لندن- “القدس العربي”: قالت صحيفة “التايمز” البريطانية في افتتاحيتها إن وباء فيروس كورونا المستجد بات يقود العالم نحو الركود، ويهدد النظام الرأسمالي.
وأشارت إلى أن الإقتصاد العالمي يتجه نحو انكماش حاد بشكل سيقود على أكبر احتمال إلى كساد عميق.
ويعرف المستثمرون هذا الوضع، ولهذا السبب هبطت الأسواق المالية بسرعة الشهر الماضي. وليس لدى الحكومات او المصارف المركزية فرصة لوقف انخفاض النشاط الاقتصادي، لأن الدواء والمرض يحتاج إلى هذا.
وإذا كانت هناك فرصة لوقف واحتواء كوفيد-19 فعلى المستهلكين التوقف عن الذهاب إلى مراكز التسوق والمسارح ودور السينما والتوقف عن العمل في النقليات العامة. وهناك أهداف حيوية لصناع السياسة يمكنهم وبواقعية التركيز عليها. أولا: عليهم منع هذا التدهور الاقتصادي من التحول إلى حالة كساد اقتصادي. وثانيا: عليهم إثبات أن الأسواق الحرة والتجارة المفتوحة هي النموذج الاقتصادي الأحسن القادر على توليد الثروة وتحسين حياة البشرية. ولو فشلوا في هذين الهدفين وغيرهما فسيسمحون للأفكار الخطيرة مثل الحمائية التجارية والدولة الاشتراكية للبروز.
وسيكون الثمن الباهظ الذي سيدفعه الاقتصاد الحر ودولة الرفاه من السياسات الشعبوية، سواء من جماعات اليمين المتطرف المحلية أو اليسار المتشدد باهظا جدا.
وقالت الصحيفة إن الحكومة البريطانية وبنك إنكلترا اتخذا من أجل تخفيف آثار المرض على أزمة الصحة العامة، الخطوات الأولية الصحيحة. وخفض بنك إنكلترا أسعار الفائدة إلى 0.25% فقط، وأعلن عن برنامج جديد لتمويل المحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة وإجراءات أخرى لمساعدة البنوك حتى تستطيع الإقراض. وأعلن وزير الخزانة ريشي سوناك عن حزمة مالية (350 مليار جنيه) أي ما يعادل 15% من الناتج القومي العام لمساعدة الاقتصاد. ويظل هناك سؤال كبير حول قدرة هذه الإجراءات الغير عادية على مواجهة الأزمة مع أن المبدأ الذي دفع بها صحيح.
ويمكن مقارنة الوضع الحالي بما حدث في الأزمة المالية العالمية 2007- 2009. وحاول صناع السياسة في ذلك الوقت عن دروس التاريخ خاصة ما قبل الحرب العالمية الثانية وما عرف بالكساد العظيم. ويتفق المؤرخون الاقتصاديون على أن الانكماش الدوري في بداية الثلاثينات من القرن الماضي تحول نتيجة للشروط النقدية إلى كساد طويل الأمد. وكان سعر الدولار الأمريكي مرتبطا بالذهب.
ومن أجل الحفاظ على قيمته أو ما يعرف بمعيار الذهب قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بزيادة سعر الفائدة وسط حالة ركود، وكانت النتيجة كارثية من ناحية تباطؤ طويل الأمد في الإنتاج ومعدلات عالية من البطالة وانتشار الجوع. وفي عام 2009 قرر مصرف إنكلترا المركزي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المضي بعكس الطريق، فبدلا من تقييد القروض قاما بإغراق النظام المالي بالسيولة النقدية عبر تخفيض سعر الفائدة إلى صفر تقريبا واشتريا كميات كبيرة من السندات الحكومية.
ورغم خمول النمو الإقتصادي في العقد الماضي إلا أنه لا يقارن بانهيار الناتج والوظائف وحجم التجارة وأسعار الأرصدة التي أدت إلى زيادة الدعم للفاشية والشيوعية في ثلاثينات القرن الماضي.
وبشكل مشابه فدور الحكومة اليوم ليس وقف الانحدار الاقتصادي والذي لا يمكن تجنبه بل التأكد من وجود سيولة نقدية لأصحاب الأعمال وأرباب البيوت بحيث يستطيعون دفع الفواتير حتى يتم تجاوز القيود الحالية على الإستهلاك والسفر.
وعلى صناع السياسة تمرير رسالة للرأي العام أن الأزمة الحالية هي أزمة صحة عامة وليس الرأسمالية. ودور الحكومة حيوي في تخفيف التقلب في دورة التجارة عبر التأكد من تدفق القروض. وعليها ألا توجه الاستثمار أو الاستهلاك أو العمل أو منع التجارة الأجنبية. فسياسات كهذه ستراكم الكلفة على المستهلكين وأصحاب التجارة. ولا يمكن للتجارة، سواء كانت في الصناعة أو الخدمات، التأمين ضد وباء يحصل مرة في قرن، وكفاحهم ليس من عمل أيديهم. فما يريدونه هو مساحة للتنفس والقدرة على التنافس بدون محاباة من ولاء المستهلك لهم. ويجب على الحكومة عمل كل ما لديها بدون محدودية للتأكد من هذا.