انتهى مؤتمر القمة العربية الإسلامية الطارئة، الذي تم عقده في الرياض العاصمة السعودية يوم 11 نوفمبر الجاري، وانفض في مساء اليوم ذاته. وقد صدر عن المؤتمر بيان ختامي؛ تضمن دعوة مجلس الأمن الدولي للنهوض بمسؤولياته في إيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، وإدانة المسؤولين الإسرائيليين بتهمة التهجير القسري لأكثر من مليون فلسطيني من شمال غزة إلى جنوبها، بالإضافة إلى الدعوة إلى وضع خريطة طريق لحل القضية الفلسطينية على أساس المبادرة العربية، بالإضافة إلى فقرات أخرى ليس فيها أي جديد.
البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية الإسلامية الطارئة؛ لم يأت بجديد؛ يتم البناء عليه؛ في اتخاذ إجراءات فعلية تؤدي إلى إجبار الكيان الصهيوني على وقف مجزرته في غزة، أو على الأقل اتخاذ إجراءات في الحقلين الاقتصادي والتجاري، بالإضافة إلى حقل الطاقة؛ لتكون أداة ضغط؛ تجبر أو تؤدي إلى أن تقوم الدول الكبرى، التي تدعم وتشارك الكيان الصهيوني في هذه المجزرة، خاصة أمريكا وبريطانيا بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى، لكن أيا من هذه الإجراءات لم تتخذ من قبل الدول العربية والإسلامية التي شاركت في هذا المؤتمر، وكان عددها 57 دولة عربية وإسلامية، أي أنها تشكل عامل قوة وضغط دوليين إذا أرادت.
إن مقاومة الشعب الفلسطيني، المتمسك بالأرض والتاريخ والمقدسات، ستبقى كلية الوجود والتأثير والفعل على أرض الواقع في غزة وفي الضفة الغربية
كل ما جاء به البيان الختامي للمؤتمر؛ معروف أو أن جميع دول العالم تطالب به، باستثناء أمريكا، لجهة وقف إطلاق النار الدائم فقط، أما بقية ما جاء به المؤتمر، فحتى أمريكا ـ ولو في الظاهر ـ تطالب به. اللافت للانتباه، كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي ورد فيها قوله؛ إن غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وإن السلطة الفلسطينية كانت ومنذ عام 2007؛ ترسل الأموال إلى شعبنا وأهلنا في غزة، وهو العام الذي انفصلت فيه غزة عن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، بعد فوز حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) في الانتخابات التي تم إجراؤها في العام نفسه، الذي رفضت فيه رئاسة السلطة الفلسطينية، تسليم مقاليد الحكم لحركة المقاومة الفلسطينية الفائزة في تلك الانتخابات، ورئيسها إسماعيل هنية، الذي صرح مؤخرا؛ بأن المقاومة تتبنى حل الصراع العربي الفلسطيني، الذي ورد في المبادرة العربية، وأضاف محمود عباس في كلمته في المؤتمر؛ أن هذه الأموال كانت قد بلغت حتى السابع من أكتوبر؛ أكثر من عشرين مليار دولار، وأن السلطة الفلسطينية لم تتخلَ عن شعبنا وأهلنا في غزة، ثم أضاف متمما أن طريق الدبلوماسية وطريق السياسة؛ هما طريقنا في الحصول على حقوقنا، وأن الشعب الفلسطيني لن يغادر أرضه في القدس وفي المقدسات، وأن الاحتلال مصيره إلى زوال.. هذا يعني ـ كما اعتقد ـ أن السلطة الفلسطينية على ما ظهر من كلمة الرئيس الفلسطيني؛ قد أعدت نفسها للعودة إلى حكم غزة بعد انتهاء المجزرة الصهيونية بحقها أرضا وشعبا.
