البيانوني: الضغوط الخارجية علي النظام لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري ومواجهة الازمة تحتاج لجبهة داخلية متماسكة لا يمكن أن تتوفر في ظل السياسات القمعية

حجم الخط
0

البيانوني: الضغوط الخارجية علي النظام لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري ومواجهة الازمة تحتاج لجبهة داخلية متماسكة لا يمكن أن تتوفر في ظل السياسات القمعية

المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية يؤكد لـ القدس العربي ان المفاوضات مع النظام وصلت إلي طريق مسدود بسبب إصراره علي مواقفهالبيانوني: الضغوط الخارجية علي النظام لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري ومواجهة الازمة تحتاج لجبهة داخلية متماسكة لا يمكن أن تتوفر في ظل السياسات القمعيةلندن ـ القدس العربي ـ من أُبَيْ حسنماتزال جماعة الإخوان المسلمين السوريين حركة محظورة في سورية، وما يزال القانون 49 القاضي بالإعدام لكل منتسب إلي هذه الجماعة ساريا. وبرغم كل التغيرات التي جرت وتجري في العالم، وبرغم أن خطاب الجماعة شهد نضجا ملموسا وتطورا علي أكثر من صعيد إلا أن علاقتها بنظام الحركة التصحيحية بقيت تراوح مكانها، وذلك علي خلفية أحداث الثمانينات التي شهدتها سورية.في هذا الحوار مع السيد علي صدر البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية يتحدث عن علاقة الجماعة بالنظام السوري، ويتطرق إلي ما أشيع عن وساطات تقوم بها جهات إسلامية عربية بين الحركة والنظام البعثي، كما يبدي رأي الجماعة المحظورة بالتغييرات التي طرأت علي النظام منذ رحيل غازي كنعان وزير الداخلية السوري السابق، وانشقاق عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق ومدي إمكانية التنسيق معه من عدمها. وفيما يلي نص الحوار:العلاقة مع خدام كيف تنظر جماعة الإخوان المسلمين إلي مسألة انشقاق عبد الحليم خدام عن النظام السوري؟ أولا لم يكن في تصريحات السيد عبد الحليم خدام ما هو جديد علينا أو غير معروف، فنحن نتحدث منذ أكثر من أربعين سنة عن طبيعة النظام السوري الاستبدادية وممارساته القمعية علي الشعبين السوري واللبناني، وعن الفساد المستشري في كافة الميادين السياسية والإدارية والاقتصادية والأمنية… وقد دعونا الرئيس بشار الأسد منذ توليه السلطة إلي عملية إصلاح شاملة للخروج بالبلاد من الأوضاع المتأزمة التي تعيش فيها، وأبدينا استعدادا للتعاون، وتفهما للتدرج في الخطوات الإصلاحية، ابتداء من معالجة الملفات الإنسانية التي ينبغي أن تحتل المرتبة الأولي في سلم عملية الإصلاح.. إلا أن النظام أعرض عن هذه المطالبات التي شاركتنا فيها معظم القوي السياسية.نحن ننظر إلي انشقاق السيد خدام، ومن قبله انتحار اللواء غازي كنعان، علي أنه أحد مظاهر تصدع النظام السوري وتفككه، بعد أن وصل نتيجة سياساته الداخلية والخارجية إلي طريق مسدود. ونتوقع أن يكون بداية سلسلة من الانشقاقات. وقد كنا دعونا في ندائنا الوطني للإنقاذ بتاريخ 3/4/2005 السلطة بكل مؤسساتها الحزبية والإدارية والعسكرية والأمنية.. إلي الانحياز لصف الشعب وتطلعاته المشروعة إلي الحرية والديمقراطية.. لذلك رحبنا بانحياز السيد خدام إلي هذه المطالب الشعبية، وطالبناه بمراجعة موقفه خلال فترة مشاركته في الحكم، والاعتذار عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الشعب خلال فترة مسؤوليته. في حال لم يعتذر عما ارتكبه إبان وجوده في الحكم، هل ستتعاونون معه؟ لقد كان موقفنا واضحا عندما رحبنا بانفصال السيد خدام عن النظام، منحازا إلي صف الوطن والشعب، وسنرحب بكل من ينفصل عن هذا النظام وينحاز إلي صف الشعب. لكننا طالبنا السيد خدام، وسنطالب كل من ينحاز من داخل النظام، بإعلان موقف واضح من الجرائم التي ارتكبها النظام خلال فترة مسؤولياتهم، والاعتذار عنها للشعب، وعندئذ فقط يمكن اعتبار هؤلاء ـ من وجهة نظرنا ـ في صف المعارضة، وعندئذ يمكن التعاون والتنسيق معهم. أما الجرائم التي تنسب إلي هؤلاء بحق الوطن والمواطنين، سواء كانت مالية أو إنسانية أو غير ذلك.. فالقضاء الوطني المستقل النزيه، هو الذي يفصل فيها. ونحن لسنا قضاة، حتي ندين أحدا أو نعطي صك براءة لأحد.وساطات مع النظام سرت في الآونة الأخيرة أقاويل عدة عن وساطات تقوم بها جماعات إسلامية عربية تصلح ما انقطع بينكم وبين النظام السوري، ما صحة هذه الأقاويل؟ وفي حال عدم صحتها، ما هو موقفكم من محاورة النظام والصلح معه في حال كان هو المبادر لذلك؟ نحن مع مبدأ الحوار، ولا نرفض الحوار مع أي طرف. وقد أجرينا في الماضي عدة جولات من المفاوضات مع النظام، إلا أنها وصلت إلي طريق مسدود، بسبب إصرار النظام علي مواقفه، كما جرت في الماضي عدة وساطات، بمبادرات من بعض الشخصيات العربية والإسلامية، إلا أنها لم تصل إلي أي نتيجة إيجابية للسبب نفسه.بعض الوفود من الأحزاب العربية والإسلامية التي زارت دمشق في الآونة الأخيرة، أثارت مع الرئيس بشار ضرورة الانفراج الداخلي، وأهمية تعزيز الوحدة الوطنية، في مواجهة هذه الضغوط، وسمعت منه كلاما عاما يرحب فيه بالحوار مع كل الأطراف بمن فيهم الإخوان المسلمين. إلا أننا أكدنا لمن اتصل بنا منهم، أن هذا الحديث عن الحوار يفتقد الجدية في ظل الممارسات القمعية الحالية للنظام السوري، وأننا نرحب بأي جهد إيجابي باتجاه معالجة هذه الأزمة المزمنة، إلا أننا نعتقد أن المدخل الصحيح للمعادلة الوطنية المنشودة ينبغي أن يمر عبر معالجة قضايا الملف الإنساني بأبعاده التالية..ـ الإفراج عن المعتقلين السياسيين جميعا وتبييض السجون.ـ فتح الأبواب أمام العودة الكريمة للمنفيين القسريين بعيدا عن البوابة الأمنية.ـ إلغاء القانون رقم (49) لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام علي أبناء جماعة الإخوان المسلمين، وإلغاء كافة الآثار المترتبة عليه.ـ رد المصادرات المالية، وإلغاء كافة الحجوزات، ورد كافة الأموال المنقولة وغير المنقولة إلي أصحابها والتعويض علي المتضررين.ـ معالجة ملف المفقودين، والكشف عن مصيرهم، ورد الاعتبار إليهم، وتطييب قلوب الأسر المصابة.وأكدنا أن المبادرة لمعالجة هذه الملفات، ستكون هي المدخل الأنسب لحوار وطني مثمر، يكون في مصلحة القضية الوطنية بشكل عام.الضغوط الدولية ومستقبل سورية كيف ترونه في ضوء معطيات الداخل والخارج؟ نعتقد أن سورية الآن علي مفترق طرق خطير، أوصلتها إليه سياسات النظام الخارجية وعزلته الداخلية. نحن نعلم أن الضغوط الخارجية التي تمارس علي النظام لا علاقة لها بمصلحة الشعب السوري وبتطلعاته للخلاص من الاستبداد، إنما تتعلق بمصالح وأجندات إقليمية ودولية.. إلا أن هذه الضغوط لا يمكن أن تواجه بالعزلة الشعبية التي يعاني منها النظام، وبالمزيد من التنازلات التي يقدمها، وبمحاولات الاسترضاء والتوسط التي يلجأ إليها.. فمواجهة هذه الضغوط تحتاج إلي جبهة داخلية متماسكة قوية، لا يمكن أن تتوفر في ظل الأحكام العرفية والقوانين الاستثنائية والسياسات القمعية.