1
لا تسير في الشارع إلا وتتعثر بالجثث. لقد أصبح الشارع العربي، ليس فقط مزدحما بالحواجز، ولكنه صار مزدحما بالجثث. (هل الجثث أشجار جديدة في حياتنا). فنحن نأخذ (لكي أقول نشهد) على شوارع الأرض الفلسطينية المحتلة، كثرة الحواجز الإسرائيلية في طرقات الأراضي الفلسطينية، المفترض أن تكون دولة فلسطين، (تلك الحواجز تضاعف عدد الجثث هناك). صار علينا أن نصادف حواجز أكثر في المدن العربية. ويتوجب للذين يحاربوننا الآن بإسرائيل، بوصفها الصديق، التريث الآن، بعد عقود من مجابهة أحلامنا بإسرائيل بوصفها العدو، وهم يتقاتلون الآن سباقا نحوها. كلما ضعف الإنسان قوي الوحش.
2
عندما بدأت تلك التفجرات الاجتماعية، التي ظهرت منذ سنوات، تعلن عن نفاد صبرها على ظلم الحكم التاريخي لذوي القربى، والإعلان عن رغبتها المشروعة في التحرر من ربقة الحكم (الوطني)، الذي جاءت بهما حركتان: التحرر والاستقلالات العربية، بعد مرحلة الاستعمار. الحركتان، باجتهاداتهما المتمايزة، منحتا البلاد العربية وشعوبها، أكثر الأنظمة جهلا وتخلفا واستغلالا، (لستَ بحاجة لأن تكون شاعرا لكي تدرك أننا في الحضيض الحضاري).
وبعد أن قبلت الشعوب العربية بأهون الشرور، بعد الاستعمار الأجنبي، وجدتْ نفسها تحت حكمٍ جائر، يتحول باتجاه المزيد من الظلم والاستعباد، مرفودا بجهلٍ يتضاعف ويتورم ولا يندمل.
3
هل جاءت حركات التحرر بحكمٍ يتألف من العناصر الفقيرة المتخلفة، ذات العقد الاجتماعية المركبة، كما جاءت الاستقلالات بعناصر القبيلة لتواصل طريقة الحكم القديم للقبيلة، وتحكّم الطائفة في حياتنا الجديدة؟
إذا كان هذا السؤال مشروعا، في سبيل المعرفة، فهو مكروهٌ، في سبيل الحقيقة. كنا نظنه الطريق الملكية نحو الحرية، صار طريقة مزروعة بالاحتمالات المريرة من التجارب. يبقى أن نفكر كيف أن شعبا أعطى أكثف تجارب النضال، وآلاف الشهداء، والعديد من التضحيات الباهظة، يمكن أن يقع في حبائل نظام يتناسل بالجهلة والمستغلين والأوغاد وتجّار السياسة؟ (ليس للشعر سلطة على الواقع. الواقع يجعل الشعر ضربا من الوقيعة).
وإذا كان ذلك الافتراض ممكنا، يجوز لنا أن نتوقع ما تذهب إليه الشعوب، باحثة عن كرامتها وحقوقها وحرياتها، في شباك معقدة من محترفي السياسة (هكذا أصبحوا مع التجربة)، المتشبثين بسلطاتهم ومصالحهم، بدون اكتراث بالمواطنين الذين قدموا (ولا يزالون) التضحيات، ساعين لتحقيق الأحلام في أوطانهم.
4
لكنك سوف تتعثر الآن بالجثث، التي يبعثرها عنف السلطة، في شوارع البلدان نفسها، التي بذلت الغالي والرخيص من أجل تحرير وطنها، من براثن الاستعمار الأجنبي الذي كان ينهب ثرواتها. جثثٌ، ليست أكثر موتا من مواطنين ما زالوا يعيشون في دوامة الحياة المريرة. وصار علينا التثبت من مواقع أقدامنا في الشارع، الزاخر بالدماء العربية التي صار الجزارون العرب (بالاجتهادات الشتى) يتفننون في سفكها. لسنا في أوهام الفراديس المنتظرة، التي يعدنا بها الحاكمون، وليست دور العبادة أوكارا لمحترفي وتجار الأديان لتعطيل الحياة في حياتنا. أعني، لا نريد لذلك أن ينطلي علينا.
5
من ذاكرة (انتماءات) القرن العشرين:
(الشارع العربي يكسر قلب عبد الماء
والمدن الغياب وسيعة
ضاقت بمن فيها
نوافذ هذه الأرض الطريّة تستوي حجرا
فلا تتكسّروا
للأرض ألفُ طريقة كي تولدوا
فهنا الدقائق ليس في يدها مفاتيح القصائد
قلب عبد الماء مائيٌ، ورملٌ مُولعٌ
والأرض تطلع في القصائد مثل وشمٍ،
فاكتبوا عن عشقها السري
لا ماتت
ولا عرف العساكرُ سرها
قُتلتْ
وها تمشيُ فلا تتأخروا.
سيُطل،
تعرفه البحارُ
وتعشق الأرضُ اضطرابَ يديه.
قبل دقيقتين ثقيلتين سيبدأ التكوينُ
تعرفه القواقعُ والسواحلُ
تهجس الأحجار: «سوف يجيء»
هذا الواسع المنزوع من شفقٍ
«يجيء..»
وتهمس الآفاقُ،
هذا النافر المجبول من قلقٍ
يغيم الواضح المألوف في العينين
أحيانا
٭ شاعر بحريني
مقال جيد، ولكن كم من رجال الحظائر الثقافية العربية يؤمنون بمضمونه، وقد استغرقتهم المنافع والمصالح الشخصية؟ إنهم يزورون التاريخ والجغرافيا إرضاء للجنرالات والمناشير. للأسف لم يعدهناك شعر أو نثر يواجه ماسورة الدبابة الغبية الجاهلة !