التايمز: لامبالاة الغرب تجاه لبنان تمنح إيران فرصة والخروج من الشرق الأوسط ليس مثل الدخول إليه

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: قال مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “التايمز” ريتشارد سبنسر، إن إيران تستغل لامبالاة الولايات المتحدة من لبنان المشلول وتعزز تأثيرها. وأشار إلى أن بيروت هي رابع عاصمة عربية تقع تحت سيطرة التأثير الإيراني، في وقت باتت أمريكا غير مهتمة بالشرق الأوسط.

وقال: “هناك انجذاب حتى درجة الكوميديا بالدول التي تعاني من سوء إدارة، فنحن نضحك على كوريا الشمالية، رغم ديكتاتورها ومجاعاتها. ونصور بسخرية الديكتاتوريين في وسط آسيا والانقلابات في أمريكا اللاتينية وكل ما تقوم من رعب موثق. ولكننا ننسى أن هذه الدول تقتل مواطنيها، وتزعزع استقرار الجيران وتورط القوى العظمى بعقلية التدخل بتداعيات طويلة الأمد”.

لكن لبنان لا يعاني من هذه الأمور المتطرفة النابعة عن الشمولية، ولكنه يتحول بسرعة إلى موضوع للضحك والسخرية رغم الثمن الإنساني الفادح لتحطم اقتصاده المالي ونظامه السياسي شبه الكامل. ويقول سبنسر إن النكتة الأخيرة ظهرت في نهاية الأسبوع، عندما أوقفت شبكات توليد الطاقة الكهربائية نفسها عن العمل. ويقول إن ما يعرفه القارئ عن لبنان هو أنه بلد حديث وسط شرق أوسط غني بالنفط ولديه عدد من محطات توليد الطاقة وفشل بدرجة ما التأكد من أن إمدادات الطاقة كافية لها. وسواء كنت تريد تشغيل الثلاجة أو إدارة عمل أو أردت أن تشعل الضوء وشحن الهواتف، فهذا يعتمد على من دفعت له لكي يوفر لك الطاقة من مولد خاص ولعدد من الساعات في اليوم.

ويعاني البلد من هذا الصداع منذ 18 شهرا، وكانت الكارثة الأكبر هي انفجار مرفأ بيروت الذي قتل فيه 200 شخص، وهي كوميديا سوداء أخرى. ذلك أن السلطات كما كشف لاحقا كانت تعرف عن وجود مخزون نترات الأمونيوم القابلة للاشتعال في عنبر من عنابر المرفأ ولعدة سنوات. والرسائل التي تبادلها عمال الخدمة المدنية والقضاة والجيش فيما بينهم شهرا بعد شهر وفسرت أن هذه ليست مشكلتهم، بل مشكلة طرف آخر هي كوميديا مزيج من روايات كافكا، والبرنامج البريطاني الساخر مونتي بايثون.

ووفقا للمحققين، فإن الزناد الذي أدى للانفجار مأخوذ من سلسلة أفلام الشرطي العاجز الساخرة أو “كيستون كوبس”، وهو السيناريو الأفضل حسب المحققين.

وأمر رئيس الوزراء بإصلاح باب العنبر المتداعي، لكن لا أحد أخبر اللحامين عن طبيعة المواد المشتعلة داخله. ومات الكثيرون نتيجة الانهيار الإقتصادي لأن المستشفيات لم يعد لديها الأدوية الكافية. ومات 33 آخرون عندما حاول الجيش ملاحقة مهربي الوقود وصادر شاحنة مخبأة، انفجرت لاحقا. وزادت التراجيديا، فالطبقة المتوسطة تغادر البلاد. فالأصدقاء الذين يملكون سيارات “بي أم دبليو” باتوا يعتمدون على أقاربهم في الخارج لدفع أجرة بيوتهم. وبات الرجال الذين يرتدون ملابس أنيقة يشعرون بالإحراج من سؤال الأجانب وإعطائهم المال. وفي لبنان لا قيمة لشيء سوى الدولار واليورو والجنيه الإسترليني.

