التشيع الأيديولوجي… وسيلة الهيمنة الإيرانية

حجم الخط
28

ما يجري اليوم في المشرق العربي تحديداً هو استهداف ممنهج للنظم والدول والمجتمعات، بفعل عدة عوامل إقليمية ودولية، بالإضافة إلى استغلال المتغيرات الداخلية، وهو الأمر الذي تجاوز مسألة «إسقاط النظام» إلى إسقاط الدولة، وتعدى مرحلة إسقاط الدولة إلى إسقاط المجتمع، بعد أن أسهمت شعارات الميليشيات الإيرانية والحركات المتطرفة في بعث الخطاب الطائفي، وإدخال المجتمعات العربية في حالة احتراب داخلي باسم «السنة والشيعة»، إثر التدخل الإيراني الذي استغل حالة الفوضى الناتجة عن انتفاضات «الربيع العربي».
وقد ساعد على بروز الدور الإيراني عوامل مهمة يعود بعضها إلى أحداث سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة التي تبناها تنظيم القاعدة، وما تلاها من «حرب عالمية على الإرهاب»، أدت لتدمير أفغانستان والعراق، وهو الأمر الذي مهد الطريق لتعاظم دور طهران فيما بعد، قبل انتفاضات «الربيع العربي» التي فتحت الأبواب أمام تدخلات إيران، مع استمرار «الحرب على الإرهاب» في قمع الخطاب السني عالمياً، وإتاحة المجال ـ عن عمد ـ للخطاب الشيعي بشقيه «السياسي والجهادي»، والذي باسمه استطاعت طهران اختراق أنظمة ودول ومجتمعات عربية عدة، في وقت أدت الضغوط الهائلة على «الخطاب السني» إلى وضعه في زاوية اعتذارية وانكفائه بعيداً، في محاولة للهروب من تبعات «الإرهاب العالمي»، الأمر الذي أتاح الفرصة لـ«التشيُّع السياسي والجهادي» الإيراني للتمدد، بمساعدة ظروف داخلية وإقليمية ودولية.
واليوم تتحكم طهران في قرارات أربع عواصم عربية بطريقة مباشرة، وتؤثر بطريقة غير مباشرة في قرارات دول أخرى، خشية تحريك ملفات داخلية يُخشى من تفاقمها.
وبالنظر إلى واقع تلك العواصم أو الدول الأربع نجد أن هذه الدول معطلة أو شبه معطلة على كافة الأصعدة: سياسياً واقتصادياً وخدماتياً، بسبب استلاب القرار الوطني لصالح طهران.
في اليمن أصبح الملف التفاوضي مرتبطاً بالملف النووي الإيراني ارتباطاً وشيجاً، حيث عملت طهران على زراعة الساحة اليمنية بغراس تؤتي ثمارها في الملف النووي وما يتعلق به، وفي العراق يستمر تعطيل تشكيل الحكومة ما لم تكن بمواصفات إيرانية، وهو ما أدى لاحتقان سياسي ومجتمعي داخل ما بات يعرف بـ«البيت الشيعي» الذي عملت إيران على ترتيبه وفقاً لمصالحها، ومع استمرار تعطيل الحكومة تستمر إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة عليها بنهب ثروات العراق، وفي سوريا استطاعت طهران إحداث أكبر عملية تغيير ديمغرافي في البلاد، بغية إعادة رسم حدود الخارطة الطائفية والديمغرافية لصالح القوى المؤيدة لطهران، أما لبنان فيبدو وجعاً مزمناً نظراً لأسبقيته في الوقوع في الفخ الإيراني.
وبالطبع، فإن طهران لم تكن لتقوى على القيام بهذا الدور الكبير لولا غض الطرف عنه من قبل القوى الدولية الفاعلة التي أرادت إشغال شعوب المنطقة بحروب طائفية كان لطهران والتنظيمات المتطرفة الدور الأبرز في إذكائها، حيث تريد القوى الدولية أن تكون إيران قوية بالقدر الذي يجعلها عامل إقلاق للأمن القومي العربي، وفي الوقت نفسه تريد تلك القوى أن تكون طهران ضعيفة بالقدر الذي لا يمكنها من المساس بالمصالح الغربية أو الإسرائيلية، أو لنقل إن القوى ذاتها تريد إيران أقوى من العرب وأضعف من إسرائيل، ليكون ضرر سياسات طهران على العرب لا على تل أبيب. وفيما بين الإرادتين الدوليتين المتناقضتين وجدت طهران فرصة للمناورة والنفاذ إلى ما تريد.