نعتقد أن الطريق الوحيد لمعالجة الوضع المتأزم، هو الانحياز إلي الشعب والتلاحم معه، والانفتاح علي القوي الوطنية، وإجراء مصالحة وطنية شاملة، والاتفاق علي برنامج وطني للإصلاح ومكافحة الفساد.. وهذا ما لا يبدو أن النظام بتركيبته الحالية قادر عليه. في خطابكم السياسي ما يلفت الانتباه حقا، لكن الكثير من شرائح المجتمع السوري تتساءل: ما هي الضمانات علي أن لا يمارس الإخوان المسلمون العنف في سورية مجددا (في حال عودتهم) في إطار الصراع علي السلطة؟ لم يكن العنف يوما من وسائل جماعة الإخوان المسلمين، بل كانت استراتيجيتها ومناهجها منذ تأسيسها عام 1945، تتبني العمل السياسي الديمقراطي، وقبول الآخر، والتعايش معه.. وتاريخ الجماعة يشهد لها بذلك، فقد أسهمت منذ قيامها في الحياة السياسية، وشاركت في المجالس النيابية، وفي الحكومات المتعاقبة خلال الفترات الديمقراطية. وإن أحداث العنف الدامية خلال الثمانينيات، كانت مرحلة استثنائية في تاريخ الجماعة وفي تاريخ سورية، وردة فعل شعبية عفوية علي بطش السلطة وسياساتها الاستفزازية والاستئصالية. وقد تحدثت في أكثر من مناسبة عن الأسباب والظروف التي ألجأت الجماعة وفئات كثيرة من أبناء الشعب، ليكونوا في حالة دفاع عن النفس في معركة لم يختاروها، بل فُرضت عليهم في مواجهة عنف السلطة وبطشها. ولقد أشرت إلي هذه الوقائع وملابساتها بالتفصيل في المؤتمر الصحافي الذي قدمت به المشروع السياسي بتاريخ 16/12/2004، ودعوت إلي تشكيل لجنة قضائية وطنية مستقلة، تفتحُ ملف تلك الأحداث، وتطلعُ علي كافة محتوياته ومُعطياته، وتُصدرُ حُكمها فيه، لتتبين للجميع حقائقُ تلك المرحلة الدامية من تاريخ وطننا العزيز وخفاياها، وليتحمل كل طرف ما يترتبُ عليه من مسؤوليات وآثار قانونية وسياسية وأخلاقية.أما ضمان عدم تكرار هذه الأحداث، فهو عقد وطني شامل، يلتزم الجميع بموجبه بنبذ العنف، والاحتكام إلي صناديق الاقتراع، وهذا ما أكدته الجماعة في ميثاق الشرف الوطني الذي طرحته في 3/5/2001، وفي مشروعها السياسي لسورية المستقبل الذي أعلنته في 16/12/2004 مع الاحترام الشديد لجوابكم إلا أن الكثير من الباحثين السوريين يرون أن معارضة الإخوان انتقلت من كونها معارضة سياسية لتصبح معارضة طائفية إبان أحداث الثمانينات، وقد رفع بعض الإخوان شعارات طائفية محضة من قبيل من قتل علويا فقد دخل الجنة . كيف توفق لي بين ماوصفته بالعفوية وردة الفعل الشعبية وبين الطائفية المنوه عنها آنفا؟ ليس صحيحا أن الجماعة رفعت إبان تلك الأحداث شعارات طائفية، ونحن لا يمكن أن نقبل مثل هذه الشعارات، بل نستنكرها بشدة، ولم يكن خطاب الجماعة طائفيا خلال تاريخها كله، في أي وقت من الأوقات. وقد استنكرت الجماعة أحداث العنف التي تمت علي أساس طائفي، كمذبحة مدرسة المدفعية في حزيران (يونيو) 1979. وإذا كان بعض المحسوبين علي الإخوان أو أنصارهم قد انزلقوا في حمأة الأحداث إلي مثل هذا الخطاب، فإن حالة الفوضي التي عمت البلاد خلال تلك الأحداث، والتي كانت ردة فعل شعبية عفوية علي بطش السلطة واستفزازاتها وممارساتها الطائفية، لم يكن بالإمكان السيطرة عليها.