في وقت سابق قال بلينكن وزير خارجية أمريكا، وفي آخر زيارة له إلى رام الله، بعد زيارته لتل أبيب، التي التقى فيها بالرئيس محمود عباس؛ إن السلطة الفلسطينية مطلوب منها أن تلعب دورا مهما في غزة بعد انتهاء الحرب، يقصد المجزرة الصهيونية، وقد لمست هذا الاستعداد من السلطة الفلسطينية. تاليا التقى بلينكن، في العاصمة الأردنية عمان، بوزراء خارجية دول التطبيع الذين حضروا للاجتماع معه. الاجتماع كان بعيدا عن غزة، التي تحترق شعبا وأرضا، بنيران الإجرام الصهيوني والأمريكي المتصهين؛ سيناريو اللقاء ربما كان قد أعد سلفا من أمريكا وإسرائيل، ومن دهاقنة التطبيع.. أما إذا افترضنا جدلا، أنه تم لهذا الكيان المجرم؛ اجتياح بري واسع لغزة؛ فلن يكون هذا الاجتياح كاملا، إلا بعد تكبده خسائر هائلة في الافراد والمعدات، خسائر لم يتكبد مثلها في جميع حروبه.. إن الكيان الإسرائيلي بفعل قوة وكثافة أسلحته وتفوقه الجوي والبحري، التي لا يقابلها ولو واحد في المئة من حيث القوة والكثافة، إلا قوة الروح والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية، التي يحمل بيارقها المقاومون الفلسطينيون في غزة، وابتكارات العقل المقاوم في تقنية الأنفاق؛ نجح في نهاية الأمر؛ في إعادة السيطرة على جزء من غزة؛ إلا أنه لن يهنأ أو يشعر بالأمان فيها، كما يقول الناطق الرسمي لكتائب القسام أبو عبيدة، في واحدة من إحاطاته بما يدور في غزة من مذابح، التي تواجه بمقاومة شرسة من قبل المقاومة الفلسطينية. يدور الحديث حسب التصريحات الصحافية في الصحف العبرية وغيرها من الصحف الأمريكية؛ عن أن هناك مقترحات عن مرحلة انتقالية للإدارة في غزة، وأن إسرائيل لن تحتل غزة، أو لن تستمر في احتلال غزة، بعد القضاء على المقاومة الفلسطينية فيها؛ حسبما قال وزير الخارجية الامريكية مؤخرا. سواء احتلت دولة الاحتلال الاسرائيلي غزة، أو احتلتها ومن ثم غادرتها كما فعلت في السابق؛ تحت ضغط المقاومة وما يترتب على احتلالها من كلف مادية وبشرية. إن عدم رغبة الكيان الاسرائيلي في استمرار احتلال غزة ليس؛ على اساس احترام هذا الكيان الصهيوني المحتل، للمواثيق والاتفاقات بين السلطة الفلسطينية وبينها، بل إن ما اجبرها في السابق، ويجبرها في الحاضر؛ هو قوة المقاومة الفلسطينية، ولا شيء آخر أبدا.
إن مقاومة الشعب الفلسطيني، المتمسك بالأرض والتاريخ والمقدسات، بالإضافة إلى تراكمات من الآلام والمواجع، والجهاد والنضال، الذي امتد لأكثر من قرن من الزمان؛ سوف تبقى كما كانت قبل عشرة عقود من الآن؛ كلية الوجود والتأثير والفعل على أرض الواقع في غزة وفي الضفة الغربية؛ وأكثر كثيرا، مما كانت عليه، قبل ملحمة السابع من أكتوبر. إن التفكير بتفكيك القضية الفلسطينية، على أساس السلطة الناقصة، في الأرض والسيادة؛ بمغريات المال والأعمال، وواجهة السلطة التي لا تمتلك من قواعد وأسس السلطة الفعلية؛ إلا ما يقع في خانة تفكيك القضية الفلسطينية، وتصفيتها؛ يقع في خطأ تاريخي مميت له ولمن يسانده في هذا الاتجاه، سواء أكان عربيا أو فلسطينيا، وسيجلب لفلسطين وحتى للكيان الإسرائيلي؛ المزيد من القلق الأمني، والمزيد من العنف، والعنف المضاد، والى المزيد من الخراب والدمار في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي عموم دول المنطقة العربية. إن الطريق الوحيد؛ هو مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه القوى الدولية الكبرى والأمم المتحدة، ودولة فلسطين ودولة الاحتلال الاسرائيلي، على أساس المبادرة العربية بصورة كاملة لا لف فيها ولا دوران حول حلولها أو في بنودها، تمييعا وشطبا لهذا البند أو لذلك الآخر. والأهم أن يكون المؤتمر أو ما سوف يتمخض عنه، (إن تم الاتفاق على عقده، وهذا أمر مستبعد جدا حاليا) لجهة التنفيذ الواقعي والفعلي؛ بضمانة والتزام دوليين من القوى العالمية الكبرى؛ تنفيذا وتطبيقا حقيقيا. أما بخلاف هذا؛ فسوف يستمر الاضطراب وعدم الاستقرار في دولة الاحتلال الاسرائيلي وفي كل الاوطان العربية.
كاتب عراقي