إن «التبشير الشيعي» الذي مهد لـ«الهيمنة الإيرانية» على بعض الدول والمجتمعات العربية باسم الحسين يذكرنا بطلائع «التبشير المسيحي» في منطقتنا قبل أكثر من قرن، والذي كان مقدمة لـ«الاستعمار الأوروبي» لدولنا العربية باسم المسيح

وبالإضافة إلى تلك العوامل الدولية فإن التشيع لعب دوراً بارزاً في تعاظم الدور الإيراني في المنطقة، حيث لم يعد خافياً تحوله على يد الإيرانيين من مذهب إلى طائفة، ومن قيم إلى مصالح، ومن دين إلى جين، ومن رسالة روحية إلى سلالة قومية، وبما أنه أصبح كذلك فقد غدا وسيلة طهران الناجعة في تفتيت مجتمعاتنا العربية، وإذكاء الحروب الطائفية المستعرة منذ سنوات، خدمة لمصالح دولية وإيرانية، ولم يعد خافياً كذلك أن «التشييع» الإيراني لا يدخل ضمن «حرية المعتقد»، لأنه ليس ديناً ببعد روحي، بل أيديولوجيا بأبعاد عسكرية، ولو كانت إيران تؤمن بحرية الاعتقاد، فلماذا لا تسمح بممارسة الدعوة للأديان والمذاهب الأخرى، ولماذا نص دستورها على أن إيران دولة إسلامية على «المذهب الجعفري الإثني عشري»؟
إن طلائع التشييع الإيراني اليوم لا تدخل ضمن «حرية المعتقد»، ولكنها قضية «أمن قومي» بامتياز، إذ أن هذا «التشييع» خرج عن إطاره الديني البسيط إلى تصورات أيديولوجية وقومية لا تتسق ومبدأ «حرية المعتقد» التي تكفلها القوانين الدولية، وإن «التبشير الشيعي» الذي مهد لهذه «الهيمنة الإيرانية» على بعض الدول والمجتمعات العربية يذكرنا بطلائع «التبشير المسيحي» في منطقتنا قبل أكثر من قرن، والذي كان مقدمة لـ«الاستعمار الأوروبي» لدولنا العربية.
وكما أحس «المسيحيون العرب» بخطورة «التبشير المسيحي» في الماضي، الأمر الذي جعلهم يحملون السلاح مع إخوتهم المسلمين العرب لطرد «الاستعمار الأوروبي» الذي جاء متدثراً بعباءة المسيح، سيشعر «الشيعة العرب» ـ ولو بعد حين ـ بخطورة «التشييع الإيراني»، وهو ما سيدفعهم إلى الوقوف مع إخوتهم «السنة العرب» في وجه «الهيمنة الإيرانية» المتلبسة بعمامة الحسين. وقد بدأت طلائع الوعي العربي تؤتي بعض ثمارها لدى «الشيعة العرب» بخطورة المشروع القومي الإيراني، إذ أن ما يجري في العراق اليوم ليس صراعاً عراقياً ـ عراقياً، ولكنه في الحقيقة صراع عراقي ـ إيراني يجري على أرض العراق، ويخوضه العراقيون ضد هيمنة طهران، وهو ما نراه في رمزية الهتاف ضد خامنئي وحرق صوره في النجف وكربلاء، وهي الرمزية ذاتها التي رأيناه في لبنان وفي الأحواز، ناهيك عن دول حمل مواطنوها السلاح ضد الهيمنة الإيرانية الجديد.
لم يعد من المقبول اليوم بعد كل هذا الوضوح في المشروع الإيراني أن يدس العرب رؤوسهم في الرمال، بحجة أن هناك محور مقاومة، أو بعذر الابتعاد عن الطائفية، أو بدعوى التقارب ودعوات التهدئة التي تصب في صالح المشروع الإيراني، أو بالقول بأن من يحذرون من كارثية المشروع الإيراني عملاء لأمريكا وإسرائيل، أو أنهم يؤمنون بنظرية المؤامرة. وبطبيعة الحال، فلا أحد يطالب بحرب مع طهران، ولكن بقاء الوضع على ما هو عليه لن يكون في صالح المنطقة برمتها، وهناك بالطبع وسائل كثيرة لكبح هذا المشروع بأقل قدر من التضامن والتنسيق الحقيقيين، لملء الفراغ الذي يتحرك فيه هذا المشروع المدمر الذي يدخل الدولة فينهكها من داخلها، لا للسيطرة المباشرة عليها، ولكن للتحكم بها ومن ثم الاستحواذ على مقدراتها ومواردها عن طريق وكلاء محليين، تم إنشاؤهم وتدريبهم وتسليحهم لهذا الهدف.
قبل سنوات حذر العاهل الأردني عبدالله الثاني من محاولات إنشاء «الهلال الشيعي» لتطويق دول المنطقة، ثم كُتبت مقالات لا تحصى لتفنيد قول الملك، بل والهجوم عليه، على اعتبار أنه يدخل ضمن أوهام «نظرية المؤامرة»، لكن من كتب منتقداً الملك حينها يقول اليوم مفاخراً إن «البدر الشيعي الإيراني» يحتل أربع عواصم عربية، ويهدد غيرها من الدول والعواصم، في محاولة لتحويل مركز الثقل الإسلامي نحو طهران، وفق أدبيات فكرة: «إيران أم القرى الإسلامية».
واليوم، وبعد كل هذا الوضوح، تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع القومي الإيراني المتلبس بالتشيع لا يصب في مصلحة الشيعة العرب، ولا الشيعة الإيرانيين، ولا الشيعة في العالم، ولكنه مشروع أيديولوجي يصب في مصلحة مراكز القوى الدينية والعسكرية التي تحوز السلطة والثروة في طهران، فيما ملايين الشيعة في إيران وخارجها يقبعون تحت خط الفقر، في حين تستغل طهران حاجتهم المادية لجعل دمائهم سلماً في سبيل اكتمال مشروعها القومي المؤدلج.