الديمقراطية في الاسلام تطالبون بالديمقراطية، وتريدون القطع مع الاستبداد، علما أن الاستبداد ابتداء من طاعة الحاكم موجودة في بنيتكم الفكرية، أو وبدقة أكثر، موجود في البنية الفكرية للإسلام.. كيف ستوفقون بين الديمقراطية والبنية الإسلامية؟ إن أساس الحكم الراشد في الإسلام، يقوم علي الحرية والعدالة والمساواة والشوري، وعلي مبادئ التعاقدية والتداولية والمؤسساتية والفصل بين السلطات، وعلي حرية اختيار الحاكم ومحاسبته.. وهذه الأسس والمبادئ تتناقض تماما مع نظام الاستبداد، وقد سبق الإسلام بهذه الأسس والمبادئ، مفهوم الديمقراطية في العصر الحديث، بل إن القيم التي تقوم عليها الديمقراطية الحديثة، في إطارها العام، هي قيم إسلامية. ولا ننسي مقولة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب منذ أكثر من خمسة عشر قرنا: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ . وإن طاعة الحاكم بالمعروف أي فيما لا يخالف الشرع والقانون والالتزام بالقوانين النافذة، إنما هي واجب شرعي ووطني، لا علاقة له بالاستبداد الذي يستعبد الناس وينتهك حقوقهم المشروعة، ويصادر حرياتهم. لكننا نجد في الحديث النبوي الشريف اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي رأسه كزبيبة و اسمع وأطع للأمير ولو ضرب ظهرك واخذ مالك وهذا الحديث الأخير استشهد به الدكتور محمد سعيد البوطي للتلفاز السوري إبان الأحداث مبررا استبداد السلطة. من هنا قصدت كيف التوفيق بين الديمقراطية والحرية كقيمتين كونيتين لدي البشر من جهة، وبين الموروث الإسلامي من جهة أخري؟ الحديث النبوي الأول: اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة لا يعني أي تسويغ للاستبداد، أو مس بحرية المواطن وكرامته، بل علي العكس فإنه تأكيد علي مبدأ المواطنة الذي يمكن من خلاله أن يصل أي مواطن إلي موقع المسؤولية، بصرف النظر عن عرقه ولونه.أما الحديث الآخر الذي ذكرت أن الدكتور البوطي استشهد به لتبرير استبداد السلطة، فلم أسمع به. إلا أنه من الثابت أن مبادئ الإسلام تحرم الظلم والاستبداد، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحرم الظلم والبغي، وتنهي عن الرضوخ للظالم.. أكثر من أن تحصي: فقد قال الله عز وجل في وصف المؤمنين: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. وقال أيضا: ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار. وفي الحديث الشريف: إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم، فقد تُودع منهم. وفي الحديث الآخر: سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلي إمام ظالم، فأمره ونهاه فقتله. وكذلك: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر. إلي آخر ما هنالك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحرم الظلم والبغي والاستبداد، وتنهي عن الرضوخ للظالمين أو الركون إليهم. كيف تنظرون إلي الأصوات التي تدعو إلي التجديد في الفكر الإسلامي، مثل د. محمد شحرور، ود. محمد حبش، ود. نصر حامد أبو زيد الخ…..؟ الإسلام دين متجدد، والفكر الإسلامي فكر متطور، ونحن دعاة تجديد وتطوير، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله يبعث لهذه الأمة، علي رأس كل مائة سنة، من يجدد لها أمر دينها). ولقد قامت جماعة الإخوان المسلمين، بدور بارز في تجديد الإسلام في القرن العشرين، وتجديد الإسلام لا يعني إصدار طبعة جديدة منقحة منه، كما يخيل لبعض الناس، فمصادر هذا الدين ثابتة خالدة، وفي مقدمتها: القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة النبوية الصحيحة المبينة للقرآن. ولا يمكن لأي كان، أن يأتي بإسلام جديد غير الإسلام الذي نزل به القرآن، وبينته السنة النبوية الصحيحة. بل إن تجديد الإسلام يعني: تجديد فهمه، والفقه فيه، وتجديد الإيمان به، وتجديد العمل بأحكامه وآدابه، كما يعني تجديد العمل له، والدعوة إليه، والجهاد في سبيله. وكل عصر يحتاج إلي تجديد يناسبه.ولقد أجمع علماء الإسلام علي أن هناك منطقة لا يدخلها التجديد بأي حال من الأحوال، وهي منطقة (القطعيات) التي قال الإسلام فيها كلمته البينة الحاسمة، سواء في مجال العقائد أو العبادات، أو الأخلاق الأساسية والآداب الاجتماعية، كالصدق والأمانة والعفة والتعاون والبر والتضحية.. أو في مجال النظريات الأساسية للتشريع، كنظام الأسرة، ونظام الإرث، ونظام الجنايات، ونظام المال، ونظام الحكم، ونظام السلم والحرب.. وهذه الجوانب القطعية لا يمكن أن تتغير في الإسلام، مهما تبدلت الأوضاع والعادات والأزمان، وهي التي تجسد الوحدة العقدية والفكرية والشعورية والسلوكية للأمة المسلمة.وفي ضوء الالتزام بهذا الفهم والمعايير والضوابط، يمكننا النظر إلي دعاة التجديد. في حال أصدر أحد المؤلفين كتابا في سورية، يبين فيه وجهة نظره في الإسلام أو الحجاب وما شابه، ووجهة نظره تتناقض ووجهة نظركم وانتم في موقع القرار والمسؤولية، ماذا يكون موقفكم؟ ليست هناك أي مشكلة عندما تكون هناك آراء تخالف آراءنا، أو وجهات نظر تخالف وجهة نظرنا، فنحن نقبل الرأي الآخر، ونحترم وجهات نظر الآخرين، ولا نفرض آراءنا ووجهات نظرنا علي أحد. أما عندما يتم الترويج لآراء وأفكار تتناقض مع ثوابت الأمة وعقيدتها التي نصت الدساتير والقوانين علي احترامها والالتزام بها، فهذا أمر آخر يتعلق بالنظام العام والآداب العامة، ولا علاقة له بحرية التعبير. ومن المعلوم أن لكل أمة ولكل شعب ثوابت ومقدسات وحدود.. تنص عليها دساتيرها، لا يجوز تجاوزها أو المساس بها. انتم تعيشون في بلد علماني وفر لكم الأمان والحرية والحياة الكريمة، وربما هذا مالا يحصل لأحد في أي بلد عربي أو إسلامي. ما هو موقفكم من قيام دولة علمانية في سورية تفصل الدين عن الدولة ويتساوي فيها مواطنوها؟ ليست مشكلة الحرية والحياة الكريمة المفتقدة في بلادنا مرتبطة بغياب العلمانية، بل علي العكس من ذلك، فإن هذه الأنظمة الاستبدادية فرضت نفسها علينا باسم العلمانية، حتي أصبحت الديكتاتورية ـ في نظر كثيرين ـ هي الوجه الآخر للعلمانية. أعتقد أن ما ورد في مشروعنا السياسي ذي المرجعية الإسلامية، من التأكيد علي الدولة المدنية الديمقراطية التي تقوم علي أسس تعاقدية تداولية مؤسساتية، يتساوي فيها المواطنون جميعا علي اختلاف انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو المذهبية أو السياسية.. علي أساس مبدأ المواطنة.. أعتقد أن هذه الدولة المدنية الحديثة التي تستمد مرجعيتها من الإسلام وقيمه الحضارية السمحة، هي التي توفر الأمن والحرية والحياة الكريمة للمواطنين. هل يعني هذا أنه في حال انتقلت سورية من الاستبداد إلي الديمقراطية، ونجح في الانتخابات لمنصب رئاسة الجمهورية، من خلال صناديق الاقتراع، مواطن مسيحي، تقبلون به رئيسا؟ من المعلوم أن الدستور السوري الحالي، وكذلك الدستور السابق المعروف بدستور عام 1950، يشترط في رئيس الجمهورية أن يكون مسلما، مراعيا في ذلك دين أكثرية السكان، لذلك لا محل لمثل هذا الافتراض في ظل الدستور الحالي، أو في ظل العودة إلي دستور عام 1950ونحن ـ من حيث المبدأ ـ عندما قبلنا الاحتكام إلي صندوق الاقتراع، لا بد أننا نقبل بنتائج هذا الاقتراع مهما كانت.الطائفية يري البعض أن التطور لدي الإخوان شكلي وليس جوهريا، فهم لم يستطيعوا أن يصبحوا مثل حزب العدالة والتنمية في تركيا.. ومازالوا مصرين علي صبغ حزبهم بلبوس طائفي ابتداء من اسمه وانتهاء بالمنضوين تحت جنحه. لماذا الإصرار علي العنصر الطائفي في الحزب؟ جماعة الإخوان المسلمين ليست حزبا سياسيا بالمفهوم السائد للحزب، إنما هي حركة إسلامية دعوية عامة، مهمتها الأساسية الدعوة إلي الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، والسياسة جزء من اهتماماتها، باعتبارها جانبا من جوانب الإسلام، وهي ـ بهذا المفهوم ـ أبعد ما تكون عن الطائفية. وعندما تتاح حرية تشكيل الأحزاب السياسية، فإننا لا نعارض تشكيل حزب سياسي تكون مرجعيته إسلامية، وعندئذ يمكن أن يكون بين أعضاء الحزب مواطنين من غير المسلمين، لأن الإسلام بالإضافة إلي كونه مرجعية دينية للمسلمين، فهو مرجعية حضارية وثقافية لكل أبناء الأمة، وعندما يقوم هذا الحزب، يمكن أن تنصرف الجماعة إلي جوانب الإسلام الأخري من دعوية وتربوية وثقافية واجتماعية. من المآخذ التي أخذت علي برنامجكم إهماله للشأن الثقافي، فهو غير معني بالمسرح والسينما والفن الخ… لماذا لم تركزوا علي الثقافة في برنامجكم؟ أشاطرك الرأي أنه كان ينبغي أن يأخذ الشأن الثقافي حيزا أكبر مستقلا في مشروعنا السياسي، لكن هذا لا يعني أننا غير معنيين بهذا الجانب الهام من جوانب الحياة الإنسانية، فالإسلام يهتم بالفكر والثقافة بجميع مظاهرها، كما يهتم بالجوانب الأخري من حياة الإنسان، بل إن للإسلام منهجه الثقافي المتميز الذي يلبي حاجات الإنسان بوصفه كائنا متميزا بحقيقته المادية، دون أن يغفل أشواقه وتطلعاته الروحية.. وإذا كانت الإشارات إلي هذا المنهج قد وردت مبثوثة في ثنايا المشروع السياسي للجماعة، فإنه يمكن استدراكها وإفراد فصل خاص بها في المستقبل. أخيرا : من الملاحظ أن الخطاب السياسي للسيد علي صدر البيانوني طائفي في بعض جوانبه.. فهو يرحب بأية شخصية علوية تنشق عن النظام، ويرحب بأية شخصية سنية الخ… في ظل غياب ترحيبه بأية شخصية سورية. لماذا؟ لم يصدر عني ترحيب بأي شخصية علي أساس طائفي. وفي سياق الحديث عن الطائفة العلوية، والسؤال عن الاتهامات الموجهة إليها بأنها تحمي النظام أو أنها هي التي تحكم من خلاله، فقد نفيت عنها هذه التهمة، وأكدت بأن النظام هو الذي يتمترس خلف الطائفة، ويحاول أن يضعها في مواجهة الشعب، وأن معظم أبناء الطائفة يعانون كما يعاني بقية أبناء الشعب، وأن هناك معارضين ومعتقلين سياسيين من أبنائها.. وأعتقد أن هذا الخطاب أبعد ما يكون عن الخطاب الطائفي. وطبيعي في هذا السياق أن أرحب بأي شخصية تنحاز إلي صف الشعب، في سعيه إلي التغيير الديمقراطي، سواء كانت سنية أو علوية أو من أي طائفة كانت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية