نحن في «حقل بعيد»، حسب التعبير الألماني، ليس وارداً اختصار المسافة بيننا وبين الحضارة الأوروبية، متمثلة في ألمانيا. وليس ممكناً التعرف على مجتمع عندما تزور البلاد سائحاً. تأكد لي هذا وأنا أذهب لأقيم بعض الوقت في ألمانيا. في منتصف ثمانينيات القرن العشرين كنتُ في ألمانيا في زيارة علاجية. زرتها آنذاك مرتين مع الصديقين أمين صالح وعلي الشرقاوي وابني محمد (يوم كان صغيراً) في زيارة علاج وسياحة.
٭ ٭ ٭
وفي سنة 2006 زرتها لثلاثة أسابيع فقط، للمشاركة في مشروع (شرق/ غرب) الذي ينظمه معهد جوته. ثم زرتها عام 2008 لمدة سنة للإقامة الأدبية والتفرغ بدعوة من «أكاديمية التبادل الثقافي» في برلين. وهنا تيسر لي التعرف على المجتمع الألماني بشكل جيد.
٭ ٭ ٭
صادف في عام 2006 إقامة دورة كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا، حيث عايشت خروج جموع الناس إلى الحدائق والميادين العامة، لمتابعة المباريات المنقولة، خصوصاً بين المنتخب الألماني والفرق العالمية الأخرى. ولحسن الحظ كان الطقس يساعد على التمتع بالشمس الدافئة، والعيش معاً في الهواء الطلق.
٭ ٭ ٭
وفي الإقامة الثانية، التي استمرت لمدة عام واحد، تيسر لنا، أنا والعائلة، التعرف على المجتمع الألماني، بصورة شعرتُ فيه بأن النظام بتوفيره مشاريع الإقامة الأدبية والتفرغ للعمل الثقافي الحر، يشي باحترام النظام الاجتماعي الألماني وهو نظام قوي دقيق الحركة، تعترف به وتتمناه الدول الأوروبية الأخرى. ويمكنك التعرف على سلاسة الإنسان الألماني اجتماعياً، ورغبته الحيوية في التعرف الاجتماعي والثقافي على الآخر، من دون تعقيدات الحياة. وظني أننا في الشرق كنا ضحية الدعاية الأمريكية، وحلفاء الحرب العالمية الثانية، حيث كانوا يصورون لنا الألمان بوصفهم كائنات خشنة وحشية يصعب احتمالهم كبشر.
٭ ٭ ٭
من هنا أرى أن زيارة، السياحة العابرة، لا تكفي للحكم على الشعوب، اجتماعياً وثقافياً. لذلك جاءت لي المصادفات الموضوعية بأكثر من إقامة طويلة في مختلف المدن الألمانية، وأتاحت لي التعرف بشكل أوضح على المجتمع الألماني.
الآن، بعد أن تولعت بالبلاد الألمانية، وصرتُ أميل لقضاء أكثر العطل هناك، برلين خصوصاً. سوف أتمنى حلماً، أن تعود الحياة للمدن العربية التي أحب، مثل بيروت مثلاً.
٭ ٭ ٭
الآن،
وبعد سنوات من تعرفي الأول بالبلاد الألمانية، يصح لي الزعم أن ولعي بالمدن الألمانية جاء بعد تعرفٍ مباشرٍ على المجتمع ونظامه الحضاري، وحبي للمدن الألمانية المختلفة، يجعل من عشقي لمدينة برلين لا يضاهيها سوى ولعي بمدينة المحرق. على ألا يخدش ذلك، الموقف الأوروبي الأخير من التدمير الوحشي لفلسطين.
وذلك «حقل بعيد» يطول الحديث فيه.
كاتب بحريني