نقلت جائحة كورونا موضوع التعليم المدرسي عن بعد إلى الواجهة.. نقاشا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات التربوية، خوفا وقلقا من قبل أولياء الأمور، تهجما ونقدا لاذعا من قبل بعض الإعلاميين، وترحيبا غير متمعن ومتوازن من قبل مشجعي الموضات والصرعات باسم الحداثة والعصرنة.
ولأن هذا الموضوع سيبقى الشغل الشاغل حتى بعد انقشاع الجائحة، ولشدة الخلافات من حوله، أصبح ضروريا مواجهته بموضوعية وهدوء وعلمية، وبدون ارتكاب أخطاء في التطبيق قد تؤدي إلى الإضرار بعملية التعليم والتعلم، وبمستقبل الجيل القادم. ونحن هنا نشير إلى التعليم المدرسي عن بعد وليس الجامعي، إذ أن الأخير يختلف في الكثير من التفاصيل عن الأول ويحتاج إلى معالجة مستقلة.
التعلم المدرسي عن بعد، سيكون بارزا وضروريا كمكمل للتعليم المدرسي عن قرب، وليس كمتصارع معه
دعنا نؤكد أن التعليم المدرسي الصفي القديم، الذي يراد تغييره وزحزحته من خلال التطبيقات التكنولوجية الحديثة لم يكن مثاليا، وقد تعرض عبر القرون إلى انتقادات شديدة لكل جوانبه النظرية والتطبيقية، وإلى عدم الرضى بنتائجه الثقافية والقيمية والعلمية وبنوعية خريجيه، ولذلك فهو بحاجة إلى إصلاحات جذرية كبرى في مناهجه وطرق تعليمه ونوعية معلميه وأساليب تقييمه للطلبة. ولأن الحكومات والمجتمعات ارتكبت الحماقات بالنسبة لسيرورة وجودة التعليم المدرسي الكلاسيكي عن قرب، فان لديها القابلية أن ترتكب الحماقات بالنسبة للتعليم عن بعد أيضا. دعنا نؤكد أيضا أن العالم متوجه في المستقبل نحو العمل عن بعد في كثير من المجالات، ونحو ترسيخ وتجذير التواصل الاجتماعي عن بعد، ونحو استعمالات مكثفة للإنسان الآلي وللذكاء الاصطناعي. وبالتالي فإن المدرسة لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن تلك الثورة الهائلة، التي ستكون لها تأثيراتها البالغة على نوع الأبنية المدرسية، وعلى المناهج، وعلى أساليب التعليم، وعلى عملية التقييم، وعلى التعامل مع مصادر المعلومات، وعلى نوع المعلمين المطلوبين، وعلى الأدوار التي ستلعبها العائلة إلخ.. لكن ذلك لن يعني اختفاء المدرسة القديمة، تركيبا ومحتوى وتفاعلات بين الطلبة ومدرسيهم وبين الطلبة أنفسهم، وإنما سيعني أن حضور التكنولوجيا التعليمية، وبالتالي التعلم المدرسي عن بعد، سيكون بارزا وضروريا كمكمل للتعليم المدرسي عن قرب، وليس كمتصارع معه. الاتفاق على هذه المعادلة ضروري جدا، لأنه سيرسم خطوات كل الإصلاحات الضرورية في المدرسة القديمة من جهة، وسيعقلن إدخال التكنولوجيا من جهة أخرى. إذا لم نواجه هذا الموضوع بذلك الشكل فعلينا الاستعداد لمواجهة التالي:
1- إحداث تغييرات جذرية في العائلة العربية. فالأم، المرشحة للإشراف على أولادها الذين سيتعلمون عن بعد من البيت، ستحتاج أن تترك عملها للتفرغ لهذه المهمة. وإذا كانت غير عاملة فستحتاج إلى تدريب تربوي وتكنولوجي يؤهلها للقيام بتلك المهمة. أما إذا كانت هناك حالة طلاق في العائلة، فإن الأمر سيكون أعقد وأصعب.
2- ماذا عن غياب التفاعل الاجتماعي والثقافي ما بين الطالب ومعلميه وزملائه في الصف والمدرسة، الذي سيختفي نهائيا إن تعلم الطالب من بيته؟ ألن تكون نتائج ذلك الغياب كارثية بالنسبة لتنشئة شخصية الطالب الذهنية والعاطفية والروحية والاجتماعية؟ هل العلاقات الأسرية الحديثة قادرة على أن تسد هذا النقص؟ هل البرامج التلفزيونية والتواصل الاجتماعي الإلكتروني قادر على أن يحل محل المدرسة والصف؟ الجواب على هذه الأسئلة هو حتما كلا.
3- لقد لوحظ إبان غياب الطلاب عن مدارسهم زيادة في قلقهم العاطفي والنفسي. أما المعلمون الذين سئلوا عن مقدار رضاهم بما حدث، فإن غالبيتهم الساحقة أكدوا أن غياب التفاعل الصفي سينزل مستوى التعليم والتنشئة بصورة كبيرة خطرة.
4- إن أهم مساعدة للفقراء هو إعطاؤهم من بدايات التعليم المدرسي تعليما جيدا وتنمية للذات، من أجل حراكهم الاجتماعي المستقبلي، للخروج من حالة الفقر، فهل أن حاجتهم الغذائية وأوضاع عائلاتهم المنهكة والجاهلة، وإمكانيات ذويهم المالية المحدودة ستكون قادرة على تلبية متطلبات التعلم المدرسي عن بعد؟
هناك في الواقع عشرات الجوانب التي ستحتاج إلى معالجة، ما يستدعي معالجة هذا الموضوع بهدوء وعقلانية، ومن خلال مصلحة أولاد وبنات العرب فقط، وليس من خلال تهويمات المتطفلين على حقل التربية والتعليم العربي.
كاتب بحريني
مقال موجز لكن بلا شك عقلاني هادئ هادف في خضم تهافت النخب والانجراف بدون درايه وخبره للموضات البراقه التي ستعزز يتعميق الفجوه والتفاوتات الاجتماعيه والطبقيه.
نوافقك الرأي استاذنا الكبير. ما أجمل أيام الدراسة عن قرب والتعلم من أساتذة كبار مثلك
الانسان هو صانع التقدم و التعليم هو صانع الانسان و في هذا تتفاوت الامم و الدول
الدول و الامم المتقدمة هي التي تعطي التعليم الاولوية الاولى قبل العسكر و الشرطة و الرئاسة و الاعلام و يلي التعليم في الاولوية الصحة و الزراعة