وبدأ البلد الأزمة بثالث أعلى مديونية في العالم، وهو يضيف لسجل الأرقام القياسية يوميا. وتجاوز مستوى التضخم المستويات المسجلة في زيمبابوي وفنزويلا. ووصلت نسبة الدخل القومي الناجم عن التحويلات، وهي مؤشر جيد على فشل الفرص الاقتصادية داخل الوطن، مستويات عالية.

وتساءل سبنسر: “هل يجب على من هم في خارج لبنان الاهتمام؟ بريطانيا تواجه مشاكلها، حتى لو لم تطل أزمة الوقود والطوابير التي انتظمت حول محطاتها، ومشاكلها التي مع الاتحاد الأوروبي ليست مثل تلك المشاكل الخطيرة في الشرق الأوسط. فبريطانيا الممزقة بحاجة لتركيز طاقتها على الانقسام الاجتماعي والميزانية والحدود. ولو لم نكن قادرين على حماية أفغانستان التي استثمرنا فيها وقتا ومالا وأرواحا، فلماذا نهتم نحن أو الأمريكيين بلبنان، البلد الصغير الذي لا يتعدى سكانه خمسة ملايين نسمة؟”.

ويقول سبنسر إن هذا هو الموقف العام للبيت الأبيض في ظل دونالد ترامب وجوزيف بايدن، فكلاهما كرس نفسه للابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز على آسيا، وماذا يعني هذا لآسيا أمر آخر. ولكن ما يعنيه هذا للشرق الأوسط هو التجاهل القائم على أمل غامض بأن تحل المنطقة مشاكلها بنفسها. وكل إشارة عن محادثات بين السعودية وإيران أو أن الدولة الخليجية راغبة بالتطبيع مع إسرائيل، يتم تقديمها على أن دول المنطقة باتت راغبة بحل مشاكلها بدون تدخل القوى العظمى. ولكن هذا النموذج يحتوي على مظاهر قصور، فأمريكا تتصرف وكأنها مراقب محايد مع أنها ليست كذلك. فالولايات المتحدة وبريطانيا حليفتان ومصطفتان لدعم إسرائيل ودول الخليج ضد إيران وجماعاتها الوكيلة.

وظل لبنان المكون من طوائف سنية وشيعية ومسيحية لقمة سائغة لمن يريد الاستيلاء عليه. وكلما أبدى الغرب لامبالاة كلما انتهزت إيران الفرصة. ومنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، زادت إيران من تأثيرها على بغداد ودمشق وصنعاء. ومع صعود حزب الله في لبنان، زعم قادة إيران أنهم باتوا يتحكمون بأربع عواصم عربية. وهذه السيطرة ليست كاملة، لكن طهران انتهزت اللحظة وبدأت بإرسال الوقود الرخيص وعرضت بناء محطتي كهرباء في لبنان.

وانتبهت أمريكا أخيرا، وبدأت متأخرة بالتفاوض على حل بديل لأزمة الطاقة مع حلفائها. وتتحدث أمريكا وبريطانيا وفرنسا عن تعزيز الدعم للجيش اللبناني. وبالنسبة للبنانيين فهذه جهود متأخرة لأن إيران توفر الوقود باليد لا عبر الوعود الغامضة.

 والخروج من الشرق الأوسط أمر جيد لكن يجب ألا يتم إلا حين تعرف من سيأخذ مكانك. وتعلم باراك أوباما الدرس بطريقة قاسية عندما سحب القوات الأمريكية من العراق لتحل محلها الدولة الإسلامية. وقرر العودة سريعا جالبا معه بريطانيا.

ويختم الكاتب بالقول إن الخروج من الشرق الأوسط أصعب مما يعتقد الغرب، وأفضل شيء يعمله هو المواصلة مع الحرص على التقدم في اللعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية