إسطنبول ـ «القدس العربي»: لو لم تقع التطورات الأخيرة في شمال العراق بسيطرة «داعش» على الموصل وغيرها من المناطق العراقية التي كانت تحت سيطرة الجيش العراقي وحكومة المالكي، لأمكن القول بأن العلاقات التركية الايرانية قد دخلت في مرحلة جديدة بعد زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني في الأيام القليلة الماضية، والتي تركز فيها نجاح العامل الاقتصادي على العامل السياسي، على امل ان يأتي التقارب السياسي بين البلدين نتيجة تطوير العلاقات الاقتصادية التي يتوقع لها ان تصل إلى 30 مليار في السنوات القليلة المقبلة.
ولكن التطورات الأخيرة في شمال العراق سوف تفتح الأبواب على مصراعيها على عدة احتمالات ومشاكل، قد يكون من أولها زيادة الخلافات التركية الايرانية، فعلى الرغم من أن تركيا أكثر تأذياً من سيطرة داعش على مدينة الموصل، وفي مقدمة ذلك احتلال داعش لأراضي تركية تتمثل باحتلال مبنى القنصلية التركية في الموصل واحتجازها لطاقم القنصلية البالغ عددهم 43 موظفاً بما فيهم القنصل التركي نفسه، إضافة إلى احتجاز 31 سائقاً من سائقي الشاحنات التركية المتواجدين في الموصل، وبالرغم من صدور قرار من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي يدين عمليات الخطف للمواطنين الأتراك ويطالبون بسرعة الافراج عنهم، إلا ان الحكومة التركية لم تتخذ قرارا حتى الآن بأي عمل عسكري لمواجهة ذلك، وإن كان ذلك من حقها القانوني والسياسي فلها أن تفعل كل ما يكفل سلامة أمنها القومي وسلامة مواطنيها وهم في مهمة دبلوماسية قانونية.
كل ذلك في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الإيرانية بالتدخل العسكري في العراق وذلك بإرسال ثلاث وحدات عسكرية من الحرس الثوري الإيراني إلى العراق، وقامت باستصدار الفتاوى المذهبية الطائفية لمقاتلة من يتحدى حكومة المالكي لأسباب طائفية ضيقة، هذا التوجه الإيراني ترافقه تصرفات مذهبية كبيرة في العراق، فالسيستاني يدعو إلى النفير العام وحمل السلاح والقتال، تأييداً إلى دعوة المالكي المتطوعين الشيعة إلى الانخراط في الكتائب الطائفية بعد انهيار الجيش العراقي، وكذلك دعا مقتدى الصدر إلى تشكيل جيش من المتطوعين لحماية المراقد المقدسة، وكأنه يعيد بناء جيش المهدي تحت ذرائع إعادة بناء الجيوش الطائفية من جديد، فيما عرض بشار الأسد المساعدة على المالكي لوقف انهيار الجيش العراقي، وهكذا يتحرك المحور الإيراني من طهران إلى بغداد إلى دمشق في الاستعداد لمواجهة تهديد بسيط ومؤقت من قبل داعش، مما يكشف عن خطورة كبيرة تتحكم بالعقلية الطائفية التي تحرك سياسات إيران والحكومة العراقية وحكومة بشار السورية.
الحكومة التركية مطالبة في ظل هذه التطورات الصادمة أن تتخذ إجراءات مقابلة، من أولها تأمين ترحيل المحتجزين الأتراك سالمين لأرض الوطن، فهذه خطوة ينبغي ان تكفلها كل الأطراف العراقية السنية والشيعية والكردية التي لها تواجد عسكري في الموصل، فهناك اثنا عشر تنظيما عسكرياً يطلقون على أنفسهم مصطلح الجيش، في مقدمتهم جيش الطريقة النقشبندية الذي يتزعمه عزت الدوري، فهؤلاء امام مسؤولية الحفاظ على المواطنين الأتراك المحتجزين وغيرهم، طالما ان الجيش العراقي النظامي لم تعد له أية سيطرة على الأراضي التي تسيطر عليها داعش او أحد الجيوش المقاتلة على الأرض العراقية الخارجة عن سلطة المالكي.
فإذا ما تحقق بإذن الله نجاة وسلامة المواطنين الأتراك المحتجزين، فإن ترتيبات شمال العراق الأمنية ينبغي أن تكون قضية أساسية بالنسبة للأمن القومي التركي، فنائب رئيس الوزراء التركي بولانت أرينج صرح بعد هيمنة داعش على الموصل بان تركيا لن تسمح للمنظمات الإرهابية أن تسيطر على الأراضي القريبة من تركيا، وهذا توجه إيجابي، ولكن أولا لا بد أن يكون وصف أي منظمة بالإرهابية نابعا عن قرار تركي، وليس بالضرورة أن يكون بالتفاهم والتوافق مع رؤية الاتحاد الأوروبي ولا حتى مع الرؤى الأمريكية، ولكن بما لا يتعارض مع السياسة التركية التي لها رؤيتها الخاصة في التركيبة السكانية للمنطقة تركيا وعربيا وفارسياً وكردياً وتركمانيا وغيرها، فلا يحق لأحد ان ينفرد بتوزيع اوصاف الإرهاب على الأحزاب والمنظمات التي لا توافق سياسته فقط، فهذه السياسة عارضتها تركيا في مثال تنظيم حماس الفلسطيني، فكانت رؤية الحكومة التركية عدم الموافقة على وصف حركة حماس بانها حركة إرهابية مما ميز السياسة التركية بالاستقلالية والاحترام في العالم العربي والإسلامي والعالم.
هذا الموقف في العراق هو اكثر خطورة وأشد حاجة في وصف المنظمات السياسية والعسكرية العراقية بانها إرهابية او غير ارهابية، فلا تملك إيران ولا حكومة المالكي ولا الولايات المتحدة الأمريكية إلصاق تهم الإرهاب على من تشاء، لأنها لا توافق على سياسة إيران او المالكي في العراق، بل إن الأزمة العراقية الحالية لم تأت إلا كردود فعل على سياسات المالكي الفاشلة في العراق، كما اعترفت بذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون في تعليقها على ما حدث، فالمالكي هو الذي دمر الحياة السياسية في العراق، وحال دون إقامة دولة ديمقراطية في العراق بعد خروج الاحتلال الأمريكي منها عام 2011.
والحكومة التركية مطالبة أن تكون طرفاً وسيطاً لكل أبناء الشعب العراقي، وليس مطلوبا منها ان تكون مساندة للأطراف السنية فقط إلا بقدر سعيها إلى إقامة حكومات ديمقراطية وبالطرق السياسية والسلمية، ولكن بعد توفير شروط وظروف آمنة لأحزاب السنة، في ان تدخل الحياة السياسية وهي آمنة على حياتها وعلى تقاسم السلطة السياسية بعدالة ومساواة، وإلا فإن الحكومة التركية مطالبة أن تقف إلى الجانب المظلوم والمضطهد سياسياً، وعليها ان توفر له كل إمكانيات الدعم السياسي بل والعسكري إن تطلب الأمر ذلك، ولكن دون التورط في معارك مع الحكومة العراقية ولا مع الحكومة الإيرانية من باب اولى، وهذا امر ممكن وتستطيع الحكومة التركية القيام به، بدليل نجاحها في التعامل بحكمة مع الأزمة السورية، ولو على مستوى تصرف الحكومة التركية.
والمأمول من الحكومة الإيرانية بقيادة حسن روحاني ان تكون حكيمة اكثر من حكومة أحمدي نجاد، الذي فضل دائماً الحل الأمني والعسكري في العراق وسوريا ولبنان واليمن وغيرها، فلم تأت حكومة روحاني إلا لتجاوز أخطاء نجاد، فلا ينبغي ان يكون الخوف الطائفي هو من يقود التحرك الإيراني فقط، بل لا بد من النظر إلى كل مقومات المجتمع العراقي بكل طوائفه وقومياته ومذاهبه، وانه لا يمكن ان يحكم من قبل طهران فقط، ولا من قبل أمريكا فقط، ولا من قبل تركيا إطلاقاً، بل لا بد ان تكون المشاركة السياسية لكل ابناء الشعب العراقي حقيقية، وعلى دول الجوار ان تساعد الشعب العراقي على ذلك، وإلا فإن نار الحروب الطائفية ستدخل حدود دول الجوار رغماً عنها.
وعلى الحكومة التركية والحكومة الإيرانية أن تعلما ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تعمل ما عليها في العراق أو في سوريا كما يحلو للبعض ان يقول، او كما يصرح البعض الآخر بان السياسة الأمريكية ضعيفة في سوريا والعراق، فهذه نظرة خاطئة، لأن امريكا مستفيدة جداً من الحروب المشتعلة في سوريا والعراق، وغير معنية بإيجاد حلول سريعة، بل هي معنية بتواصل الصراع فيها ولا تمانع ان يمتد ذلك إلى داخل إيران وتركيا وباقي دول المنطقة، فهل تدرك الحكومة الإيرانية بانها مستهدفة بإشعال حرب طائفية تدمر ما تبقى لها من اقتصاد بعد الحصار الأمريكي، وان الحل هو ان تتفاهم دول المنطقة الكبرى وفي مقدمتها تركيا وإيران لمنع دخول المنطقة في حروب طائفية اقليمية إطلاقاً، فالحروب الإقليمية لا تدمر مشاريع الاقتصاد المستقبلية فقط، وإنما تدمير كل ما تم بناؤه من قبل.
محمد زاهد جول
مقال جد جيد،فألف شكر.
يا لها من رومانسیة الدولة الترکیة . . الکاتب تجاهل تجاهلا تاما الجنایات التی ارتکبتها ترکیا بتمریر السلاح و المرتزقة من أراضیها الی سوریة و العراق .