مؤتمر «السلام والاسترداد» السيئ جدا في النية والتخطيط والمسار والهدف، أو الأهداف من عقده في هذا الوقت، الذي يثير الكثير من الأسئلة والشك، والذي عقد قبل فترة قصيرة في أربيل، وشاركت فيه قوى سياسية وعشائرية عراقية؛ جوبه بالرفض والإدانة شعبيا ورسميا. كما أن المشاركين فيه، قالوا إنهم خدعوا.
حكومة إقليم كردستان نفت علمها به، وهذا أمر لا يقنع أحداً مهما كان، أو مهما كانت درجة وعيه، هناك من قال عنه؛ إنه لجس النبض، أو لكسر حاجز الخوف من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. الفحص العميق لمجريات الأمور في هذا المجال، أي مجال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي؛ تؤكد أن عقد المؤتمر هذا تم وفق خطة متكاملة، أو هو البداية لخطوات أخرى في الطريق، عندما تكون الظروف ملائمة لها، أو بعبارة أدق توصيفا لعوامل حركة الواقع؛ تخليق البيئة السياسية وما إليها، الملائمة لهذه الخطوة والخطوات اللاحقة لهذه الخطة المتكاملة، التي جرى الإعداد لها في الظلام. أمريكا التي نزلت من مقعدها مرغمة في قيادة العالم، تركته عندما تحطم تماما، ولم يعد صالحا لها، أو أن الكلفة كبيرة جدا، لبقائها جالسة عليه، ما جعل القوى الدولية الكبرى، سواء الصاعدة أو غيرها؛ أن تنتج عدة مقاعد بديلة، للإشراف المشترك على قيادة العالم، وإن لم يظهر هذا التطور إلى الوجود بصورة ملموسة، لكنه موجود بالفعل، بانتظار قوة الأفعال ليكون وجوده ملموسا وواضحا ومحددا، وله مفاعيل في السياسة الدولية ومخرجاتها.
أمريكا تنفذ مشاريعها، بواسطة أدواتها البشرية، التي صنعتها بالتعاون المخابراتي مع الكيان الإسرائيلي في دول المنطقة العربية
أمريكا في طريقها إلى الانسحاب من المنطقة العربية، وهذا صحيح وغير صحيح في وقت واحد؛ فهي ستنسحب بثقلها العسكري المباشر في صراعات المنطقة العربية، التي هي من فجرتها وغذتها لمصالحها الاستراتيجية، لكنها ستبقى فيها من خلال قواعدها، المنتشرة في المنطقة، والأهم أنها ستعتمد على الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مشاريعها في المنطقة، ومن بينها وضع الحلول لهذه الصراعات، بواسطة أدواتها البشرية، التي صنعتها بالتعاون المخابراتي مع الكيان الإسرائيلي في دول المنطقة العربية، ومع سيطرتها على السماء بطائراتها، سواء المأهولة أو غير المأهولة، واستخدامها عند الحاجة والضرورة، إضافة إلى القيادة المشتركة للمهمات الخاصة في الاغتيالات والتصفيات في الأماكن المنتخبة. الكيان الإسرائيلي، كيان إمبريالي، وهو في علاقة تخادميه ووجودية مع الإمبريالية الأمريكية، إضافة إلى الجانب الديني، الذي لعب ويلعب دورا كبيرا في رسوخ وثبات هذه العلاقة.. من بين الفريات والأوهام التي ساقوها لنا، أو حملوها أكثر مما هي عليه في الواقع؛ أن إيران هي العدو الرئيسي للدول العربية، وليس الكيان الإسرائيلي الذي يحتل الأرض الفلسطينية، ويرفض حتى هذه اللحظة، مناقشة حل الدولتين، حسب مخرجات اتفاقات أوسلو، التي تنصل عنها، منذ زمن بعيد، إلى درجة أن هذه الاتفاقيات، أصبحت نسيا منسيا، ولم يعد لها وجود أو حتى إشارة في الخطابات السياسية، وفي المناقشات ذات الصلة. إيران ليست حمامة سلام، أو حملا وديعا، إيران لها ما لها وعليها ما عليها، وهي في الأول والأخير، دولة لها مصالحها التي تحرص على المحافظة عليها، أو إيجاد أوراق ضغط تجبر الخصم على التسليم بها، وهذا هو الحاصل في الوقت الحاضر، وقبل هذا الوقت أيضا، إنما من ناحية الواقع، وثقل هذا الواقع وضغطه؛ واتجاهاته المستقبلية، وتأثيراته الجدية في مصالح الشعوب العربية؛ إيران على ما هي عليه في الوقت الحاضر، ليست العدو الأساسي أو الرئيسي لمصالح الشعوب العربية، ببعدها الاستراتيجي، إنما العدو أو العدو الأخطر على مصالح شعوب العرب، هو الكيان الإسرائيلي، وهو خطر استراتيجي ووجودي، والمقصود هنا بالوجود؛ الهوية العربية الجامعة لكل العرب من المحيط إلى الخليج العربي. الكيان الإسرائيلي وأمريكا، لناحية الأهداف