مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية نقلوا رسالة لنظرائهم الإسرائيليين، حذّروا فيها من أنه إذا لم تتم الموافقة على «تسهيلات» مخصصة للسلطة، فإنّ القمة الأمنية المشتركة الثالثة لن تنعقد.
رام الله ـ «القدس العربي»: لم ينشغل الفلسطينيون بأحاديث التسهيلات الإسرائيلية كثيرا، وكأن الموضوع الذي يفرضه الاحتلال عليهم ويتعلق بشؤون حياتهم اليومية وبالنظرة إلى قضيتهم بشكل كامل لا يعنيهم، ربما لأن الفلسطيني في كل أحاديث التسهيلات الاقتصادية متلقي للضربات، أو بصفته الجهة التي يقع عليه الفعل، وربما لأن الجهات الفلسطينية الرسمية تتعمد عدم التصريح والحديث عن موقفها الرسمي من هذه الأحاديث التي ترأست أخبار تفاصيلها نشرات الأخبار العبرية وأحاديث المسؤولين والمحللين الإسرائيليين، حيث يقتصر ما ينشر فلسطينيا من أخبار نقلا عن الصحافة العبرية.
وكانت الإذاعة العبرية نشرت الأسبوع الماضي أنّ مسؤولين كبارا في السلطة الفلسطينية نقلوا رسالة لنظرائهم الإسرائيليين، حذّروا فيها من أنه إذا لم تتم الموافقة على «تسهيلات» مخصصة للسلطة، فإنّ القمة الأمنية المشتركة الثالثة لن تنعقد. جاء ذلك بعد عملية «تل أبيب» التي وقعت مساء السبت الماضي، والتي نفذها الشهيد كامل أبو بكر من مدينة جنين، حيث قررت الحكومة الإسرائيلية، وقت ذاك، عدم مناقشة منح تسهيلات للسلطة الفلسطينية.
وبعد أيام من الأخذ والرد وممارسة ضغوط أمريكية وعربية بدا أن مشهد التسهيلات الاقتصادية يرتبط بإقرار حكومة اليمين الإسرائيلي خطوات لتقوية السلطة الفلسطينية، منها: تقليص اقتحامات مناطق A باستثناء إحباط منفذي العمليات، وإعادة جثامين فلسطينيين لا يتبعون لمنظمات، وإطلاق سراح أسرى مرضى، والترويج لخطط بناء فلسطينية، وزيادة الإنفاذ على البؤر الاستيطانية، والعمل ضد الجرائم القومية اليهودية، وتقليص الإغلاق على مناطق السلطة، والعمل على مغادرة فلسطينيين عبر مطار رامون، وتوزيع أرباح مدفوعات معبر اللنبي، وهو يتضمن دفع 50 في المئة من رسوم السفر عبر المعبر الحدودي مع الأردن للسلطة ابتداء من الشهر الجاري. (وتشير تقديرات رسمية أن الاحتلال عليه ديون تقدر 800 مليون شيكل من رسوم المعابر التي توقفت إسرائيل عن دفعها لها منذ 10 سنوات) وكذلك تسريع تطوير حقل الغاز قبالة سواحل غزة.
أما الموقف الفلسطيني المعلن من هذه «التسهيلات» فغالبا ما عُبر عنه من مصادر حكومية من دون أن تعلن عن نفسها، حيث رأى مسؤول حكومي في «التسهيلات» الإسرائيلية بإنها «سخيفة» في ظل أن إسرائيل تقتطع شهريا 300 مليون شيكل من الإيرادات الجمركية الفلسطينية تحت عناوين مختلفة.
يشدد الباحث والمحلل السياسي في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور على أن أحاديث التسهيلات أصبحت من أكثر الأمور التي تشعره بالإهانة.
ويكمل حديثه قائلا: «كوطني وكفلسطيني أشعر بالإهانة للحالة التي وصلنا إليها، ويضاف إلى ذلك أن تسمع أحاديث تمنن حكومة الاحتلال علينا بهذه التسهيلات، كما أنها تسهيلات لا تمر بسهولة إسرائيليا في ظل معارضتها من أقطاب اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو، كما أنها تفرغ من مضمونها، ومن ثم ترهن بشروط ومتطلبات سياسية وعلى الفلسطينيين تنفيذها، مثل أن نتوقف عن التوجه للمنظمات الدولية، ووقف التحريض، وتغيير المناهج، ومحاربة الإرهاب (المقاومة الفلسطينية)».
والأمر بالنسبة لمنصور أعمق من تسهيلات اقتصادية، إنها جزء من مسار طويل نجحت دولة الاحتلال في خفض سقف توقعات ومطالب القيادة الفلسطينية، أما الأمر بالنسبة للشعب الفلسطيني فهو يرفض كل هذه الأحاديث.
ويتابع: «لقد حولت إسرائيل جوهر المطالب الفلسطينية العادلة بالحرية إلى أحاديث عن تسهيلات وأمور حياتية وقضايا تصب في جيب السلطة ذاتها، وتضمن بقائها واستمرارها، أما المواطن الفلسطيني فهو لن يشعر بهذه التسهيلات ولا تعنيه كثيرا».
وعن قدرة هذه التسهيلات الاقتصادية في حل أزمات السلطة يقول منصور إنها لن تنقذ السلطة الفلسطينية، والسبب في ذلك هو لكون أزمتها أعمق من مجرد أزمة مالية، إنها تعاني من «أزمة مشروع، وأزمة قدرة على مواجهة الاحتلال الذي أصبحت رهينة له، وأزمة علاقة مع الشعب الفلسطيني الذي فقد ثقته بها وبمشروعها السياسي».
وفي ذات السياق انتقد تعامل وسائل الإعلام والصحافيين حيث يتم التركيز على أحاديث التسهيلات، ويطالبهم بضرورة أن يقترن الحديث عنها بوضعها في سياقها وحجمها الطبيعي، «فهي جزء من مشروع السلام الاقتصادي، وتطبيع وجود الاحتلال، وفتح منافذ زمنية جديدة لضمان بقاء السلطة وزيادة قدرتها على الاستمرار».
ويرى أن المؤسف الجديد هو أنه حتى الدول العربية في ظل الحديث عن تطبيع علاقات مع السعودية، والإدارة الأمريكية في ضغطها على الحكومة الإسرائيلية لم تعودا تتجاوزا هذا السقف، سقف التسهيلات والسلام الاقتصادي والأمور الحياتية، أي سقف التعامل مع الاحتلال أما الواقع في الميدان وعلى الأرض فإن ذات الاحتلال يمعن في سياساته الاحتلالية التهويدية.
ويرى منصور أن كل أحاديث التسهيلات في الإعلام تأتي وسط غياب الرأي العام الفلسطيني الذي لا يعول بأي أمل على هذه التسهيلات.
ويكمل: «رغم الضائقة المالية والوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به القضية الفلسطينية، يدرك الشعب الفلسطيني أن الحل الجذري هو بالانفكاك عن الاحتلال وعدم الاستمرار في زيادة التبعية له والارتباط به وقبول الفتات الذي يقدمه».
والسلطة الفلسطينية وفق السياق الحالي وقبولها بمقترحات التسهيلات واستعدادها للتعاطي معها تقوم «بمقايضة دورها الأمني» حسب منصور، الذي يكمل: «السلطة مبدئيا مستسلمة لدورها الأمني وليست لديها مشكلة في ذلك، وكل ما تطالب به هو أن يكون لها هامش واسع من الحركة في مناطقها، وتحصل على تسهيلات اقتصادية وتحصل على مزيد من القدرة على أداء مهماتها والتزاماتها المالية تجاه الشعب الفلسطيني».
وما يضاعف من انزعاج الباحث منصور في ظل هذه الحالة هو أن السلطة تتعاطى مع التسهيلات على أنها مسائل من دون أي أبعاد سياسية «فهي لا تتمسك بإدخال عناصر سياسية أو سيادية إنما تسلم بها».
وفي ذات السياق، يرى المحلل لسياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي محمد علان دراغمة أن الحديث عن التسهيلات يشير باختصار وتكثيف شديد إلى أن دولة الاحتلال لا تملك أي أفق سياسي، وليس لديها أي برنامج لحل سياسي مع الفلسطينيين.
ويتابع حديثه أن الحديث عن تسهيلات من كل الأطراف يظهر أن الاحتلال يرى أن كل ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو قضايا هامشية ومعيشية واقتصادية.
أما فيما يخص رؤية الاحتلال للموقف من السلطة الفلسطينية فيشير إلى أنه على الجانب الآخر يريد الاحتلال من السلطة أن تبقى في هذا الإطار المعيشي، ولا تخرج عنه نهائيا، بمعنى التسهيلات الاقتصادية هي عمليا قبر لأي حل سياسي.
وعلق على ما وصف بإنها الخطوات الإسرائيلية لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية بإنها نفس التسهيلات التي تحدثت عنها حكومة نتنياهو منذ بداية تشكيل حكومته تقريباً، «ليس هناك أي حديث من الاحتلال عن أي أفق لحل سياسي. ناهيك عن أن الخطوات الإسرائيلية على الأرض تدفع السلطة الفلسطينية باتجاه الانهيار».
أما الباحث ساري عرابي فيشدد أنه لا يمكن التعاطي مع أحاديث «التسهيلات الاقتصادية» الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية بجدية، والسبب في ذلك يعود لمجموعة من الأسباب أولها، يعود نظرا لطبيعة هذه التسهيلات، فهي «هامشية ومحدودة وليست ذات قيمة، كما أنها تنم عن استخفاف واستهانة من الصهاينة بالشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية ثانيا».
وتابع عرابي أنه وبالنظر إلى المهمات المطلوبة من السلطة الفلسطينية مقابل هذه التسهيلات نرى أنها مهمات خطيرة لا يمكن لأي فلسطيني أن يقوم بها، ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك يتمثل في مطلب منع الفلسطينيين من التمدد في مناطق «ج» التي تعتبر بمثابة المجال الحيوي للأرض الفلسطينية داخل الضفة الغربية.
ويختم عرابي حديثه مؤكدا أن الاحتلال يسعى للابتزاز السياسي، ويريد دفع السلطة الفلسطينية إلى الاقتتال مع الشعب الفلسطيني، وللقيام بالمهمات الأمنية التي عجز الاحتلال عن القيام بها، وأبرز الأمثلة على ذلك تفكيك مجموعات المقاومة في الضفة الغربية.
هنا يختم المحلل السياسي عواد أبو عواد النقاش مشددا على ما تسمى تسهيلات للسلطة بهدف تقويتها لن يتم، فهذا أمر (أي تقوية السلطة) لن يكون الا بمسار فلسطيني داخلي، ومن خلاله تستعيد فيه القضية الفلسطينية ألقها ومركزيتها.