إسطنبول-“القدس العربي”: تتابع تركيا عن قرب وبقلق بالغ التطورات المتسارعة في كازاخستان إحدى أهم دول “المجلس التركي” الذي عملت على تعزيز علاقاتها ونفوذها في دوله قبل أن تسارع روسيا إلى التدخل عسكرياً إلى جانب الحكومة هناك في خطوة قد تنسف الكثير من الجهود التي بذلتها تركيا طوال السنوات الماضية لتحييد النفوذ الروسي ولو بشكل جزئي وتعزيز حضورها في دول المجلس وآسيا الوسطى بشكل عام.
وفي السنوات الأخيرة عززت تركيا حضورها في دول آسيا الوسطى التي تعتبرها روسيا منطقة نفوذ تاريخي واستراتيجي لها لاسيما عقب تقديم الدعم العسكري التركي لأذربيجان لتحرير أراضيها المحتلة في قره باغ، وما أعقب ذلك من تحركات سياسية واقتصادية وعسكرية بين أنقرة وعواصم دول المجلس.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقدت في إسطنبول القمة الثامنة للمجلس التركي بحضور زعماء الدول الأعضاء، وهي القمة التي وصفت بـ”التاريخية” حيث تخللها الاتفاق على تغيير اسم المجلس إلى “منظمة الدول التركية” ووضع محددات مؤسساتية للانضمام للمجلس الذي يضم تركيا وأذربيجان وكازخستان وقرغيزيا وأوزباكستان، إلى جانب المجر وتركمانستان كعضو مراقب.
الحضور التركي في دول المجلس التركي، سواء العسكري والسياسي المباشر في أذربيجان، أو التعاون العسكري ومبيعات الصناعات الدفاعية المتصاعدة من تركيا لدول المجلس بشكل عام والمسيرات لكازاخستان بشكل خاص، وعودة أنقرة لتحريك روابطها الثقافية واللغوية والتاريخية والدينية مع شعوب دول المجلس وعلى رأسها كازاخستان كلها أسباب ولدت غضباً وقلقاً روسياً متزايداً لا سيما مع الاعتقاد الروسي بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى لتحويل المجلس التركي إلى تحالف سياسي واقتصادي وربما عسكري على نطاق أوسع.
وفي ظل هذا المشهد، تفجرت الاحتجاجات الداخلية في كازاخستان على خلفية رفع أسعار الغاز في البلاد، وهو ما وضع أنقرة في موقف محرج بين رغبتها في احتواء الاحتجاجات قبل التدخل الروسي، وترددها في إعلان الدعم المباشر للرئيس المتهم بالتسلط والفساد، والخشية من اعتبار الموقف التركي الرسمي تأييداً للقمع الحكومي في وجه إرادة المواطنين. يضاف إلى المخاوف التركية من تصاعد الأزمة وانعكاساتها الاقتصادية على كازاخستان بشكل خاص ودول المجلس التركي بشكل عام وأثر ذلك على تركيا مستقبلاً.
وفي ظل تعقيدات المشهد فيما يتعلق بتركيا والمجلس التركي الذي لم ينضج بالقدر الكافي بعد، كان لروسيا ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي زمام المبادرة والقدرة على التحرك بشكل أسرع، حيث بدأت الطائرات الروسية بنقل قوات من الجيش على الفور إلى كازاخستان بدعوة من رئيسها الذي رجح طلب المساعدة من روسيا و”منظمة معاهدة الأمن” على طلب المساعدة من تركيا و”دول المجلس التركي” لتتاح الفرصة مجدداً أمام روسيا للتأكيد وتثبيت نفوذها في المنطقة وتوجيه ضربة للجهود التركية التي بذلت طوال السنوات الماضية.
ومن ناحية أخرى، جاءت احتجاجات كازاخستان في وقت حساس جداً بالنسبة للحكومة التركية التي تمر بظروف اقتصادية استثنائية ورفعت أسعار الغاز أيضاً بنسبة أعلى من تلك التي رفعتها الحكومة في كازاخستان، وهو ما جعل هذه الاحتجاجات من حيث الأسباب والتوقيت والجغرافيا – إحدى دول المجلس التركي – بمثابة فرصة لمعارضين للدعوة لاحتجاجات مماثلة في تركيا وهو السيناريو الذي يبدو مستبعداً لكن الحكومة التركية لا ترغب حتى بطرحه كسيناريو على الإطلاق.
وفي مواقفها المختلفة، حرصت تركيا على إبداء موقف حذر ومتزن من الأزمة، حيث عبر بيان للخارجية التركية عن “ثقتها التامة بقدرة الإدارة الكازاخية على تجاوز أزمة الاحتجاجات في البلاد جراء زيادة أسعار الغاز المسال”، وجاء في بيان نشر الأربعاء “نتابع عن كثب الاحتجاجات التي انطلقت الأحد، وأدت إلى استقالة الحكومة الكازاخية. نحن نولي أهمية كبرى من أجل استقرار كازاخستان الصديقة”، معربة عن أملها في “ضمان أمن ورفاه الشعب الكازاخي الشقيق”، وثقتها “بحكمة الشعب الكازاخي”، راجية انتهاء الاحتجاجات في أقرب وقت.
من جهته، أكد رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب، وقوف بلاده “الدائم” إلى جانب كازاخستان، وكتب شنطوب عبر تويتر: “نتابع بأسف وعن كثب الأحداث التي تشهدها كازاخستان الصديقة والشقيقة”، معرباً عن ثقته بأن “كازاخستان دولة وشعبا سيتجاوزون هذه الأيام العصيبة عبر التحلي بالحكمة، وينعمون في أقرب وقت بالرخاء والاستقرار”.
كما اتخذت دول المجلس التركي الذي تتزعمه تركيا موقفاً مشابهاً بإعلان استعدادها لمنح كازاخستان حكومة وشعبا الدعم الذي يحتاجون إليه، في ضوء الأحداث الأخيرة هناك، وأكدت الدول الأعضاء، في بيان صادر عن المنظمة “الأهمية التي توليها للسلام والاستقرار في كازاخستان”، معربة عن تضامنها القوي معها وثقتها بـ”حكمة الشعب الكازاخي ورغبته في العودة إلى الحياة الطبيعية”. وجاء في البيان: “لدينا الثقة بقدرة السلطات الكازاخية على إخماد التوتر في البلاد سلميا، واستعادة النظام والهدوء”.
كما بدأت أنقرة جهوداً دبلوماسية لضمان التوازنات الإقليمية في الأزمة المتصاعدة، حيث جرى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ونظيره الروسي سيرغي لافروف، جرى خلاله بحث “العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية واجتماع مجلس الناتو – روسيا (سيعقد في 12 يناير) إلى جانب المستجدات في كازاخستان والبوسنة والهرسك والقوقاز”.
المعركة بين قوتين سابقتين تركيا وارثها الثقيل مع الإمبراطورية العثمانية التليدة و روسيا القيصرية ( ديانتين عظيمتين الإسلام و المسيحية الأرثوذكسية القيصرية)
هل ستكون كازاخستان محمية روسية مجددا؟!