كاتب يمني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    ” حيث تريد القوى الدولية أن تكون إيران قوية بالقدر الذي يجعلها عامل إقلاق للأمن القومي العربي، ” إهـ
    بكلمة موجزة واحدة : ” بعبع ” !
    هناك مؤامرة صفوية صهيونية صليبية على إقتسام النفوذ بالمنطقة العربية !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    أو بالقول بأن من يحذرون من كارثية المشروع الإيراني عملاء لأمريكا وإسرائيل، ” إهـ
    فضيحة إيران غيت تفضح التآمر الصفوي الصهيوني على العروبة بشكل خاص !
    إيران براغماتية التوجه , أي : الغاية تبرر الوسيلة !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    ” فيما ملايين الشيعة في إيران وخارجها يقبعون تحت خط الفقر، في حين تستغل طهران حاجتهم المادية لجعل دمائهم سلماً في سبيل اكتمال مشروعها القومي المؤدلج. ” إهـ
    الجمهورية الإسلامية مجرد شعار كاذب !
    الدليل هو بأن عطلة عيد الفطر عندهم يوم واحد , وكذلك عيد الأضحى ,
    بينما عيد النيروز المجوسي القومي عشرة أيام !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول عبودي:

    الغرب درس العرب وعرف نقاط ضعفهم ومصدر قوتهم : الغرب درس نقاط الضعف في المجتمع الإسلامي واستثمر فيها وتعكز على الشيعة الموالوون لايران ، لضرب المجتمعات العربية السنية وتدشير عوائلها… الغرب عرف من التاريخ إن الوزير ابن العلقمي لم يكن من العرب السنة، و هو (أي ابن العلقمي) من خان الخليفة العباسي وسلم خرائط الدولة ومفاتيح اسوارها للمغول ، الغرب عرف إن صلاح ضرب الخوارج (شيعة) في مصر ليؤمن ظهره قبل المعركة الفاصلة مع الجيوش الصليبية (معركة حطين) لينتصر في معركة تاريخية خاطفة ضد أربع ملوك من ملوك أوروبا مع جيوشهم وسفنهم !! الغرب عرف إن قوة الدولة العربية هي في العرب السنة، لذلك اعتمدت خطة الغرب باسقاط العراق على فكرة اعطاء قيادة العراق للشيعة بحجة أنهم حرموا منها الف واربعمائة سنة وان ذلك لايجوز لانه ظلم كبير ؟؟ فسقطت بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت مرة واحدة بيد ايران التي استثمرت هذا الانتصار لتبتز باقي الدول العربية ولتحقق في نفس الوقت انتصارات جديدة على مائدة المفاوضات مع دول الغرب…

  5. يقول تيسير خرما:

    لدى إيران ولاية الفقيه نفس طويل باستغلال السياحة للتغلغل بأوطان العرب والعالم وقد تساهلت 4 دول عربية مع سياحة إيرانية فسيطرت إيران تدريجياً على عواصمها وعلى مواقع اتخاذ القرار فيها وحولت نخبها لأدوات وأرهبت الباقي واستنزفت اقتصادها وحولت مواردها لخدمة إيران سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحولتها لمراكز تجنيد ميليشيلت إرهاب موالية لها ومراكز تصنيع وتوزيع مخدرات وأسلحة وغسيل أموال لها وزرعت بها مرتزقة من كل مكان فبات صعباً إستعادة الوضع بدون حروب طويلة مع حصار دولي خانق لإيران ولهياكل وتنظيمات خلقتها

  6. يقول عبد الكريم البيضاوي:

    صراع المصالح والايديولوجيات ليس وليد اليوم, وأخيرا استيقظت الولايات المتحدة والدول الغربية للتوغل الصيني المدمر في القارة الافريقية ففتحت أمريكا صناديقها المالية وبدأت تغدق على الأفارقة , بدءا ب 1 مليار دولار والبقية قادمة. لم تفعل هذا حبا في الأفارقة لكن في حربها الاقتصادية /التقنية/ العلمية لاتكتفي بالشكوى فقط, وهنا مربط الفرس عند العرب, مشاكل الدنيا كلها سببها الآخرون – في أكثر الأحيان صحيح – لكن ماردهم ؟ هم ليسوا ضعفاء , ثوب الضحية لم يعد يجدي. العمل وحده من يغير الأوضاع.

  7. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحياتي لالاستاذ محمد جميح وللجميع ان امر الشيعة مسالة تاريخية تعمقت شيئا فشيئا وكان لالاضطهاد الذي مارسه الخلفاء منذ بني امية الى نهاية الصراع الفارسي العثماني وكذلك تبلور فكر سياسي مذهبي ينتهي بامر الولاية لاحفاد علي وفاطمة ولو اخذنا العراق نموذجا نرى ان شيعة العراق عموما كانوا دوما مع الدولة العثمانية في العراق في حروبها ضد اعداءها داخل مناطقهم ومع ظهور الدولة العراقية الحديثة متمثلة بالمملكة الجديدة الى عام 2003 كان الشيعة ومناطقهم مهمشة ولم ينالوا حظوظا بالمناصب العليا وقد يقول البعض ان في زمن البعث كان هناك شيعة وزراء ومسؤولون والحقيقة هؤلاء كانوا بعثيين مخلصين ومعادين لاي تشيع سياسي وكذلك الحال مع البعثيين المسيحيين وغيرهم اما ان ياتي يوم ويفعل الشيعة العرب كما فعل مسيحيو الشرق بالمناسبة ان تسمية مسيحيين عرب كقومية ليست صحيحة البتة فهذا الامر لن يحصل لان الثقة غير موجودة تماما بين الشيعة والسنة من العرب وكذلك بين التركمان في العراق فقد تعرضت جميع مناطق التركمان الشيعة لهجمات داعش ومن قبلهم الزرقاوي بمساعدة التركمان السنة

  8. يقول غثيث ذو شنطة/ تدريسي جامعة كلية الثالوث:

    (((( التشيع الأيديولوجي… وسيلة الهيمنة الإيرانية )))) هو التشيع أصله حزب سياسي وليس مذهبا كالمذاهب الأربعة في الاسلام لذلك الايديولوجيا فيه جوهر وليست مكتسبة لاحقا لتكون أداة سياسية للهيمنة الايرانية.وهذه الايديولوجيا قام ( الدعاة ) بتحويلها إلى عقيدة، كما حصل للدعوة الفاطمية بمصر.لهذا أدرك صلاح الدين الأيوبي ان دخوله في معركة حاسمة ضد الصليبيين لن يجدي نفعا ما لم يقضي على هذه الايديولوجيا المضادة لوحدة المسلمين.وهي
    ايديولوجيا دائما تتخذ من المعارضة نسقا فلسفيا لديمومتها كي تحافظ على حالة التوتر لاتباعها بخلق عدوّ لاينتهي.

  9. يقول الغريب:

    مشكلة اهل السنة فيما بينهم اكثر مما بينهم واهل الشيعة, وهذا بحجة مكافحة الاسلام السياسي في البلدان السنية

  10. يقول طاهر ألعرب امازيغي:

    البعبع الايراني هدفه تخويف العرب من اجل بيعهم السلاح الاوروبي و الامريكي، و الهدف الثاني خلق فتنة طائفية في المشرق العربي …
    و ايران هنا تلعب الادوار القذرة كلها من اجل تدمير هاته الامة…
    المشروع الطائفي الصفوي المجوسي هو خلق القلائل بالمنطقة لتهديد العرب السنة فقط وليس لتهديد إسرائيل و الغرب!!

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية