تشكل أعمال الفنانة التشكيلية مونة الهمشي مادة تعبيرية ترتكز على ملمس جمالي بمقومات فنية مدججة بالعلامات اللونية والانزياحات الشكلية، ذات الاستعمالات الإيحائية الحمالة لأوجه من المعاني والحابلة بالدلالات القوية.
وهي بمنجزها هذا تؤصل لثقافة تعبيرية، تسلك من خلالها أسلوبا قويما سلسا ينزاح عن الواقع، وعن الأشكال الطبيعية، إلى عوالم ذات أبعاد جمالية، الشيء الذي يفضي إلى مجموعة من التفاعلات الفنية التي تدحض البناءات الفراغية في أعمالها، بقوة التوظيفات البورتريهية المنحرفة عن الشكل العادي، والمدمجة في صلب الأشكال المتنوعة، لتجعل التعبير يتجاوز الإطار العادي إلى الأشكال والرموز والعلامات اللونية، لأنها تتغيا بذلك العودة بالمادة التشكيلية إلى الواقع بتصورات جديدة، ورؤى فنية عميقة الدلالات.
فخاصية التعدد العلاماتي والرمزي والإيحائي والإشارات في نسيجها التشكيلي تُحدث حركات متتالية قادرة على تغيير المنحى التعبيري العادي، والعبور به نحو تعددية القراءة، فهي تبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات فنية وجمالية، تقرأ بها بعض العناصر التشكيلية قراءة معاصرة تختزلها في تعبيراتها بشكل سلس وانطباعي، ما يجعل القارئ يغوص في عمق هذه المادة التعبيرية بصيغها الإشكالية ومسالكها الجمالية ومضامينها المضمرة وراء حجب اللون والعلامة والشكل.
الفنانة مونة الهمشي تصنع الجمال من الشكل واللون، وتمر بالمجال التعبيري المعاصر لتنسج علاقات فنية بين مختلف الألوان والرموز والعلامات، تصل درجة عالية من التوازن، ما يحرر أعمالها من القيود، ويفسح لها المجال للتعبير بحرية في الفضاء التشكيلي الناعم، لأن الوجود العلائقي بين مختلف الرموز والعلامات، وبعض العناصر المكونة لأعمالها، يشكل نسيجا من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، التي تروم الحرية في الفضاء. كما أن التداخلات الرمزية والعلاماتية تصنع في مختلف أعمالها أفقا تعبيريا وتصوريا، وتقدم المادة التشكيلية في نسيج تعبيري ينطق بالعديد من المعاني المحسوسة المرتبطة بالواقع. فالمبدعة تستند في عملية البناء إلى عدد من الأشكال الجمالية والمفردات الفنية لصنع الوجوه المبتورة، باعتبارها مادة متصلة بالواقع أولا، ثم بالتصور الفني ثانيا لتثبتها في الفضاء وفق جماليات متنوعة، ووفق تشكيلات تراعي فيها المقاسات، وتعتني فيها بقيم السطح؛ وهو ما ينم عن جانب من الرقي في تقديم مادة رمزية بوفرة من العلامات والخطوط المتموجة والمثلثة، التي تتخذ أشكالا متعددة ترافق اللون والشكل، بطريقة فنية مغايرة، وبسحر تشكيلي متعدد الرؤى والدلالات، وأشكال تعبيرية لها دلالاتها في هذا النسيج الفني الرائق، وهي تتوقف على مناحي متعددة القراءات.
إن القاعدة التشكيلية لديها تتبلور في أنساق تشكيلية دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تخضعها لكل تصوراتها التي يحملها اللون والشكل وطريقة توظيفهما، وهو ما تفسره التعددية المتناسقة، وفق تلاحمات وتدرجات لونية تعبيرية، وتقنية عالية، وتفصح عنها كذلك طرائقها في التعامل مع مختلف الخامات والمساحات، الشيء الذي يبرز قدرتها التحكمية في الفضاء. كما أن الربط بين العناصر المكونة لأعمالها، والربط بين مجموعة من المفردات المتباينة، والاستخدامات التحولية، يجعل أسلوبها يقود إلى عوالم جديدة، توجه الطريقة التعبيرية الرائقة للمبدعة، بل إن ذلك يؤشر إلى نوع من الجمال في عملية ربط المجال التعبيري بالمادة التشكيلية المعاصرة. ما ينتج عنه التفاعل الجدلي بين المكونات الأساسية للعمل التشكيلي، وعملية التوظيف الإبداعي المتحرك الذي يعتمد تدفق اللون وترسيم الشكل العام في الفضاء.
كاتب مغربي