هل يخاف العرب من تاريخهم؟ لماذا إذن يهربون منه سينمائياً؟ هناك ملاحم كبيرة عاشها العرب في تاريخيهم تستحق أن تكون موضوعاً سينمائياً عالمياً كبيراً، لكن لا شيء من هذا حدث.
وظلت السينما العربية محصورة في القصص التاريخي الجزئي. حتى قصة صلاح الدين الأيوبي انتظرنا «مملكة السماء» لمخرج ومنتج أجنبي ريدلي سكوت، وانتظرنا فيلم الرسالة لمخرج ومنتج أمريكي حتى ولو كان أصله عربياً، وبعدها لا شيء في الأفق؟ هل لأنه لا يوجد مخرجون عرب يستطيعون تلمس الحالة عن قرب؟ أم لا يوجد مال كاف لأن السينما بالوعة دولارات؟ لم يعد الإشكال اليوم، في ظل عولمة طاحنة عصبها الأساسي المال، مطروحاً.
العولمة المالية والثقافية تمنحنا فرصاً بلا حدود في إطار المنافسة لنختار المخرج الأهم في العالم، والممثل الأجود لأداء الأدوار العربية، حتى ولو كان أجنبياً لا مشكلة. المهم هو الجودة والإقناع والتفكير في الفيلم بالمواصفات العالمية، بكاستينغ مقنع. وهذا طبعاً يقتضي مالاً كبيراً، ليكن المال العربي الضخم موجوداً. إلى اليوم ما يزال فيلم الوصايا العشر محل اهتمام وقيمته عالية ومهمة، ولم يفقد شيئاً من ألقه إلى اليوم.
المشكلة إذن ليست مالية، ولا في غياب الكفاءات ولكن في مكان آخر يمكن تحديده، يتعلق بالسينما نفسها ووضعها الاعتباري عربياً. السينما في وعي الحاكم العربي، صاحب المال، ليست ذات قيمة، ولا تهمه كثيراً، وتغيير صورة العربي هي من آخر اهتماماته.
أي أن المسألة في النهاية ليست استراتيجية. ربما كانت المسلسلات في هذا السياق أفضل بكثير، فهي تدر على أصحابها مالاً سريحاً، وأضف إلى ذلك كله، لا يوجد جمهور كبير للسينما. قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن الأصح هو الغياب الكلي للمغامرة السينمائية.
هوليوود في حرب الصورة راهنت على تغيير صورة اليهودي التي تأسست تاريخياً على معاداة السامية. وهو حق طبيعي، فأي مجموعة بشرية، ظلمت تاريخياً، ستجد سبلها لتحسين صورتها وأنسنتها، والسينما وسيلة حية ومؤثرة. لكن الذي أفقد هذه الحرب عدالتها، منذ استيلاء الحركة الصهيونية على هوليود، هي عملية الإحلال؛ أي تعويضها بصورة العربي الذليل، الإجرامي الذي لا يوثق فيه، الدموي، الإرهابي، غير الجميل، الغبي، المتوحش، قاتل النساء، البشع، وغيرها، وكلها صور موجودة جزئياً في الواقع الموضوعي، ولكن تم تعميمها حتى أصبحت هذه الصفات خاصية من الخاصيات العربية، مع أننا نجدها عن كل الشعوب.
السينما الهوليودية رسختها في العربي والمسلم. السؤال الكبير أين صوتنا العربي سينمائياً: كم قتل الأمريكان من عراقي في حرب ظالمة، لتدمير العراق كلياً وتفكيكه وإرجاعه نحو الحروب العرقية والطائفية، والدينية واللغوية؟ ألا يمكن أن تفكر السينما العربية في صناعة الصورة المقاومة بتأسيس هوليود عربية أو شبيه لها من حيث الأهداف؟ كيف يمكن بناء جيل كبير خارج قيم الذل التي يشربها العربي كل صباح؟ هناك لحظات عظيمة كبيرة في تاريخه، في مقاومته تضع الذي يتهم العربي بالتوحش أمام توحشه الذي صنع الهولوكوست اليهودي وإفناء الغجر. قبل هذا بكثير كانت عملية الطرد الكبرى حينما وجد أكثر من ثلاثة ملايين أندلسي أنفسهم خارج الأرض التي بنوها وشيدوها وأحبوها.
مأساة ظلت مستمرة من 1492 حتى 1609. حتى تمت التنقية العرقية والدينية نهائياً. أليس هذا توحشاً؟ في الحملات الأولى، تم طرد كل من اختار أن يظل على دينه الإسلامي أو اليهودي. بينما اعتنق من فضل البقاء المسيحية الكاثوليكية. لكن بعد قرنين، طال الطرد حتى الذين اختاروا المسيحية من ذوي الأصول الإسلامية أو اليهودية.