المشتركة على الأمد البعيد، ولناحية التخادم الاستراتيجي والتكتيكي؛ عضوان في جسد واحد، من حيث المهام والأهداف والنتائج؛ الكيان الإسرائيلي، من حيث التخطيط وتوفير المعلومات؛ عيون وعقل الجسد الأمريكي في المنطقة العربية، والجوار العربي. لكن المؤسف أن البعض من الأنظمة العربية؛ جندت نفسها وقدرات شعوبها، لخدمة الكيان الإسرائيلي، وأهدافه المستقبلية، وهي أهداف الإمبريالية الأمريكية الآفلة، أو التي في الطريق إلى أفول نجمها وسطوتها على العالم، ظنا منها إذا أحيل الأمر إلى الخوف من ضغوطات الجوار العربي والمقصود هنا، إيران، وهو أمر تم تضخيمه قصديا وهادفا، حتى تحول إلى غول مرعب يقف على الحدود، مهددا بعبوره إلى الداخل، بخلاف واقع إيران وقدراتها الحقيقية، بينما الحقيقة أن إيران وفي هذا الظرف بالذات هي التي تبحث عن الاستقرار لحاجتها الماسة له، ليس لأنها حمامة سلام كما بينت أعلاه؛ إنما، لترميم وضعها الداخلي في الاقتصاد وفي غير الاقتصاد، بما له صلة بوضعها المرتبك، والمخترق إسرائيليا حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين. هذه الطروحات السياسية كانت الغاية منها تبرير التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وهو تطبيع مجاني بلا ثمن مقابل، أو كما جاءت به المبادرة العربية؛ الأرض مقابل السلام، التي حرفها نتنياهو حين قال عن التطبيع: السلام مقابل السلام. رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بينيت يقول، إن هناك دولا عربية أخرى في الطريق للتطبيع مع إسرائيل. المطبعون يقولون إنهم لن يفرطوا بحق فلسطين في دولة ذات سيادة، أو حل الدولتين، وهذا هو الغش والضحك على الذقون في وضح النهار، وعلى رؤوس الأشهاد. وزير خارجية أمريكا انتوني بلنكين قال مؤخرا؛ ليس هناك مفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في الأمد المنظور. وفي تزامن تقوم إسرائيل ببناء مستوطنات جديدة على الأراضي في الضفة الغربية وبالذات في القدس، وتوسعت القائمة منها، في ما أمريكا وحتى السلطة الفلسطينية، والأنظمة العربية المطبعة والأخرى، لم تحرك ساكنا بأي شكل كان، سواء في الإعلام أو باتخاذ أي إجراء، ولو كان لذر الرماد في العيون. في المقابل وبخلاف تصريحات الحرص العربي (النظام الرسمي العربي) على حقوق الشعب الفلسطيني؛ تجري اتفاقيات اقتصادية ومشاريع أخرى؛ تدفع بهذا الحق الشرعي والقانوني والإنساني إلى الخلف، أي ليس له مكان في هذا الذي يدور ويرسم له في الظلام، لجهة الهدف المستقبلي، أما ما هو ظاهر من هذا الذي يدور ويرسم له، فيتم تسويقه على اعتبار أنه لخدمة شعوب المنطقة العربية في السلام والاستقرار والتنمية والحرية، بينما الحقيقة هو لخدمة الكيان الاسرائيلي (والقبول به دولة طبيعية ومركزا صناعيا واقتصاديا وتجاريا وماليا) وأمريكا للأمد البعيد. من هذه المشاريع التي ظهرت مؤخرا، وليس جميعها، إذ، ربما هناك ما هو معد ولم يتم طرحها بعد، بانتظار المتغيرات؛ خطوط نقل الغاز والنفط إلى الموانئ الإسرائيلية (حيفا وأشدود..) وخطوط سكك الحديد، والنقل البري، الذي يوصل البعض من دول المنطقة العربية بالموانئ الاسرائيلية، ومن ثم إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، على حساب المصالح الاقتصادية لبعض الدول العربية، ميناء بيروت، وقناة السويس. هذه الموانئ تقوم شركات صينية بتطويرها وتوسعتها، وكذلك شركات إماراتية، حتى تتناسب مع حجم مهامها، وقدراتها الاستيعابية في المستقبل.
يظل السؤال المهم هنا؛ هل تنجح هذه الخطة المتكاملة؟ أقول بقناعة كاملة أنها لن تنجح، حتى إن أبرمت رسميا؛ سيتم نسفها لاحقا ولو بعد وقت، لسبب أنها لا تستند إلى الحق والعدل والشرعية هذا أولا، وثانيا لأنها معدة للنهب والاستغلال البشع، الذي لا يؤدي إلى التنمية الحقيقية وإلى السلام الحقيقي وإلى الاستقرار الحقيقي، بل يؤدي إلى سلب خيرات وثروات الشعوب العربية… ما يقود بالنتيجة كتحصيل حاصل إلى انفجار الشعب في وجه ظالميه.
كاتب عراقي