القاهرة ـ «القدس العربي»: اهتمت الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 7 أغسطس/آب، بأنباء الاجتماع الذي عقده الرئيس السيسي مع رئيس الوزراء، وعدد من الوزراء لمطالبتهم بالعمل على زيادة الدور المصري في افريقيا وتعميقه، بينما ظل الاهتمام الأكبر للأغلبية متابعة انفجار سيارة الميكروباص، بعد اصطدامها مع سيارات ملاكي أمام المعهد القومي للأورام التابع لجامعة القاهرة، في شارع القصر العيني، وسقوط عشرين قتيلا وجرح العشرات، والروايات الإنسانية عن الذين قتلوا، وهم يستقلون سيارة ميكروباص وكانوا في طريقهم لحضور فرح. وتدفق تبرعات الهيئات والأشخاص لإعادة المعهد لما كان عليه وإصلاح التلفيات.
تقاعس الدولة عن ضبط الأسعار وحماية الموازين والمستهلك يرفع الراية البيضاء وأصبح يقبل بالأمر الواقع
والملاحظ أن معظم المقالات عن هذا الحادث استبق نتائج التحقيقات النهائية، وكأن من كتبوها أكثر علما من وزارة الداخلية والنيابة.
والغريب في الأمر أنه رغم بيان وزارة الداخلية بأن السيارة المحملة بالمتفجرات اصطدمت بسيارة أخرى، ما أدى للانفجار، أي أن من كان يستقلها لم يقصد تفجير المعهد، وإنما في طريقه لتسليم الشحنة إلى آخرين، جار البحث عنهم، فقد أصروا على أنها عملية إرهابية المقصود منها المعهد، رغم أن الإرهابيين لن يستفيدوا شيئا من قتل مرضى السرطان، أو الكنائس أو مصالح وإدارات حكومية. ولوحظ استمرار موجة الغضب من قصور الإعلام ومهاجمة تدني مستواه، بسبب القيود المفروضة عليه، كما أن آخرين اتجهوا إلى محاولة استخراج الدروس من الحادث.
وكان الاهتمام الثاني للأغلبية، عن انتهاء المرحلة الثانية من تنسيق القبول في الجامعات، وبدء المرحلة الثالثة. والاستعدادات لإجازة عيد الأضحى، والحجز في القطارات، خاصة المتجهة للصعيد، وحالة التأهب في جميع الوزارات، وتأكيد جهاز الأمن الوطني والأمن العام والجنائي قدرتهم على توفير الطمأنينة للمواطنين، سواء ضد أي عمليات إرهابية أو تحرش بالنساء والفتيات. وإلى ما عندنا….
انفجار الميكروباص
ونبدأ بأبرز ردود الأفعال المعقولة على انفجار سيارة الميكروباص من «الأخبار» ورئيس تحريرها الأسبق جلال دويدار وقوله: «من المتوقع، بل من المؤكد أن تتوصل أجهزة الأمن خلال ساعات، بناء على ما سبق من تجارب، إلى الكشف عما يحيط بحادث تفجير معهد الأورام الإرهابي الدموي. إن وسيلتهم لتحقيق ذلك مراجعة التفاصيل الدقيقة لملابسات الحادث، بالإضافة إلى إجراء التحريات العميقة التي تشمل قوائم كل المشتبه في تورطهم».
ربط الأدلة والتحريات
أما «الوطن» فنشرت حديثا مع لواء الشرطة السابق والخبير الأمني محمد صادق، أجراه معه طارق عباس قال فيه: «الحادث طبقاً لملابساته والفيديوهات المتداولة لحدوثه، لم يكن مخططاً له الوقوع في هذا المكان، ولا في ذلك التوقيت، وما حدث ربما كان خطأً من سائق السيارة، التي كانت تحمل المتفجرات. ومن الجائز جداً أنه لم يكن يعرف المنطقة جيداً، فدخل الشارع ظناً منه أنه يسير في الاتجاه الصحيح، لكنه وجد الطريق اتجاهاً واحداً، فحاول الخروج منه لكنه اصطدم بمجموعة السيارات في مواجهته، فانفجرت السيارة، وهو ما ستوضحه الأجهزة الأمنية من خلال التحريات، وجمع المعلومات وربط البيانات المتوافرة عن الإرهابيين، الذين خططوا لأعمال محتملة، إضافة إلى قيام وزارة الداخلية ببحث خط سير السيارة منذ أول ظهور لها على كاميرات المراقبة، وتتبع طريقها وصولاً إلى مكان انطلاقها ومعرفة الأشخاص الذين وقفوا وراء وضع المتفجرات فيها، وأظن أن ربط الأدلة والتحريات سيوصل أجهزة الأمن إلى الجناة في أسرع وقت».
الدروس المستفادة
واهتم عدد من الكتاب بمحاولة استخراج الدروس المستفادة مما حدث فقال الدكتور أسامة الغزالي حرب في «الأهرام»: «الدرس أو النتيجة المهمة التي أتصورها، هي ضرورة التفرقة الجذرية بين أولئك الذين يعارضون في إطار الشرعية، وبوسائل التعبير السلمية، والعناصر الإرهابية والمسلحة. وإذا كان الرئيس السيسي قد أكد تعليقا على الحادث الإرهابي، أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها عازمة على مواجهة الإرهاب الغاشم، فإن على تلك المؤسسات أن تركز جهودها وطاقاتها أكثر وأكثر لمواجهة من يرفعون السلاح ويزهقون أرواح الأبرياء».
الجميع ضد الإرهاب
بينما استخلص عماد الدين حسين رئيس تحرير «الشروق» الآتي: «لم يحدث إطلاقا أن تعاطف المواطنون العاديون مع الإرهابيين، حتى لو كانوا يعارضون حكومتهم بنسبة مئة في المئة، في كل سياساتها نتذكر أن كثيرا من المصريين كانوا ناقمين على حكومات حسني مبارك، ورغم ذلك وقفوا جميعا ضد إرهاب المتطرفين، مع كل عملية إرهابية، خصوصا العشوائية منها، يزداد غضب المصريين على الإرهاب والإرهابيين بكل تشكيلاتهم وخلافاتهم الشكلية، لا يمكن لك أن تهادن الإرهاب أو تعتقد أنك ستجني أرباحا من ورائه، ثم تدينه بكلمات مائعة».
غياب المعايير
وإلى أزمة الإعلام التي كشفتها حادثة انفجار سيارة الميكروباص أمام المعهد القومي للسرطان وحلل أسبابها في «الأهرام» مرسي عطا الله بقوله: «أزمة حقيقية سببها الرئيسي غياب المعايير التي تحكم ممارسة مهنة امتلاك الموهبة الصحافية المؤهلة لتحمل مسؤولية مخاطبة الرأي العام بالخبر الصادق، والرأي السديد، والاستقصاء المحايد عند تحقيق أي حادث عام، والذين يدخلون إلى بلاط صاحبة الجلالة من الأبواب الخلفية، ويتوهمون إمكانية الجمع بينها وبين أي شيء آخر لا يسيئون للمهنة فقط، وإنما يسيئون لأنفسهم، ويصادرون فرصة اكتساب الثقة اللازمة لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع، فالصحافة لا تعرف الزوجة الثانية، وما زلت أذكر أول درس تعلمته في مدرسة «الأهرام» الصحافية، أن السبق الصحافي ميزة محمودة، لكنه ليس عيبا أن يتخلف الصحافي عن نشر خبر لم يستوثق من صحته، وأن العيب المرفوض هو الانزلاق تحت شهوة السبق لنشر خبر يثبت بعد ذلك عدم صحته».
العجز في إدارة الأزمات
أما عبلة الرويني في «الأخبار» فقد شنت هجوما على التلفزيون الرسمي وعجزه وتردده عن تغطية الحادث وقالت تحت عنوان «وجع القلب»: «مع كل فاجعة أو أزمة تواجهنا، وكل حادث إرهابي أو غير إرهابي، فجاءة ننتبه لنكتشف عجزنا الفعلي عن إدارة الأزمات، يعني حادث التفجير، أمام معهد الأورام، حادث في قلب القاهرة في قلب التواجد الإعلامي والكاميرات ووحدات التصوير التلفزيوني ووسائل الاتصالات الحديثة، وطبعا ماسبيرو العجيب كان في واد آخر، لا حس ولا خبر، بينما العالم كله يتابع الحادث عبر فضائيات عربية أخرى، وإعلامنا أيضا لا يقل غيابا عن ماسبيرو، لا أحد يعلم شيئا ولا أحد يحاول أن يتقصي شيئا».
الشفافية
«لا يوجد سبب واحد مقنع لعدم قول حقيقة الحادث الإرهابي أمام مستشفى الأورام، ولا يوجد أي مبرر في أن تقول الدولة إنه حادث تصادم بين سيارة مسرعة تسير عكس الاتجاه وثلاث سيارات أخرى، ثم تعود في اليوم التالي لتعلن في بيان رسمي، أن الحادث كان نتيجة عمل إرهابي ناجم عن وجود سيارة ممتلئة بالمتفجرات. يقينا «الخبر» من حيث المبدأ، كما يرى ذلك عمرو الشوبكي في «المصري اليوم»، يجب عدم إخفائه، والأخبار التي تخص الشعب ويتأثر بها الناس، يجب عدم حجبها أو التردد في إذاعتها، لأن ذلك يفتح الباب أمام سيل من الشائعات، ومن تكريس حالة من عدم الثقة بين الدولة والشعب، لا يوجد ما يبررها. يقينًا حادثة إرهابية أمام معهد الأورام تقتل 20 شخصا وتوقع عشرات المصابين مؤلمة وصادمة، فهي مؤلمة من الناحية الإنسانية وغير مسبوقة في تاريخ حوادث الإرهاب، لأنها طالت مستشفى بصرف النظر عما إذا كانت تقصده أم لا، وهي صادمة لأنها كشفت عن سوء أداء لافت تمثل في تخبط غير مسبوق وغير مبرر في التعامل مع الحدث، بإخفاء الحقيقة لمدة يوم كامل، وغياب الإعلام المرئي عن تغطية الحدث بمراسلين ينزلون إلى الشارع، وينقلون صورًا وحوارات حية مع البشر في عين المكان، أو مع شهود عيان، بدون أي مبالغة أو تحريض. لا أريد أن أقوم بالمقارنة بين تعامل الصحف والإعلام الأمريكي مع جريمة الكراهية التي شهدتها تكساس وأوهايو وراح ضحيتها 29 شخصا، وتغييب الإعلام المصري عن المتابعة بالخبر والتحليل وبالصوت والصورة عن جريمة (أمس الأول)، لأنها مقارنة، رغم مشروعيتها، ولكنها ستعني انفصالًا عن واقع كلا البلدين. والحقيقة أن أسوأ ما يهدد مصر هو قناعة البعض بأن الشفافية والوضوح يضران بأمن البلاد، في حين أن أكبر ضرر يمكن أن يصيب هذا البلد هو التعتيم وسوء الإدارة والأداء، وهذا التبلد النادر في الإحساس بغالبية الناس، حتى بدا ما يعانيه ويطمح له أغلب الشعب في وادٍ، وما يطرحه البعض في وسائل الإعلام في وادٍ آخر. قضية بناء دولة المؤسسات، ومواجهة حالة شبه الدولة، أمرٌ لا يتعلق فقط بخطر الإرهاب، كما يؤكد الخطاب الرسمي، وهو محق، إنما أيضا سوء الأداء وغياب الرؤية الإصلاحية وعدم الثقة في المجتمع ومساعدته في بناء دولة قانون على إخراج أفضل وليس أسوأ ما فيه. صحيح لو كان هناك في مصر أعظم رئيس وأكفأ حكومة فلن تحل مشاكل الإهمال والفساد في يوم أو شهر أو سنة، في الوقت نفسه فإن تحقيق أي تقدم اقتصادي لن يتم إلا ببناء الثقة بين الدولة والشعب، وعبر نظام متكامل من الشفافية والمصارحة.»
