الرباط ـ «القدس العربي»: نظم حزب «التقدم والاشتراكية» المغربي المعارض، مساء أول أمس الخميس، ندوة فكرية حول موضوع «أسئلة فكرية سياسية بين مرجعية الحزب وتحولات الواقع» في أفق التحضير للمؤتمر الوطني الحادي عشر الذي ينتظر تنظيمه خلال النصف الثاني من السنة الجارية.
وشارك في اللقاء أعضاء المكتب السياسي، عبد الواحد سهيل وعبد الأحد الفاسي وعائشة لبلق، ومن تنشيط محتات الرقاص، عضو اللجنة المركزية ومدير جريدة «بيان اليوم».
استخلاص العبر
عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي للحزب، أكد أن كل مؤتمرات «التقدم والاشتراكية» كانت تحظى باهتمام كبير وعناية على المستوى السياسي والتنظيمي، باعتبارها محطة من التاريخ وتحاول استخلاص العبر من المرحلة السابقة واستقبال مرحلة مقبلة مع طرح المهام وتجديدها وتقييم العمل الحزبي.
ويرى سهيل أن للمؤتمر الـ11 أهمية خاصة، على اعتبار أنه يأتي بعد عدد من المؤتمرات التي كان الحزب يساهم خلالها في تدبير الشأن العام، وتابع: «اليوم نحن في موقع المعارضة والحزب في السنوات الأخيرة برز كرقم أساسي في الساحة السياسية الوطنية. كما أن مرحلة 10 سنوات بعد دستور 2011 يجب أن تأخذ عنايتها من التحليل وتطرح على الحزب مهام جديدة وآفاقاً أرحب».
أما عن أهمية وجود الحزب في الساحة السياسية المغربية، فيعتبر المتحدث أنها تنبثق من أمرين اثنين، أولهما يتعلق بالاستقلال الوطني والوحدة الترابية وبناء الدولة الديمقراطية، وهي أمور ما زالت تطرح نفسها، والأمر الثاني مرتبط باختيارات الحزب كأحد العناصر الفاعلة داخل المجتمع، على اعتبار أنه اختار الاصطفاف إلى الطبقة العاملة والكادحين وكل من يحمل فكراً تنويرياً.
«وجود حزب التقدم والاشتراكية ضروري في بلادنا، لأن كل ما سبق ما يزال قائماً وملحاً ويطرح نفسه، عندما وجد الحزب في بداياته، عاش في السرية، وجابَه ظروف القمع ومجتمعاً عليه ضغط استعماري كبير، إلا أنه كافح حتى يكون حزباً قانونيا ًتربى فيه مواطنون مغاربة وتعلموا الاشتغال مع الآخرين، واليوم تلزمه إمكانيات بشرية وتواصلية وأن يَصيغَ سياسات عمومية، وأن يتواجد في البرلمان والمجتمع وغيرها» يقول المتحدث.
وأبرز عضو المكتب السياسي أن الحزب تنتظره أوراشٌ متشعبة ومطلوب من مناضليه الاستمرار فيها بالحفاظ على هويته الأساسية متمثلة في بناء دولة ديمقراطية مستقلة وموحدة، وبناء نظام ديمقراطي واقتصادي واجتماعي وثقافي وسياسي، وترسيخ العدالة الاجتماعية والمساواة، وبناء المغرب متعدد الثقافات، على اعتبار أنها ليست مجرد شعارات، بل مهام يجب أن يشمِّر المناضلون والمناضلات على سواعدهم ليكونوا على موعد مع التاريخ.
«حين شاركنا في الحكومة لم ننسَ من نحن، ودافعنا عن عدد من مبادئنا ونحن في مناصبنا، إذ يجب الاشتغال مع آخرين وإقناعهم حتى يكون صوتنا مسموعاً أكثر، وهذا المراد في المؤتمر الحادي عشر، لأننا محتاجون إلى فهم ما يحدث في البلاد وأن نوجد في قنوات نضال متعددة على جميع المستويات» وفق تعبير المتحدث.
وقالت عيشة لبلق، عضو المكتب السياسي بحزب التقدم والاشتراكية، إن مؤتمرات الحزب كانت تتم وفق السياق الذي يعقد خلاله، مع احترام الرهانات المتعلقة به، وما يترتب على الحزب على أساس تحمل مهامه الوطنية والتاريخية.
