي ربما بدأت معالمه تتشكل مع المراجعات المتتابعة، التي تسعى إلى تأسيس مجتمع أكثر انفتاحاً، والمفارقة أن بعض من يقودون المجتمع الخليجي في هذه المرحلة كانوا قبل سنوات قليلة من أسباب وأدوات الاستغلاق.
قراءة الأدب الخليجي مدخل مهم لتفهم مآلات التحولات الاجتماعية، فأدباء العربية السعودية كانوا يقودون في مرحلة معينة نقداً واسعاً للمؤسسات المتحفظة، وكأن الأدب كله يتوجه إلى صراع داخلي مع المحافظين ويخاطبهم ويجادلهم داخلياً، أما بالنقلة التي تحدثها «سيدات القمر» فالسعي إلى قراءة الخليج ستكون متعددة وواسعة، وبالطبع سيولد هذا الأمر صراعاً في القراءات واجتهادات مختلفة للخروج بتصورات تخلق توجهاً عاماً لدى القيادات، ولدى الشعوب الخليجية، والخليج الذي يختلف في مدى الانفتاح الاجتماعي بين بلد وآخر، يبقى محتفظاً بالكثير من القواسم والظروف، الأمر الذي يضع هذه الرواية، وتكريمها الغريب الذي يفوق قيمتها الأدبية، تحت مجهر يجب أن يكون حذراً في التقاط حالة من توظيف الأدب والثقافة في هندسة اجتماعية وفكرية، يمكن أن تفضي إلى نتائج من الصعب وربما من المبكر توقعها.
بالطبع ليس المصير السوفييتي مطروحاً لاختلاف شكل بنية الدولة، والكثير من الظروف الأخرى، ولكن لا يمكن التسليم ببراءة مباشرة العمل على توظيف الأدوات (الناعمة)، وبطريقة ارتجالية كما تدلل حادثة البوكر الدولية.
كاتب أردني
في كل الاحوال تجب تحية الكاتبة على هذا الانجاز فليس من السهل
–
كتابة رواية او حتى قصة قصيرة جدا
لدي حساسية واقعية من الجوائز بعدما لاحظت في مهرجان الاذاعة والتلفزيون المصري الغش المباشر للأعمال المرشحة.فكان اول شيء لا تمنح الجائزة الأولى إلا لعمل مصري أو لممثل مصري بعد ذلك يتم تقديم ( الفتات ) للآخرين.والشيء نفسه وجدته في سلطنة عمان تفضيل الأعمال العمانية على العربية ولو كانت أقل جودة.كذلك في السعودية وفي لبنان.لذلك الجوائز العربية تطيب خواطر وسياسة.
أما الجوائز الأجنبية ( الأوربية ) للعرب فهي مصممة لأغراض تختلف عن جوائزهم لبني جلدتهم المبدعين.والحليم تكفيه الإشارة.
الأخ الأستاذ سامح المحاريق.
«بقعة الضوء التي بغتت المشهد الخليجي مع فوز الحارثي ستدفع بمزيد من الاهتمام للتقدم تجاه تفكيك صورة المجتمع الخليجي، وتكوين رأي عام في النخبة الغربية تجاه الخليج، يمكن أن تسهم في العمل على خلق تصورات جديدة، والتحول إلى تفكيك فعلي ربما بدأت معالمه تتشكل مع المراجعات المتتابعة، التي تسعى إلى تأسيس مجتمع أكثر انفتاحاً، والمفارقة أن بعض من يقودون المجتمع الخليجي في هذه المرحلة كانوا قبل سنوات قليلة من أسباب وأدوات الاستغلاق».
فقرة (1).
«فالسعي إلى قراءة الخليج ستكون متعددة وواسعة، وبالطبع سيولد هذا الأمر صراعاً في القراءات واجتهادات مختلفة للخروج بتصورات تخلق توجهاً عاماً لدى القيادات، ولدى الشعوب الخليجية، والخليج الذي يختلف في مدى الانفتاح الاجتماعي بين بلد وآخر، يبقى محتفظاً بالكثير من القواسم والظروف».
فقرة (2).
فضلا متابعة…
استكمالا للتعليق فضلا…
«الأمر الذي يضع هذه الرواية، وتكريمها الغريب الذي يفوق قيمتها الأدبية، تحت مجهر يجب أن يكون حذراً في التقاط حالة من توظيف الأدب والثقافة في هندسة اجتماعية وفكرية، يمكن أن تفضي إلى نتائج من الصعب وربما من المبكر توقعها».
فقرة (3).
وأخيرا أبقيت فقرة احقيتها فى
صدر التعليق، ولكنى أبقيتها للنهاية،
لكى تقرأ مغزى ما صنّفه أحد القراء، بالتحديد بين الأقواس، مراعاة منكم
وتفهما (عفوا) بأن المساحة أمامى
محدودة، وكلى ثقة بكم، أنكم ستتفهمون مغزى التحديد بين الأقواس.
فضلا متابعة…
استكمالا للتعليق فضلا…
ربما يكون اختلافا فى الرأى معكم، والاختلاف لا يفسد للود قضية.
لا أدّعى أننى مصري، ممن يحبون
(عُمان) الساحرة بشواطئها ونخيلها، ومعمارها ومثقفيها، وتلك الأخلاق
العالية الرفيعة التى يتمتع بها شعبها.
(عفوا) لا أتهمكم بتجاهل تلك النيّرات
التى قل ما نراها ونعيشها داخل مجتمع
بالعالم، بل ها أنا أعطيكم أربعة نجوم
من خمسة لأنكم أرضيتم غرورى بأسلوب نقدكم الشيق، فهل ملاحظاتى ما بين الأقواس على تحليلكم فى منح البوكر للأديبة العمانية،
منعنى من منحكم أربعة نجوم من خمسة؟!
بل أوجه لكم الشكر الجزيل على عرضكم
الممتع. بل أشكركم على الترويج لعُمان والشعب
العماني الطيب.
دمتم بألف خير والقدس العربي