لا وقت نضيعه في البكاء
أما زميله محمد أمين في «المصري اليوم» فتناول الموضوع نفسه قائلا: «الصور التي شاهدتُها أمس لمعهد الأورام بعد الحادث الأليم كانت رسالة بأن مصر لا تموت.. فقد تم نصب «السقالات» على الواجهة بالكامل، لإصلاح ما أفسده الإرهابيون.. الرسالة ببساطة تقول: لا وقت نضيعه في البكاء.. فهذا وقت العمل والبناء. فلم تنتظر الدولة بعد العيد، ولم تنتظر المناقصات.. صدر قرار الإصلاح، فتم تكليف شركة المقاولون العرب في الحال. ففي موقع الحدث مباشرة، وصل رئيس الوزراء، ومعه وزراء التعليم العالي والصحة والتضامن.. حضرت الدولة لا لتبكي على الشهداء، ولا لتذرف الدموع على المصابين.. ولكن لكي تعيد البناء، فلا تنتظر المواساة ولا التبرعات. الدولة تتحرك، ثم يكون ما يكون بعد ذلك، وكان بإمكان الدولة المصرية أن تترك معهد الأورام ليكون شاهدًا على المجزرة قبل عيد الأضحى. أظن أن حالة تتابع حضور المسؤولين لموقع الحدث، معناها أن التكليفات صدرت، بغض النظر عن الإجراءات الأمنية ونتائج تحقيقات النيابة.. وفي الليل تمت إزالة آثار العدوان وتركيب السقالات.. وصحونا على بداية أمل بأننا قادرون، مهما أراد منا العملاء والخونة، وكأن مصر لا تريد أن يراها أحد متشحة بالسواد، وكأن مصر لا تريد أن تعطي فرصة للعدو كي يفرح. فقل ما شئت في معالجتنا الإعلامية، وقل ما شئت في التغطية الصحافية.. شيء لا يمكن تجاوزه ولا نسيانه.. لكنه كاشف عن «حالة ارتباك»، لم تكن على قدر العقلية التي أدارت مشهد الإصلاح، وحوّلت الركام إلى «لحظة أمل».. وكانت «المقاولون العرب» اليد التي تداوي الألم، وكان الأطباء أيضًا يعطون دروسًا في الوطنية ودعم المرضى، واستمرار التشغيل رغم المعاناة. ولا يعني أن الحكومة تحركت أن نتجاهل حملة التبرعات، أو نُغفل الدعوات الشعبية لدعم معهد الأورام.. فقد انتفض الشعب ليساعد بجنيهات قليلة، أو ليتبرع بالدم للمصابين، بدون أن ينتدبهم أحد.. وبدون أن يتلقوا دعوة من أحد.. هكذا هم المصريون في الأزمات، وهكذا هي مصر.. لا تسقط ولا تركع ولا تنكسر.. مصر كانت تتلقى العزاء، ولكنها قدمت درسًا في البناء. لا أتوقف الآن عند المواجع، وإنما هناك رأي لتلافي مثل هذه الحوادث مستقبلًا.. فهناك اقتراح من الدكتور محمد شتا بإعفاء كاميرات المراقبة من الرسوم الجمركية، وكافة أنواع الضرائب، كي يسهل على المواطنين شراؤها، كي نزرع بها الشوارع والبلكونات والمحال، لرصد وتتبع أي إجراء أو أي نشاط إرهابي إجرامي، وذلك وفق أسلوب علمي يحدده المختصون. باختصار، الشعب الذي كان يبكي الضحايا، أمس، هو الشعب نفسه الذي يبني معهد الأورام، اليوم.. وهو الذي يضرب المثل على إرادة المصريين.. وهو الذي لم ينتظر بعد إجازة العيد، ويسابق الزمن لإعادة افتتاح المعهد من جديد.. هو الشعب نفسه الذي لا يريدك أن تراه متشحًا بالسواد.. إنها مصر».
لماذا اللوم؟
وفي «اليوم السابع» أبدي رئيس تحريرها التنفيذي أكرم القصاص ضيقه من الهجمات والانتقادات التي تعرضت لها وزارة الداخلية والإعلام وقال: «لا مانع إطلاقا من أن نبدي الغضب من تأخر إعلان بيان رسمي أو أن نلوم إعلاما ليس على مستوى الحدث. فقط يفترض أن يأخذ الواحد نفسا ويعطي نفسه وغيره فرصة للتفكير، نحن أمام تفجير غير طبيعي، وجهات الأمن لا يفترض أن تستبق الأحداث، وتصدر حكما قبل أن تعمل وتبحث وتحلل. وارد أيضا أن تكون هناك معلومات أولية متضاربة، وهو أمر يحدث في كل العالم المتقدم، الذي ينبهر به خبراء العمق العميق على صفحاتهم، ففي أي حادث تصدر الجهات بيانا أوليا، ثم تأخذ وقتا قبل أن تعلق بعض الحقائق، ومع أن الخبراء لدينا يشعرون بالدونية والانبهار أمام الخارج، فهم يمارسون الاتهام والادعاء قبل أن تظهر أي معلومة. رأينا صحافيين وإعلاميين يصبون لومهم على زملائهم، مع أنهم أيضا صحافيون يعانون من ما يعانيه زملاء لهم، بل هناك صحافيون استمروا يعملون طوال الليل وجزء من النهار لينقلوا ما يحدث في مواقعهم وصحفهم، كل منهم قام بدوره، بينما آخرون يجلسون ليمارسوا الادعاء ويروجون تحليلات وادعاءات خالية من أي شيء سوى البلبلة. طبعا هناك من يبدأ في محاسبة الأمن على تقصير وهمي، وهؤلاء يرون ما يجري في العالم من حولهم، وأن الإرهاب عمل مفاجئ يقوم به جرذان مغسولو العقول، وفي دول أخرى لا تواجه ما نواجهه من إرهاب واسع، نراها تقع في أعماق الارتباك مع هجمات أقل وأضعف مما نواجهه بشكل مستمر».
علمني الصيد
مايسة عبد الجليل في «الأخبار» أشارت إلى تزايد نسبة الفقر وجهود الحكومة لمكافحته وسياستها في تحصيل الضرائب وقالت: «يحكي أنه في إحدى زيارات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للصعيد، قام أحد العمال وأعطاه لفافة من البصل والعيش والجبن، في إشارة واضحة إلى صعوبة الحياة والأوضاع المعيشية هناك، فأجابه ناصر رسالتك وصلت، وعمد إلى محاولة تحسين أوضاع الصعيد، بتحديد حد أدنى للأجر اليومي بـ25 قرشا. وطبقا لإحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فما زال الصعيد هو الأفقر. الأهم من منطلق علمني الصيد ولا تعطني سمكة، فإنه لابد من وضع خطة لتحويل تلك القرى إلى قرى منتجة، على غرار ما كانت عليه دمياط والحرانية والمحلة الكبرى وغيرها، وعندها لن نجد وزارة المالية تفخر بزيادة حصيلة الضرائب إلى 660 مليار جنية بزيادة 17٪ لتغطي 70٪ من موازنة الدولة، بل ستفخر أن ميزانيتنا من عائد إنتاجنا وصادراتنا، وعمل ايدينا، وليس من اللحم الحي».
حل اللغز
وفي «الأهالي» قام الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع اليساري ووزير التموين الأسبق بحل لغز زيادة الإنتاج، وفي الوقت نفسه تزايد نسبة الفقر، التي أعلن عنها الجهاز المركزي للتعبئة، وقال في جريدة الحزب «الأهالي»: «أعلنت وزارة التخطيط مؤخرا أن معدل نمو الناتج المحلي قد ارتفع إلى 56٪ في عام 2018/19، كما أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن الفقر في بر مصر قد اتسع إلى 325٪ في عام 2017/18 بالمقارنة بـ 278٪ في 2015/16. لتفسير هذا اللغز الذي قد يوحى بتضارب الأرقام، نعود إلى أصل المسألة، فالتغير في نسبة الفقر في أي بلد يتوقف على عاملين هما، تغير معدل نمو الدخل، وتغير درجة العدالة في توزيع الدخل على وجه التحديد: كلما ارتفع معدل نمو الدخل انخفضت نسبة الفقر. وكلما انخفضت درجة العدالة «أي زادت درجة اللامساواة» في التوزيع ارتفعت نسبة الفقر، وبالتالي لا بد أنه خلال الفترة 2015- 2019 زادت درجة اللامساواة في توزيع الدخل بحيث أضاعت الأثر الإيجابي لارتفاع معدل نمو الدخل، فكانت المحصلة هي ما كشفت عنه الأرقام، من ارتفاع كبير في نسبة الفقر، رغم ارتفاع معدل النمو الاقتصادي، وقد يكون النمو السكاني السريع من أسباب ارتفاع معدل الفقر، ولكنه سبب من الدرجة الثانية فمعدل نمو السكان في مصر 23٪ سنويا، في حين بلغ معدل نمو الاقتصاد 56٪، ما يعني أن متوسط دخل الفرد قد زاد المشكلة. إن زيادة الدخل تركزت في فئات الدخل المرتفع، ما يعني ازدياد درجة اللامساواة في توزيع الدخل، فالسياسة النقدية أخذت بتعويم الجنيه، فأطلقت نيران التضخم على خلق الله، ثم رفعت سعر الفائدة لاحتواء التضخم، فأضرت بالإنتاج وبفرص العمل، والسياسة الضريبية خففت عن كاهل الأجانب والأغنياء، وأثقلت كاهل متوسطي الحال ومحدودي الدخل، وسياسة الاستثمار ركزت على العقارات والتطاول في البنيان وسياسة التجارة فتحت الباب على مصراعيه للاستيراد، وقد اعترف رئيس الجمهورية نفسه بالضغوط التي تعرض لها المصريون، فشكرهم على طول صبرهم وقوة تحملهم، وأطلق برنامج «حياة كريمة» الذي يوفر مظلة حماية اجتماعية بقيمة 3277 مليار جنيه في موازنة 2019/20، ولكن هل هذا هو الحل؟ بالقطع لا، وبدلا من إصرار الحكومة على سياسات تخلق الفقر بإدعاء الإصلاح ثم تمد الحماية الاجتماعية لمن أفقرتهم لا بد من تغيير جذري في السياسات».