وأكدت المتحدثة أن «التقدم والاشتراكية» يقارب خطوة الإعداد للمؤتمر المقبل، بأسلوب جديد، مع مراعاة للظرفية التي فيها مخاوف وانشغالات لما تعرفه الساحة السياسية خاصة مسار البناء الديمقراطي ومجال حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة وأوضاع المواطنين في ظل تداعيات «كوفيد19».
تراجع اليسار وتغول الليبرالية
وأفادت لبلق أن الورقة التوجيهية المؤطِّرة للمؤتمر تروم انخراط جميع المناضلين والمناضلات للمساهمة وخلق نقاش داخلي مفتوح، مبرزة أن الرهان هو تعزيز الهوية اليسارية للحزب وطنياً وإقليمياً وكونياً، على اعتبار أن هناك تراجعاً لليسار أمام تغوُّل الليبرالية، وخلُصت إلى أن المطروح اليوم ليس فقط الحفاظ على الهوية الحزبية، لكن التملك الجماعي للمبادئ والقيم التي يؤمن بها.
أما عن مميزات المؤتمر 11، فترى القيادية الحزبية أنه فرصة لتقييم وضعية الحزب، ولفتت إلى أن بعض القياديين داخل الحزب يعتبرون أن مكان الحزب هو المعارضة على اعتبار أنه كان كذلك طيلة عقود، وتابعت: «ليس بالضرورة، بل للأمر علاقة بحاجة المغرب ومصلحته في أن يكون في الأغلبية أو المعارضة».
ولفتت لبلق إلى أن التجربة مع بن كيران، في إشارة لمشاركة الحزب في حكومة عبد الإله بنكيران، أثارت الكثير من اللغط بسبب تباعد المبادئ «اعتبرنا أننا يجب أن نكون داخل الحكومة لمواصلة النَّفس الإصلاحي، وبعد انقضائه قررنا بقرار داخلي الخروج للمعارضة. الأحزاب لا تموت حين تخرج للمعارضة، والحزب أبان أنه حزب مناضلين ومن موقع المعارضة حقق فريقاً قوياً ونتائج جيدة».
عبد الأحد الفاسي، عضو المكتب السياسي لحزب «التقدم والاشتراكية» لفت إلى أن التحضير للمؤتمر الحادي عشر يتم وفق مقاربة مختلفة تؤطره قوانين ومساطر، لافتاً إلى أنه من المفيد أن يكون هناك نقاش يجمع الرفاق الجدد والقدماء ليخرجوا بفكرة موحدة علاقة بقضايا أساسية، تتعلق بهوية الحزب وسبب وجوده ليعطي مفاتيح لأخذ مواقف لقضايا آنية.
وقال إن مناضلي ومناضلات الحزب مطالبون بمراجعة عميقة لأساليب وطرق الاشتغال، وتابع: «من غير المعقول أن المجتمع يتغير، وتطلعات الشباب تتغير، في حين أن الحزب سيظل يشتغل بطريقته السابقة، من اللازم المراجعة بقدرة على الإبداع».
وأبرز المتحدث أنه من اللازم تعميق الديمقراطية الداخلية وفتح فضاءات النقاش للتعبير، وتدبير الاختلاف، وفي نفس الوقت ضمان وحدة الحزب الذي هو إطار موحد تنظيمياً، ويجب أن تؤطره عدد من القواعد ويتم تملُّكها من طرف المناضلين.
واعتبر عبد الأحد الفاسي أن النقاش الإيديولوجي أساسي بالنسبة لـ «التقدم والاشتراكية» ذلك أنه يعود بنا للأهداف النهائية والمشروع المجتمعي الذي نقترحه ونشتغل عليه «نريد اشتراكية بألوان مغربية ولا نموذج يمكن أن نطبقه بشكل أعمى. فالحداثة لا تعني نوعاً من الاحتقار لماضينا وللحضارة المغربية ولثقافاتنا وتراثنا وديننا، التشبث بهذه القيم منحنا مفاتيح لفهم العديد من القضايا».
في نظر المتحدث، فالإيديولوجية متوفرة، ولا هدنة في الصراع الإيديولوجي، متابعاً: «المرحلة التي ساهمنا خلالها في الحكومة على أساس توافق سياسي وداخل ائتلاف واسع يجمع أحزاباً مختلفة ومرجعيات مختلفة، ربما لم نعطِ الإيديولوجية الأهمية التي كانت تستحق، واهتممنا أكثر بتدبير الشأن العام ولم نهتم بالشكل الكافي بالإيديولوجي، تحالفنا مع «العدالة والتنمية» سياسياً لكن إيديولوجياً هناك اختلاف في عدد من القضايا المجتمعية وهو أمر لا يجب السكوت عنه».