لاشك أن الفنانة التشكيلية هند نصير تتخذ لعملية الابداع الواقعي التوظيف المحكم لمختلف الشخوصات والأشكال الواقعية والقيم الجمالية التي تتيح للبناء البصري صياغة تصويرات تتفاعل مع مقومات العمل الفني ككل. فهي تستنطق مخزوناتها الإبداعية بصدق ووفاء، وتجعل أسلوبها ممنهجا ودقيقا تتوالد معه سيولة من القيم الفنية والجمالية والتعبيرية بأبعاد غير محدودة. إنها بذلك تصنع فنا مرئيا تتذوقه الرؤية البصرية بصيغة حسية على اختلاف المفردات والمكونات التعبيرية الواقعية المُستخدمة في العملية الإنتاجية لتشغل حيّزاً من الفراغ دون حدود للمكان.
وبذلك تتبدى أعمالها مليئة بالإيحاءات والإشارات الدالة على أشياء مخزونة معينة، بل وعلى سيميولوجية ثقافية تستمد كينونتها من الثقافة العربية والإنسانية. وهو ما يخول لها فنيا وتقنيا صنع شخوصات تعبيرية رائقة، تصيغها في ألوان مختلفة، وتردفها بجنسها لتنسج منها المادة التعبيرية اللائقة. ثم تضيف إليها بعض العلامات والأشكال المتنوعة فتعمد إلى روابط علائقية تكثف بها الفضاء لتتراءى بين الكتل والألوان في حلل بديعية ومحسنات رائقة. وتعمد من خلال كل تلك العمليات إلى إنتاج توليف بين مختلف العناصر المكونة لأعمالها، بإضافة عناصر جديدة مما تحمله تقنياتها المتميزة والعالية من تغيرات، تجعل من التدقيق اللوني الموافق للشكل بناء فنيا منظما في تواشج عميقة الدلالات، عن طريق التعبير بمفردات الشخوصات التي تعتبر المادة الأساسية والمركزية في أعمالها الواقعية.
وبناء على كل ذلك فتجربة الفنانة الرائقة هند نصير تنبني على نمط تعبيري واقعي جمالي، بمقومات وأساسيات فنية ووظائف بنائية ودلالية مغايرة للمعتاد، فهي تعتمد العمل الواقعي التعبيري المنتج على مساحات متوسطة وكبيرة، فعملية البناء لديها تقوم على الألوان الزاهية وتثبيت الشخوصات المختلفة والأشكال المباشرة التي تنتج تعدد الدلالات، وهي توفر لذلك جملة من المواد بتصورها المخالف للمألوف، عن طريق إنشاء نظام فني بدءا من الخامات المتداخلة مع الأشكال والعلامات المثبتة بتقنية عالية، التي تروم التوليف والانسجام بين كل العناصر. وهو تطبيق عملي وفق رؤى وتخييلات الفنانة التشكيلية هند نصير، وبكتل وركامات لونية خفيفة ومركزة ودقيقة، مع العناية الفائقة بقيم السطح، وانتقاء الألوان بدقة متناهية، وهذا أسلوب واقعي يروم الحرص الشديد على الاعتناء التام بالقيمة السطحية لما لها من أهمية في الأسلوب التعبيري الواقعي والشخوصي أو فن البورتريه المعاصر. فجلي في هذا الفن هذا النوع من السيولة والدقة والانتقاء اللوني. بل إن أعمالها لا تنتهي عند حد معين، بل تتعدى حدود الواقع والخيال بالمعايير الفنية الدقيقة، وتتجه نحو أشكال وعوالم معرفية في فن البورتريه بقوالب منظمة ودقيقة الصنع اللوني والشكلي، وبذلك فإن الأعمال الإبداعية للفنانة التشكيلية هند نصير تتبدى فيها اجتهادات وابتكارات تمتح مقوماتها من الانفعال الباطني الذي يعبر عن معان وأحاسيس داخلية وعن رؤى ذهنية، تقارب العمل بالنسيج الابداعي في مجمله.
إنها تنحت مسارها التجديدي الفريد وفق منهج يتوق الى الحرية والعصرنة والتوظيف الجمالي المتقن على مستوى الألوان الجميلة واكتساح المساحات بعفوية وتلقائية. كما أن التسطيرات والخطوط والأشكال وعملية التنظيم الفارقي، هي عناصر تدعم القاعدة التجديدية للواقعية المعاصرة في سياق منجزها التشكيلي. ويتبدى أن هذا التأطير يأتي في سياق التجربة الفنية المائزة للمبدعة هند نصير التي تروم الواقعية المعاصرة باستعمالات واقعية جديدة.
إنها تجربة تضطلع بمجموعة من الجماليات في وضع تشكيلي ساحر تتجاوز القيود، في نطاق مشروع ذاتي للفنانة المقتدرة هند نصير، التي تمتع المتلقي بخصائص التداعيات الوجدانية في سحرها الجمالي المرصع بنشوة البورتريه وصناعته الدقيقة وفق خزان من الأشكال والألوان المعاصرة المدججة بالتقنيات الحديثة والمعاصرة.
إن اعتناء الفنانة الرائقة هند نصير ورؤاها الفنية والجمالية تمنح المتلقي تحويلا خلاقا على مستوى المادة التشكيلية وعلى مستوى المفاهيم الواقعية، وعلى مستوى التقنيات الجديدة وعلى مستوى الاطار الجمالي والفني الذي يتمثل فيه الكلَّ التشكيلي.
إنها تجمع المفردات التشكيلية وتبدد الغموض وتباشر الوضوح بعناية فائقة وسط المساحات المتوسطة والكبيرة، وتنجز لمسات صباغية غاية في الجمال، بنوع من التبسيط بانتقاء وتسويغ تحكمه الفطرية والانسيابية والانطباعية حينا والواقعية المعاصرة بكل ما تقتضيه من أشراط أحايين كثيرة، فيتراءى عليها الدال البورتريهي والشخوصي بائنا بجماله، حيث يعد ذلك انجازا قويا وانتصارا لمجال الرؤية البصرية التي تستجلي غالبا دلالات إضافية.
إن ثبيتها لعناصر تشخيصية بانسجام تام، يجعل خاصية التعدد العلاماتي والإيحائي والإشارات في نسيجها التشكيلي، تُحدث مجالا فنيا قادرا على تغيير المنحى التعبيري والانزياح به نحو تعددية القراءة، فهي تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب معاصرة في التعبير، وتمزج بين ملامح الألوان في أنساق الحياة الهادئة والمتحركة.
محمد البندوري