الحياة الكريمة
وفي «الوفد» أشاد رئيس تحريرها وجدي زين الدين بجهود الحكومة الاقتصادية ونجاحها، إلا أنه طالب بتحقيق تقدم مماثل في مجال الحريات وقال: «الحرب من أجل التنمية والجميع يلمس ذلك على أرض الواقع، فالمشروعات العملاقة في كافة المناحي شاهدة على ما نقول، وهذا الملف يهدف بالدرجة الأولى إلى توفير الحياة الكريمة للمواطنين، إلى جوار الأمن والأمان، والذين يتذرعون بوجود ارتفاع في الأسعار كلنا يشهد حاليًا الحرب الضروس التي تقوم بها الدولة، من أجل توفير السلع بأسعار مناسبة، وقد شهدت الأسواق خلال الأيام الماضية انخفاضًا في كثير من السلع، يكفي الدولة أن تقوم بالحرب على الفساد والإرهاب، ومن أجل التنمية، ولابد للحكومة أن تكون مواكبة لقرارات الرئيس السيسي في كل هذه الحروب، وهذه الملفات هي التي قامت من أجلها ثورة 30 يونيو/حزيران، ولابد من تحقيق مبادئ ومقررات الثورة، حتى يشعر المواطن بالتغيير في حياته من كل شيء، سواء من ناحية الحرية أو الديمقراطية أو الحياة الكريمة».
«ويل للمطففين»
يعتقد عباس الطرابيلي في «الوفد» أن لجوء كل شركات تعبئة وتجهيز المواد الغذائية إلى تصغير العبوات فيما يصنعون.. هو جريمة كبرى باتت كل الشركات ترتكبها، بداية من عبوات المواد الغذائية إلى تعبئة زيت الطعام، إلى كل البقوليات.. وامتدت الجريمة أيضاً إلى محلات الحلويات الشرقية، ومنها من ابتدع لعبة كتابة الوزن على العبوة بقوله «الوزن قايم». وهذه الجريمة هي الوجه الآخر لتقليل العبوة.. بعد أن خرجت حكاية الأسعار إلى العلن وأن الدولة «لا ترى» التدخل في تحديد أسعار السلع الأساسية بحجة حرية التجارة. والدولة هنا: لا هي وضعت هذه التسعيرة.. ولا هي ألزمت التاجر بوضع سعر السلعة عليها. ومن هنا بات كل تاجر يفعل ما يشاء.. والمضحك أن الدولة تقف متفرجة. فهل تاجر التجزئة أيضاً مسؤول عن هذا الغلاء المشترك.. نقول ذلك لأن بعض تجار الفاكهة يعمدون إلى عمل عبوات في أطباق ويبيع لك العبوة.. فإذا سألته عن وزنها هز رأسه قائلاً: هي جاءت لي هكذا.. وإذا قمت بوزنها وجدتها تدور حول 800 و900 غرام، وليس 1000 غرام، أي كيلو بالتمام والكمال، والتاجر هنا يربح مرتين، مرة بزيادة السعر وأخرى بتقليل العبوة.. ويا ليت هذه العبوات سليمة ـ من الداخل- كما تبدو من الخارج، إذ يعمد إلى نظرية «وش القفص» أي الجميل والطيب يضعه على الوش، وفي الجوانب، وما بينهما، أجارك الله. هنا هل نطالب وزارة التموين ومعها وزارة الداخلية بالتشدد في ضرورة وضع سعر السلعة عليها، وفي حملات لضبط الموازين أي الكيلو يجب ألا يقل عن كيلو.. أليس ذلك يستوجب من المسؤولين أن ندمغ المتلاعبين بقول الله سبحانه وتعالى «ويل للمطففين».. أم يستجوب ذلك أن نطوف بهم في الأسواق ونقوم بتجريسهم لعبثهم في الأوزان والمكاييل. وقد رفع المستهلك الراية البيضاء تماماً وأصبح يقبل بالأمر الواقع، ولكن المؤكد أن التجار ـ وقد رأوا تقاعس الدولة عن ضبط الأسعار، وحماية الموازين، قد تمادوا في جرائمهم، وإذا كانت الدولة ملزمة باتفاقيات دولية بحماية حرية التجارة.. فماذا عن جمعيات حماية المستهلك، ونحن نسمع عنها كثيراً، بدون أن نرى لها جهداً لا في مراقبة الأسعار ولا في حماية الأوزان.. فهل يا ترى هذه الجمعيات عندنا تؤدي دورها، كما تؤديه مثيلاتها لدى غيرنا من البلدان.
ولما كان المصري ضعيفاً أمام قاعدة مقاطعة أي سلعة يحدد التجار سعرها.. فهل نمتنع عن شرائها؟ أم كلنا «همنا على بطننا» وعلى المتضرر وحده الدعوة إلى الله ضارعين إليه سبحانه، أن يهلك كل جشع من التجار.. فما بالنا بكل تاجر حرامي يسرق من كل عبوة ما يشاء؟».
حكم الدستورية في عقد الإيجار
«حكم المحكمة الدستورية الذي صدر منذ فترة بتوريث عقد إيجار المحلات لمرة واحدة هو حكم تاريخي، وصدر في توقيت البسطاء في أمس الحاجة إليه، لكي يخرس البرلمانيون الذين أعدوا مشاريع قوانين لطرد المستأجر، سواء للمحلات أو للوحدات. حكم الدستورية، في رأي علاء عريبي في «الوفد»، يجب أن يضعه نواب البرلمان صوب أعينهم، وعليهم أن يقوموا بتعديل المواد التي وضعوها في مشاريعهم التي تقضي بطرد المستأجر بعد خمس سنوات.
وقد رفضت المحكمة الطعن المقدم ضد المادة التي تنص على «إذا كانت العين مؤجرة لمزاولة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني أو حرفي، فلا ينتهي الحق بموت المستأجر الأصلي طبقا للعقد، ويستمر لصالح الأزواج والأقارب، حتى الدرجة الثانية، ذكورا وإناثا من قصّر وبُلّغ، يستوي في ذلك أن يكون الاستعمال بالذات أو بوساطة نائب عنهم. سبق وكتبنا هنا أكثر من مقال تصدينا فيها لهذه المشاريع، التي تزرع الفتنة وتشرد الأسر البسيطة والفقيرة، العقود يجب أن تمتد لأحد أبناء المستأجر، لكي نحافظ على الأسر، في المقابل يجب أن نرفع القيمة الإيجارية بما يتوافق والسوق، حسب: المساحة، المكان، الحي، المهن، وليس من المعقول أن نساوي بين مكتب بريد ومحل سباكة في القيمة الإيجارية، ولا بين محل لبيع الملابس في وسط المدينة ومحل مماثل له في حارة أو شارع في منطقة شعبية.
كما يجب أن لا تقل القيمة الإيجارية عن ألف جنيه في الأحياء الشعبية و3 آلاف جنيه في الأحياء الأخرى، وقد نبهنا هنا من قبل إلى نسبة الزيادة، خاصة أن مشروع القانون الخاص بالوحدات غير السكنية الذي قدم للبرلمان منذ أسابيع، حدد الزيادة بنسبة 500٪، وهذا يعد ظلما للمالك، لأن أغلب المحلات والوحدات المستأجرة للهيئات الحكومية لا يزيد إيجارها على 60 جنيها، ما يعني أنها ستسدد بعد تطبيق القانون 300 جنيه، وهذا مبلغ زهيد ولا يساوي قيمة الورق الذي طبع عليه مشروع القانون، ناهيك عن تكلفة الجلسات التي عقدت لصياغته، ومناقشته في الحكومة، وتكلفة الجلسات التي ستعقد لمناقشته وإجازته في لجنة الإسكان وفي اللجنة العامة في البرلمان. حكم الدستورية لم يتناول القيمة الإيجارية، فقط اختص بامتداد العقد للابن أو الابنة لمرة واحدة، لهذا يجب على الحكومة أن تعيد النظر في القيمة الإيجارية للأبناء، وهذه بداية جيدة يمكن أن نعيد فيها الحق للمالك».
مشاكل المنظومة الطبية
محمد صلاح البدري خصص مقاله في «الوطن» عن كليات المنظومة الطبية وقال فيه: «بعض الأخبار التي نقرأها في الصحف كل يوم أو نسمع عنها في وسائل الإعلام المختلفة يمكنك بواسطتها أن تستوعب ما يجرى حولك من تغيير.. ويمكنك بسهولة أن تتلمس فيها ملامح الوطن الجديد الذي يتم بناؤه كل يوم.. بل كل لحظة.. ففي ظل كل المشاكل التي تحيط بالمنظومة الطبية في هذا الوطن، تبدو لنا تلك الأنباء حول تقييم القوى البشرية التي تتخرج في كليات المنظومة الطبية وإعادة تحديد الأعداد بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.. تبدو كبارقة أمل من الحكومة، لنبدأ عهداً جديداً من التخطيط الاستراتيجي السليم في هذه المنظومة التي عانت كثيراً. ففي ظل تواتر الأنباء حول زيادة في أعداد المقبولين في كليات الطب هذا العام، وانخفاض في أعداد المقبولين في كليات الصيدلة وطب الأسنان.. يبدو جلياً أن هناك من يحسب الأعداد المطلوبة.. ويحاول توفيرها كما هو متبع في معظم دول العالم المتحضر. والواقع أن التخطيط الفعال للموارد البشرية هو الخطوة الأولى المطلوبة للتخطيط السليم.. والبداية الحقيقية للتعامل مع المشاكل المزمنة، التي يأتي على رأسها حساب القوى البشرية. المشكلة هنا هي أن زيادة أعداد المقبولين في كلية الطب، قد يأتي على حساب التعليم الطبي السليم.. فكليات الطب في مصر تعاني منذ فترة من التكدس في أعداد الطلاب.. الأمر الذي يمنع أي تعليم طبي حقيقي يهدف إلى إكساب المهارات الإكلينيكية.. بالإضافة إلى عدم تحديد التكلفة الحقيقية لتعليم الطالب.. وتباين مستوى الخريجين بين الكليات المختلفة، بسبب عدم وجود توحيد قياسي لمستوى الخريجين.. كل ما سبق هو مشاكل موجودة بالفعل.. وزيادة عدد المقبولين في كليات الطب بدون وضع حلول لتلك المشاكل سيؤدي إلى تفاقمها.. وسيهدم أي نوع من التخطيط الاستراتيجي الذي تسعى إليه الحكومة.. وعلى الرغم من الخطوات المهمة والجيدة التي اتخذها القائمون على التعليم الطبي مؤخراً في النظام الجديد لكليات الطب.. بالإضافة إلى نظام تجديد ترخيص مزاولة المهنة للأطباء، الذي لم يتم تطبيقه حتى الآن لسبب لا أعرفه، إلا أن التوجيه بإنشاء كليات جديدة – حكومية وخاصة على السواء – بات ضرورياً لاستيعاب تلك الأعداد.. وتحسين التعليم الطبي في مجمله.. الفكرة أن إنشاء كليات جديدة للطب ليس أمراً سهلاً في أي حال.. فكلية الطب دون غيرها من الكليات لا يمكن إنشاؤها أو استقبال طلبة فيها، بدون وجود مستشفى جامعي يمكن للطلبة فيه الحصول على التدريب الذي يحتاجونه.. ويمكنهم من استكمال دراستهم في الأقسام الإكلينيكية فيه.. وهو أمر ليس بالهين بالطبع.. وتكلفة إنشاء مستشفى جامعي تختلف اختلافاً جذرياً عن تكلفة إنشاء كلية.. الأمر الذي يجعل الكثير من الجامعات الخاصة تحجم عن إنشاء كليات للطب البشري.. ويجعلها تتجه لكليات الأسنان والصيدلة.. أعتقد أن اقتراحاً أن يتم التعاقد مع بعض مستشفيات وزارة الصحة لتقوم بهذا الدور للجامعات الخاصة.. على أن يتم التعاقد بين وزارة الصحة والجامعة لتتحمل الأخيرة تكلفة تجديدها وتجهيزها بالأجهزة المطلوبة.. مقابل أن يتم تدريب الطلبة فيها في المرحلة الإكلينيكية.. الأمر سيوفر الكثير من المطلوب للبنية التحتية لمستشفى جامعي.. وسيوفر لوزارة الصحة تمويلاً جيداً لتجديد وتجهيز مستشفياتها.. وسيخفف من التكدس الموجود بين طلبة الطب.. ويسمح للجامعات الخاصة بأن تنشئ كليات جديدة.. الاقتراح بين يدى المسؤولين عن هذا الملف لدراسته وتقييم نتائجه.. التي أرجو كما يرجو الجميع أن تسهم في تطوير تلك المنظومة الحيوية».