ربما بدأت ملامس العنصرية ومعاداة السامية منذ ذلك الزمن الدني الأعمى. ننتظر مَن ليقول ملحمياً هذه المأساة؟ الذي ارتكبها؟ لن يفعل أبداً. وإذا فعل فسيكون ذلك من منظوره. ثورة الأمير عبد القادر في الشام إبان الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين في 1860… ملحمة حقيقية، كانت النار تشتعل، ووقف الحكام العثمانيون يتفرجون على الموت والنار.
فخرج الأمير وأتباعه بصدور عارية يقفون في وجه المهاجمين من الغوغاء التي ارتبطت بقشور الإسلام، وأنقذ الأمير في تلك الليالي العصيبة أكثر من 15000 مسيحي وخبأهم في حي المغاربة، وحماهم من موت أكيد.
كيف نصنع صورة المسلم الإنسان والمتسامح بإهمال هذه اللحظات التاريخية الكبيرة؟ لماذا سكتت السنيما العربية عن هذه القيم الإيجابية المتعالية؟ لا أتحدث هنا عن أفلام صغيرة ولكن عن أفلام عالمية حقيقية تعتمد على كاستينغ عالمي للتأثير. فيلم واحد قادر على أن يغير رؤية الملايين للعربي والمسلم. أليست نكبة 1948 ملحمة الشعب الفلسطيني في مقاومته للظلم الذي نزل عليه؟ الملايين من البشر الذين أخرجوا من أرضهم وزج بهم في المخيمات، بعد أن تخلى الإنجليز المتواطئين مع الهاغانا، عن مسؤوليتهم التاريخية، وتمت إبادة كل من رفض الانصياع لأوامر المغادرة.
مشهد تهجير ملايين الفلسطينيين يصنع وحده الملحمة. من السهل أن يصور اليوم الفلسطيني كإرهابي في الإعلام الصهيوني العالمي، في ظل غياب أية ردة فعل سينمائية في زمن الصورة. من غير السينما يستطيع أن يعيد إلى الأذهان تلك الصورة الظالمة التي ترتب عنها ما يحدث اليوم ويحدث مستقبلاً؟ تحتاج الأجيال العربية الجديدة أن ترى صورتها الحقيقية، الجميلة والسيئة أيضاً، في مرآة السينما لتعرف نفسها أكثر.
وترى أيضاً بشاعة الآخر الذي يصور اليوم مانحاً للحضارة والسلم والحياة. ثم ماذا لو أنتج العرب بمالهم الوفير فيلماً عالمياً عن الإرهاب العالمي الذي سرق من الشعوب حقها في التطور والحياة؟ ليس الإرهاب الذي تصنعه وتسوقه الشركات الرأسمالية الجشعة التي لا شيء يهمها في العرب إلا نفطهم وخيراتهم. فيلم يظهر بشجاعة كيف يتم تصنيع هذا الإرهابي في المخابر الأمريكية والإنجليزية وغيرها، الذي يخرج أحياناً عن السيطرة؟ من هيكلَه وساعده؟ من بناه وأعده للمهام التخريبية القذرة على الصعيد العربي والعالمي؟ وحدها السينما العربية القوية بالمال والذكاء وبالوسائط التقنية العالمية المتطورة، تستطيع أن تكون مرايا عاكسة لما ينتجه الغرب الاستعماري (هناك غرب إنساني صوته غير مسموع، لكنه موجود) من قيم ابتذال الإنسان والشر والطمع.
اصبت واوفيت ….وستظل مشكلتنا سياسية مع انظمتنا اللاشرعية التي زرعت الجهل والفساد بين الناس لا اظنها ترغب في تقديم تلك الملاحم والمظالم حتى لاتكشف عورتها وتفقد مصالحها مع من صنعها ونصبها للحكم على رقاب الناس
ببساطة، لا توجد إرادة سياسية. حكومات مشغولة باستئجار شركات العلاقات العامة و بتقديم الرشى لتلميع صورها و الترويج لنفسها. هل تذكر بُعَيد انقلابه كيف كان عبدالفتاح يسوق الفنانين و الفنانات لاصطحابهم في زياراته الخارجية في محاولة لتسويق نظامه؟ لا يوجد ما يغيظ أو يحفز أنظمتنا العربية مثل النجاحات التركية في أي مجال و لذلك سوف أذكر هذه الواقعة التي فاجأتني، في بداية انتشار كوفيد التاسع عشر كنت أتحادث مع صديق غير عربي و غير مسلم عبر الهاتف عن كمية الملل التي سوف نواجهها بسبب القيود المفروضة التي تلزمنا بالبقاء في المنزل فكان من بين اقتراحاته للتغلب على ذلك الملل أن أشاهد مسلسل (قيامة أرطغل) على Netflix و ذلك بعد أن أثنى على ذلك العمل، لم يكتف بذلك فبعد أن أنهينا المكالمة قام بإرسال رسالة نصية لي تحتوي على (لوجو) المسلسل مع كلمة Enjoy.
.تابعت حوار أجريته مع قناة الجزيرة و إستغربت محاولتك الشديدة في أن تثبت أن أصولك موريسكية ؟!!!!!